المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
آثار دمار خلّفه هجوم صاروخي من إيران على إسرائيل، في منطقة بئر السبع، يوم 24 حزيران. الجاري. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 60
  • برهوم جرايسي

بدأ في الأيام القليلة الأخيرة، جدل حاد، وفق وصف الصحافة الإسرائيلية، بين قيادة الجيش الاسرائيلي، ووزارة المالية، حول الميزانية الاستثنائية التي يطلبها الجيش في أعقاب الحرب على غزة، إذ يطالب حاليا بأكثر من 17 مليار دولار، نصفها للعام الجاري، في حين تطالب وزارة المالية الجيش بإعادة هيكلة ميزانيته، في أعقاب ما تراه بـ "زوال التهديد الإيراني". وفي خضم هذا، ما زالت التقارير الإسرائيلية متباينة، بشأن حجم الخسائر الاقتصادية والمالية، الناجمة عن الحرب على إيران، وتكبد الجبهة الداخلية حجم دمار لم تعرفه إسرائيل من قبل. ورغم هذا، تشير التقارير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتضرر من هذه الحرب القصيرة زمنيا، لا بل شجعت أسواق المال الإسرائيلية، في حين واصل الشيكل تعزيز مكانته أمام الدولار، وسائر العملات العالمية.

الخسائر المدنية وحال الاقتصاد

تجمع التقارير الاقتصادية الإسرائيلية على أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتضرر بالمجمل، سوى في قطاعات محدودة، خاصة السياحة والنقل الجوي، التي كانت متضررة لحد ما، قبل شن الحرب على إيران، بفعل الحرب على قطاع غزة، والأجواء الحربية التي تفرضها إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط.

لكن كان من اللافت، أن أسواق المال الإسرائيلية كانت تسجل ارتفاعات غير مسبوقة، خلال أيام الحرب الـ 12، وحتى أن أسبوع الحرب الأول، سجّل ارتفاعا في البورصات الإسرائيلية، لم تشهده أسواق المال الإسرائيلية منذ أزمة الكورونا، كما أن قيمة الشيكل تعززت في أسبوع الحرب الأول بنسبة وصلت إلى 3%، وواصل بالارتفاع حتى بلغ نسبة 8%، في نهاية الأسبوع الماضي، وباتت قيمته أمام الدولار في محيط 3.4 شيكل للدولار. وليس الدولار وحده، بل كما ذكر، أمام سائر العملات العالمية، خاصة اليورو والجنيه الإسترليني.

وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الاسرائيلية "إن وزارة المالية وبنك إسرائيل يتوقعان أن يؤدي انتهاء الحرب على إيران إلى انخفاض في علاوة المخاطر لإسرائيل وانتعاش اقتصادي سريع، مما سيعوض التجاوزات الميزانية الناتجة عن تكاليف الحرب. ومع ذلك، في هذه المرحلة، لا يزال من غير الممكن تقدير متى وإلى أي مدى سيحدث ذلك".

وتابعت الصحيفة: "حتى بضعة أشهر مضت، قدر بنك إسرائيل أن كلفة الحرب منذ 7 أكتوبر ستبلغ 250 مليار شيكل، منها 40 مليار شيكل بسبب خسارة الإيرادات، لكنهم اكتشفوا أنه لم يكن هناك انخفاض في الإيرادات. ونظرا لأن الأضرار الناجمة عن الحرب مع إيران كانت أقل من المتوقع، فهناك أمل في ألا يتم تجاوز هدف العجز هذا العام. ومع ذلك، فإن هذا مشروط أيضا بمسألة ما إذا كان القتال في غزة سيستمر بكثافة عالية".

وعلى صعيد الأضرار المدنية، فقد تكبدت إسرائيل حجم أضرار لم تشهده منذ 77 عاما، بفعل الصواريخ الإيرانية، ففي حين قال آخر تقرير لسلطة الضرائب، أنها تلقت ما يلامس 42 ألف طلب تعويض، إلا أنه استنادا للتقارير الإسرائيلية، فإن هذا العدد قد يرتفع بآلاف الطلبات الأخرى، مع استكمال تلقي كافة الطلبات، المتعلقة بانهيار المباني، أو تضررها جزئيا، وخسائر بالممتلكات، وكل هذا لا يشمل خسائر بنى تحتية بملكية الدولة.

ومن أبرز الخسائر التي جرى الحديث عنها في الصحافة الإسرائيلية، كان قصف مستشفى "سوروكا" في مدينة بئر السبع، كبرى مدن الجنوب، إذ خصصت الحكومة، في المرحلة الأولى مليار شيكل (قرابة 290 مليون دولار)، لإصلاح الأضرار وإعادة تأهيله، لكن هذه الميزانية قد لا تكون كافية، كذلك فإن مبلغا أقل بقليل من هذا سيتم تحويله إلى معهد الأبحاث الإسرائيلي البارز، "معهد وايزمان".

الجيش يطالب بـ 17 مليار دولار إضافية

قالت تقارير إسرائيلية، الأسبوع الماضي، إن الجيش الإسرائيلي يطالب حكومته بزيادة ميزانية بنحو 60 مليار شيكل، وهو ما يعادل حوالي 17.2 مليار دولار، نصفها تدخل في ميزانية العام الجاري، التي هي أصلا تبلغ 121 مليار شيكل، قبل الزيادات المتوقعة، في حين أن ميزانية الجيش في العام الماضي 2024، بلغت 172 مليار شيكل، وهي الأعلى في تاريخ الجيش.

كما يطالب الجيش بزيادة ميزانية استثنائية، بالقسم الثاني من الطلب الأساسي، بمعنى 30 مليار شيكل، لصرفها في العام المقبل 2026، من أجل تمويل إعادة ملء مخزون الأسلحة والذخيرة، التي تم صبها على إيران، خلال 12 يوما من الحرب، وأيضا من أجل تمويل استيعاب عشرات آلاف جنود الاحتياط، خاصة للحرب على قطاع غزة والضفة الغربية.

إلا أنه حسب تقارير أخرى، فإن الطاقم المهني في وزارة المالية الإسرائيلية يتحفظ من هذا الطلب، ويطالب أولا بإعادة هيكلة ميزانية الجيش العامة، واستغلال ما هو موجود، من خلال إعادة جدولة الصرف، والتوفير في الصرف الذي تراه وزارة المالية زائدا، والقصد هنا، الصرف على الرواتب والامتيازات، وحقوق التقاعد المفرطة، لكبار ضباط الجيش.

ويقول المحلل الاقتصادي، سامي بيرتس، في صحيفة "ذي ماركر"، إن الحملة ضد إيران انتهت في خضم صراع محتدم على ميزانية الجيش بين المؤسسة الأمنية ووزارة المالية. حتى قبل الحرب ضد إيران، كان من الواضح أن الافتراضات الأساسية التي أعدّت على أساسها ميزانية الجيش غير ذات صلة، لسببين: عملية "عربات جدعون" في غزة، التي زادت عدد جنود الاحتياط المجندين بعشرات الآلاف عما كان مخططا له، وشراء كميات كبيرة من الأسلحة، بعضها لم ينفّذ إلا خلال العامين التاليين.

وتابع: أدى شن الحرب ضد إيران إلى زيادة الإنفاق العسكري، نظرا للتكاليف الباهظة للصواريخ الاعتراضية، وتسليح سلاح الجو، والوقود، وجنود الاحتياط المجندين في ضوء زيادة الاستعداد العسكري في جميع القطاعات. عشية الحرب في إيران، كان لدى الجيش حوالي 100 ألف جندي احتياطي، واليوم يجري تجنيد حوالي 150 ألف جندي احتياطي. وضعت ميزانية الجيش بناء على افتراض أن متوسط ​​عدد جنود الاحتياط على مدار العام سيكون 50 ألف جندي. وتقدّر المؤسسة الأمنية التكلفة الإضافية للإنفاق العسكري نتيجة لهذه الأحداث بنحو 30 مليار شيكل هذا العام، بالإضافة إلى من 25 مليارا إلى 30 مليار شيكل تدفع في العام 2026. في المقابل، تقدّر شعبة الموازنة في وزارة المالية، برئاسة يوغيف غيردوس، التكلفة الإضافية للإنفاق العسكري بـ 16 مليار شيكل فقط هذا العام.

ويقول بيرتس إن التكلفة النهائية تعتمد إلى حد كبير على تطورات القتال في غزة. وأضاف أن وزارة المالية ترفض تخصيص هذه المبالغ، وتوقف المشتريات العسكرية، بما في ذلك مئات الصواريخ التي كان من المفترض أن تصل إلى إسرائيل في الأسابيع المقبلة، وأن تستخدم فورا في غزة. وترى مصادر في وزارة المالية أن مطالب الجيش "وهمية".

وقالت صحيفة "ذي ماركر" إن الجدل لا يقتصر بين الوزارات على الأرقام فحسب، بل يدور أيضا حول المبدأ الذي كان سائدا في الماضي، والذي يقضي بشراء الأسلحة والصواريخ الاعتراضية، ورفع مستوى المخزون إلى مستوى ما قبل الحرب. تعارض وزارة المالية هذا القرار لأسباب تتعلق بالميزانية، وخشية تجاوز هدف العجز، المحدد بنسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، ولأن الواقع الأمني ​​قد تغير بشكل كبير، ولذلك لا ترى وزارة المالية حاجة للعودة إلى مستويات المخزون السابقة.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، إن الخلاف بين وزارتي المالية والجيش حول زيادة ميزانية الجيش لهذا العام والسنوات المقبلة، "نتيجة حرب الأيام الاثني عشر مع إيران، لا يتعلق بالأرقام، بل هو خلاف حول الاستراتيجية الوطنية: هل نواصل الاستعدادات لحروب أبدية أم نعود إلى بناء إسرائيل اقتصادا رائدا ومجتمعا مفتوحا؟".

ويقول الخبير الاقتصادي إيلان باتو، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، وهو من كان المسؤول الأسبق في وزارة المالية عن ميزانية الجيش، ولاحقا مستشارا لرؤساء حكومات إسرائيلية، واليوم يعمل في قطاع الاقتصاد الخاص، إنه لم يعد الاقتصاد بحاجة إلى تمويل الإنفاق العسكري في السنوات المقبلة، والذي يمثل 7% وحتى 8% من الناتج المحلي الإجمالي (والحديث هنا عما بين 40 مليار إلى 46 مليار دولار سنويا). إذ من الضروري توفير الموارد للاستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم، من أجل تعزيز إنتاجية العمل وتحفيز النمو، بدون تعميق العجز وبدون تفاقم الديون.

ويتابع أن ما تم إنجازه في الماضي، منذ العام 1985 وما بعده، يمكن إنجازه الآن أيضا؛ "أعيدوا ميزانية الجيش إلى مسارها الصحيح. آمل حقا أن يفهم الوزير بتسلئيل سموتريتش قواعد لعبة الميزانية ودوره فيها: الاهتمام بالاقتصاد والالتزام التام بمنصب القيادة المهنية في وزارة المالية".

وردا على سؤال حول استمرار الحرب في غزة، وكلفتها البشرية والعسكرية والاقتصادية في ازدياد، يقول باتو، إن "حل أزمة غزة لا يكمن في زيادة ميزانية الجيش، بل في إنهاء وجودنا العسكري في القطاع بسرعة. أعيدوا جميع الرهائن واخرجوا؛ لا شأن للجيش الإسرائيلي هناك"!

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل, يديعوت أحرونوت, الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات