ليست هذه هي المرة الاولى التي يقف فيها حزب الليكود، بعد فوز انتخابي كبير، أمام التحدي أو الإغراء المثير بتطبيق ما ينادي به الحزب من أهداف وشعارات. وبعبارة اخرى: هل يجرؤ الليكود الآن، بعدما أجهز على اتفاق اوسلو نهائياً، وألحقَ هزيمة ماحقة بأجندة اليسار، على ترجمة ما حفلت به دعايته الانتخابية من شعارات ومواقف سياسية؟جميع الدلائل، وليس في ذلك مفاجأة، تشير الى أن الليكود سيتهرب في هذه المرة أيضاً، من هذا التحدي وسيتملص بألف ذريعة من لحظة الحقيقة المخجلة، اللحطة التي يتعين فيها عليه الوقوف لوحده وراء دفة القيادة ليجسد اللغو الخطابي الذي يتشدق به (الليكود) منذ ما يربو على الثلاثين عاماً. ففي هذه الحقيقية سيتبين، كالمعتاد، أن المهمة غير قابلة للتنفيذ، ذلك لأن الليكود يفتقد في الواقع الى اجدنة خاصة ذات احتمالات للتحقق على أرض الواقع.
يذكر أعضاء الكنيست الليكوديون القدامى جلسات لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست في العام 1994، التي حارب فيها وزير الخارجية شمعون بيرس من أجل كسب ثقة أعضائها، بصحة إتفاق "غزة أريحا أولا". الليكوديون الشّكّاكون سألوا وزير الخارجية: "وماذا سيحدث لو أن الفلسطينيين أطلقوا قذائف الكاتيوشا على أشكلون؟". "سندوسهم مثل القمل"، أجاب بيرس بحزم، وجسّد طريقة تطبيق ذلك بحركة من أصابعه. مع الأيام، تحققت نبوءة نواب اليمين التشاؤمية، ووقف بيرس على رأس مجموعة الوزراء التي حاولت قدر الامكان لجم الحملات العسكرية التي بادر إليها الجيش الاسرائيلي، كرد على الصواريخ من غزة.هذا التذكير مقدم كخدمة لبيرس لتوضيح الانطباع السيء الذي يثيره، في سعيه لإقناع زملائه في الحزب بالانضمام مرة أخرى إلى حكومة برئاسة أريئيل شارون. من المؤسف قول ذلك، لكن بيرس يبدو كمن أصيب بعوارض الظاهرة المعروفة عند السياسيين الذين حققوا البطولات: هم لا يعرفون متى عليهم التوقف، هم لا يشعرون بأن تصرفاتهم تبدو فجأة منقطعة عن الواقع؛ لا تتحدث ثانية إلى القلب ولا تثير الاحترام كما كانت تفعل.
زار مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي لشؤون الأمن القومي، افرايم هليفي، في نهاية الاسبوع الماضي، العاصمة الامريكية واشنطن، والتقى مع كبار الموظفين في الادارة الامريكية، وبضمنهم مستشارة الأمن القومي كونداليسا رايس، ومساعد وزير الخارجية ريتشارد أرميتاج، وكبار المسؤولين في الاستخبارات الأمريكية.
ودارت محادثات هليفي، رئيس "الموساد" السابق، حول خطط الهجوم الأمريكي على العراق. وقالت "هآرتس" التي اوردت النبأ (2 شباط) ان رئيس الحكومة الاسرائيلية ارئيل شارون كلّف هليفي بعرض موقف اسرائيل وتقديراتها المتعلقة بخطط الإدارة الأمريكية حيال الأزمة مع العراق.
بقلم الوف بنرئيس الحكومة وزملاؤه في القيادة الامنية – السياسية يعدون بأن الهجوم الامريكي على العراق سيحل مشاكل اسرائيل. الانظمة المعادية المحيطة ستسقط، وياسر عرفات سيُستبدل بقيادة مريحة، والدولارات من الولايات المتحدة ستحل الازمة الاقتصادية. ويؤمن ارئيل شارون انه اذا انتظرت اسرائيل بصبر حتى "اليوم التالي" فستستيقظ على واقع جديد، يخشى فيه العرب قوّتها بسبب الدعم الامريكي.
التناظر السياسي غير عادي. عام الانتخابات 1992 يشبه في جوهره العام الانتخابي الحالي الذي يجري بعده بعشر سنوات ويوشك علي الولوج في بداية عام 2003 . المضامين تبدو كنسخة مكررة بين الماضي والحاضر، الأجواء والشعارات وحرب الخليج كلها متشابهة. والامر الذي يصعب افتراضه وفقا للاستطلاعات اليوم هو ان تكون النتيجة النهائية مشابهة اذ تمخضت انتخابات عام 1992 عن فوز ساحق لحزب العمل برئاسة اسحق رابين الذي حصل علي 44 مقعدا مقابل 32 مقعدا لحزب الليكود.في كانون الثاني (يناير) 1992 كان رئيس الحكومة اسحق شمير، والليكود كان هو الجواد الذي يمتطيه. حرب الخليج وضعت أوزارها بصورة جيدة بالنسبة لاسرائيل وعزز ضبط شمير لنفسه من العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1991 عقد مؤتمر مدريد الذي أجبرت فيه امريكا رئيس الوزراء الاسرائيلي علي المشاركة وجرت معه كل الشرق الاوسط. بعد سنوات طويلة اجتمع قادة الدول العربية بما فيهم سورية والفلسطينيون في مواجهة ممثلي اسرائيل. هذا الحدث السياسي بني أمالا جديدة في نفوسنا وأوشكنا علي الاصابة بالنشوة. الاستطلاعات منحت الليكود 48 مقعدا والعمل 22 مقعدا.
كتب اسعد تلحمي:
بعد اسبوعين من الاستقرار في وضع "الليكود" في استطلاعات الرأي العام، التي ابقته على خسارته (6 مقاعد) رغم "فضيحة الكراسي"، جاءت استطلاعات الرأي الجديدة التي نشرتها صحيفتا "هارتس" و "معريف" واذاعة الجيش الاسرائيلي (2 كانون الثاني)، لتقول ان وقف التدهور في شعبية حزب السلطة لم يكن حقيقيا، حتى لو توقف النشر في وسائل الاعلام بشكل مؤقت، في صالح "الملف العراقي".
الصفحة 98 من 119