المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • منوعات
  • 2139
  • سليم سلامة

نشرت النيابة العامة في إسرائيل، أول من أمس الأحد، تقريراً عاماً إلى الجمهور الواسع هو الأول من نوعه الذي تصدره هذه المؤسسة منذ تأسيسها، مع قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتضمن التقرير معلومات تفصيلية واسعة حول عمل النيابة العامة، وخاصة خلال العام المنصرم 2015، بما في ذلك عدد الملفات (الجنائية والمدنية) التي عالجتها النيابة والنتائج التي انتهت إليها، فضلا عن عدد العاملين في النيابة العامة وأقسامها المختلفة.

ومن الواضح أن هذا التقرير لم يأت صدفة، إطلاقا، وإنما جاء على خلفية الانتقادات العديدة والحادة التي تتعرض لها النيابة العامة في إسرائيل وما تكشف من فضائح وقصورات في أدائها، وخصوصا خلال السنوات الأخيرة. ويأتي هذا التقرير بمثابة محاولة واضحة من طرف النيابة العامة لمواجهة هذه الانتقادات ووقف التدهور الحاصل في مكانتها الجماهيرية والتراجع الواضح في مدى ثقة الجمهور بها، كما أظهرته عدة استطلاعات للرأي العام في السنوات الأخيرة.

وإضافة إلى هذا، جاء تقرير النيابة العامة غير المسبوق هذا لكي يجسد الإنجاز الذي تقول النيابة العامة إنه تحقق برسم أحد الأهداف المركزية التي أعلنها النائب العام للدولة (رئيس النيابة العامة) الحالي، شاي نيتسان، لدى تسلمه مهام منصبه هذا (في كانون الأول من العام 2013)، والمتمثل في "مشروع تقصير مدة معالجة الملفات التي تنتظر الاستيضاح القانوني"، وذلك بغية "استيضاح الحقيقة وإظهارها بالسرعة الممكنة"، مع الأخذ في الاعتبار "المحدودية العددية في القوة البشرية وإلى حقيقة أن نحو 30 ألف ملف جديد يتم فتحه كل سنة، فإن الحديث يجري عن مهمة غير سهلة، على الإطلاق"!

وهذا ما يؤكده نيتسان نفسه، في كلمته الافتتاحية التي أوردها في مقدمة تقرير النيابة العامة الذي يبدو أنها تنوي تحويله إلى تقليد سنوي، إذ يشير إلى أن "هذا المشروع (تقصير مدة المعالجة)، الذي حددته لدى تسلمي مهام منصبي هذا كأحد الأهداف المركزية التي أسعى إلى تحقيقها، أوصل خلال السنتين الأخيرتين إلى تحقيق تقليص دراماتيكي في فترات معالجة هذه الملفات ـ تقليص بنسبة 53% في عدد الملفات التي يستغرق استيضاحها أكثر من سنة واحدة (انخفض عددها من 2245 ملفا في نهاية 2013 إلى 1164 ملفا في نهاية 2015) وتقليص بنسبة 90% في عدد الملفات التي يستغرق استيضاحها أكثر من سنتين (انخفض عددها من 1201 ملف في نهاية 2013 إلى 116 ملفا في نهاية 2015)".

ويتوزع تقرير النيابة العامة، الذي يمتد على 48 صفحة، على خمسة أبواب رئيسية هي: 1. بنية النيابة العامة للدولة؛ 2. القوى البشرية في النيابة العامة؛ 3. تحولات في النيابة العامة خلال السنوات الأخيرة؛ 4. النيابة العامة الجنائية؛ 5. النيابة العامة المدنية.

ونقصر عرضنا هنا على الشقّ الجنائي في عمل النيابة العامة للدولة خلال السنة الماضية، كما تجسده معطيات تقريرها.

العرب في النيابة العامة ـ التقرير والحقيقة!

قبل العرض لأبرز ما تضمنه تقرير النيابة العامة من معطيات مختلفة حول عدد الملفات الجنائية والمدنية ومعدلات الإدانة الجنائية في إسرائيل ـ وهو الموضوع الأبرز، بدون شك! ـ تجدر الإشارة إلى ما أورده التقرير في باب "القوى البشرية في النيابة العامة"، تحت عنوان "دمج أبناء الأقليات"، أي المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل.

يفاخر التقرير بأن زيادة بنسبة 13% قد طرأت خلال العام 2015 في عدد "أبناء أقليات" العاملين في النيابة العامة للدولة، إذ بلغ عددهم حتى نهاية العام المنصرم 120 شخصاً يشكلون 7% من مجمل العاملين في النيابة العامة للدولة في إسرائيل، مقابل 104 أشخاص في نهاية العام 2014. أي أن الزيادة بنسبة 13% التي يتحدث عنها التقرير وتـُفاخر بها النيابة العامة تتلخص في 16 شخصاً، فقط!

يبلغ مجموع العاملين في النيابة العامة للدولة 1750 شخصاً، يتوزعون على التخصصات والمجالات التالية: 950 محاميا؛ 250 عاملا إداريا؛ 350 محاميا متمرّنا؛ 60 طالبا جامعيا؛ 60 شابة وشابة ممن يؤدون "الخدمة المدنية" و 45 محققاً يعملون في "وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة" (ماحَش).

وبالعودة إلى المعطيات عن العرب، يتضح أنهم أصبحوا يشكلون الآن (بعد الزيادة المذكورة خلال السنة الأخيرة) نسبة 8ر6% (هي النسبة الدقيقة، فعلا، وليس 7% كما ثبتت النيابة العامة في تقريرها الرسمي!) من مجمل العاملين في النيابة العامة، بينما يشكل العرب الفلسطينيون أكثر من 20% من مجموع المواطنين في الدولة. أي، أن عددهم "الطبيعي" في النيابة العامة ينبغي أن يكون 350 شخصا، على الأقل!

ولكن هؤلاء الـ 120 العرب العاملين الآن في النيابة العامة موزعون على النحو التالي ـ كما يفصّل التقرير الرسمي: 49% منهم (59 شخصا) محامون؛ 28% (34 شخصا) محامون متمرّنون؛ 8% (10 أشخاص) موظفون إداريون؛ 6% (7 أشخاص) يؤدون "الخدمة المدنية"؛ 5% (6 أشخاص) محققون؛ و 4% (5 أشخاص) طلاب جامعيون.

وبالانتباه إلى حقيقة أن "المحامين المتمرنين" (10 أشخاص) و"مؤدّي الخدمة المدنية" (7 أشخاص) و"الطلاب الجامعيين" (5 أشخاص) ـ جميعهم يعملون بصورة مؤقتة ومرحلية، غير ثابتة، نجد أن مجموع "العاملين الثابتين والدائمين" من المواطنين العرب الفلسطينيين في النيابة العامة للدولة لا يتعدّى الـ 98 عاملا، لا يشكلون سوى 6ر5% فقط من مجموع العاملين في النيابة العامة في إسرائيل!

رقم قياسي في قرارات الإدانة الجنائية

تضمن تقرير النيابة العامة جملة من المعطيات الرسمية، لا شك في أن أبرزها وأكثرها أهمية هو ما يتعلق بعدد قرارات الإدانة الجنائية ونسبتها في إسرائيل، وهي إحدى النسب الأعلى في العالم على الإطلاق. وفي هذا، تأتي معطيات النيابة العامة الرسمية لتؤكد ما كانت قد خلصت إليه دراسات أكاديمية عديدة أجريت في البلاد في سنوات سابقة حول هذا الموضوع.

فقد أكدت معيطات النيابة العامة أن 83% من مجموع لوائح الاتهام الجنائية التي قدمتها النيابة العامة إلى المحاكم المختلفة في إسرائيل (من شتى الدرجات القضائية) خلال العام المنصرم 2015 (وبلغ مجموعها: 5339 لائحة اتهام) انتهت بقرارات إدانة وتجريم المتهمين، بينما لم تنته سوى 4% منها فقط بقرارات تبرئة قضائية أو بتراجع النيابة العامة عن لوائح الاتهام (سحب لوائح الاتهام)، وهو ما يشكل اعترافا ببراءة المتهم، قبل خوض المحكمة في مناقشة الملف (لائحة الاتهام) والاستماع إلى ادعاءات الأطراف ذات الشأن. أما الملفات (لوائح الاتهام) التي انتهت بالإدانة فتوزعت على النحو التالي: 15% منها (800 لائحة اتهام) قرارات إدانة قضائية توصلت إليها المحاكم بعد جلسات عديدة للنظر في لائحة الاتهام والاستماع إلى الشهود؛ و68% منها (3630 ملفا) انتهت بـ"صفقات ادعاء" بين النيابة العامة والمتهـَم / ين (بواسطة محاميه/م)، وهي التي عادة ما تقبلها المحكمة وتقرّها كحكم قضائي يتضمن إدانة المتهم بمخالفات مخففة عن تلك الأصلية في لائحة الاتهام، مقابل اعترافه بالتهمة وإعفاء المحكمة وطواقم المحامين من إجراء مداولات قضائية وجلسات لإثبات البينات. ومن المعروف والمهم بالتذكير أن الإدانة بموجب "صفقة ادعاء" هي، في نهاية المطاف وفي التبعات، إدانة قضائية تامة لا انتقاص منها.

أما لوائح الاتهام الأخرى من بين التي قدمتها النيابة العامة خلال العام الماضي، غير تلك التي انتهت بالإدانة (83% منها) فقد انتهت بما يلي: 6% (320 لائحة اتهام) ـ بدون إدانة جنائية (أي، قرار المحكمة بأن المتهم قد ارتكب المخالفة، فعلا، لكنها تمتنع عن إدانته جنائيا)؛ 4% (213 لائحة اتهام) ـ قرار حكم بالبراءة أو "تراجع عن لائحة الاتهام"؛ 3% (160 لائحة اتهام) ـ وقف الإجراءات القضائية؛ و 4% (213 لائحة اتهام) ـ نتيجة أخرى.

ومن بين المعطيات المركزية الأخرى اللافتة التي عرضها تقرير النيابة العامة، أيضا:

ـ تعالج النيابة العامة، في العادة، نحو 10% من مجمل الملفات الجنائية، وهي التي تتعلق أساساً بمخالفات جنائية خطيرة يتضمنها كتاب القوانين الإسرائيلي. أما الملفات الأخرى، فهي ضمن صلاحيات "قسم الادعاء في شرطة إسرائيل"، الذي يتولى مهمة معالجتها، بصورة أساسية. وتشهد السنوات الأخيرة زيادة متواصلة في عدد ملفات التحقيق التي يتم تحويلها من الشرطة إلى النيابة العامة، ما يعني زيادة متواصلة، بالتالي، في عدد الملفات الجنائية التي تفتحها النيابة العامة.

ويشار، هنا، إلى أن "ملف النيابة" قد يحتوي (يعالج) أكثر من ملف تحقيق (بوليسي) واحد وأنه قد يولّد أكثر من لائحة اتهام واحدة.

ـ في العام 2015، حوّلت الشرطة 37272 ملف تحقيق جنائي إلى النيابة العامة التي قامت، بدورها، بفتح 29712 ملفا جنائيا استنادا إلى ملفات التحقيق تلك ومن بينها. رُبع الملفات التي حوّلتها الشرطة إلى النيابة العامة (أي 9318 ملفاً)، سواء كانت مرفقة بتوصية لتقديم لائحة اتهام أم بدون توصية كهذه، تم تقديم لوائح اتهام بشأنها في نهاية المطاف.

ـ بلغ مجموع لوائح الاتهام المختلفة التي قدمتها النيابة العامة خلال العام الماضي، 2015، أكثر من 5339 لائحة اتهام (أقل من عددها في العام السابق، 2014، بنحو 300 لائحة اتهام)، 54% منها (2883 لائحة اتهام) إلى محاكم الصلح؛ 35% (1868 لائحة اتهام) إلى المحاكم المركزية؛ 8% (427 لائحة اتهام) إلى محاكم الصلح للشبيبة و 3% (160 لائحة اتهام) إلى محاكم السير.

ـ توزعت لوائح الاتهام التي قدمتها النيابة العامة خلال العام الماضي (ومجموعها، كما ذكرنا، هو: 5339 لائحة اتهام) على المجالات التالية: 41% منها (أي 2189 لائحة اتهام) كانت بشأن مخالفات مختلفة في مجال العنف، وكان الجزء الأكبر منها في لواء القدس بينما كان الجزء الأصغر منها في لواء تل أبيب؛ 13% منها (أي 694 لائحة اتهام) كانت على مخالفات في مجال الاعتداءات الجنسية المختلفة، وكان الجزء الأكبر منها في لواء المركز؛ 12% منها (أي 641 لائحة اتهام) كانت على مخالفات في مجال الغش والاحتيال؛ 8% منها (أي 427 لائحة اتهام) كانت على مخالفات في مجال التعدي على الممتلكات.

ـ من بين جميع المشتبه بهم الذين فتحت النيابة العامة ملفات جنائية بحقهم في سنة 2015 (63562 متشبها به) كانت هنالك 693 امرأة فقط (يشكلن 1%)، مقابل 62869 رجلاً (يشكلون 99%). والنسبة ذاتها بقيت أيضا في عدد المتهمين الذين قدمت النيابة العامة بحقهم لوائح اتهام.

ـ في التوزيعة الجغرافية للوائح الاتهام حسب مجال المخالفات الجنائية، يبين التقرير أن: النسبة الأعلى من لوائح الاتهام بشأن مخالفات مختلفة في مجال العنف كانت في ألوية القدس، حيفا والشمال؛ النسبة الأعلى من لوائح الاتهام بشأن مخالفات في مجال الاعتداءات الجنسية كانت في لواء المركز؛ النسبة الأعلى من لوائح الاتهام بشأن مخالفات في مجال المخدرات والاحتيال كانت في لواء تل أبيب. أما النسبة الأعلى من لوائح الاتهام بشأن مخالفات تتعلق بـ"المسّ بأمن الدولة" فكانت في لوائيّ القدس والجنوب.

ـ أغلقت النيابة العامة للدولة، في ألويتها الستّة (لواء الشمال ـ مقره في الناصرة؛ لواء حيفا؛ لواء تل أبيب؛ لواء المركز ـ مقره في تل أبيب؛ لواء القدس؛ ولواء الجنوب ـ مقره في بئر السبع) خلال العام 2015 نحو 25700 ملف دون تقديم لوائح اتهام بشأنها: 22% منها (5654 ملفاً) تمت إعادتها إلى "قسم الادعاء في الشرطة" لمعالجتها أو لاستئناف معالجتها، و 78% منها (20046) تم إغلاقها في النيابة العامة نفسها ومِن قبلها هي ـ 59% (11827 ملفا) بدعوى "عدم توفرالأدلة"؛ 22% (4410 ملفات) بدعوى "ملابسات القضية لا تبرر تقديم لائحة اتهام" و12% (2405 ملفات) بدعوى "انعدام التهمة".

المصطلحات المستخدمة:

شاي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات