ضمن مسلسل الحرائق التي يشعلها رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا تزال مسألة تعيين الضابط الكبير السابق، صاحب الممارسات والمواقف العنيفة والفاشية، إيفي إيتام، لترؤس مؤسسة "ياد فشيم" مشتعلة.
وتحمل "ياد فشيم" خصوصية وحساسية، إسرائيلياً، لكونها مؤسسة إسرائيلية رسمية أقيمت العام 1953 بموجب قرار الكنيست كمركز أبحاث للهولوكوست، لذلك فإن القضيّة تشغل شرائح جديّة، سياسياً وإعلامياً وأكاديمياً. وتعود لتُبرز، سطحاً وعُمقاً، الأزمة
قد يكون في التطورات السياسية الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وفي مقدمتها اتفاقيات السلام التي جرى التوقيع عليها بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، من جهة، ثم التسريبات الإسرائيلية عن زيارة سرية خاطفة قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مصطحباً معه رئيس جهاز الموساد، يوسي كوهين، إلى المملكة العربية السعودية، نهاية الأسبوع قبل الأخير، واجتماعه خلالها مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى التقدم الذي حصل
يروي الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد واحدة من القصص التي تلخص بإيجاز مكثف طبيعة العلاقة المعقدة بين إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة وقضية الجاسوس اليهودي الأميركي جونثان بولارد، ومحاولات المزاوجة في الخطاب والسلوك بين كونه بطلا في عين جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، وبين التنصل منه ومن أفعاله أمام الإدارات الأميركية في ذات الوقت.
تشكل الأعوام الأربعة الأخيرة أطول فترة حكم لرئيس أميركي من الحزب الجمهوري يكون مقابله في إسرائيل رئيس حكومة يميني من حزب الليكود. فمنذ انطلاق عملية السلام عام 1991، إذا اعتبرناها نقطة انطلاق تاريخية، انتخب في الولايات المتحدة رئيسان ديمقراطيان هما بيل كلينتون 1992 -2000، وباراك أوباما 2008-2016، ورئيسان جمهوريان هما جورج دبليو بوش 2000-2008، ودونالد ترامب 2016-2020.
لم يعد أمام ولاية الكنيست الحالي سوى 23 يوما، فإما أن تقر الحكومة ميزانية سريعة للعام الجاري المنتهي، وتمررها في الكنيست في غضون أيام قليلة، قبل انتهاء يوم 23 كانون الأول، أو أن يتم حل الكنيست تلقائيا، والتوجه إلى انتخابات بعد 90 يوما من يوم حل الكنيست. وهذا ما جعل رياح الانتخابات تشتد؛ وفي موازاتها، أحاديث عن اتفاقيات مؤقتة، تطيل عمر حكومة نتنياهو- غانتس بضعة أسابيع أو أشهراً قليلة، فالانتخابات التالية لن تخدم سوى قائمة واحدة، تضم أحزاب المستوطنين، فيما الأحزاب الباقية إما ستراوح مكانها أو تخسر من مقاعدها.
هذا هو الجزء الثاني من مقال يتناول خطة حكومية إسرائيلية تحمل العنوان "توصيات لجنة المديرين العامّين للوزارات بشأن التعامل مع الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ"، ويترأسها مدير مكتب رئيس الحكومة وتضم نظراءه في وزارات عدة. وسيتم هنا تناوُل الجانب الاقتصادي الذي عالجته اللجنة ارتباطاً بقضية تفويضها: مواجهة الجريمة والعنف. ويجدر القول إن مجرّد التطرّق الى هذا الجانب، وهو الطبيعي والمفروض منطقياً وعلمياً في أي مكان آخر، يُعد "تطوراً" في الحالة الإسرائيلية؛ إذ تم على الدوام نسْب الجريمة والعنف بين المواطنين العرب الى "ثقافتهم" أو "عدم احترامهم القانون". فجرى تجريم العرب بما يتعرضون له من عنف وجريمة. أما وقد تناول أخيراً مستند رسمي القضية من جانبها الاجتماعي- الاقتصادي، فهو عملياً تكذيب مهم لمجمل الخطاب الرسمي الدارج على ألسن عنصرية مختلفة وكثيرة في المؤسسة الحاكمة.
الصفحة 155 من 344