المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

على ما يبدو فإن خطة الانفصال عن غزة، لم تقف في صلب القرار "باستبدال الخيول" خلال السبق، وتعيين قائد سلاح الجو السابق، دان حالوتس، رئيس قادمًا لهيئة أركان الجيش الاسرائيلي. وعلى ما يبدو، ايضا، فإن فقدان الانسجام بين وزير الدفاع شاؤول موفاز ورئيس هيئة الأركان موشيه يعالون لم يكن عاملا حاسما في هذا القرار. وعمليا فإننا نفهم من شخص ما "مقرب من رئيس الحكومة" ("يديعوت أحرونوت"، 23 شباط 2005) بأنه "ليس سرا ان رئيس الحكومة اراده"!، وهو يخلق انطباعًا بأن الحديث يجري عن امر أهم بكثير من خطة الانفصال. فلماذا بالذات قائد سلاح الجو؟.

في مقاله "عهد حالوتس" ("يديعوت أحرونوت"، 23 شباط 2005) يلخص أليكس فيشمان، المحلل العسكري في الصحيفة، المهمات الماثلة أمام حالوتس على النحو التالي: ".. هناك طبعا تهيئة الجيش لمواجهة دائرة التهديدات البعيدة- وهذا مجال هو خبير به جدا. توجد لدى حالوتس آراء محددة في ما يتعلق باقامة "طاقم قيادي استراتيجي" واعطاء افضلية تنظيمية ومالية للذراع الطويلة للجيش الاسرائيلي". وفي النشرة الاخبارية للقناة الثانية يوم 23 شباط، قيل بشكل واضح ان المهمة الاساسية لدان حالوتس هي معالجة التهديد النووي الايراني.

تعالوا نبحث في موضوع التهديد النووي الإيراني. في مقال نشر في "نيويوركر"، في 24 و31 من كانون الثاني 2005، كتب سيمور هيرش يقول "إن الإدارة الأميركية تسيّر جولات سرية في ايران، منذ الصيف الأخير، من اجل جمع معلومات. والتركيز هو على جمع معلومات حول اهداف نووية وكيماوية ومواقع اطلاق صواريخ في ايران. والهدف هو الكشف عن ثلاث دزينات (36) من الأهداف بالإمكان إبادتها بضربات دقيقة ومركزة من خلال طلعات جوية ينفذها الكوماندو... والوحدات الأميركية التي تقوم بهذه المهمة تدخل الى شرق ايران عن طريق افعانستان وتفتش عن مواقع تحت ارضية... ويوجد ايضا تعاون وثيق مع اسرائيل.. مواطنون من وزارة الدفاع بإدارة دوغلاس بيت، يعملون مع مخططين ومستشارين إسرائيليين من اجل تحسين مهمة الكشف عن الأهداف المذكورة. فبعد قضية المفاعل النووي العراقي "اوسيراك"، الذي قصفته إسرائيل، تقيم إيران الكثير من مواقعها النووية في أماكن نائية في الشرق من اجل أن تكون بعيدة عن مجال ضربات دول أخرى، وبشكل خاص إسرائيل، ولكن البعد لم يعد يضمن حماية ودفاعا، فقد اشترت إسرائيل ثلاث غواصات بإمكانها أن تطلق صواريخ بحرية، وزودت بعض الطائرات بخزانات وقود إضافية، بشكل يسمح لطائرات مثل طائرات F16 I القتالية الإسرائيلية بأن تصل إلى غالبية الأهداف في إيران".

ويكتب أمرا مشابها ريتشارد سيل، مراسل وكالة الانباء "يو بي" للشؤون الاستخباراتية في 26 كانون الثاني: طائرات أميركية تحلق بشكل دائم في سماء ايران... علينا معرفة الاهداف وكيف بالامكان ضربها... إن الولايات المتحدة وبالتعاون مع اسرائيل تتعامل بجدية كاملة من اجل شل مواقع الاسلحة النووية الايرانية. لقد قررت الادارة الأميركية انه لا يوجد حل دبلوماسي، كما قال جون فييك، رئيس شركة الخبراء على موقع الانترنت www.globalsecurity.org.

ويقتبس أوري افنيري في مقاله الاسبوعي نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، الذي هدد بأنه إذا ما واصلت ايران تطوير مقدرتها النووية، فإن اسرائيل قد تضربها. وقبل فترة وجيزة كرر الرئيس جورج بوش التهديد ذاته: لو كنت زعيم إسرائيل لكنت اشعر بأنني مهدد من قبل ايران.

وأخيرا نذكر تصريحا جديدًا أطلقه سكوت رايتر، مراقب الأسلحة في لجنة الأمم المتحدة وقال فيه "إن الرئيس الأميركي جورج بوش وقع على أمر لتوجيه ضربة جوية لايران في حزيران/ يونيو العام 2005، والهدف هو وضع حد لبرامج تطوير الاسلحة النووية الايرانية، ولكن المحافظين الجدد في الادارة الأميركية يعتقدون أن هذا سيقود الى تغيير النظام في هذه الدولة الغنية بالنفط".

إذًا الأمور واضحة قطعًا. بقي سؤال واحد، وهو لماذا تتبع الولايات المتحدة تكتيكا مخالفا الى هذا الحد للتكتيك الذي اتبعته في مغامرتها العراقية، بمعنى أن تقصف وتغزو برعاية الامم المتحدة وحلف الناتو، في نفس الوقت الذي طلب فيه من اسرائيل أن تجلس بهدوء جانبا. ويتضح ان الامم المتحدة والناتو يعارضان عملية عسكرية ضد ايران، والولايات المتحدة بمفردها لا تستطيع ان تشن هجوما على ايران وان تبرره. فما العمل؟.

تعالوا نفحص ما هو البرنامج النووي الايراني.

لقد استكملت روسيا لتوها بناء مفاعل نووي كبير بقوة ألف ميغاواط، من اجل انتاج الكهرباء في مدينة بوشهر في ايران بتكلفة 800 مليون دولار، وحسب المخطط فإن المشروع سيصل الى اعلى مستوى انتاجي له في العام 2006. إيران موقعة على الوثيقة الدولية لمنع نشر الاسلحة النووية، ولهذا فإن محطة انشاء الطاقة هذه ستكون خاضعة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية. وحسب الاتفاق، فإن قضبان الوقود التي يتم استخراجها من المفاعل لاستبدالها (بعد ثلاث او اربع سنوات تقريبا) ستعود الى روسيا. وأصلا لا يمكن استغلال المفاعل من اجل انتاج مواد خام للقنابل. صحيح أن البلوتونيوم ينتج في مفاعل نووي، ولكنه في المفاعل المعرض لفترة طويلة لمادة النيوترون، يغير المبنى ويميل إلى الإنشطار بشكل عفوي لاحقا، وهو برنامج يؤدي الى اشعال القنبلة قبل اوانها. فمن اجل انتاج بلوتونيوم ذي جودة عالية لاستخدامه في القنابل، فإنه يجب إخراج قضبان الوقود من المفاعل في فترات زمنية قصيرة، اي كل ثلاثة او اربعة شهور، وفصل البلوتونيوم بشكل كيماوي، كما يجري في مفاعل ديمونة (الاسرائيلي) حسب مصادر اجنبية.

بالمختصر، فإن المفاعل النووي بامكانه أن ينتج كهرباء او بلوتونيوم وليس كليهما معا. الولايات المتحدة (واسرائيل) عارضتا اقامة مفاعل نووي في مدينة بوشهر بدعوى انه بالامكان تحويله إلى منتج للسلاح النووي، وهو ادعاء رفضته الوكالة الدولية للطاقة النووية وايضا حكومات أوروبية مختلفة. ولهذا فإن للولايات المتحدة مشكلة، إذا هي نوت تدمير المفاعل في بوشهر، وفي هذه الحالة سيتم الطلب من اسرائيل حتما أن تنفذ هذه المهمة القذرة.

بالإمكان أيضا صنع قنبلة من خلال استخدام يورانيوم مخصّب يصل تركيز يورانيوم- 235 فيه الى 93% أو أكثر. والتركيز في اليورانيوم الطبيعي هو 1%، وان يتم صنع قنبلة ثانية (يورانيوم- 238) حين يكون اكثر من 99%، ومن اجل تخصيب اليورانيوم هناك حاجة الى فرازة، او لأكثر دقة، المئات من الفرّازات التي عليها ان تعمل على مدى اشهر وسنوات. وتوجد لدى إيران فرازات بإمكانها أن تخصّب اليورانيوم، ولكنها تدعي ان هذا يحق لها بموجب الوثيقة الدولية التي وقعت عليها، التي تسمح بتخصيب اليورانيوم بقدر ما من اجل اعادة انتاج قضبان الوقود المستخدمة في المفاعل النووي. وحسب الاتفاق الذي وقع بين ايران وثلاث دول اوروبية، ودخل الى حيز التنفيذ في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي 2004، فقد وافقت ايران على تجميد كل نشاط مرتبط بتخصيب أو إعادة إنتاج اليورانيوم، وهذا مقابل التزام الدول الاوروبية بأن تزود ايران بوقود جديد بدلا من الذي انتهى مفعوله.

لقد تم الاتفاق... لكن الإدارة الأميركية وكما رأينا ليست معنية باتفاقيات، وقررت "انه لا حل دبلوماسيا"، ويجب منع ايران من امكانية ان تصبح نووية، وهذا يلزم قصف الفرازات الموجودة تحت الارض، ولهذه المهمة، فقد زودت الولايات المتحدة اسرائيل بخمسمائة قنبلة تخترق عمق الارض، بوزن طن واحد لكل قنبلة، وهذا الى جانب 2500 قنبلة "عادية" بوزن طن واحد لكل قنبلة (ألوف بن، "هآرتس"، 21/9/2004). ومن اجل تنفيذ هذه الخطة، فإن تعيين رئيس لهيئة الأركان مع مؤهلات خاصة لقصف المفاعلات النووية بالامكان أن يفيد فقط.

(*) كالمان ألتمان بروفيسور ومحاضر في الفيزياء النووية في معهد الهندسة التطبيقية "التخنيون" في حيفا وفي جامعات أخرى في العالم. وهو نشيط سياسي سلامي، وعضو في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الاسرائيلي ومقيم في حيفا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات