المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
دمار خلفته هجمة صاروخية لحزب الله على إسرائيل. (أرشيفية/ وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 24
  • هشام نفاع

ناقشت لجنة رقابة الدولة في الكنيست الإسرائيلي تقرير مراقب الدولة الأخير حول أداء الحكومة في المجال المدني خلال الحرب على قطاع غزة. وقد فشل في ختام الجلسة إقرار اقتراح تشكيل "لجنة تحقيق رسمية" بسبب معارضة أغلبية الائتلاف الحكومي. وأشار رئيس اللجنة إلى أن تقرير المراقب يكشف فشلاً متواصلاً في استعدادات الدولة منذ حرب لبنان الثانية، إذ لم تُستثمر الموارد ولم تُستخلص الدروس، ولم يُنشأ جهاز فعّال لإدارة "الجبهة الداخلية" خلال الطوارئ.

أعضاء كنيست من المعارضة انتقدوا غياب الحكومة وتخليها عن مسؤولياتها لصالح المجتمع المدني والسلطات المحلية. وأكدوا أن التقرير يجب أن يكون أداة لتصحيح السياسات لا مجرد وثيقة شكلية. في المقابل، شدّد بعض أعضاء الائتلاف على ضرورة تشكيل لجنة تحقيق رسمية بتوافق واسع وليس بقرار من المحكمة العليا.

"كيف يمكن للدولة أن تعمل هكذا؟ لن نتجنب الكارثة القادمة"

رئيس اللجنة ميكي ليفي (من حزب "يوجد مستقبل") قال في كلمته إن: "هذه أكبر مأساة عرفها شعبنا منذ الهولوكوست. ذبح 1200 مدني في مجزرة السابع من أكتوبر 2023 حيث بدأت أطول حرب في تاريخ الدولة. تقرير مراقب الدولة يفحص الإدارة الحكومية للمجال المدني خلال الحرب، بما في ذلك مسؤولية الحكومة، وهيئة الأمن القومي وقيادة الطوارئ الوطنية (الجبهة الداخلية)، وأجهزة أخرى. يشير التقرير إلى فشل متواصل في الاستعداد: على مدى 17 عاما منذ حرب لبنان الثانية لم تستثمر الموارد بشكل مناسب، ولم تستخلص دروس مهمة ولم ينشأ جهاز حكومي فاعل لإدارة الجبهة الداخلية خلال الطوارئ. في يوم اندلاع الحرب، كانت آليات الاستجابة للمواطنين مبعثرة، بدون جهة مركزية مسؤولة، وبدون آلية قرار تشغيلية متمثلة بصلاحيات تنفيذ واضحة".

وشدد ليفي على كون "التقرير يحمل المسؤولية الشخصية لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولرئيس مكتب رئيس الحكومة السابق يوسي شيلي، الذي تم انتقاده لإدارته منتدى المديرين العامين بلا خطة ولا قرارات ولا استنتاجات بدون مركز موجه لإدارة الجبهة الداخلية. وكذلك فإن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لم يمارس صلاحياته كمدير للجنة الوزارية للشؤون الاجتماعية والاقتصادية، ولم يقم بإنشاء غرفة عمليات مدنية وفقا للقرار، ولم يبدأ بعمله الكامل لصالح الإدارة المدنية أثناء الحرب. لقد تساءلت مرارا: من هو الجهاز المنسق؟ وغالبا لم أتلق جوابا. كيف يمكن للدولة أن تعمل هكذا؟ لن نتجنب الكارثة القادمة، وإذا حدثت، كيف سنتعامل معها؟ الحكومة لم تتعلم من الماضي. لقد حان الوقت لتشكيل لجنة تحقيق رسمية كما ينص القانون وكما فعلت اللجنة هنا سابقا التي أسست لجان تحقيق. حان الوقت للفحص العميق وتحميل المسؤوليات".

 وكان مكتب مراقب الدولة نشر تقريره ضمن سلسلة التقارير حول أداء الحكومة في الاستجابة للحاجات المدنية خلال الحرب على قطاع غزة. ويتناول جوانب عدة من التقصير والإخفاق في قطاعات ترتبط بسير الحياة المدنية، وخصص فقرة واسعة عدد فيها أسماء المسؤولين السياسيين والعسكريين خلال الحرب، بما يشمل رئيس الحكومة ووزيري المالية والدفاع وسابقيهم قبل الحرب.

وجاء في مقدمته: "أدت حرب ’السيوف الحديدية’ إلى أضرار جسيمة وغير مسبوقة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. في أعقاب إطلاق الصواريخ والقذائف المكثفة على الأراضي الإسرائيلية من عدة جبهات قتالية، اضطر مئات الآلاف من السكان إلى مغادرة منازلهم في عشرات البلدات في منطقتين من البلاد في الشمال والجنوب؛ وتم تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط للخدمة الاحتياطية الممتدة؛ وواجه أصحاب المصالح التجارية صعوبات؛ وتضرر العديد من السكان بشكل كبير - جسدياً ونفسياً؛ وتم اكتشاف صعوبات في التشغيل الكامل والمتواصل لجهاز التعليم وسط السكان الذين تم إجلاؤهم، وغيرها".

"المجتمع المدني قام بدور لم تقم به الحكومة التي لم تكن موجودة"

قالت عضو الكنيست كارين إلهرار خلال الجلسة: "التقرير يسلط الضوء على ما حدث، ولكن الأهم هو ما لم يحدث. المجتمع المدني قام بدور لم تقم به الحكومة، والآن يشنون ضده إجراءات تقويض وتجفيف". عضو الكنيست ياعيل رون بن موشيه واصلت النقد نفسه بالقول إن: "السلطات المحلية تعاونت، لكن شعور السكان كان أن الحكومة لم تكن موجودة، وما زالت كذلك".

عضو الكنيست ألون شوستر أشار إلى أنه : "من تجربتي كنائب سابق لوزير الدفاع، رأيت الصعوبة الكبيرة في اتخاذ قرار واضح وربط السلطة التنفيذية والإرادة المؤسسية، وهذا ما لم يتحقق". في حين اعتبر عضو الكنيست مئير كوهين: "هذا التقرير يصرخ للسماء. يجب أن تكون تقارير مراقب الدولة جزءا من خطط عمل الحكومة، وليس مجرد ذكرها في وثيقة بل بعمل فعلي".​ وأضافت عضو الكنيست أفرات رايتين ماروم: "عندما يصف رئيس الحكومة تقرير مراقب الدولة بتعليق جانبي، فهذا تقليل من حياة الإنسان".

في النقاش حول إقامة لجنة تحقيق، أعلن عضو الكنيست أوشر شكاليم من الائتلاف الحاكم: "لن أسمح بأن يتم تعيين لجنة تحقيق رسمية من قبل المحكمة العليا بدون ثقة الشعب. يجب تعيين لجنة تحقيق رسمية باتفاق واسع تلبي معايير القانون".

 أما ممثل هيئة الأمن القومي في الجلسة فقال إن مهمته تقتصر فقط على المجال الأمني والسياسي، ولا يملك الصلاحيات أو الهيئات أو الأدوات المؤسسية للتعامل مع القضايا المدنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. وأضاف أن الهيئة غير مجهزة لتنسيق أجهزة الحكومة المدنية في حالة الطوارئ، ولا تمتلك الموارد أو الميزانيات لإدارة السكان أو الرفاه أو التوظيف. واختتم: "لقد تم إنشاء الهيئة كهيئة استشارية سياسية وأمنية لرئيس الحكومة، وليس كهيئة إدارية تنفيذية. نحن وجدنا أنفسنا نتعامل مع قضايا الرفاه والإسكان والاقتصاد، وهذه ببساطة ليست ضمن أدواتنا".

ومثله تحدث ممثل "السلطة الوطنية للطوارئ" فقال إنه لا يملك صلاحية رسمية لتوجيه وزارات الحكومة أثناء الطوارئ، ولهذا لا يمكنه تنسيق النشاط المدني بشكل فعلي في الوقت الحقيقي. ووصف كيف أنه خلال الأيام الأولى للحرب جرت مئات المراسلات بين الوزارات المختلفة ولكن من دون وجود جهة مركزية تنسق بين البيانات والاحتياجات والردود للسلطات المحلية. "لا نملك صلاحية لتوجيه الوزارات، وحتى لا توجد ميزانية لتشغيل المشاريع. عمليا نستطيع فقط تقديم التوصية. بهذا الشكل لا يمكن إدارة أزمة وطنية"، شدّد مختتماً.​

تقليصات تهدد مراكز الحصانة النفسية والمجتمعية في الشمال

​​هذا النقاش تزامن مع بحث آخر في لجنة الصحة في الكنيست ضمن جلسة مشتركة مع لجنة الرقابة، بخصوص السيرورات المطلوبة لتذليل العوائق في موضوع تمويل مراكز الحصانة في الشمال للعام 2026.

وفقاً لتعريف هذه المراكز على موقع وزارة الصحة، فهي تعمل تحت إشراف الوزارة، وبالتعاون مع وزارات حكومية أخرى، منها: مكتب رئيس الحكومة، التأمين الوطني، وزارة المالية، وزارة الدفاع، وزارة الرفاه، وزارة التربية والتعليم، وزارة الهجرة، وزارة الداخلية ووزارة الأمن الداخلي (القومي). وتعمل هذه المراكز بالتنسيق الوثيق مع السلطات المحلية، حيث تقدم استجابة على المستوى المجتمعي، المحلي والعلاجي. 

وجاءت إقامتها بحسب الوزارة انطلاقاً من أن الحصانة النفسيّة والمجتمعيّة تتكوّن من عدة مجالات مترابطة ارتباطاً وثيقاً فيما بينها، وهي: الحصانة النفسيّة، الحصانة المجتمعيّة، وحصانة السلطة المحلية أو التجمع الإقليمي الذي يقيم فيه الفرد. وأن تعزيز الروابط داخل المجتمع من خلال المشاركة في الدورات التدريبية، ورشات العمل التي تعزز مهارات التعامل مع الأزمات، والانخراط في العمل التطوعي، إلى جانب قدرة السلطات المحلية على تقديم الدعم في أوقات الروتين والطوارئ، يساهم في تعزيز الحصانة النفسيّة لكل فرد. وكذلك بكون الحصول على الدعم العاطفي في أقرب وقت ممكن خلال الأزمات وفي أوقات الطوارئ يساعد في تقليل الضيق النفسي ويساهم في العودة السريعة إلى الأداء الطبيعي.

تعمل في الشمال عشرة مراكز حصانة تخدم 557 ألف نسمة في 38 سلطة محلية، وفقاً للمعطيات الرسمية شارك في السنوات الأخيرة حوالي 90 ألف شخص في ورشات عمل للحصانة المجتمعية، بالإضافة إلى نحو 7200 حالة علاج فردي. ومن المتوقع استمرار زيادة الطلب على الدعم النفسي لمتضرري "الصدمات الوطنية في الموجة الثانية" في السنوات الثلاث المقبلة، بما يقارب 50 ألف شخص. وعلى الرغم من هذا فمن المتوقع في العام المقبل تقليص الميزانية بحوالي 3 ملايين شيكل من ميزانية 2025 التي كانت قد وصلت إلى نحو 24 مليون شيكل.

رئيس لجنة الصحة، عضو الكنيست يوناتان مشرقي (شاس)، شدّد على أهمية عمل هذه المراكز وضرورة تخصيص ميزانية واضحة للسنة المقبلة، وقال إن خدمات مراكز الحصانة لا يجب أن تتأثر بأجواء الحرب الحالية. وقال عضو الكنيست ميخائيل بيطان، رئيس لجنة الرقابة، إن هناك إجماعا بين الكتل السياسية على أهمية دعم هذه المراكز، وذكر أن المراكز في الشمال كانت تعتمد سابقا على تبرعات، ثم تم تمويلها من ميزانية الدولة، مؤكدا أن علاج المتضررين من الصدمات سيستمر سنوات، وأن توافر المراكز والمعالجين ضروري لمنع تفاقم الأضرار.

هذا التقليص في واحد من قطاعات الصحة ليس وحيداً

مدير قسم المجتمع في شبكة الجليل الغربي، أوري فريدلاند، شدّد على نشاط المراكز في جميع السلطات المحلية وأبدى قلقه من تقليل التمويل في العام المقبل. وذكر دوف جالر، مطور الخدمات الاجتماعية في الجليل الشرقي، ضرورة استمرار التمويل كما كان سابقا للحفاظ على جودة الدعم العلاجي. رئيس مجلس (مستوطنات) منطقة الجولان أوري كالنير، قال إن مركز الحصانة في الجولان قدم حوالي 600 جلسة علاج، ومركز (مستوطنة) كاتسرين قدم 300 جلسة أخرى لعدد سكان يبلغ حوالي 20 ألف نسمة.

مديرة قسم الحصانة في وزارة الصحة، بيلا بن غيرشون، أكدت على وجود تأكيد للميزانية للمراكز بمبلغ حوالي 20 مليون شيكل، في حين قالت ممثلة وزارة المالية إن التمويل المقرر سيُصرف كما هو مقرر ويمكن تحويل جزء منه إلى مراكز الحصانة. وقررت اللجنتان توجيه طلب عاجل إلى الوزير زئيف إلكين لضمان وضوح التمويل بالنسبة للعاملين والسكان في الشمال، وطالبتا بصرف كافة الميزانيات اللازمة لتشغيل مراكز الحصانة في الشمال لعام 2026 في أسرع وقت ممكن.

هذا التقليص المحتمل في واحد من قطاعات الصحة ليس وحيداً، فقد سبق أن عقدت لجنة الصحة في الكنيست جلسة لبحث نية الحكومة تقليص 100 مليون شيكل من ميزانية "سلة الخدمات الصحية"، ما أثار معارضة واسعة من أعضاء الكنيست وممثلي منظمات المرضى. ودعا رئيس اللجنة إلى الإبقاء على الإضافة كاملة والبحث عن مصادر تمويل بديلة. وحذّرت عضو الكنيست تاتيانا مازارسكي من أن التقليص سيحرم مئات آلاف المرضى من أدوية وعلاجات منقذة للحياة.

مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست شدد على أن التطور المستمر في مجال تكنولوجيا الصحة يفرض تحديث سلة الخدمات الصحية، لكن القانون لم يحدد آلية لتوسيعها وإدخال أدوية وتقنيات جديدة. ومع ذلك، وبفعل احتجاجات شعبية، منذ العام 1998، وضعت كل عام (باستثناء 2003) ميزانية سنوية لتوسيع السلة، ويطلق على ذلك "تحديث تكنولوجي"، وقد بلغت العام 2023 نحو 650 مليون شيكل، مقابل 500 مليون شيكل في كل من الأعوام 2017–2021. أما الآن فيُخطّط لتقليص 100 مليون شيكل، وإعادة التحديث إلى 500 مليون شيكل فقط.

ممثلو جمعيات طبية حذروا من أن تقليص التمويل سوف يؤدي إلى ارتفاع في الوفيات وأعباء تمريضية هائلة، معتبرين القرار بمثابة "حكم إعدام" للمرضى. كما شدد رئيس منظمة الأطباء الدكتور زئيف فيلدمان على ضرورة تحديد زيادة سنوية ثابتة بنسبة 1.5% في ميزانية الأدوية والتقنيات، بينما برّرت ممثلة عن وزارة المالية التقليص المزمع بأنه نابع من قرار حكومي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات