المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 28
  • وليد حباس

منذ انطلاق حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" (Make America Great Again – MAGA)  بقيادة دونالد ترامب العام 2016، شكّل شعار "أميركا أولًا" نقطة ارتكاز لإعادة صياغة السياسة الخارجية الأميركية. وقدّم ترامب نفسه آنذاك بوصفه مناهضًا للتدخلات العسكرية المكلفة التي أضعفت أميركا داخليًا، وأثقلت كاهلها ماليًا، وأضاعت هيبتها عالميًا. إلا أن تطورات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية بعد العام 2023، وما تبعها من تدخل أميركي عسكري مباشر فجر الأحد 22 حزيران 2025 بضرب ثلاثة مواقع نووية إيرانية، أدت إلى كشف التناقضات داخل حركة MAGA، وتحديدًا في ما يتعلّق بموقفها من قصف إيران، حتى لو كان في سبيل المساعدة في أمن إسرائيل. هذه المقالة تحلل خصائص التيار المناهض للتدخل داخل MAGA، وتناقش مواقفه من الحرب الجارية، وتستعرض ديناميات الانقسام الداخلي التي تعصف بالحركة.

الخصائص الأيديولوجية للتيار المناهض للتدخل داخل MAGA

تيار "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA) هو تيار سياسي يميني أميركي ارتبط أساسًا بشخص الرئيس دونالد ترامب، وقد تحوّل من مجرد شعار انتخابي العام 2016 إلى هوية أيديولوجية قائمة بذاتها تُعرف بالترامبية (Trumpism). ينتمي هذا التيار إلى الحزب الجمهوري، لكنه لا يمثل كل الجمهوريين، بل يعكس جناحًا شعبويًا وقوميًا يمينيًا داخله. يشكّل هذا التيار اليوم القوة الأساسية داخل الحزب الجمهوري، ويتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة ونافذة. يتمحور التيار حول خطاب قومي، محافظ، معادٍ للمهاجرين، ومعادٍ للنخب السياسية، ويروج لـ"الحنين" إلى أميركا ما قبل التعددية الثقافية والحقوق المدنية. ويُتهم من قِبل خصومه بأنه يستخدم خطابًا عنصريًا مموّهًا ويعزز تفوق العرق الأبيض. كما يمتد حضوره إلى الثقافة الشعبية، ووسائل التواصل، وله رمز مميز هو قبعة MAGA الحمراء. من حيث الحجم، يشكل هذا التيار اليوم كتلة انتخابية مؤثرة، يقدر حجمها بعشرات الملايين من الناخبين، وتُوصف بأنها حركة جماهيرية متماسكة أيديولوجيًا.

تشكل التيار المناهض للتدخل العسكري داخل MAGA كردّ فعل على إرث التدخلات العسكرية الأميركية، خصوصًا في العراق وأفغانستان. ويستند هذا التيار إلى ثلاثة مرتكزات أساسية.

  1. رفض "الحروب الأبدية" (Forever Wars)، وهو تعبير يُستخدم لانتقاد التورط الأميركي طويل الأمد في نزاعات لا تنتهي، وغالبًا ما تُبرَّر باعتبارات الأمن القومي، لكنها تُنتج كلفة بشرية ومادية عالية.
  2. الانكفاء الداخلي أو النزعة الانعزالية (Isolationism)، وهي رؤية ترى أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على قضاياها الداخلية كالهجرة، والأمن الحدودي، والصناعات المحلية، بدلًا من لعب دور شرطي العالم.
  3. العداء لما يُعرف بـ "الدولة العميقة" والمجمّع الصناعي العسكري، وهو اعتقاد بأن النخبة السياسية والعسكرية في واشنطن تدفع نحو الحروب خدمة لمصالح ضيقة، وغالبًا بدفع من اللوبيات الخارجية، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني.

هذا التيار لا يُمثّل مجرد ترفٍ نظري داخل حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA)، بل يعكس توجّهات فكرية وسياسية راسخة لدى شريحة واسعة من القاعدة الشعبية، خصوصًا بين فئات الشباب، والمحافظين الجدد الذين انقلبوا على النهج التدخلي التقليدي، وتبنّوا رؤية قومية انعزالية مناهضة للعولمة والتدخلات الخارجية.

وقد اكتسب هذا التيار المناهض للتدخل نفوذًا متزايدًا عبر منصات إعلامية بديلة تتمتع بجماهيرية واسعة. من أبرزها برنامج تاكر كارلسون (Tucker Carlson) الذي يُبث عبر منصات البث الرقمي بعد مغادرته قناة Fox News، ويتابعه أكثر من 6 ملايين مشاهد أسبوعيًا عبر مختلف الوسائط. كما أن ستيف بانون (Steve Bannon)، المستشار السابق لترامب ومؤسس منصة War Room، يقدّم عبر برنامجه اليومي سرديات معادية للمؤسسة العسكرية والسياسة الخارجية التقليدية، ويحقق نحو 1.5 مليون تحميل يوميًا بحسب إحصاءات Podcast Metrics للعام 2025.

إلى جانب هؤلاء، تبرز شخصيات مؤثرة مثل مارجوري تايلور غرين (Marjorie Taylor Greene)، وراند بول (Rand Paul)، وجاك بوسوبيك (Jack Posobiec)، وكلهم يستخدمون حساباتهم الواسعة الانتشار على منصات مثل X (تويتر سابقًا) وRumble، وTruth Social، لترويج موقف مبدئي ضد التورط الأميركي في الحروب، سواء في أوكرانيا أو إيران أو أي منطقة أخرى. إن ما يجمع هذه الأصوات ليس فقط النقد للحروب الأبدية، بل موقف أعمق يقوم على التشكيك في شرعية التحالفات القديمة، وعلى رأسها التحالف غير المشروط مع إسرائيل، والاعتقاد بأن هذه السياسات الخارجية تُدار من قبل نخبة لا تعبّر عن مصالح الأميركيين العاديين.

الحرب الإسرائيلية- الإيرانية ومواقف مناهضي التدخل

شكّل التصعيد بين إسرائيل وإيران بعد 2023 نقطة تحوّل في النقاش السياسي الأميركي. فمع توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية لتشمل أهدافًا في سورية والعراق ولبنان، ومع الرد الإيراني المكثّف، بدأ النقاش الداخلي في الولايات المتحدة يتأجج حول حدود الدعم لإسرائيل، واحتمالات التدخل العسكري المباشر. لكن الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة على المنشآت الإيرانية جاءت لتفجّر الانقسام داخل معسكر MAGA نفسه.  

ستيف بانون، أحد أبرز رموز هذا التيار المقربين تاريخيًا من ترامب، ورغم تحفّظه الطويل على التدخلات العسكرية، لم يعارض الضربات بشكل مباشر، بل دعا الرئيس إلى توجيه خطاب واضح لأنصار MAGA يشرح فيه مبرراته لهذا القرار المصيري، مؤكّدًا أن القاعدة الشعبية بحاجة إلى فهم منطق الحرب.

في المقابل، شنّ الجمهوري المحافظ توماس ماسي (Thomas Massie) هجومًا لاذعًا على الخطوة، واصفًا إياها بأنها "غير دستورية"، وانضم إلى عدد من الديمقراطيين التقدميين، مثل رو خانا (Ro Khanna)، في تقديم مشروع قانون يهدف إلى منع الإدارة الأميركية من الزج بالولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط من دون تفويض من الكونغرس. ودعا خانا أعضاء الكونغرس إلى العودة فورًا إلى واشنطن للتصويت على القرار، محذرًا من خطر الانجرار إلى "حرب لا نهاية لها".

أما السيناتور الديمقراطي تيم كاين (Tim Kaine)، فخطّط هو الآخر لفرض تصويت في مجلس الشيوخ على مشروع قرار يمنع الرئيس من اتخاذ أي خطوات عسكرية ضد إيران من دون تفويض تشريعي، مؤكدًا أن الشعب الأميركي يعارض الحرب. واستشهد بتصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي قال فيه إن القصف الإسرائيلي أوقف البرنامج النووي الإيراني لمدة "عامين إلى ثلاثة أعوام"، متسائلًا عن سبب تعجّل ترامب في توجيه ضربات إضافية.

يتجلى في هذا السجال انقسام حاد في السياسة الأميركية بين تيار قومي يميني مؤيد للقوة، وإن كان بحذر، وتيار تقدمي يعارض من حيث المبدأ التورط العسكري في الشرق الأوسط. وبينما يحاول ترامب إقناع قاعدته بأنه يتحرك لحماية الأمن القومي، يتصاعد في واشنطن نقاش دستوري أعمق حول حدود صلاحيات الرئيس في اتخاذ قرار الحرب.

أزمة الهوية والانقسام الداخلي في حركة MAGA

أظهر استطلاع للرأي العام أجرته مؤسسة Economist/YouGov  أن 60% من الأميركيين يعارضون تدخل الجيش الأميركي في الحرب بين إسرائيل وإيران، مقابل 16% فقط يؤيدون التدخل، و24% لم يحددوا موقفهم. ويبرز هذا الرفض للتدخل العسكري بشكل واضح عبر الانتماءات السياسية؛ إذ عبّر 65% من الديمقراطيين، و61% من المستقلين، و53% من الجمهوريين عن معارضتهم لأي تدخل أميركي مباشر.

ومع ذلك، فإن 61% من الأميركيين يرون أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدًا جديًا أو جزئيًا للولايات المتحدة. في السياق ذاته، تؤيد الأغلبية التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي، بما في ذلك 58% من الديمقراطيين و61% من الجمهوريين. وفي استطلاع آخر أجرته صحيفة واشنطن بوست، اعتبر 7 من كل 10 أميركيين أن البرنامج النووي الإيراني يمثل تهديدًا مباشرًا أو محتملًا، مع ميل أكبر لدى الجمهوريين لاعتباره تهديدًا مباشرًا مقارنة بالديمقراطيين والمستقلين.

خلاصة القول إن تيار MAGA بات يشهد في العام 2025 أزمة في التوفيق بين خطابه المعادي للتدخل الخارجي، وواقعه السياسي الداعم لإسرائيل: من جهة، يعارض التيار بقوة أي توريط عسكري في منطقة الشرق الأوسط، ويرى أن أولويات أميركا يجب أن تتركز على شؤون الداخل: الاقتصاد، الحدود، البنية التحتية، ومواجهة الصين. من جهة أخرى، لا تزال قطاعات منه تتبنى رؤية توراتية أو دينية- قومية تعتبر إسرائيل حليفًا استراتيجيًا "لا ينبغي أن يُمس".

وقد تكون هذه الأزمة إيذانًا ببروز تيار قومي انعزالي جديد داخل الحزب الجمهوري، أكثر استقلالًا عن المصالح الإسرائيلية، وأكثر التزامًا بشعارات "أميركا أولًا"، وهو ما تظهر ملامحه في خطاب شخصيات مثل J.D. Vance وVivek Ramaswamy، الذين يعارضون التدخل في أوكرانيا وإيران على حد سواء.

تشير بعض التقديرات إلى أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى إعادة إحياء التيار المحافظ القديم المعروف بالـ "Paleoconservatism"، والذي مثله بات بوكانن (Pat Buchanan) في التسعينيات، ورفض أي تدخل عسكري خارجي، ودعا إلى التركيز على الثقافة والسيادة القومية.

ما هو مؤكد أن التيار المناهض للتدخل لم يعد هامشيًا، بل بات فاعلًا في رسم خطوط الصراع داخل اليمين الأميركي، وقد يحدد مستقبل الحركة السياسية الأكثر تأثيرًا في الولايات المتحدة، لكن الأمر أيضا مشروطًا بتطور الأحداث على ضوء التدخل الأميركي في الحرب ما بين إيران وإسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

بول

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات