المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بقلم: رون مفراجكما كان متوقعا، ما ان وصل الادارة الامريكية تقرير مراقبي الامم المتحدة وجرد السلاح الذاتي الذي رفعه العراقيون للامم المتحدة، حتي زحف الاصبع العجول نحو مفتاح الاشعال الاحمر. وبينما لا نزال منشغلين بمفاسد الليكود وبتحطيمات متسناع، في محاولة لتجنيد بعض الحماسة قبل الانتخابات، حثت امريكا استيطانها في منطقتنا، ووثقت الرقابة علي خيار الدفاع الذاتي عندنا، وكأننا دولة مرعية من العالم الثالث، بدأت بارسال جنودها كي يشغلوا ويشرفوا علي بطاريات الباتريوت. أما المواطن الاسرائيلي، الذي ينبغي له ان يكون قلقا من الخطوات الثقيلة للغوريلا العالمية، فلم يتبق له غير التعلل بالأمل في ألا تكون شعبة الاستخبارات والموساد الاسرائيليين قد غفتا في الحراسة وانهم عندنا لم يتراخوا في اتباع سياسة مستقلة تبغي مصلحة اسرائيل بدل السير الأعمي خلف الوعود العاتية الامريكية.

بقدر كبير، ورغم الرائحة الاستعمارية القوية التي تنم عن المعادلة، فان الحفاظ علي منعتنا الديمقراطية وبقائنا في منطقة معادية وكثيرة الأعداء، لا يختلف عن السيادة الامبريالية وعن احساس التعالي الذي جلب الولايات المتحدة الي جنوب فيتنام بذات العمل الفاشل والقاتل (58 ألف قتيل امريكي)، حيث هزمها وطردها الشيوعيون. بعد ثلاثين عاما من ذلك، وتحت قيادة رئيس هو الآخر، مثل لندن جونسون المسكين الذي فرضت عليه مهمة الزام بلاده في نزاع دموي لا أمل فيه، يمتشق مكسكاني مسدسه الذي يعتقد انه الأكثر اقناعا، وتدخلنا امريكا في تجربة لم يسبق لنا ان خضناها، عناق دب ممن يعرف أكثر منا ما الذي نحتاجه. والنتائج المباشرة لذلك هي التواجد الهائل للجنود الامريكيين في مدننا، وساعات اضافية لبنات الهوي والبارات. فمن كان يصدق ان آرييل شارون بالذات هو الذي سيكون الزعيم الذي تحصل امريكا في عهده علي موطيء قدم في الدولة التي فخرها الدائم هو جيشها الأفضل في العالم.

رغم احساس الاحتلال المتنور ظاهرا، واخضاع المصالح الاسرائيلية الصرفة الي المصالح الامريكية، فان المطلب الامريكي، كما اصطدم به وزير الدفاع لدي زيارته الاخيرة الي واشنطن، هو ان تجلس اسرائيل مرة اخري مكتوفة اليدين علي الدبابيس المغروسة في مؤخرتها وتجعل مواطنيها ينفخون في كمامات الغاز علي وجوههم، وتنتظر تطهير المنطقة الايرانية من وسائل اطلاق الصواريخ فيما هي تطفيء النيران في جبهتها الداخلية المدنية. وباستثناء حقيقة انه في وقت ما في المستقبل من شأن العراق ان يشكل تهديدا استراتيجيا لاسرائيل، فانه لا يوجد بين رغبة الثأر والاحتلال الامريكية وبين ما هو في مصلحتنا أي شيء يذكر. وكما عرفنا كيف نتصرف بدون مساعدة وضد موقف العالم في العام 1981 عندما قصفنا المفاعل العراقي، فانه يفترض بنا ان نحرص علي أنفسنا مع قدوم الوقت. الشكل الفظ الذي تزيح فيه امريكا كل عقبة معارضة لحملتها الصليبية، التي تتضمن مؤشرات قوية لكراهية الآخر، المخيف والاسلامي، هو كل ما كانت تحتاج اسرائيل السيادية ان ترفض التماثل معه. فمن العجب ان تكون حكومة يمينية عزيزة وعدت بالسلام والأمن الشخصي، تدع صديقتها الكبري تدفع المنطقة للتدهور نحو النقيض التام: حرب ياجوج وماجوج التي مع نتائجها المحملة بالكارثة ـ هكذا تترك امريكا حليفاتها في كل العالم ـ فاننا سنضطر الي العيش لسنوات طويلة بعد ان يعود جورج بوش الي مزرعته كي يهتز في الأرجوحة علي الشرفة وسيجار بين شفتيه.

ان الموافقة الغربية من اسرائيل لمرابطة الجنود الامريكيين بين ظهرانينا، واستعداد الحكومة للسير علي وتيرة طبول الحرب الامريكية تشير الي الظاهرة المهددة الأكثر خطرا التي تسجل في منطقتنا منذ عشرات السنين. ذات الجنود الذين يفترض بهم ان يحموا سماءنا، هم الذين في المستقبل غير البعيد سيقررون عنا صيغة ونتائج المفاوضات مع الفلسطينيين. ليس هذا ما قصده بن غوريون عندما أعلن عن اقامة وطن للشعب اليهودي في بلاده.

(معاريف23/12/2002)

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, ألف

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات