تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

*التفوق العسكري والتكنولوجي لدى إسرائيل لا يمنع أن تكون في حالة دونية من ناحية إستراتيجية*

تعريف
أصدر "معهد ريئوت" للتخطيط الإستراتيجي، في نهاية شهر تموز الماضي، تقريرا حول أحداث أسطول الحرية التركي والتطورات التي أعقبت ذلك تحت عنوان: "القافلة إلى غزة: كيف انهار سور النار السياسي الإسرائيلي؟". ووصف المعهد التقرير بأنه "تحقيق يستند إلى إطار مفهومي فحواه: تحدي نزع الشرعية عن إسرائيل- خلق سور النار السياسي". ويشار إلى أن "معهد ريئوت" يعنى بالجانب الفكري في مجال السياسة العامة، ويدعم عملية صناعة القرارات الإستراتيجية لحكومة إسرائيل. ويزود المعهد خدماته، من دون مقابل، للهيئات المختلفة في حكومة إسرائيل، ويتلقى تمويله من التبرعات. وكان المعهد قد أصدر تقريرًا سابقًا في إطار هذا المفهوم نفسه عقب الحرب على غزة وصدور تقرير لجنة غولدستون وقام مركز "مدار" بترجمته وإصداره ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية" (العدد رقم 51).

مدخل

لم تنته قضية أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة باعتراض قوات البحرية الإسرائيلية لسفنه، وخصوصا مهاجمة الكوماندوز البحري الإسرائيلي للسفينة "مافي مرمرة" وقتل تسعة نشطاء، ثمانية أتراك وواحد أميركي من أصل تركي، وإصابة عشرات آخرين، وإنما بدأت تفاعلات وتداعيات الهجوم الإسرائيلي على الأسطول بعد ذلك، وتمثلت في تغيير السياسة تجاه قطاع غزة، تشكيل لجان تحقيق إسرائيلية ودولية، وتزايد المطالب الدولية برفع الحصار عن قطاع غزة.

ويصف تقرير "معهد ريئوت" أسطول الحرية بأنه كان "عملية إرهابية سياسية - إستراتيجية". ويرى معدو التقرير أنه "تم التخطيط لها ضد دولة إسرائيل من دون عائق طوال 16 شهرا، وبشكل مكثف طوال خمسة شهور، وتحققت في 31 أيار العام 2010. وتعرف هذه العملية باسم ’القافلة’ وحققت نجاحا أكبر كثيرًا مما توقع المخططون لها، وألحقوا خلال ذلك ضررا ملموسا وبالغا بإسرائيل".

وجرى التخطيط لإبحار الأسطول إلى شواطئ غزة بصورة مكشوفة عبر شبكة الانترنت ومؤتمرات واجتماعات علنية، بادرت إليها منظمات غير حكومية. وذكر التقرير أن هذه المنظمات تنشط في مدن دول صديقة لإسرائيل في أنحاء العالم، مثل لندن ودبلين وسان فرانسيسكو. وأضاف أن شبكات مؤلفة من نشطاء في حركة حماس لاحظت القدرة الكامنة في القافلة "وكرست نشاطها، بنجاح، لتحقيقها، وهذا أيضا تم بصورة علنية ومن دون عائق".

ورأى معدو التقرير أن "السياق الواسع والمميز للقافلة هو منظومة العلاقات بين إسرائيل وتركيا". وركز التقرير في هذا السياق على ما ورد في تقرير طاقم التحقيق العسكري الإسرائيلي في أحداث أسطول الحرية، برئاسة اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي قال إن العلاقات بين رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، والإخوان المسلمين كان واضحا ومعروفا. ويشير الإدعاء الإسرائيلي إلى "منظمة الإغاثة الإنسانية التركية" (IHH)، التي شاركت في الأسطول واستأجرت ثلاث سفن منه. كما أشار التقرير إلى أن المشادة الكلامية بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، خلال مؤتمر دافوس في كانون الثاني من العام 2009، جاءت نتيجة لقرار أردوغان تحويل قضية غزة إلى "صخرة الخلافات" مع إسرائيل. كذلك فإن تدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا ساهم في إطلاق الأسطول. ويتبنى تقرير "معهد ريئوت" الموقف الإسرائيلي القائل إن تدهور العلاقات بين الدولتين حصل "نتيجة لتغيرات في السياسة التركية تحت قيادة أردوغان". وتجاهل التقرير أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا تدهورت على خلفية الحرب على غزة وأنه قبل الحرب كانت حكومة أردوغان لا تزال تعتبر حليفة إستراتيجية لإسرائيل وكانت تقوم بدور الوسيط في محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وسورية كانت تجري في الأراضي التركية.

واعتبر التقرير أن "القافلة هي مجرد طرف جبل الجليد. وكان هذا حدثا واحدا في إطار حملة ’شريان الحياة’ الواسعة، وتأتي في موازاة حملات أخرى جارية ضد إسرائيل في الوقت الراهن، مثل حملة المقاطعات [ضد إسرائيل] ومؤتمري ديربن [لمناهضة العنصرية] وحملة Lawfare. وجميع هذه الحملات وغيرها هي جزء من هجمة عالمية وتنظيمية لنزع الشرعية عن النموذج السياسي والاقتصادي الإسرائيلي، المستمرة منذ عدة سنوات وتغير شكلها بدون توقف. ويهدف نازعو الشرعية إلى التسبب بانهيار النموذج الصهيوني ودولة إسرائيل مثلما انهارت جنوب إفريقيا [أي نظام التفرقة العنصرية] والاتحاد السوفييتي".

وتابع التقرير أنه "تتم إدارة هجمة نزع الشرعية هذه بالتعاون بين منظومة المقاومة، التي تضم إيران وحماس وحزب الله، وبين شبكة نزع الشرعية، المنتشرة في أنحاء العالم، لكنها تتركز في عدد من المدن مثل لندن، مدريد، بروكسل، تورنتو، منطقة خليج كاليفورنيا، سيدني وجوهانسبورغ. وأمام هذه الهجمة تعاني إسرائيل من دونية مفهومية ونتائجها هي مفاجآت أساسية وخيبات أمل متكررة. وعمليا، بالإمكان تلخيص الرد الإسرائيلي على هذه الهجمة في غالب الأحيان بأنه دفاع أو حتى رد فعل بعد فوات الأوان ويكون محليا ومنحصرا في وضع معين".

وفي هذه الأثناء، هناك عدة هيئات وجهات تعمل على التحقيق في أحداث أسطول الحرية. طاقم آيلاند أنهى التحقيق العسكري الداخلي الذي أجراه الجيش الإسرائيلي ونشر جزءا من استنتاجاته. ويتوقع أن تقدم لجنة تقصي الحقائق برئاسة قاضي المحكمة العليا المتقاعد يعقوب تيركل، التي شكلتها حكومة إسرائيل، استنتاجاتها في غضون الشهور القليلة المقبلة. كذلك أعلن مراقب الدولة الإسرائيلي، ميخائيل ليندنشطراوس، أنه يعتزم إجراء تحقيق في أحداث الأسطول. إلى جانب ذلك شكل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لجنة تحقيق دولية سيشارك فيها مندوب عن كل من إسرائيل وتركيا. كما شكل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة تقصي حقائق.

ويذكر أنه في أعقاب أحداث الأسطول تم تسجيل تراجع من جانب إسرائيل فيما يتعلق بسياستها إزاء قطاع غزة، مثل توسيع قائمة البضائع الواردة إلى القطاع والموافقة على فتح معبر رفح بين القطاع ومصر. ورجح تقرير "معهد ريئوت" أن تستخلص السلطات الإسرائيلية العبر من نتائج التحقيقات لمواجهة قوافل "شريان الحياة" بشكل أنجع في المستقبل. لكن التقرير توقع أن تكون حملة "شريان الحياة" قد استنفدت نفسها بحيث لن تكون هناك قوافل سفن كبيرة أخرى ستبحر نحو شواطئ غزة لكسر الحصار. ولذلك، رأى معدو التقرير أن "التركيز على العبر لإحباط قوافل مقبلة، قد يتضح أنه بمثابة استعدادات لحروب عفا عليها الزمان".

وأضاف معدو التقرير أن "هجمة نزع الشرعية تغير شكلها باستمرار. والشبكة التي أنتجت القوافل ستواصل مهاجمة شرعية إسرائيل من خلال التركيز على قضايا دورية أخرى. لذلك، فإن فرضية العمل لهذا التحقيق هي أن الرد على قوافل مستقبلية ومجمل المعارك الجارية اليوم ضد إسرائيل والمعارك المستقبلية، تستوجب معالجة تنظيمية شاملة لتحدي نزع الشرعية".

تداعيات أحداث الأسطول

اعتبر تقرير "معهد ريئوت" أنه "في أحداث القافلة انهار سور النار السياسي الإسرائيلي وكان لذلك انعكاسات ملموسة من الناحية الأمنية ومن ناحية السياسة الخارجية الإسرائيلية. فقد نشأت موجة احتجاجات ضد إسرائيل في أنحاء العالم. واضطرت إسرائيل إلى تغيير سياستها حول غزة في ظروف اعتبرت أنها خنوع للقوة. وتصاعدت الجهود لمقاطعة إسرائيل ما تسبب بموجة إلغاء حفلات لفنانين كبار من خارج البلاد، وتم تشكيل لجان تحقيق دولية شككت في [مصداقية] جهاز القضاء الإسرائيلي وزاد التآكل التدريجي في مكانة إسرائيل. وتوطد الارتباط بين عرب إسرائيل ومنظومة المقاومة وشبكة نزع الشرعية. واستغلت تركيا الحدث من أجل تعميق الأزمة مع إسرائيل".

وفي أعقاب الضغوط الدولية على إسرائيل، التي طالبتها بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، أعلن الجيش الإسرائيلي تشكيل "طاقم آيلاند"، وبعد ذلك قررت الحكومة الإسرائيلية تشكيل "لجنة تيركل". ولفت تقرير "معهد ريئوت" في هذا السياق إلى أن رسالتي التكليف لكلتا اللجنتين تشيران إلى أنه في إسرائيل تم فهم الأحداث على أنها نابعة من "تضافر إخفاقات تقنية - عسكرية أو سياسية - تكتيكية، وأن تتركز [اللجنتان] في واقعية قرارات وأنشطة صناع القرار المختلفين بالاستناد إلى القوانين والأنظمة والتعليمات والأوامر القائمة [في إسرائيل]".

وفي أعقاب نشر رسالتَي التكليف لـ "طاقم آيلاند" و"لجنة تيركل" قرر "معهد ريئوت" إجراء تحقيق خاص به حول أحداث الأسطول من خلال إجراء تحليل سياسي تنظيمي يستند إلى الإطار المفهومي لمواجهة "تحدي نزع الشرعية". وكانت نقطة الانطلاق للتحقيق الذي أجراه المعهد هي أن إسرائيل تقف خلال السنوات الأخيرة أمام تحد جديد نابع من "نضوج" عمليتين:

· العملية الأولى هي "تطور ونجاعة ’إستراتيجيا الانهيار’ التي تتبعها حماس ومنظومة المقاومة، والتي تهدف إلى التسبب بانهيار إسرائيل بواسطة ’التمدد الزائد عن حده’ (overstretch) من خلال زيادة عبء ’الاحتلال’ ونزع الشرعية وتطوير نظرية قتالية غير تناسبية في الجبهة العسكرية وضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ويشكل انهيار الاتحاد السوفييتي وجنوب إفريقيا مصدر الإيحاء لهذا المنطق".

· العملية الثانية هي "نجاحات شبكة نزع الشرعية، المؤلفة من أفراد ومنظمات في الحلبة الدولية ينشطون من أجل تحويل إسرائيل إلى دولة "برصاء"[1] ومن ثم تزول. وتتركز هذه الشبكة في عدد من المراكز الميتروبولية التي ينشط فيها عدد قليل نسبيا من المنظمات وتحرك الهجمة ضد شرعية إسرائيل. ويكمن سر نجاح شبكة نزع الشرعية في ارتباطها بنخب ليبرالية - تقدمية في الدول الغربية بواسطة أدوات ووسائل متنوعة ومن خلال التعتيم على أهدافها الحقيقية".

وأضاف معدو التقرير أن "منظومة الأفكار هذه تنطوي على قدر كبير من التطور والنضوج والحدة، وإن لم يكن هناك دليل على أن الحديث يدور على إستراتيجيا واضحة تمت ترجمتها إلى غايات وجداول زمنية ومعالم".

ولاحظ معدو التقرير أنه في السنوات الأخيرة اكتشفت منظومة المقاومة وشبكة نزع الشرعية بعضهما البعض وأنشأتا روابط وعلاقات فيما بينهما وهي آخذة بالتوطد، ويتم خلال ذلك إعادة تغذيتها من خلال التركيز على مجالين:

· المجال الأول هو دفع حل الدولة الواحدة للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. "وفيما تُفشل منظومة المقاومة أي خطوة تهدف إلى الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين أو ترسيخ حل الدولتين، تعمل شبكة نزع الشرعية على تشويه وجه إسرائيل وتدفع حل الدولة الواحدة قدما".

· المجال الثاني هو حماس وغزة. "وفيما تعمل منظومة المقاومة على ترسيخ نموذج حماستان كقاعدة أمامية للنضال الأيديولوجي والعسكري ضد إسرائيل، تقيد شبكة نزع الشرعية أيدي إسرائيل وتمنح شرعية دولية لحماس".

واعتبر التقرير أن بهذه الطريقة "نشأت هجمة مخططة ومنهجية وتنظيمية ضد النموذج السياسي والاقتصادي الإسرائيلي والتي أصبحت لها انعكاسات إستراتيجية. وأمام هذه الهجمة فإن إسرائيل موجودة في حالة دونية مفهومية، والتي تعني أنه ليس لدى إسرائيل رد فعال على التحدي الماثل أمامها. ونتيجة لذلك تشهد إسرائيل إخفاقات سياسية ودبلوماسية متكررة وذلك على الرغم من أنها تتمتع بتفوق كمي ونوعي وعسكري وتكنولوجي واقتصادي وحتى أخلاقي قياسا بأعدائها. وبضمن ذلك، تقلصت قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها عسكريا، ويتزايد التدخل الدولي في القضايا الداخلية، وتمارس صلاحيات قضائية عالمية ضد إسرائيل، وتجري ضدها حملة مقاطعات".

وأضاف التقرير أنه بالتزامن مع فوز حماس في الانتخابات التي جرت في السلطة الفلسطينية في شهر كانون الثاني العام 2006، تجندت شبكة نزع الشرعية ومنظومة المقاومة من أجل تحصين هذا الفوز ودعمه، وقد لاحظت حماس هذا التوجه وبدأت باستغلاله لمصلحتها. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لم تتغير، من الناحية الفعلية، سياسة إسرائيل، التي تستند إلى مطالب الرباعية الدولية الثلاثة، على الرغم من التغيرات الدراماتيكية في الواقع السياسي - الأمني وعلى الرغم من أن هذه السياسة أدت إلى نتائج قليلة وحسب. وفي مقابل ذلك، "تأقلمت حماس للواقع المتغير مرة بعد أخرى، وعززت مكانتها الداخلية والدولية، وذلك على الرغم من دونيتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية الواضحة قياسا بإسرائيل".

وأشار التقرير إلى أن "التغيير الأساس الأخير في سياسة حماس منذ عملية الرصاص المصبوب، في كانون الثاني العام 2009، يكمن في جعل الحلبة الدولية حلبة مركزية لمحاربة إسرائيل ولخوض صراع سياسي تم تحويله إلى رافعة لحملة نزع الشرعية ضد إسرائيل. وفي هذا الإطار، يبدو أن حماس حولت قسما من الشبكات التي تقدم لها مساعدات في أوروبا إلى العمل وفقا لهذا المنطق".

تأثر إسرائيل أمنيا وسياسيا

أكد تقرير "معهد ريئوت" أن إسرائيل تأثرت بشكل ملموس من أحداث أسطول الحرية، من الناحيتين الأمنية والسياسية الخارجية، وبالإمكان تلخيص ذلك بما يلي:

· ردود الفعل في العالم على أحداث الأسطول أدت إلى موجة تنديدات ضد إسرائيل في أنحاء العالم، وحتى أن قسما من أصدقاء إسرائيل وجهوا انتقادات شديدة إليها.

· اضطرت إسرائيل إلى تغيير سياستها حول غزة في ظروف تم فهمها على أنها "خنوع للقوة".

· تصاعدت الجهود الدولية من جانب منظمات غير حكومية لفرض مقاطعات ضد إسرائيل وعزلها. وبضمن ذلك أدت الأحداث إلى موجة من إلغاء حفلات لفنانين أجانب في إسرائيل.

· تم تشكيل عدد من لجان التحقيق الدولية التي شككت في مصداقية جهاز القضاء الإسرائيلي، ما أدى إلى تزايد تراجع مكانة إسرائيل الدولية.

· يبدو أن قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها أمام حزب الله وحماس تراجعت في إثر الانتقادات ضدها حول استخدامها القوة [المفرطة]. زد على ذلك، أنه في هذه المرحلة ما زال من غير الواضح بعد كيف سيكون تأثير تراجع مكانة إسرائيل على الجهود الدولية التي تشجعها إسرائيل من أجل وقف تطوير البرنامج النووي الإيراني.

· في اليوم التالي لأحداث الأسطول نشأ تخوف من اندلاع أعمال احتجاجية عنيفة بين العرب مواطني إسرائيل على خلفية الخوف على مصير رئيس الحركة الإسلامية - الجناح الشمالي، الشيخ رائد صلاح، الذي كان موجودا على متن السفينة "مرمرة".

· استغلت تركيا الأحداث لتعميق الأزمة مع إسرائيل، علما أن العلاقات بين الدولتين كانت حتى وقت قريب علاقة حليفين.

وشكلت السلطات الإسرائيلية لجان تحقيق داخلية في أحداث الأسطول، وخصوصا قتل النشطاء المدنيين الذين تواجدوا على متن السفينة "مرمرة". وهذه اللجان هي:

· تحقيق الكوماندوز البحري، الذي دل على وجود خلل في الاستعداد للعملية العسكرية وخصوصا في المجال الاستخباراتي إلى جانب خلل في طريقة تفعيل القوة العسكرية.

· لجنة آيلاند، التي عينها رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، لتقصي الحقائق حول أحداث الأسطول، برئاسة اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند. ووجد هذا التحقيق [الذي تم تقديمه إلى أشكنازي في 12 تموز 2010] سلسلة أخطاء في مراحل جمع المعلومات الاستخباراتية حول الأسطول، وإخفاقات في التعاون بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة وفي إعداد الخطة العسكرية للسيطرة على السفن. ولم تتعاط اللجنة مع قرارات المستوى السياسي، لكنها انتقدت حقيقة أنه لم يتم أبدا إعداد خطط بديلة للسيطرة على الأسطول.

· لجنة تيركل، برئاسة القاضي المتقاعد من المحكمة العليا، يعقوب تيركل، وبمشاركة مراقبين أجنبيين، بريطاني وكندي. وستحقق هذه اللجنة [التي بدأت عملها في هذه الأثناء] في قانونية العملية العسكرية التي نفذها سلاح البحرية الإسرائيلي ومدى ملاءمتها مع القانون الدولي، كما ستحقق في الظروف الأمنية لفرض حصار بحري على قطاع غزة ومدى تناسب الحصار البحري مع القانون الدولي!

· مراقب الدولة، ميخائيل ليندنشطراوس، أعلن عن نيته إجراء تحقيق حول الجوانب الإعلامية والاستخباراتية المتعلقة بأحداث الأسطول.

ولفت التقرير إلى أن التفويض الممنوح للجنتي تيركل وآيلاند، وكذلك تصريحات مراقب الدولة، دلّت على أنه تم استيعاب أحداث الأسطول من جانب الحكومة الإسرائيلية على أنها متعلقة بأمر "تقني"، أي بأمر نابع من شكل فهم الصلاحية التي تم منحها إلى أصحاب المناصب المختلفة، مثل العسكريين أو الموظفين أو السياسيين، والذين طبقوا هذه الصلاحية. ولمح آيلاند إلى أن التفويض الممنوح للجنة التي ترأسها كان ضيقا ولم يشمل أبعادا هامة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي.

تحقيق "معهد ريئوت"

على ضوء التفويض الذي تم منحه للجان التحقيق الإسرائيلية، قرر "معهد ريئوت" إجراء تحقيق خاص به حول الأسطول "بهدف الإسهام في فهم الإخفاقات المفهومية الكامنة في الاستعدادات الإسرائيلية لمواجهة قافلة السفن، واقتراح مبادئ عمل لمنع تكرار حالات مشابهة في المستقبل". ووفقا لتوجه "معهد ريئوت" فإنه "ينبغي التدقيق في قافلة السفن بواسطة تحليل تنظيمي وفي سياق سلسلة أحداث مستمرة منذ عدة سنوات والمنطق الذي يحركها هو شن هجمة منهجية وتنظيمية ضد النموذج السياسي والاقتصادي الإسرائيلي، والمدماك الأساسي لها هو بذل جهد للمس بشرعية دولة إسرائيل. وثمة نقاط مركزية أخرى في هذه المعركة تتعلق بعملية الرصاص المصبوب ومؤتمري ديربن وحملة المقاطعات والعقوبات ضد إسرائيل، والأحداث التي رافقت نشر تقرير غولدستون، والحرب القضائية ضد مسؤولين إسرائيليين [في محاكم دول أجنبية]".

ورأى تقرير "معهد ريئوت" أن "نجاحات هذه الهجمة المنهجية نابعة من التفوق المفهومي الذي تبلور لدى منظومة المقاومة، التي تشمل إيران وحماس وحزب الله، وشبكة نزع الشرعية التي تنشط في العالم الغربي. وبكلمات أخرى فإن إسرائيل موجودة في حالة دونية مفهومية، ما يعني أن أسس عملها لا تستجيب بشكل فعال للتحدي الماثل أمامها. ونتيجة لذلك فإن رد الفعل الإسرائيلي، في غالب الأحيان، هو محلي ووفقا للوضع الناشئ. ولذلك، فإنه ينبغي البحث في ما إذا كانت قافلة السفن هي ظهور جديد لـ ’مفاجأة أساسية’ مرت بها إسرائيل وتم من خلالها الكشف عن أزمة تتعلق بالمفهوم الأمني والسياسة الخارجية الإسرائيلية".

ووفقا للتقرير فإن إسرائيل تواجه نضوجا موازيا لعمليتين:1. نجاحات شبكة نزع الشرعية، التي ترفض وجود إسرائيل لأسباب سياسية وفلسفية وأيديولوجية وتقودها منظمات اليسار الراديكالي في الغرب؛ 2. نجاعة "إستراتيجيا الانهيار" لمنظومة المقاومة برئاسة إيران وحزب الله وحماس، التي تعارض وجود إسرائيل استنادا إلى أيديولوجيا إسلامية. وتعمل منظومة المقاومة باتجاه التسبب بانهيار إسرائيل من خلال "إحباط نهاية السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، ونزع الشرعية، وتطوير نظرية قتال غير تناسبية".

واعتبر التقرير أن "الدمج بين هاتين القوتين يؤدي إلى نشوء تهديد سياسي - دبلوماسي إستراتيجي من شأنه أن يصبح تهديدا وجوديا. ولذلك فإن مفهوم ’الجدار الحديدي’ [الذي وضعه زئيف جابوتنسكي، في العام 1923، ويقضي بفصل اليهود عن العرب في فلسطين] لا يوفر ردا على التحدي الجديد الماثل أمام إسرائيل. وبناء عليه، ينبغي إقامة ’سور ناري سياسي’ كرد على التهديد الإستراتيجي في الحلبة السياسية. فالهجمة على شرعية إسرائيل هي أحد التحديات المركزية الماثلة أمام إسرائيل في العقد السابع على وجودها. والتغذية المتبادلة بين منظومة المقاومة وإستراتيجيا الانهيار وبين شبكة نزع الشرعية هي التي تؤدي إلى تراجع المكانة الدولية لإسرائيل وهي التي تحرك قافلة السفن وتسببت بنتائجها".

وتابع التقرير أنه "تم تصميم المرحلة الحالية لهذا الصراع في أعقاب نجاح إسرائيل في بناء جهاز أمني يضمن وجودها، لدرجة أن الدول العربية تخلت عن محاولات بناء قوة عسكرية هجومية تتمكن من احتلال إسرائيل. والتوقيع على اتفاق سلام بين إسرائيل ومصر، وانهيار الاتحاد السوفييتي، والتوقيع على اتفاق سلام بين إسرائيل والأردن وعملية السلام مع الفلسطينيين هي نقاط هامة في هذه العملية".

وأضاف أنه "تمت ترجمة الرغبة في غياب إسرائيل إلى منظومة أفكار جديدة تقودها إيران وحزب الله وحماس، استنادا إلى الاعتبار أن مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي لن تؤدي إلى القضاء على إسرائيل. ولذلك فإنه لا جدوى أو قدرة لبناء جيوش تتغلب على إسرائيل. كذلك فإن هجوما مباشرا يهدف إلى القضاء على إسرائيل سيجند دعما في العالم لإسرائيل وسيؤدي إلى توحيد الصفوف داخل إسرائيل".

ولاحظ معدو التقرير أنه "خلال العقدين الأخيرين أخذ يتطور فكر معاكس في منطق منظومة المقاومة، مفاده أن السيطرة الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين تحول من عبء إلى ذخر. فحتى تسعينيات القرن العشرين كان جوهر المقاومة دحر إسرائيل إلى الوراء مثلما تم التعبير عن ذلك في خطة المراحل للعام 1974. [لكن] في السنوات الأخيرة تغير جوهر المقاومة وبات يؤكد على وجوب امتصاص إسرائيل إلى داخل الضفة والقطاع، استنادا إلى وعي يقضي بأن الصهيونية تواجه حالة تمدد زائدة عن الحد، نتيجة للسيطرة على السكان الفلسطينيين وأن تعميق السيطرة والمسؤولية الإسرائيلية تجاه السكان الفلسطينيين يسيء إلى وضع إسرائيل. وهذا انقلاب إستراتيجي لا يمكن التقليل في أهميته".

من جهة ثانية فإنه "يصعب التعرف على ’الوضع التراكمي’ لـ ’منطق الانهيار’ في الفترة الحالية. من جهة، واضح أن الحديث يدور على منظومة أفكار تنطوي على تطور ونضوج وحدة ومثابرة داخلية، حتى لو كانت هناك خلافات وأفكار متنوعة بداخلها. ومن الجهة الأخرى، لا يوجد دليل على أن الحديث يدور على إستراتيجيا واضحة توجه نشاطات مجمل اللاعبين في منظومة المقاومة وأنه تمت ترجمتها إلى غايات وجداول زمنية ومعالم في الطريق".

رغم ذلك لاحظ معدو التقرير وجود عدد من مبادئ العمل "البسيطة والمثابرة" لدى منظومة المقاومة:

· طرح حلول تبدو وكأنها سياسية وعملية ولا تتناقض مع فكرة مقاومة إسرائيل، مثل الاستعداد للاعتراف بحقيقة وجود إسرائيل ولكن ليس بحقها في الوجود أو فيما يتعلق بيهوديتها، والموافقة على اتفاقيات مرحلية طويلة الأمد لكن عدم الموافقة على "اتفاق دائم" و"حدود دائمة" و"نهاية الصراع" أو "نهاية المطالب" أو حل الدولتين على أساس مبدأ الدولتين للشعبين.

· إحباط الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين أو زيادة عبء الاحتلال على إسرائيل بواسطة إحباط عملية سياسية تدفع باتجاه حل الدولتين. وتعمل منظومة المقاومة على تمهيد الأرضية لتفكيك السلطة الفلسطينية وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن السكان الفلسطينيين، أو العمل ضد خطوات إسرائيلية أحادية الجانب لإنهاء السيطرة على الفلسطينيين التي قد تحسن وضع إسرائيل السياسي.

· تقييد قدرة إسرائيل على تحقيق تفوقها العسكري في ميدان القتال بواسطة منع حسم عسكري إسرائيلي في الوقت الذي تشكل فيه المقاومة بحد ذاتها انتصارا لا يتطلع إلى هزم الجيش الإسرائيلي في ميدان القتال؛ استخدام المواطنين كدرع بشري؛ توجيه ضربات إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية؛ إنشاء نموذج "حماستان" أو "حزب الله ستان"، تكون فيه قوات وصلاحيات ومميزات كثيرة لدولة ومن دون وجود مسؤولية الدولة، الأمر الذي يوجد عدم تناسبية أساسية بين إسرائيل ومنظومة المقاومة؛ تقييد قدرة التفوق العسكري الإسرائيلي بواسطة Lawfare، أي خوض صراع قضائي ضد إسرائيل والإسرائيليين في المحاكم الدولية.

· توجيه الضربات بصورة منهجية إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية من أجل خلق توازن في الانتصار العسكري الإسرائيلي.

· الإجماع حول ’قضية دورية’، بمعنى أن منظومة المقاومة تحافظ على نيران النضال ضد إسرائيل بواسطة التركيز على عدد قليل من القضايا لاستخدامها كحجة لمواصلة النضال وإنتاج ذرائع أخرى خلال ذلك. وهكذا هي مثلا قضية مزارع شبعا بالنسبة لحزب الله.

· تحويل العرب في إسرائيل إلى "رأس حربة" في النضال ضد إسرائيل بواسطة تجنيدهم لصالح الكفاح المسلح أو في خدمة نزع الشرعية الأساسية لإسرائيل من خلال رفضهم هوية إسرائيل ومؤسساتها. وجاء في التقرير أنه "رغم أن محاولة ربط عرب إسرائيل بالكفاح المسلح فشل نسبيا، إلا إن هناك جهات بينهم تخدم أيديولوجيا منظومة المقاومة، مثل: الجناح الشمالي للحركة الإسلامية بزعامة رائد صلاح، الذي يرفض حق دولة إسرائيل بالوجود ويقاطع الانتخابات للكنيست؛ وثائق التصور المستقبلي التي رفضت يهودية دولة إسرائيل؛ الأصوات التي تؤيد حل الدولة الواحدة".

· نزع شرعية أساسية عن إسرائيل - حملة نزع الشرعية التي تدفعها منظومة المقاومة مليئة بأفكار معادية للسامية وأفكار إسلامية مثلما تم التعبير عن ذلك في مؤتمر نفي المحرقة الذي عقد في طهران في تشرين الثاني العام 2006، وبخطاب يعتبر اليهود أنهم أبناء القردة والخنازير. وهذا النوع من نزع الشرعية ليس مفيدا لدى جماهير غربية.

واعتبر معدو التقرير أنه نتيجة لكل ما تقدم، فإن "منظومة المقاومة بلورت تفوقا مفهوميا أمام إسرائيل، يحدث توازنا مع التفوق التكنولوجي والعسكري والاقتصادي الإسرائيلي وينقل النضال ضد إسرائيل إلى عدة جبهات أخرى بالإمكان هزم إسرائيل فيها، وذلك بواسطة ممارسة ضغط كبير عليها وفي آن واحد بأدوات ديمغرافية، عسكرية، اقتصادية، سياسية ودبلوماسية. والدونية المفهومية الإسرائيلية تزيد من احتمالات الإخفاقات المتكررة لخطوات سياسية أو عسكرية إسرائيلية والتي تكون غايتها ترسيخ وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية".

نزع الشرعية

حدد تقرير "معهد ريئوت" مبادئ العمل التي تمكن شبكة نزع الشرعية، ومعها منظومة المقاومة، من الحصول على دعم واسع لنشاطها في أنحاء العالم على النحو التالي:

· إسرائيل = أبرتهايد ونظام البيض في جنوب إفريقيا- عملية موجهة للمقارنة بين أسس النظام في إسرائيل وتلك التي كانت قائمة لدى نظام البيض في جنوب إفريقيا. وهذه العملية مستمرة في السنوات العشر الماضية ومنذ مؤتمر ديربن في جنوب إفريقيا في العام 2001. وهذا التشابه يبرر تعاملا مشابها مع إسرائيل يتمثل بإخراجها من المجتمع الدولي ومقاطعتها والتنديد بها، ويزيد نجاعة الوصول إلى حل مشابه للحل الذي تم تنفيذه في جنوب إفريقيا [بالقضاء على نظام البيض] استنادا إلى مبدأ "صوت واحد لكل واحد". إضافة إلى ذلك فإنه عندما يتم وصف إسرائيل بهذه الصورة، والحديث عن الجوع في غزة أو استئصال الأعضاء في هاييتي [بأيدي قوة الإنقاذ الإسرائيلية] تلتصق هذه الصورة بإسرائيل، وتصبح العمليات العنيفة ضد إسرائيل والإسرائيليين مبررة، ويتم تعريف النموذج السياسي - الاقتصادي الإسرائيلي على أنه غير أخلاقي.

· إسرائيل لا تريد السلام وإنما تكريس الاحتلال. والدليل الأبدي على ذلك هو المشروع الاستيطاني. وأي حدث يتم تعريفه مجددا على ضوء هذا المبدأ. ومثال على ذلك: فك الارتباط عن غزة يتيح مواصلة احتلال القطاع بطرق جديدة؛ المستشفى [الميداني الإسرائيلي] في هاييتي غايته صرف الأنظار عن ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية؛ اقتراحات إسرائيل في المفاوضات ليس جدية. وهناك أمثلة كثيرة أخرى.

· في موازاة ذلك، وصف منظمات مثل حماس أو حزب الله على أنها منظمات اجتماعية وإنسانية وأنها ضحية. ويتم وصف الناشطين في شبكة نزع الشرعية على أنهم يمثلون العدالة والقانون الدولي وحقوق الإنسان. ومن الجهة الأخرى، وفقا للتقرير، فإن شبكة نزع الشرعية نجحت في السيطرة على خطاب حقوق الإنسان والظهور كمن تمثل قيم العدالة والسلام والحفاظ على القانون الدولي. إضافة إلى ذلك، نجحت هذه الشبكة في إعادة تعريف حماس وحزب الله، في أماكن مختلفة في العالم، على أنها منظمات اجتماعية وإنسانية ترزح تحت نير إسرائيل. وعلى هذا الأساس هم ينجحون في ربط النخب الليبرالية - التقدمية بمشروعهم. ومحاولات إسرائيل في تغيير إستراتيجيا أعدائها بواسطة ممارسة الضغوط على السكان المدنيين، مثل الحصار على غزة، يعود بالفائدة على منظومة المقاومة.

· جعل النشاط المؤيد للفلسطينيين والانتقادات ضد إسرائيل "موضة".

· التركيز على انتهاكات حقوق الإنسان من أجل تقويض الأساس الأخلاقي لوجود إسرائيل. واعتبر التقرير أن شبكة نزع الشرعية تقوم باستفزازات من أجل الحفاظ على أجواء الانتقادات ضد إسرائيل وتحول الاحتجاج أو انتقاد سياسة معينة إلى رفض شامل لدولة إسرائيل.

· الانتقال من خطاب الحقوق القومية إلى خطاب حقوق الإنسان. نشطاء نزع الشرعية يقدمون خطاب حقوق الإنسان على الخطاب الذي يدفع حق تقرير المصير للفلسطينيين بالحصول على دولة مستقلة وإنشاء غطاء لذلك يتمثل بحركة لا سياسية. ويندرج خطاب الدولة الواحدة ضمن ذلك.

· انتقادات لإسرائيل الآن، ورفض الهدف النهائي [حل الدولتين] لاحقا. شبكة نزع الشرعية تتعاون مع كل من ينتقد إسرائيل، بمن في ذلك إسرائيليون وصهاينة، وفقط شريطة أنهم مستعدون لإبراز الانتقادات تجاه إسرائيل.

· دفع الادعاء بأن إسرائيل تفهم لغة القوة فقط. بمعنى أن إسرائيل تسعى إلى تكريس الاحتلال وأنه لا جدوى من استخدام وسائل لينة أو وسائل الإقناع والحوار.

· تركيز النشاط على انتقادات سياسة إسرائيل وصرف الأنظار عن مشروع القضاء عليها.

· استخدام القانون الدولي بصورة انتقائية، بمعنى استخدام القانون الدولي فقط في حال كان يخدم أهداف الشبكة.

· اليهود يسيطرون على السياسة العليا [في الولايات المتحدة خصوصا] ولذلك ينبغي تجنيد المجتمع المدني.

واعتبر "معهد ريئوت" في تقريره أن "منظومة المقاومة وشبكة نزع الشرعية يستخدمان القضية الفلسطينية كفأس ليحفروا به، ونشاطهم لا يهدف إلى إنهاء السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين وإنما هم يتطلعون إلى غياب إسرائيل. ولذلك فإن قيام دولة فلسطينية وحتى إنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لا يتوقع أن ينهي عمليات نزع الشرعية".

وتوقع التقرير بأن "قضية مكانة مواطني إسرائيل العرب ستتحول إلى القضية الدورية الكبيرة المقبلة".

معضلات إسرائيل

أشار التقرير إلى أن حكم حماس في قطاع غزة وضع معضلات أمام إسرائيل وزاد من صعوبة بلورة سياسات عسكرية وسياسية مثابرة. وفي إثر أحداث أسطول الحرية برزت عدة معضلات:

· غزة: من المسؤول؟- وفقا للتقرير فإن إسرائيل تريد الانفصال عن غزة والضغط على حكم حماس، ولذلك فإنها تدعي أنها ليست مسؤولة عن غزة وتمنع فتح المعابر الحدودية بين القطاع وبين إسرائيل ومصر بصورة حرة. لكن إبقاء المعابر مغلقة يضاعف المسؤولية الإسرائيلية تجاه غزة.

· الحكم في غزة: حماس، إسرائيل أو فوضى- إسرائيل ستكون مسرورة برؤية حكم حماس ينهار. لكنها تعلم اليوم أنه لا يوجد بديل معتدل لحماس في غزة، وبدلاً من حماس قد تنشأ فوضى.

· دول العالم لا توافق على سياسة إسرائيل بالضغط على السكان في غزة من أجل إرغام حماس على التنازل في قضية تبادل الأسرى واستعادة إسرائيل جنديها الأسير غلعاد شاليت.

· مكانة حماس في العملية السياسية- على خلفية عدم نجاح الحكومة الإسرائيلية السابقة في التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، يطرح السؤال حول موقف إسرائيل من مكانة حماس في هذه العملية. من جهة، سيكون لحكومة وحدة فلسطينية بمشاركة حماس شرعية لإجراء عملية سياسية مع إسرائيل. من الجهة الأخرى، فإن حيز المناورة السياسية لإسرائيل سيكون ضيقا أكثر ولن يكون بالإمكان التوصل إلى اتفاق.

· حماس أو السلطة الفلسطينية- أي اعتراف صريح أو غير مباشر بحماس سيقوض مكانة السلطة الفلسطينية، وهي الشريكة السياسية لإسرائيل في الوقت الحالي.

· وحدة إقليمية واحدة أو وحدتان منفصلتان- ينبغي النظر إلى غزة والضفة على أنهما وحدة إقليمية واحدة بموجب اتفاقيات أوسلو. وعمليا يدور الحديث اليوم على وحدتين سياسيتين وأيديولوجيتين منفصلتين.

أحداث الأسطول: ذروة الصراع بين إسرائيل وحماس

اعتبر تقرير "معهد ريئوت" أن أحداث أسطول الحرية هي ذروة الصراع بين إسرائيل وحماس. لكن التقرير يشير في هذا السياق إلى أنه فيما كانت سياسة إسرائيل في حالة جمود تجاه حماس منذ فوزها في الانتخابات التشريعية في بداية العام 2006 ورغم المعضلات التي تواجهها، فإن حماس غيرت إستراتيجيتها عدة مرات. ويقسم التقرير الصراع بين إسرائيل وحماس إلى ثلاث مراحل: 1. من كانون الثاني 2006 إلى حزيران 2007. في هذه المرحلة امتنعت إسرائيل من تحويل أموال إلى السلطة الفلسطينية من أجل التسبب في انهيار حكومة حماس. والرباعية الدولية وضعت شروطها الثلاثة أمام حماس للاعتراف بها. ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تغير إسرائيل هذه الشروط؛ 2. من حزيران 2007 وحتى كانون الثاني 2009. سيطرة حماس على قطاع غزة وفرض الحصار عليها [عمليا على قطاع غزة] وحرب صواريخ القسام وعملية الرصاص المصبوب؛ 3. من كانون الثاني 2009 وحتى أسطول الحرية [31.5.2010] وعمليا حتى اليوم.

ونتيجة لعدم تغيير إسرائيل سياستها تجاه غزة، وإصرارها على شروطها الثلاثة للاعتراف بحماس، وهي الاعتراف بإسرائيل والاتفاقيات الموقعة ونبذ العنف، وبعد ذلك الحرب على غزة واستمرار الحصار على القطاع والانتقادات السياسية الدولية الشديدة لإسرائيل، كل هذا أدى، وفقا للتقرير، إلى حدوث تراجع في مكانة إسرائيل وتحولت هذه الانتقادات في أماكن عديدة إلى هجمة ضد شرعية إسرائيل.

وانتقد تقرير "معهد ريئوت" صناع القرار في إسرائيل وأشار إلى أنه "من دون إستراتيجيا واضحة تجاه المكانة السياسية لقطاع غزة وحكم حماس، تحولت الورطة التكتيكية لقافلة السفن إلى ورطة إستراتيجية. فقد انهار سور النار السياسي الإسرائيلي في أحداث القافلة، لأن العالم لم يدرك هدف السياسات والغايات الإسرائيلية تجاه مكانة قطاع غزة وحكم حماس والعملية السياسية. ولا شك في أن جهات دولية كانت ستكون متسامحة أكثر ومتفهمة أكثر للجانب الإسرائيلي لو أن مهاجمة القافلة كانت تُفهم بأنها تأتي في سياق سياسة شاملة، وذلك حتى لو أن العالم لم يوافق عليها، إلا إنه كان سيتفهم أسبابها. وكان بإمكان العالم أن يوافق على الحصار لمنع نقل أسلحة إلى غزة، لكنه لم يفهم الادعاء الإسرائيلي بتقييد [دخول] المنتجات المدنية إلى غزة وأنه يستخدم من أجل دفع صفقة شاليت، ولم يوافق على السياسة الإسرائيلية".

واعتبر التقرير أن مهاجمة قوات الجيش الإسرائيلي أسطول الحرية كانت بمثابة "صدام بين ماركات تجارية في قلب البحر"، وأنه في أحداث الأسطول "كانت هناك ثلاث ماركات: أولاً، الماركة الإسرائيلية التي تمثل العدوانية والاستعلاء والاستخفاف بحياة البشر وبالقانون الدولي وما إلى ذلك؛ ثانيًا، ماركة حماس، التي وُصفت كمنظمة اجتماعية ومقاومة للاحتلال وما شابه ذلك؛ ثالثًا، ماركة شبكة نزع الشرعية التي وصفت على أنها تحمي حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي والتطلع نحو السلام والعدالة".

وشدد "معهد ريئوت" على أنه "عندما اصطدمت الماركتان [إسرائيل وشبكة نزع الشرعية] في البحر تلقت الماركة الإسرائيلية نوك أوت [أي ضربة قاضية]. وفي اللحظة التي اصطدمت فيها الماركتان زاد وعي الناس ولم يسمحوا للحقائق - وفي هذه الحالة الصور الواضحة [التي بثتها إسرائيل] للعنف الذي شهده جنود الجيش الإسرائيلي على سطح السفينة [رغم أنهم كانوا الجانب المعتدي] - أن تربكهم. وفعلا فإن موجة ردود الفعل الأولى كانت عكرة بالنسبة لإسرائيل".

ورأى معدو التقرير أن أسطول الحرية كان "تعبيرا عن مجمل الأفكار الجديدة للتعاون بين حماس وشبكة نزع الشرعية الذي هدفه تحقيق الشرعية لحكم حماس في غزة ولمطلبها بقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية".

وأضافوا أن أحداث الأسطول أثرت على إسرائيل في عدة نواح: إرساء نموذج "حماستان"؛ تدويل مسألة العرب مواطني إسرائيل، لأن العرب في إسرائيل هم إحدى النقاط التي تركز عليها شبكة نزع الشرعية، وتقرير غولدستون أشار إليهم، كما أن جهات دولية تنتقد إسرائيل بسبب تعاملها مع الأقلية العربية بداخلها والتمييز ضدهم؛ الانتقاص من مصداقية جهاز القضاء الإسرائيلي وتفعيل نظام قضائي عالمي ضد إسرائيل؛ وصف إسرائيل كجزء من محور الشر؛ إنهاء الحلف الإستراتيجي بين إسرائيل وتركيا؛ حملات مقاطعة ضد إسرائيل وفرض عقوبات عليها؛ العالم اليهودي يدفع ثمنا اجتماعيا وشخصيا بسبب دعمه لإسرائيل وتعرض اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة للهجوم.

وأكد التقرير أن استعداد إسرائيل لمواجهة الأسطول "عكس المكانة المركزية للعامل العسكري - الأمني في عملية صناعة القرار في إسرائيل وبضمن ذلك مفهومها الأمني. وهكذا، فإن الجيش الإسرائيلي ووزير الدفاع كانا الجهة الوحيدة في إسرائيل تقريبا التي تعاملت مع القافلة ومن خلال فكر أمني - عسكري. كذلك فإن لجان التحقيق المختلفة تركزت في نشاط المستوى العسكري والإعلامي وليس في السياسة الخارجية خلال السنوات والشهور التي سبقت أحداث القافلة".

الحلول التي يطرحها "معهد ريئوت"

دعا "معهد ريئوت" في تقريره إسرائيل إلى وضع سياسة مثابرة وواضحة تجاه حماس والعملية السياسية، وأن تعكس هذه السياسة التزاما صادقا ومتواصلا بإنهاء السيطرة على الفلسطينيين وتحقيق السلام كون ذلك أمرا ضروريا للصراع ضد نزع الشرعية. غير أن المعهد يعتبر أن نهاية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لن يلغي نزع الشرعية بسبب وجود جهات يسارية راديكالية وحركات سلفية إسلامية تعارض قيام إسرائيل، وبين هؤلاء يوجد عدد قليل جدا من الفلسطينيين في مواقع قيادية.

ودعا "معهد ريئوت" أيضا إلى ما يلي: إقامة شبكة لمحاربة شبكة نزع الشرعية، من خلال تعزيز السفارات الإسرائيلية؛ تفعيل هيئة تقوم بجمع المعلومات وتحليلها ونشر استنتاجاتها. وهذه الهيئة قد تكون منظمات غير حكومية في إسرائيل وخارجها؛ إنعاش وتقوية الدائرة الدولية في الهستدروت. وتوقع التقرير أن تكون الهستدروت إحدى المنظمات الهامة التي بالإمكان أن تنشط في مقابل المنظمات غير الحكومية في العالم.

كذلك أشار التقرير إلى أن مفهوم الأمن والسياسة الخارجية في إسرائيل يقوم على المبادئ التالية:

· التهديد المركزي على وجود إسرائيل هو عسكري والرد الأساس له هو الجيش الإسرائيلي والانتصار سيُحقق في ميدان القتال. ولفت التقرير هنا إلى أن إسرائيل أهملت الحلبة الدولية أو صمود المجتمع الإسرائيلي.

· الحلبة السياسية ثانوية من حيث أهميتها للأمن القومي.

· التفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل هو درعها الواقي.

· لا يوجد أي جديد في الهجوم على إسرائيل، "وما كان هو ما سيكون".

· القيادة السياسية في الدول المتطورة تدعم إسرائيل.

· الضائقة السياسية هي مشكلة الدعاية الإسرائيلية التي تعاني من خلل أمام الدعاية الفلسطينية المتقنة.

· حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني سيحل مسألة نزع الشرعية.

· دعم العالم اليهودي لإسرائيل مضمون.

وفي المقابل يطرح "معهد ريئوت" المفهوم التالي المستمد من تغيرات الواقع:

· التهديد المستجد في الحلبة السياسية - الدبلوماسية هو تهديد إستراتيجي.

· المنطق العسكري لمنظومة المقاومة ثانوي، ولذلك على إسرائيل ضمان "انتصارات مدمجة".

· التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي لم يمنع حدوث حالة دونية إستراتيجية.

· ديناميكية جديدة [مثل الأسطول] تنشئ تهديدا من نوع جديد.

· نزع الشرعية هي أيديولوجيا وليست مشكلة تتعلق بالدعاية فقط.

· إنهاء الصراع لن يلغي نزع الشرعية.

· العالم اليهودي يبتعد عن إسرائيل.

[1] القصد معزولة-المترجم