المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تَهمّ الولايات المتحدة بشن حرب على مرمى صواريخ من عقر دارنا، ومع ذلك لا يجري اي نقاش عام لدينا سواء بالنسبة لضرورة الحرب او بالنسبة لعدالتها. وقد خرج الناس في ارجاء المعمورة من اقصاها الى اقصاها للتظاهر ضد هذه الحرب، اما في اسرائيل وهي الدولة التي قد تتضرر عسكريا وسياسيا اكثر من معظم دول العالم – فقد ساد صمت مطبق.ولعل الموقف الوحيد الذي يحظى بتعاطف وتأييد علني هو موقف المؤسسة الرسمية (الاسرائيلية) ومتحدثيها الذين يساندون الحرب، بل ان قسما من الاسرائيليين لايخفون بأنهم ينتظرون وقوعها بفارغ الصبر. ويجهد المحللون في شتى المجالات في استعراض عديد الفرص الذهبية التي ستكون متاحة أمام الدولة الاسرائيلية بعد الحرب. وعلى رأي هؤلاء فسوف تجد الازمة الاقتصادية التي تعاني منها اسرائيل حلا شافيا وسريعا لها، وسيختفي ياسر عرفات من الساحة وسيغدو السلام قاب قوسين او أدنى، وستعم الديمقراطية الليبرالية في الدول العربية، وسيعود السياح للتدفق مجددا، كما وستتخلص اسرائيل اخيرا من التدخل الاوروبي المزعج في منطقتنا.

المعلق إيهود يعاري استعرض في القناة الثانية من التلفزيون الاسرائيلي، نهاية الاسبوع الفائت، الاستعدادات الجارية للحرب الوشيكة بمصطلحات رياضية تبهج الصدور (حيث قال موضحا "منتخب كرة الطائرة " اصبح على اتم الجاهزية و "منتخب كرة القدم" لايزال يشق طريقه في اشارة الى سلاح الجو و القوات البرية التابعين للجيش الامريكي).

ما من احد يتحدث عن القتل والدمار المتوقعين في الحرب، كما ان احدا لايجرؤ على طرح السؤال حول ما اذا كانت هذه العواقب قدرا محتوماً لا سبيل الى تفاديه. ويرى الكثيرون (في اسرائيل) بحكم اخلاصهم وقناعتهم بالتوجه المهيمن على التفكير السياسي الاسرائيلي الذي يمكن بمقتضاه التوصل الى حلول سياسية فقط عن طريق استخدام اقصى قوة ممكنة، ان توجيه ضربة قاضية للعراق امر من شأن ان يعود بالخير الوفير على اسرائيل.

الشغل الشاغل للمراسلين العسكريين (الاسرائيليين) ينحصر في تقديم بيانات يومية مؤداها ان "استعدادات الهيئة الامنية الاسرائيلية_للحرب اكتملت "؟! ولكن كيف "اكتملت" في ظل وجود نقص في القناعات الواقية الملائمة، وفي ظل عدم معرفة رجال الاطفاء كيف ينبغي لهم ان يتصرفوا، وفي ظل ملاجئ مقفلة غمرتها المياه، وعشرات الاف العمال الاجانب ومئات الاف الفلسطينيين المحرومين من اي وسائل حماية او وقاية؟!

ان احدا من هؤلاء المراسلين العسكريين لايطرح السؤال بشأن اخلاقية الحرب التي سيكون ضحاياها بالدرجة الاولى من ابناء الشعب العراقي، او بشأن المعايير المزدوجة التي تتعامل وفقها الولايات المتحدة الامريكية والتي تختار بانتقائية تحكمها المصالح اهداف حربها وضرباتها العسكرية... مثل هذه التساؤلات لاتطرح البتة.

هذه التحليلات الأحادية الجانب، والتي يطرح بعضها بنبرة حماسية ولهجة فظة ("فرنسا عاهرة" كما كتب دان مرغليت في معاريف" الجمعة الماضية، و "جزار بغداد" حسبما يوصف الرئيس العراقي في اخبار محطة القناة 10) تشكل تقريبا الصوت الوحيد المسموع في اسرائيل.

وفي الوقت الذي يهاجم فيه كتاب بارزون من امثال باولو كاولو وجون لي كاريه، سياسة الولايات المتحدة بصورة علنية وصريحة، نجد كتابنا صامتين. في جميع دول العالم يدلي سياسيون ودبلوماسيون بتصريحات ومواقف مناوئة للحرب، ما عدا اسرائيل، التي شهدت بالامس (السبت 15/2) مظاهرة احتجاج يتيمة نظمتها حركات اليسار الرديكالي، وعلى عكس ماجرى في معظم دول العالم، لم تفلح في اخراج عشرات الالاف الى الشوارع.

لماذا لا يسمع في جميع برامج الحوار المذاعة عبر الراديو و التلفزيون في اسرائيل صوت مختلف، صوت يعارض الحرب (على العراق) ويؤمن بأنها لن تقدم شيئا للسلام والاستقرار او الحرية صوت يرى ان دوافع هذه الحرب تتسم بالرياء والنفاق.. وانها ليست مشروعة على الاطلاق؟

ما ذكر آنفا يبدو غريبا ومثيرا للتساؤل لاسيما في ضوء نتائج استطلاع "ديالوج" الذي نشر الخميس في صحيفة "هآرتس" وأظهر ان قرابة نصف الاسرائيليين يعارضون شن حرب فورية (على العراق)، وأن حوالي 20% يعتقدون ان على الولايات المتحدة الامتناع كليا عن شن الحرب، في حين ايد 23% شن الحرب فقط اذا فشلت جميع محاولات ومساعي التفتيش والوساطة.

كيف نفسر اذن ان صوت نحو نصف الاسرائيليين لايسمع او يحظى بتغطية وتعبير وكيف يجلس هؤلاء بعدم اكتراث وصمت ازاء ما يمكن له ان يعرض للخطر اغلى شئ لديهم؟! هذا السياق يذكر بمواقف الاسرائيليين تجاه الصراع مع الفلسطينيين، فغالبية الاسرائيليين (54% حسب استطلاع "ديالوج") يؤيدون تفكيك جزء من المستوطنات لكنهم لايحركون ساكنا من اجل ترجمة او تحقيق مثل هذه الخطوة تماما مثلما ان غالبية الاسرائيليين (58% حسب استطلاع مقياس السلام) يؤيدون اقامة دولة فلسطينية ولكنهم لايفعلون شيئا من اجل ذلك.

غير ان الامور تؤخذ هنا كقدر من السماء لايمكن درءه او الاعتراض عليه.

لم تكن الامور على هذا الحال دوما . "محدلة" حرب يوم الغفران جرت موجة احتجاج افضت الى الاطاحة بالحكومة، وحرب لبنان دفعت الجماهير في اسرائيل للخروج الى الشوارع في تظاهرات ادت الى اقامة لجنة التحقيق (المقصود عقب مذابح صبرا وشاتيلا...) والى اقصاء أرئيل شارون عن وزرة الدفاع في حينه.

اما اليوم فنجد ان الاسرائيليين يكتفون بالتزود بالنايلون والماء وتجهيز الغرف المحكمة الاغلاق دون ان ينبسوا بكلمة!!

(هآرتس، 16 شباط، ترجمة: "مدار")

المصطلحات المستخدمة:

كرة القدم, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات