المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
محطة إذاعة الجيش في تل أبيب. (ذي ماركر)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 24
  • شيرين يونس

بعد خمسة وسبعين عاما على إقامتها، تواجه إذاعة الجيش الإسرائيلي ("غالي تساهل") خطر إغلاقها النهائي بعد أن أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني الجاري قراراً يقضي بإغلاقها حتى الأول من آذار المقبل. ووفق كاتس سيتم الإجراء بعد اتخاذ قرار في الحكومة الإسرائيلية وبدء عمل لجنة خاصة على تطبيقه، فيما يبرر القرار بأن الإذاعة باتت في بعض الأحيان منبرا لإعلاء الأصوات المعارضة للجيش أو التي تهاجم أداءه وجنوده، مشيرا إلى أن الإذاعة تسببت بالمس بالجنود وعائلاتهم خلال الحرب وفسر بعض محتواها من جانب جهات "معادية" بأنه يمثل الجيش وذلك خلافا للرؤية الأساسية التي أقيمت إذاعة الجيش وفقا لها.

تأسست إذاعة الجيش بقرار صدر عن الحكومة الإسرائيلية بزعامة دافيد بن غوريون في أيلول من العام 1950 كجزء من مؤسسات قسم الموارد البشرية في الجيش، وقد حدد لها هدفان أساسيان هما أن تكون منبر تواصل قوات الجيش في الخدمة النظامية والاحتياط إلى جانب كونها وسيلة لجذب الشباب إلى الجيش وبث محتوى تربوي وتشجيع استيعاب القادمين الجدد، فيما حظيت بمكانتها كإذاعة رسمية العام 1965 ضمن قانون سلطة البث (هيئة البث لاحقاً).

على مدار نحو عشرين عاماً ظلّت إذاعة الجيش ملتزمة بالأهداف التي حدّدت لبثها مع انطلاقها، بما في ذلك بث برامج موجهة للجنود وعائلاتهم والبرامج الموسيقية إلى أن جاءت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 (حرب يوم الغفران) التي تحولت الإذاعة بعدها للبث على مدار الساعة وإضافة برامج إخبارية لجدولها. ومع هذا التحول انطلق الصراع على محتوى إذاعة الجيش وما تقدمه إلى جمهورها العريض مع الإبقاء على مراقبة سلطة البث ومسؤوليتها على المحتوى الإخباري في إذاعة الجيش.

في العام 1993 أطلقت إذاعة الجيش موجة ثانية من البث تختص بالموسيقى والاطلاع على أحوال الطرق بالتعاون مع السلطة للأمان على الطرق وحظيت هذه الموجة أيضا بتفاعل ونسب استماع من أوساط من الإسرائيليين، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الموجة غير مشمولة بقرار الوزير كاتس الجديد.

عقود حافلة بمحاولات الإغلاق

على مدار العقود الماضية منذ تأسيسها شكلت إذاعة الجيش جزءا من النقاش في الأروقة الرسمية بشأن جدوى وجودها والمحتوى الذي تقدمه خاصة مع تعزيز المحتوى الإخباري فيها والبرامج السياسية التي شملت توجيه انتقادات للسياسيين، إلى جانب انضمام عدد من الصحافيين البارزين إلى صفوفها، وبقيت نقطة الانطلاق الأساسية في تلك النقاشات من الهدف الرئيس من إنشاء الإذاعة وهل لا تزال تحافظ عليه وتنجح في تحييد الجيش عن القضايا السياسية، وهل من الجدير بالفعل أن يكون للجنود دور في العمل الصحافي والـتاثير في بلورة الرأي العام.

في ما يلي بعض خلاصات تلك النقاشات:

- العام 1953: ترأس الوزير بنحاس لافون لجنة لفحص احتمال إغلاق الإذاعة أو دمجها في الإذاعة الرسمية العامة ("صوت إسرائيل") ولم تخرج اللجنة بتوصيات واضحة.

- خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ازداد النقاش في الأوساط السياسية والصحافية بشأن ضرورة عدم إقحام إذاعة الجيش بالقضايا السياسية العامة، وفي العام 1977 دعا وزير الدفاع الأسبق عيزر فايتسمان لإغلاق المحتوى الإخباري والنشرات التي أطلقت بعد حرب أكتوبر 1973 لكن اعتراض رئيس هيئة الأركان آنذاك موطي غور حال دون تنفيذ الخطوة.

- 1984: خطط رئيس هيئة الأركان العامة موشي ليفي لوقف بث النشرات الإخبارية المفصلة وتقليص موازنة الإذاعة وعدد العاملين فيها لكن الخطة ألغيت بفعل ضغوط مارسها نواب في الكنيست ولجنة الموظفين في سلطة البث (المسؤولة عن المضامين الإخبارية في الإذاعة).

- 1990-1991: فحص رئيس هيئة الأركان الأسبق إيهود باراك احتمال إغلاق إذاعة الجيش أو تحويلها لمسؤولية وزارة التربية والتعليم ضمن خطته لتقليص موازنات كل ما هو ليس "عسكريا" لكن ضغوطا منعت هذا المخطط هذه المرة أيضا.

- 1997: أوصت لجنة خاصة بفحص بنية البث الرسمي العام (لجنة تسوكرمان) باستمرار بث الإذاعة كوحدة عسكرية مع دمج دورها ضمن "قانون البث العام" .

- 1999: أعلن رئيس هيئة الأركان العامة في حينه شاؤول موفاز نية فحص إمكانية خصخصة الإذاعة لكنه لم يتقدم بخطوات عملية بهذا الاتجاه.

-  2000: أوصت لجنة خاصة بدمج إذاعة الجيش بالإذاعة العامة (صوت إسرائيل).

- 2011: أوصت لجنة برئاسة رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم بإبقاء إذاعة الجيش ضمن الجيش شرط تشديد الرقابة على مضامينها من خلال سلطة البث.

- 2015: اقترح رئيس هيئة الأركان العامة غادي آيزنكوت اخراج الإذاعة من مسؤولية الجيش لكنه تراجع عن ذلك لاحقا.

- 2016: أوصت لجنة عينها وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان بإبقاء إذاعة الجيش ضمن الجيش أو تحويلها لهيئة البث، وحاول ليبرمان تحويلها لوزارة الدفاع لكن كل تلك المحاولات انتهت بالإبقاء على الوضع القائم.

- 2018: خلال ولاية بيني غانتس في وزارة الدفاع أوصت لجنة خاصة بأربعة احتمالات بين الإغلاق والخصخصة والدمج أو التحويل لوزارة الدفاع ولم يتخذ أي قرار رسمي بهذا الشأن.

- 2020: طالب رئيس هيئة الأركان العامة الأسبق أفيف كوخافي الوزير غانتس بإغلاق الإذاعة أو إخراج موظفيها العسكريين وتحويلها لإذاعة مدنية.

- 2023: أخرج وزير الدفاع يوآف غالانت جزءا من توصيات لجنة عينها إلى حيز التنفيذ وشهدت الإذاعة تقليصا محدودا في حيز المضامين الإخبارية.

على الرغم من أن غالانت تبنى توصيات اللجنة الخاصة فإن خليفته في وزارة الدفاع يسرائيل كاتس لم يكتف بهذه الإجراءات وعين لجنة خاصة خلال العام 2025 لفحص نشاط إذاعة الجيش، وقالت وسائل إعلام في حينها إن هوية أعضاء اللجنة التي عينها كاتس لم تبق مجالا للشك بأن الاتجاه سيكون نحو التوصية بإغلاق هذه الإذاعة، وهو ما أعلنه كاتس فعلياً بعد الاطلاع على توصيات اللجنة التي خيرته بين إغلاق مركز الأخبار أو إغلاق الإذاعة بشكل كامل.

وفق ردود الفعل الأولية على قرار يسرائيل كاتس يبدو واضحاً أن المسألة لن تمر بسلاسة على الرغم مما يبدو أنه المسار الأكثر جدية لإغلاق إذاعة الجيش منذ تأسيسها. ومن المتوقع أن تصل القضية إلى أروقة المحكمة الإسرائيلية العليا إن تحولت إلى قرار حكومي رسمي، فقائد الإذاعة طال ليف رام قال إن القرار اتخذ من دون إطلاع الإدارة على حيثيات توصيات اللجنة، وشدد على أن اللجنة غير محايدة، فيما قال القائد الأسبق للإذاعة نحمان شاي إن القرار غبي ويأتي في توقيت سيء ويهدف إلى اقتلاع عضو أساس ومهم في الإعلام الإسرائيلي، بينما قالت نقابة الصحافيين إنها ستعارض هذا القرار حتى إبطاله. كل ذلك إلى جانب الموقف العام للمستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف- ميارا التي قالت إن إغلاق الإذاعة يثير مخاوف من تدخل سياسي في البث العام ويطرح تساؤلات عن المس بحرية التعبير وحرية الصحافة.

في إطار تحليل الإقدام على هذه الخطوة يرجح صحافيون كثر أن كاتس يحاول مخاطبة قاعدة اليمين الانتخابية من جهة والتجاوب مع رغبة بنيامين نتنياهو من جهة ثانية، خاصة وأن نتنياهو بات يشن هجوماً واضحاً على الإذاعة خلال الأعوام الأخيرة بسبب التغيرات التي طرأت على برامجها الإخبارية والانتقادات التي وجهت لحكومته من خلالها إلى جانب استبعاد صحافيين مقربين منه من الإذاعة. وفي هذا الإطار قال المحلل الصحافي يوسي فيرتر ("هآرتس") إن مصير إذاعة الجيش حُدّد في شباط من العام 2022 مع إطاحة المذيع يعقوب باردوغو من الإذاعة، وهو الذي يعد بوقاً لنتنياهو وداعماً أساسياً لسياسته. منذ ذلك الحين اعتاد نتنياهو انتقاد الإذاعة بدعوى انحيازها للطرف المعارض له.

أما الصحافي رون بن يشاي ("يديعوت أحرونوت") الذي شغل هو نفسه منصب قائد إذاعة الجيش قبل عقود، فقال ان الدافع الأساس هو زيادة سيطرة الائتلاف الحكومي على المحتوى الإخباري خاصة وأن المضامين السياسية التي تخرج عن إذاعة الجيش لا تروق للائتلاف، كما يقول.

وعلى الرغم من أن قرار كاتس إغلاق إذاعة الجيش الإسرائيلي لم يأت من فراغ بل تداولته لجان ومسؤولون طوال العقود الماضية كما ذكرنا، فقد أثار جدلا واسعا في أوساط الإسرائيليين هذه المرة، ربما لحسبانه على الانقلاب الذي تؤسس له الحكومة الإسرائيلية ويستهدف المؤسسات الرسمية. كما أن التعامل الشعبي معه عكس حالة الانقسام في الشارع الإسرائيلي ومظاهر التصدع العام، بينما أظهر استطلاع القناة الثانية عشرة أن ثلاثة وأربعين بالمائة من الإسرائيليين يعارضون إغلاق الإذاعة مقابل واحد وثلاثين بالمائة أيدوا القرار، وأجاب خمسون بالمائة بأن القرار نابع من دوافع سياسية وقال سبعة وعشرون بالمائة إن الدوافع موضوعية، في المقابل قال استطلاع القناة الرابعة عشرة المقربة من نتنياهو إن خمسة وخمسين بالمائة من الإسرائيليين يؤيدون إغلاق إذاعة الجيش واثنين وأربعين بالمائة يعارضونه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات