المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: وديع أبونصار
أبدت أوساط إسرائيلية رفيعة المستوى تحفظها على ما جاء في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في كامب ديفيد مؤخرًا، وصرحا فيه بأنهما سيمضيان قدُمًا بُعيد الحرب على العراق في الضغط على إسرائيل لتنفيذ المسؤوليات الملقاة عليها، بناءًا على ما يسمى بـ "خريطة الطريق" التي وضعها أعضاء "الرباعية" (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) كخطة لإعادة العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية من حالة المواجهة الدموية الحالية إلى مائدة المفاوضات، التي تهدف إلى تطوير الكيان الفلسطيني نحو دولة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويعود تحفظ إسرائيل على إعلان بوش وبلير إلى خشيتها التعرض إلى ضغوط كبيرة من المجتمع الدولي عامة ومن الإدارة الأمريكية خاصة بعد انتهاء الحرب على العراق، وذلك على غرار ما حدث في العام 1991 عندما أجبرت إسرائيل، التي رئس حكومتها آنذاك اسحق شامير، على المشاركة في مؤتمر مدريد الذي عقد في 31 تشرين أول 1991 على أمل أن يكون بمثابة الخطوة الأولى نحو التوصل إلى حل دائم للصراع العربي - الإسرائيلي. فحكومة إسرائيل الحالية معنية بإدخال العديد من التحفظات على مسودة "خريطة الطريق" التي كانت قد تلقت نسخة منها قبل بضعة أشهر، وذلك بصورة منافية ليس فقط للموقف العربي بل لمواقف أعضاء "الرباعية" الذين يرون في "خريطة الطريق" وثيقة على الفلسطينيين والإسرائيليين تطبيقها.

جاء تحفظ الحكومة الإسرائيلية مصحوبًا بموقف يرفض ربط "خريطة الطريق" بتطورات الوضع في العراق. وقد ظهر هذا الموقف جليًا عندما تحدث عدد من كبار الإسرائيليين عن رفضهم دفع ثمن ما أسموه بحاجة الأمريكيين والبريطانيين لإرضاء العرب بعد حربهم على العراق. وقد ذهبت الحكومة الإسرائيلية بعيدًا عندما بدأت تتحدث عن مخاطر جديدة من سوريا وإيران، الأمر الذي فسره المراقبون على أنه رغبة إسرائيلية بإشغال الإدارة الأمريكية بملفات إقليمية عديدة، بعد أن تنهي هذه الإدارة حربها الراهنة على العراق، لكن دون أن تنشغل هذه الإدارة في الملف الإسرائيلي - الفلسطيني، مما يفسح المجال أمام الحكومة الإسرائيلية لاستغلال قوتها العسكرية لفرض أمر واقع جديد يعقد الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي اكثر فأكثر.

لذلك، فإن الموقف الإسرائيلي الرسمي الداعم للحرب الأمريكية - البريطانية على العراق لا يأتي فقط من سخط الحكومة الإسرائيلية على النظام العراقي، وليس فقط من رغبة الحكومة الإسرائيلية بالقضاء على خصم إقليمي شرس لها، بل يأتي أيضًا في سياق دعم الحملة التي بدأها الرئيس الأمريكي بوش بعيد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 (تعرض واشنطن ونيويورك لهجمات إرهابية)، اعتقادًا منها بأن هذه الحملة ستشمل فصولا عدة ولن تنتهي بأفغانستان والعراق. وبالتالي، فإنه ليس من المستبعد أن تقدم إسرائيل على دفع الإدارة الأمريكية، بشتى الطرق الممكنة، على تبني خطٍّ عدائيٍّ ضد أنظمة عربية وإسلامية تعتبر معادية لإسرائيل، وعلى رأسها سوريا وإيران، وذلك رغبة من إسرائيل في التهرب من تنفيذ استحقاق "خريطة الطريق."

غير أن لتطور الأحداث في الحرب على العراق من جهة ولمواقف الدول العربية والأوروبية بعد هذه الحرب من جهة أخرى دور حاسم في تحديد ما اذا كانت حكومة إسرائيل ستتمكن من التنصل من "خريطة الطريق"، أم أنها ستضطر لدفع جزء معين من ثمن الحرب الراهنة لقاء التأييد الضمني الذي منحته العديد من الأنظمة العربية للحملة العسكرية الأمريكية - البريطانية على العراق.

وكلما كانت الحرب طويلة ودموية، كلما زادت فرص الضغط المستقبلي على إسرائيل، وكلما كان موقف الدول العربية والأوروبية أكثر حزمًا بعد الحرب بما يتعلق بضرورة التوصل إلى حل على الجبهة الفلسطينية، كلما زاد أيضًا احتمال الضغط على الحكومة الإسرائيلية.

لكن، ومع استمرار المقاومة العراقية الشرسة للغزو الأمريكي - البريطاني، فإن الحرب التي تدور حاليًا على بلاد الرافدين تبدو أقرب إلى البداية منها إلى النهاية، ومن ثم فإنه ما زال من المبكر الفصل فيما إذا ما ستستطيع حكومة إسرائيل التهرب من تقديم تنازلات جوهرية للفلسطينيين في المستقبل القريب.

31 آذار 2003

المصطلحات المستخدمة:

مؤتمر مدريد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات