المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وجهة نظر إسرائيلية أعلن الجنرال تومي فرانكس القائد العسكري لقوات التحالف التي تشن حربًا في العراق أنه ليس هناك ذرة من الشك فيما يتعلق بنتيجة الحرب. كان الجنرال طبعًا يتحدث عن الجوانب العسكرية. على أنه، بعيدًا عن القتال وبعيدًا حتى عن الترتيبات السياسية لعراق ما بعد صدام، تحوم في الأفق علامات استفهام كبيرة. سوف تسفر أزمة العراق الشائكة عن اختلال في الدور والمسار للتحالف الغربي ولحلف الأطلسي وللاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص للأمم المتحدة. سيخرج هؤلاء جميعا منها كما البضائع التالفة.

إن إعادة هيكلة هذه البنى سوف تشغل بال العالم لأشهر وربما لسنوات قادمة. كيف ستجمع هذه القطع التي تفككت إحداها إلى الأخرى؟ الجواب على هذا السؤال سيقرر شكل العالم الذي سنجد أنفسنا نعيش فيه. إذا سار كل شيء على ما يرام، وإذا كانت الحملة العسكرية قصيرة وموفقة فإن هذا قد يخلق نظاماً عالميًا جديدًا أفضل. ولكن الفشل قد يكون بداية لحقبة من عدم الاستقرار السياسي دولياً بحيث تنال الاضطرابات المحلية الاهتمام وتصبح أعلى مقامًا من المصالح العالمية، وبحيث تصبح القضايا الإقليمية الضيقة قادرة على الحلول محل الأهداف الكونية.

إن خطرًا من هذا القبيل سيكون واضحًا للعيان بشكل خاص في الشرق الأوسط. فكيف سيتأثر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من نتائج حرب العراق؟ وهل سيخرج التوتر التركي الكردي عن السيطرة؟ وهل سينفرط عقد الاستقرار الهش في الأردن؟ وما هي المشكلات التي ستنشأ عند أنظمة مثل السعودية ومصر ودول الخليج بسبب نتائج الحرب؟ وهل سينجح المعتدلون في إيران في خلع نير التعصب الديني؟ إن الجواب الجزئي على كثير من هذه الأسئلة يمكن أن يستمد من القرارات المحورية للولايات المتحدة بعد أن تضع الحرب أوزارها، وفي المدى الذي ستؤثر به القضايا المحلية ولا سيما هدف إعادة الانتخاب على الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للرئيس. لقد انتخب الرئيس بوش كزعيم محافظ ذي أجندة محلية وبميول نحو الاعتزال عن العالم. كان غرضه تحقيق ولايات متحدة قوية ومحافظة. ولم يكن ليدخل السياسة الخارجية في حساباته.

كل هذا تغيّر بعد الهجوم الإرهابي في 11 أيلول، وخصوصاً الآن والولايات المتحدة تواجه عواقب المشكلات الكبيرة التي عانتها على الساحة الدولية عشية حرب العراق. على أن الميل الأقوى لدى الرئيس وفريقه سيكون باتجاه التركيز على هذه القضايا المحلية التي ستضمن إعادة انتخاب الرئيس لولاية ثانية، وليس على قضايا السياسة الخارجية. إن رأب الصدع مع فرنسا وألمانيا وبلجيكا لن يأتي بأية أصوات، وبالمثل أية جهود لتقوية الأمم المتحدة التي كانت ضحية أساسية على الساحة الدولية.

إن جهدًا حقيقيًا لتطبيق خريطة الطريق الحالية، وللتحرك قدما باتجاه سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين سوف ينظر إليه كعامل تنفير للناخبين اليهود والمسيحيين المتشددين. لهذا فإن أي تحرك نحو تقليل العداء الذي ازداد في العالم الإسلامي نتيجة للحرب في العراق يدخل ضمن هذا الاعتبار أيضا.

فهذه إذا ليست أمورًا مرغوب فيها يتوقع من الولايات المتحدة القيام بها بينما تقترب شيئًا فشيئًا الحملة الانتخابية. ومع ذلك فإن عدم اتخاذ كل تلك الإجراءات يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على النظام العالمي المستقبلي ولاسيما بالنسبة لدول الشرق الأوسط.

ستترك الولايات المتحدة في حال انتهاجها نهجًا اعتزاليًا فراغًا خطرًا في الساحة الدولية. لقد فقدت الأمم المتحدة إلى حد كبير المصداقية ولا يمكن لها أن تتصرف كرجل شرطة للعالم. الاتحاد الأوروبي مشتت القوى. هناك الآن حاجة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لسياسة خارجية أميركية نشطة يمكن لها أن ترأب الصدع وأن تستعيد تحالفاً أميركياً أوروبياً قويًا من شأنه أن يباشر في تحييد المخاطر المحتملة، ولا سيما في الشرق الأوسط، ومن هذه المخاطر إيران، وقد يكون منها ليبيا إذا ما استمرت في خطتها للحصول على أسلحة دمار شامل.

بدون انغماس دولي من هذا القبيل فليس هناك للأسف كبير أمل في أن يتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من انتشال أنفسهم من المستنقع الحالي. إن التدهور المستمر على هذه الجبهة قد يؤدي إلى نتائج باهظة الثمن على استقرار الأنظمة المجاورة ولا سيما في الأردن. ولحدوث أي تقدم على هذه الجبهة فإن على الولايات المتحدة أن تطبق "خريطة الطريق" ومعها نشر مجموعة مراقبة دولية للتأكد من التطبيق وتسجيل الخروقات.

فهل القادة الأميركيون مستعدون لمواجهة تحديات ما بعد الحرب؟ سوف تلاحقهم الحاجة الملحة إلى إرساء نظام فيدرالي جديد في العراق مستند إلى الحريات الإنسانية وسوف يكونون منشغلين بتدبير أمر علاقاتهم مع الأتراك والأكراد والسنة والشيعة. ولكن فوق ذلك كله فإن أذهانهم ستكون مركزة على الفوز في الانتخابات القادمة. سيكون هذا هو الهدف الرئيسي. فلنأمل في الوقت نفسه في أن يكونوا مدركين لمسؤوليتهم الجسيمة تجاه بقية العالم، وفي أن لا يفشلوا في الوفاء بمهمة ليست أقل أهمية من الإطاحة بصدام حسين.

دافيد كمحي: المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير المتجول السابق، وهو رئيس مجلس إسرائيل للعلاقات الخارجية، ويرأس الفرع الإسرائيلي للتحالف الدولي من أجل سلام عربي إسرائيلي (جماعة كوبنهاجن).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات