المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أسعد تلحمي:
أكدت نتائج استطلاعات الرأي الجديدة التي نشرتها صحيفتا "يديعوت احرونوت" و "معريف" (27 ديسمبر) ما حمله استطلاع معهد "ديالوغ" (لحساب صحيفة "هارتس" - 26 ديسمبر) من نتائج، لعل ابرزها توقف التدهور الحاصل في شعبية حزب السلطة الحاكم "الليكود"، وذلك على رغم اتساع نطاق تحقيق الشرطة الاسرائيلية في فضائح الرشوة التي خلخلت أركانه فور تسربها الى الصحافة، وتسببت بخسارته ستة مقاعد في الاستطلاعين الاخيرين.

وجاءت نتائج الاستطلاعات متقاربةالى حد بعيد في جهة حصول احزاب اليمين على أغلبية في الكنيست وعجز حزب "العمل" وحركة "ميرتس" اليسارية الصهيونية عن الوصول معا الى ثلاثين مقعدا!

ويبين استطلاع معهد "داحف" (باشراف د. مينه تسيمح) لحساب صحيفة "يديعوت احرونوت" فوز "الليكود" بـ 35 مقعدا (33 في الاستطلاع السابق قبل اسبوع) وحركة "شاس" (حرديم) بـ 9 مقاعد، بينما سجل "الاتحاد القومي" المتطرف بزعامة افيغدور ليبرمن هبوطا بمقعد واحد (7 مقاعد)، وحصل الحزبان الدينيان "المفدال" و "يهدوت هتوراه" على خمسة مقاعد، وحزب "المهاجرين الروس – يسرئيل بعلياه" على اربعو مقاعد، ما يعني ان تكتل اليمين بقيادة "ليكود" شارون يصل الى 65 مقعدا.

وبموجب الاستطلاع الجديد يحصل حزب "العمل" على 21 مقعدا (اقل بمقعد واحد من الاستطلاع السابق) وحركة "ميرتس" على سبعة مقاعد (اقل بمقعد ايضا عن الاستطلاع السابق)، والاحزاب العربية على عشرة مقاعد مجتمعة، أي ان مجموع مقاعد "معسكر اليسار والسلام" – حسب تسمية الاعلام العبري – لا يتعدى الـ 38 مقعدا! وقد يضاف الى هذه المقاعد ثلاثة اخرى تتنبأ الاستطلاعات لحزب "عام احاد" برئاسة عمير بيرتس رئيس اتحاد النقابات المحسوب على يسار الوسط بالحصول عليها.

"شينوي": "نجم الاستطلاعات"..

ويبقى حزب يمين الوسط، "شينوي"، بزعامة طومي لبيد "نجم الاستطلاعات"، فقد اعطاه استطلاع "داحف" 14 نائبا، بزيادة نائبين عن الاستطلاع السابق، وهو ارتفاع اكدته سائر استطلاعات الرأي (استطلاع "ديالوغ اعطاه 15 نائبا!).

شمل الاستطلاع عينة تمثيلية من 504 اشخاص وان نسبة هامش الخطأ القصوى هي 4،5%. ويظهر من الاستطلاع معطى مهم هو فشل نحو عشرين قائمة انتخابية تخوض معركة 28 يناير 2003 في تجاوز نسبة الحسم (2،5%).

ورأي المحرر في "يديعوت" سيفر فلوتسكر ان المعطى الابرز الذي يأتي به استطلاع "داحف" يتمثل بما اسماه "القفزة" التي سجلها حزب "شينوي" ونجاحه في تسجيل ارتفاع بنسبة 30% في قوّته خلال شهر واحد. ويعزو فلوتسكر ذلك الى استفادة الحزب من "خائبي الامل" من حزب "الليكود" في اعقاب فضائح شراء الكراسي على اللائحة الانتخابية، وكذلك من ناخبي الاحزاب الصغيرة الذين باتوا على قناعة بأنها لن تعبر نسبة الحسم، وهو غير راغبين بحرق اصواتهم. ويلفت فلوتسكر الانظار الى ان "شينوي" تبنى اجندة مدنية وليست سياسية – امنية، وهي حقيقة تصب في صالحه خصوصا في ضوء انخفاض العمليات التفجيرية داخل اسرائيل.

ويظهر ايضا ان استئناف العمليات الاستشهادية لن يؤثر كثيرا على قرار اصحاب حق الاقتراع، فالاغلبية حسمت امرها فيما قال 28% فقط ان من شأن عمليات كهذه ان تؤثر على اختيارهم من دون ان يفصحوا عن طبيعة هذا التغيير.

ويبين الاستطلاع ان 61% من الاسرائيليين اتخذوا قرارهم النهائي حول الحزب الذي سيختارونه فيما بدا عشرون بالمائة مترددين و 19% لم يقرروا بعد لمن سيصوتون. وقال 65% ان من شأن اعلان أي حزب عن نيته التحالف مع احزاب ليست مقبولة عليهم ان يغير وجهتهم بينما قال 62% ان اي تصريح سياسي لا يروق لهم قد يكون سببا في العدول عن التصويت للحزب الذي ينتمي اليه صاحب التصريح، وقال 42% ان فضائح رشوة جديدة قد تؤدي الى قرار مماثل.

واستنتج فلوتسكر من معطيات الاستطلاع بشأن فضيحة الكراسي ان مصير الانتخابات لم يحسم بعد وان اللعبة الحزبية ما زالت مفتوحة. ويستدرك مضيفا ان تجربة الماضي دلت على ان الناخب الاسرائيلي لا يغير رأيه في الشهر الاخير على الانتخابات، باستثناء ما حدث في معركتي انتخابات 1981 و 1992.

ويبدو جليا من استطلاعات الاسبوعين الاخيرين ان الفارق بين "الليكود" و "العمل" ثابت (15 مقعدا) وان تأثير فضائح الرشوة لم يعد قائما على رغم اللائحة الطويلة بأسماء المشبوهين بالتورط فيها. وقد نجح "الليكود" في تحديد مصدر النيران ونجح في محاصرتها قبل ان تأتي على مساحات اخرى منه، هذا فضلا عن نجاح ارئيل شارون في اقامة "جدار فاصل" شاهق بينه وبين "مستنقع" مركز "الليكود"، أي انه نجح في البقاء "نظيفا"، تاركا اعضاء مركز حزبه يغوصون في الوحل بعيدا عنه.

وعلى رغم الغاء طريقة الانتخاب المباشر لرئاسة الحكومة والعودة الى التصويت بورقة واحدة للاحزاب نجح شارون في خلق الانطباع بأن التصويت له لا يعني بالضرورة التصويت للفساد في حزبه، وهو الذي لا يقيم أي اعتبار لمواقف سائر اقطاب هذا الحزب.

وقد عزز هذا التوجه من مكانة شارون في نظر الاسرائيليين الذين ينظرون اليه كزعيم ذي صدقية عالية.

بالمقابل، اخفق زعيم "العمل" عمرام متسناع في مسعاه للظهور كزعيم له اراؤه الخاصة والمستقلة لا يتأثر بمواقف بقية زعماء الحزب.

ويؤكد استطلاع "داحف" ان تصريحات متسناع المتتالية حول رفضه المشاركة في حكومة وحدة وطنية بزعامة شارون عاد عليه بالوبال، فقد تبين كما اسلفنا ان غالبية الاسرائيليين ستحسم موقفها بناء على موقف هذا الحزب او ذاك من مسألة الوحدة الوطنية التي تؤيدها، وهذا ما يدركه شارون، الذي يكرر صباح مساء عزمه على تشكيل حكومة وحدة مع "العمل".

ويقول الاستطلاع ان ناخبي "العمل" يؤيدون مشاركة الحزب في توليفة حكومية مع "الليكود" – "شريطة ان تستند الى الحزبين الكبيرين والى برنامج سياسي واقتصادي مشترك"، ما يجعل متسناع في موقف حرج يحول دون انضمام مترددين او اصوات عائمة الى حزبه.

ولعبت وسائل الاعلام المختلفة بعناوينها المفتعلة والمضخمة حول تداعيات عدوان امريكي محتمل على العراق في الساحة الاسرائيلية الداخلية دورا بارزا في صرف النظر عن فضيحة الرشاوى ولم تنفع متسناع واقطاب حزبه التأكيدات على ان شارون افتعل هذه الضجة ليحقق مكاسب انتخابية.

وفيما اتفق 30% من الاسرائيليين مع متسناع انه لا داعي للقلق من انعكاسات الحرب على العراق رفض 47% اعتبار العناوين الصاخبة مناورة من "الليكود" هدفها الدعاية الانتخابية، قائلين ان القلق الذي تحدث عنه شارون وزملاؤه "حقيقي ويؤكد حرصه على امن الدولة ورغبته في اعداد المواطنين لمواجهة الحرب". هذه الارقام تعني ان "العمل" لم ينجح في تحقيق أي مكسب انتخابي من موقفه في هذا الموضوع بل ادى الى فقدانه صدقيته في اوساط الاسرائيليين باتهامه شارون بزرع بذور الهلع لأسباب انتخابية.

"الاسبوع المنتهي كان مخيبا للامال – يقول فلوتسكر في ختام تعليقه في "يديعوت" – بالنسبة لحزب العمل، فقد ضعفت احتمالات وصوله الى الحكم، بعد ان كانت ضعيفة في الاصل".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات