تؤكد التقارير الصحافية الإسرائيلية أن الاستثمارات الإسرائيلية في الإمارات العربية المتحدة سبقت الإعلان عن اتفاق التطبيع مع إسرائيل بسنوات طويلة جدا، ومنها من يذكر العام 2008، ولكن فتح مكتب المصالح في سنوات التسعين من القرن الماضي يدل على أن إسرائيل موجودة هناك قبل سنوات طويلة. واليوم يجري الحديث عن 300 شركة إسرائيلية تنشط هناك، إنما من خلال شركات عالمية، أما الآن فإن العلاقات الاقتصادية ستكون مباشرة.
كانت نهاية الأسبوع الماضي بهيجة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فقد حقق ما يراه إنجازا سياسيا إقليميا كبيرا، بإبرام اتفاق التطبيع مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن ما أن نزل عن منصة المؤتمر الصحافي الاحتفالي، وبعد إعلانه عن تأجيل الضم، مقابل ادعاء الإمارات بإلغائه، وبيان دونالد ترامب بأن الضم لم يعد على الأجندة حاليا، واجه هجوما حادا ضده من معاقل المستوطنين، التي يتمدد الليكود فيها خلال السنوات الأخيرة، وقد تتأثر قوة الليكود بينهم الآن في أعقاب تأجيل مخطط الضم. إلا أن أي خسارة محتملة لنتنياهو والليكود بين المستوطنين قد يتم تعويضها لدى جمهور يصدّق الإنجاز السياسي هذا. وما يقلق نتنياهو حاليا هو اتساع دائرة القلق بين الجمهور، جراء استفحال سوء الأوضاع الاقتصادية. ولكن نتنياهو الذي كما يبدو سيقرر لاحقا انتخابات مبكرة، ما زال مطمئنا لفوزه بسبب استمرار غياب البديل.
منذ بدايات وصول وباء كورونا إلى إسرائيل وظهور الحالات الأولى منه فيها، ثم ظهور المؤشرات على انتشاره فيها، كان من الواضح لدى قطاعات واسعة في الدولة، سياسية ـ حزبية وإعلامية وقانونية بوجه خاص، أن ظروف ظهور الوباء في إسرائيل تهيئ لقيادتها السياسية فرصة مواتية، ذهبية ونادرة، لمحاولة تجيير هذه الجائحة واستثمارها في "معالجة" الأزمة السياسية، الحزبية، الخانقة التي تمسك بخناق إسرائيل منذ فترة غير قصيرة وجرّتها إلى ثلاث جولات انتخابية عامة متتالية في غضون أقل من سنة واحدة وتزامن ظهور وباء كورونا مع بلوغ هذه الأزمة ذروتها التي بدا تشكيل "حكومة الطوارئ الوطنية" وكأنه مخرج من متاهتها، لتثبت الشهور الماضية من عمر هذه الحكومة أنه لم يكن سوى وهم وسراب.
وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء أمس الأحد على دحرجة أزمة حكومته لأكثر من ثلاثة أشهر، رغم أنه بات يلعب بأوراق مكشوفة، فهو معني بانتخابات مبكرة، تقلب تركيبة حكومته، بما يسمح له في الاستمرار بالإمساك بخيوط الحكم، في حال فرضت عليه المحكمة تجميد صلاحياته، مع بدء الجلسات المكثفة لمحاكمته في الشهر الأول من العام المقبل، ولأسابيع طويلة. إذ يتخوف نتنياهو من أنه في ظل تجميد كهذا، سينقل صلاحياته لشريكه في الائتلاف بيني غانتس، ما يعني بداية النهاية السياسية لنتنياهو، على الأقل كما يبدو حتى الآن.
يلاحظ المتتبع لمسيرة بنيامين نتنياهو السياسية، منذ ما قبل توليه منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية وخلال إشغاله هذا المنصب، حرصه الشديد على إنشاء علاقات حميمة ووثيقة مع صحافيين، محررين وناشرين. إلا أن ثمة تحولاً قد طرأ على هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة تحديداً، إذ أضيف إلى هذا الحرص ـ الذي بقي قائماً مثلما كان من قبل ـ موقف عدائيّ، بل عدائيّ جداً وتحريضيّ، من جانب رئيس الحكومة تجاه وسائل الإعلام الإسرائيلية بوجه عام وتجاه وسائل إعلام محددة وصحافيين محدَّدين، تبعاً لمصالحه السياسية ـ الحزبية وللتغطيات الإعلامية لأدائه ولقضايا الفساد العديدة التي حامت الشبهات حول تورطه فيها ثم تقديم لائحة اتهام خطيرة بحقه بشأنها، على خلفية وبفضل ما كشف عنه صحافيون محددون في وسائل إعلامية مختلفة، ما صعّد الموقف العدائي والتحريضيّ ضدها إلى درجة حرب شعبوية شعواء متواصلة لا يتوقف نتنياهو عن شنها ضد وسائل الإعلام تلك وصحافييها، مجنداً في هذه الحرب قطاعات واسعة جداً من مؤيديه وأتباعه، سواء من عامة الناس أو من السياسيين والمسؤولين الحكوميين.
قبل45 عاما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 72 دولة ومعارضة35 دولة قرارها رقم 3379 والذي تبنى التعريف الجديد للصهيونية الذي يصنفها على أنها "شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري وأن على العالم مقاومة هذه الأيديولوجيا لأنها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين"، لتعيد نفس الجمعية إلغاء القرار الذي لم يعمر سوى 16 عاما، وليشكل هذا الانتقال الذي تزامن مع أحداث كبرى في التاريخ مثل انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الأولى ومؤتمر مدريد للسلام، أحد الأحداث الرمزية الدالة على عمق وشمولية التحول الذي يشهده العالم ولأي جهة في الصراع تميل دفة الأمور.
الصفحة 162 من 338