المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

صادقت الحكومة الاسرائيلية بعد مناقشة حامية على «خريطة الطريق»، وهي خطة التحرك تدريجيا نحو تسوية النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. وقد طرحت هذه الخطة من قبل «رباعي» الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي وهيئة الامم المتحدة. وبعد ان سلم السفير الاميركي في تل ابيب هذه الخطة الى القيادة الاسرائيلية، عرض شارون 14 تعديلا يفرّغ «خريطة الطريق» في الواقع من محتواها. واعقبت ذلك فورا مطالبة اسرائيل باعادة كتابة الخطة مع مراعاة هذه التعديلات وتقديمها الى طرفي النزاع مجددا بشكلها الجديد. وفي هذه الظروف لم يصدق سوى قلائل بأن اسرائيل يمكن ان توافق على خطة تنص على اقامة الدولة الفلسطينية. لكن الموافقة صدرت بالرغم من كل شيء. فما الذي ادى الى هذا التحول، الذي هو ليس من صفات شارون؟ وما الذي يقف وراءه؟


1 ـ لم تعد اسرائيل قادرة على تجاهل موقف الولايات المتحدة. وقد حاول شارون مرارا تلطيفه، بأن يستغل لصالحه تواصل العمليات الفدائية ضد السكان الاسرائيليين. بيد ان الولايات المتحدة اظهرت تصلبا في هذه القضية. وباعتقادي ان العامل الذي أثر على واشنطن لحد كبير هو انها لم تطرح «خريطة الطريق» وحدها، وتم الاتفاق على نص الخطة بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي وهيئة الامم المتحدة. وتتجلى في هذا كما اتصور افضليات مهمة الوساطة الجماعية، بالمقارنة مع احتكار الولايات المتحدة لها، كما حدث في الماضي.


2 ـ قد تغدو اسرائيل في موقف ضعيف بالمقارنة مع الفلسطينيين، لو ان وضع «خريطة الطريق» كان يختلف كثيرا عن وضع خطة كلينتون التي طرحت في عام 2002، ويومذاك نجحت اسرائيل في المناورة حين قبلت خطة كلينتون بالرغم من انها لم تكن تروق للقيادة الاسرائيلية كثيرا. ويبدو انهم قرروا في اسرائيل الاستفادة بأقصى قدر من عدم قبول الفلسطينيين لخطة كلينتون، حيث رفضوها، بالرغم من وجود افضليات جلية للعيان فيها (على سبيل المثال، طرح هناك لأول مرة موضوع تقسيم القدس، كما منحت نسبة 95 في المائة من الاراضي المحتلة الى الدولة الفلسطينية).
والآن رأى الفلسطينيون خطأهم الذي لا ريب فيه فوافقوا على «خريطة الطريق» حالما عرضت عليهم.


كما ترك التكتيك الذكي لرئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس تأثيره الايجابي. فقد اصر الجانب الفلسطيني على انه لا يستطيع اجراء الحوار مع الاسرائيليين في الوقت الذي لا يتعهدون فيه بالتزام اي شيء.
وهكذا قبل الجانبان خطة «خريطة الطريق»، لكن هل يعني ذلك ان الطريق نحو التسوية قد اصبح ممهدا؟ اعتقد أن من السابق للاوان الاجابة عن هذا السؤال بالايجاب. ولغرض اثبات ذلك سأورد عدة حجج.
اعلن ليبرمان، وهو احد الشخصيات السياسية اليمينية المهمة في اسرائيل عضو مجلس الوزراء قائلا: «ان النضال ضد «خريطة الطريق» في داخل مجلس الوزراء اسهل مما في موقف المعارضة لها». ولهذا بالذات فإن الوزراء من كتلته، الذين لم يوافقوا على «خريطة الطريق»، لا يعتزمون حسب قوله الانسحاب من الحكومة. وتبين من هذه الاقوال ان النضال ضد «خريطة الطريق» سيستمر في حكومة اسرائيل ايضا.
وماذا عن موقف شارون نفسه الذي دعا الى قبول هذه الوثيقة؟ لقد اشترط شارون لغرض قبولها اجراء تصويت في الحكومة حول موضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين. وبموجب هذا التصويت عارضت حكومة شارون بشكل قاطع حق اللاجئين في العودة الى داخل اراضي اسرائيل ـ ويمكنهم العودة الى داخل الدولة الفلسطينية القادمة وليس الى اسرائيل. ومما له دلالته ان شارون اجرى التصويت حول هذه القضية بمناسبة قبول «خريطة الطريق»، في الوقت الحاضر. علما ان القضية الصعبة بالنسبة الى الجميع في «خريطة الطريق»، وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين، تترك الى المرحلة الثالثة والختامية، اي انها ستبحث عندما ستتراكم «القدرات الايجابية» في العلاقات الفلسطينية ـ الاسرائيلية.

وماذا عن موقف الولايات المتحدة؟ انها، طبعا، فعلت الكثير من اجل ان يوافق شارون على «خريطة الطريق»، لكن اقوال كولن باول وزير الخارجية وكوندوليزا رايس مستشارة الرئيس لشؤون الامن القومي تتضمن في الوقت نفسه الاشارة الى ان البنود الـ 14 التي طرحها شارون ستناقش في سياق العمل. ربما ان الغاية من هذا الاعلان هي استمالة اسرائيل الى قبول الوثيقة، لكنه يولد في الوقت نفسه احتمال تعديلها في المراحل التالية. وانا آمل الا يحدث ذلك. لا سيما وان احد البنود الـ 14 يتضمن طلب اسرائيل التالي الذي يرد بشكل انذار: «يبطل مفعول جميع القرارات والاقتراحات باستثناء القرارين 242 و338 الصادرين عن مجلس الامن الدولي، ومنها القرار 1397 و«المبادرة السعودية» و«المبادرة العربية» التي اقرت في بيروت». ويمكن ان يغدو مصدرا لأية اشارات فقط القراران 242 و338، وفقط لدى اجراء المفاوضات حول الاتفاق النهائي.
ويلفت الانتباه ان حكومة محمود عباس تجري اتصالات مكثفة مع ممثلي المنظمات الفلسطينية المسؤولة عن تنفيذ العمليات الفدائية. وقد ناشدها محمود عباس عدم تنفيذ عمليات ضد السكان المسالمين، وتجميد الانتفاضة لمدة عام واحد. علما بأنه يعلن بذلك التوقف عن القيام بها كاجراء مؤقت، من اجل التأكد من رغبة اسرائيل في المضي في درب التسوية السلمية. ويبدو ان الحكومة الفلسطينية تنوي ان تشكل خلال هذه الفترة قوى أمن فعالة. وقد عُلم بأن «حماس» تعتزم الاستجابة لهذا الطلب.
وهكذا يبدو ان بوابة «خريطة الطريق» قد فتحت قليلا امام المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية، لكنها فتحت بانفراج ضئيل فقط، والشيء الرئيسي انه لا يعرف احد ماذا ينتظر المجتمع الدولي وراء هذه «البوابة المنفرجة قليلا».
لربما سيتضح شيء ما بعد اجتماع محمود عباس وارييل شارون مع الرئيس الاميركي جورج بوش الذي ينوي، كما يبدو، التوجه من ايفيان حيث سيتم لقاء «الثمانية الكبار» الى الاردن.

(الشرق الاوسط، لندن، 1 حزيران)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات