المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

استنكر سياسيون إسرائيليون، خصوصا من أحزاب الوسط - اليسار، دعوة عضو الكنيست، بتسلئيل سموتريتش، من "البيت اليهودي"، في بداية شهر نيسان الحالي، إلى الفصل بين النساء العربيات واليهوديات في أقسام الولادة في المستشفيات.

لكن هذه الاستنكارات، خصوصا من جانب أقطاب الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، لا تتلاءم مع حملات التحريض التي يقومون بها ضد الفلسطينيين، في كلا جانبي الخط الأخضر، يوميا تقريبا، من أجل حقن وتغذية الرأي العام الإسرائيلي بالأفكار العنصرية المتطرفة.

وأظهر استطلاع للرأي العام في إسرائيل، نشرته الإذاعة العامة الإسرائيلية يوم 8 نيسان الجاري، أن 41% من اليهود في إسرائيل يؤيدون الفصل بين العرب واليهود في المستشفيات. وأيد فصلا كهذا 3% فقط من العرب، ما يدل مرة أخرى على تغلغل الأفكار العنصرية بشكل واسع بين اليهود.

وترتفع نسبة المؤيدين للفصل بين العرب واليهود بشكل كبير في صفوف المتدينين اليهود وتصل إلى 72%، بينما عارض هذا الفصل 72% من العلمانيين و62% من المتدينين المحافظين، وفقا للاستطلاع.

وكان سموتريتش قد كتب في حسابه على موقع "تويتر" أن "زوجتي ليست عنصرية أبدا، لكن بعد الولادة تريد أن ترتاح ولا تريد الحفلات الحاشدة المعتادة لدى عائلات الوالدات العربيات".
وأضاف أنه "طبيعي ألا ترغب زوجتي بالاستلقاء قرب واحدة أنجبت للتو طفلا ربما سيرغب بقتل طفلها بعد عشرين عاما... العرب هم أعدائي ولذلك لا يسرني أن أكون برفقتهم".

وغالبا ما ينشر سموتريتش ويتفوه بعبارات عنصرية ومؤيدة للإرهاب اليهودي، واعتبر مؤخرا أن جريمة حرق عائلة دوابشة من قرية دوما "ليست إرهابا".

الفصل قائم ومنذ سنين طويلة

أظهرت تقارير نُشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أقوال سموتريتش لم تأت من فراغ، وأن الفصل بين اليهود والعرب في كثير من المستشفيات الإسرائيلية حاصل فعلا ومنذ سنوات طويلة، كما تبين أنه على الرغم من أن وزارة الصحة أعلنت معارضتها للفصل منذ سنوات، إلا أنها لم تفعل شيئا لأن الفصل ما زال قائما حتى اليوم.

ويغض الأطباء وإدارات المستشفيات الطرف عن هذا الفصل، برغم أن المستشفيات تكسب آلاف الشواكل مقابل كل امرأة والدة، إلا أن المستشفيات تنظر إلى هذا الفصل بين العربيات واليهوديات بأنه جزء من شروط الراحة للوالدات اليهوديات.

وذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية أن هذا الفصل بين الوالدات العربيات واليهوديات حاصل في مستشفيات مثل "هداسا" بفرعيها في عين كارم والعيسوية في القدس، وفي مستشفى "إيخيلوف" في تل أبيب ومستشفى "مِئير" في كفار سابا، سواء بطلب من الوالدات أو بشكل أوتوماتيكي.

ونفت جميع المستشفيات وجود سياسة فصل كهذه لديها، لكنها اعترفت بأنه في حال طلبت والدات ذلك فإن المستشفى يستجيب لهن.
يشار إلى أن هذا الفصل ممنوع وفقا للقانون لأنه يعكس عنصرية صرفة وتمييزا بين المرضى من جانب المستشفى، لكن صحيفة "هآرتس" أكدت أن "من يعرف المؤسسة الصحية من الداخل يعرف أن هذه الظاهرة موجودة في مستشفيات عديدة منذ فترة طويلة، وتبدأ أحيانا منذ حضور الوالدات إلى المستشفيات".

ويخدم مستشفى "هداسا" في العيسوية السكان الفلسطينيين في شمال القدس الشرقية والسكان اليهود الحريديم في المنطقة.

ونقلت الصحيفة عن ممرضة قابلة عملت في قسم الولادة في هذا المستشفى قولها إنه "يدخل ’العامل الديمغرافي’، إذا تحدثنا بلغة نظيفة، في غرف الولادة هذه. وعندما بدأوا بتعليمي الأنظمة، في بداية عملي، أوضحوا لي أنه بعد أن تنجب امرأة عليّ أن أتصل بقسم الولادة وهناك يسألون ’ناطقة (بالعربية) أم ليست ناطقة؟’ وبناء على ذلك يوزعونهن على الغرف".

وأضافت القابلة نفسها أنه "يوجد نوعان من الغرف في قسم الولادة: غرف لست والدات مع غرفة مراحيض واحدة، وغرف مريحة لوالدتين أو ثلاث. وواضح أن الوالدات العربيات يتم تجميعهن في الغرف الأقل راحة، من دون علاقة بوقت الولادة".
وأشارت القابلة إلى أن التمييز ضد الوالدات العربيات في المستشفى متأصل.

وقالت "توجد في قسم الولادة في هداسا هار هتسوفيم (العيسوية) أربع غرف ضيقة ومكتظة وثلاث غرف أخرى رحبة وإحداها، الغرفة رقم 6، تعتبر الأفخم وهي مطلة على البلدة القديمة. وفي بداية تأهيلي للعمل جرى التوضيح أنه لا يتم إدخال عربيات إلى الغرفة رقم 6".

وأضافت أنه "في أحد أيامي الأولى في العمل وصلت امرأة عربية على وشك الولادة وأدخلتها إلى الغرفة الشاغرة، رقم 6، وعلى الفور جاءت عدة قابلات وقلن لي إن هذه غرفة ليست للعربيات وإنما لليهوديات فقط".

وقالت القابلة نفسها إنه "سمعت أكثر من مرة واحدة قابلات يقلن بعد أن ولدت امرأة فلسطينية: ’وُلد مخرب آخر’".
وسياسة الفصل هذه متبعة ضد المواطنات العربيات في إسرائيل أيضا.

وتطرقت منظمة "أطباء لحقوق الإنسان" إلى هذا التمييز في العام 2013 بعد نشر تعليقات في شبكات التواصل الاجتماعي تطلب فيها نساء يهوديات "توصيات" حول مستشفيات تمارس الفصل بين اليهوديات وغير اليهوديات.

ونُشرت في العقد الماضي تقارير حول هذه الظاهرة، لكن من أجل الاطلاع على حجم هذه الظاهرة، اتصلت مندوبات من "أطباء لحقوق الإنسان" هاتفيا بمستشفيات وعرضن أنفسهن كنساء يقتربن من موعد الإنجاب واستوضحن إمكانيات الفصل.

وجرت هذه الاتصالات مع مستشفيات "سوروكا" في بئر السبع و"مئير" في كفر سابا و"كرمل" في حيفا و"هيلل يافيه" في الخضيرة. ووفقا للمنظمة فإن الإجابات كانت متطابقة في جميع هذه المستشفيات، ومؤداها أنه يتم بذل جهد في الأقسام للفصل بين الوالدات من خلفيات مختلفة، كما أن الانطباع هو أن طلبات الفصل هذه ليست استثنائية وتعتبر شرعية.

تمييز ضد الوالدات الأثيوبيات أيضا

تكشف جراء العاصفة التي أثارتها أقوال سموتريتش جانب آخر من الفصل على خلف عنصرية بين الوالدات في المستشفيات الإسرائيلية، وتبين أن هذا الفصل يسري على الوالدات من اليهود الفلاشا، الذين استجلبتهم إسرائيل من أثيوبيا.

وقالت مديرة قسم الولادة في مستشفى "هداسا" في العيسوية، البروفسور دروريت هوخنر، الأسبوع الماضي، إنها كانت تأخذ بالحسبان طلب نساء يهوديات ألا يرقدن في غرفة واحدة مع والدات أثيوبيات.

وفي إثر هذا التصريح، قالت عضو الكنيست السابقة بنينا تامنو – شاطا، وهي من أصول أثيوبية، لموقع "واللا" الالكتروني، إنها مرت بتجربة شخصية في هذا السياق، وإنه "عندما أنجبت في المرة الأولى سار كل شيء على ما يرام، لكن الحدث وقع عندما أنجبت في المرة الثانية".

وأوضحت أنه "كنت الأولى في غرفة الانتظار للوالدات، وكانت هناك غرفة فاخرة توجد فيها والدتان فقط. وجاءت بعدي امرأة، وبعد ساعة لم تكن هناك. وبعد ذلك جاءت امرأة أخرى وتبخرت. لم أطرح أسئلة، لكن السبب كان واضحا لي. فبعد أن خرجت كلتا المرأتين استنتجت السبب".

ورأت تامنو – شاطا أن سبب خروج الوالدتين من الغرفة وعدم رغبتهما بالبقاء برفقتها مرتبط بقضية إلقاء وجبات الدم التي تبرع بها إسرائيليون من أصول أثيوبية للاشتباه بأنها قد تكون مصابة بجرثومة HIV التي تسبب مرض الإيدز.

وقالت إنه "كان واضحا لي أن هذا ما دفعهن إلى المغادرة، وهذه انعكاسات لجهاز صحة يسمح لنفسه بألا يقبل دما من امرأة مثلي".
وعقبت على أقوال رئيسة قسم الوالدات بالقول إنها "تقول من دون أن ترمش إنها سمحت بفصل بين نساء متنوعات. إننا في حالة تآكل أخلاقي وقيمي في دولة إسرائيل. ولو حدث هذا لليهود في أوروبا لوقفنا جميعا على الأقدام. بإمكاني أن أواجه عنصرية في مجتمع مغلق، لكن عندما أضطر إلى سماع امرأة تمثل جهاز الصحة تقول ما قالته، تبقى لي أن أقول فقط بأننا فقدنا صوابنا، ونحن موجودون في مكان سيء للغاية".

قاض إسرائيلي: أقوال سموتريتش ليست عنصرية

نُشرت في الصحافة الإسرائيلية عدة مقالات قال كاتبوها، اليساريون والليبراليون واليمينيون، إن سموتريتش عبر عن رأي الكثير من الإسرائيليين، وأكد ذلك الاستطلاع أعلاه وممارسات مستشفيات وامتناع الحكومة الإسرائيلية، ممثلة بوزارة الصحة، عن معالجة ظاهرة الفصل بين العربيات واليهوديات في المستشفيات.
وتلقى سموتريتش دعما من قاضي المحكمة المركزية المتقاعد، أوري شتروزمان، الذي تولى منصب رئيس لجنة الانتخابات لمؤسسات حزب الليكود وعضو اللجنة الإدارية في "معهد الإستراتيجية الصهيونية" اليميني.

وقال شتروزمان في مقابلة أجرتها معه صحيفة الصهيونية الدينية "عولام كتان" (عالم صغير) ونشرتها أول من أمس، الأحد، إن أقوال سموتريتش "ليست عنصرية. وبسبب اعتبارات سياسية، وبالأساس بسبب نفاق، نحن نتجاهل وجود حرب بيننا وبين العربي بكامله. ونحن في حرب شديدة مع ما يسمى ’السلطة الفلسطينية’، كما أن عرب إسرائيل يصرحون بأنهم أبناء عائلة وقومية أولئك الذين يقطنون في الضفة الغربية".

وأضاف شتروزمان أن "هذه المجموعة السكانية موجودة في حالة تناقض مصالح بنيوية، ولذلك فإنه مفهوم تماما أن تقول نساء يهوديات إنه ليس مريحا لهن أن يرقدن إلى جانب عربيات يخوض شعبهن حربا معنا".

وتابع أنه "قرأت إجابة السيدة سموتريتش، التي قالت إن معارفها قتلوا على أيدي مخربين عرب. ألا يمكن فهمها مع تاريخ كهذا؟ وإذا ما قالت يهودية بعد أن لم ييأس العرب من محاولاتهم لإلقائنا من هنا أنها لا تريد أن ترقد في المستشفى إلى جانب عربية، فهذه عنصرية؟. إذا حل السلام ونريد الفصل، فهذه ستكون عنصرية. وبرأيي أنه عندما يأتي السلام لن يكون وضع كهذا".
وقال شتروزمان إنه وزوجته رقدا إلى جانب عرب ولم ينزعجا من ذلك. وتابع "لقد التقينا بممرضين وبأطباء عرب في المستشفى وكانوا ناجعين ومؤدبين، وأكثر من اليهود أحيانا".

وعبر هذا القاضي عن معارضته لمنح العرب مساواة، خاصة فيما يتعلق بقرارات حول إسرائيل ومستقبلها، برغم أن الأقلية العربية في إسرائيل ملتزمة بواجباتها، مثل دفع الضرائب واحترام القانون.

وقال إن "العرب لن يكونوا شركاء في قرارات مصيرية لشعب ودولة إسرائيل. لا يعقل أن يكون لعضو كنيست عربي الحق في التصويت على ميزانية الأمن. ولا يعقل أن يحارب ابني في رام الله، وعضو كنيست عربي يحدد ميزانيته الأمنية. وليس صدفة أنه لا يوجد تمثيل عربي في لجنة الخارجية والأمن (في الكنيست)، وعندما دخلها عضو كنيست عربي شكلوا لجنة فرعية لمناقشة الأمور السرية".
واعتبر شتروزمان أنه "طالما أن دولة إسرائيل لا تعيش في أمان، ينبغي منح أفضلية لليهود في المسائل الوجودية مثل جمع الشتات والاستيطان".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات