فور الهجوم القاتل الذي نفذته حركة حماس في يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ساد تعاطف كبير مع إسرائيل ومواطنيها، على الأقل في العالم الغربي. مع ذلك، وبعد خمسة أشهر من الحرب الوحشية - التي قُتل فيها، وفقاً لأحدث تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نحو 30 ألف فلسطيني (حوالى 1.33 بالمئة من سكان غزة)، وجُرح حوالى 69 ألفاً، واضطر نحو 75 بالمئة من السكان إلى ترك منازلهم، ودُمر أو تضرر حوالى 60% من البيوت - تلاشى هذا التعاطف ويتسع العداء لإسرائيل.
صادقت لجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، على مشروع تعديل ميزانية العام الجاري، كما قدمته الحكومة، بسبب انعكاسات العدوان المستمر على قطاع غزة منذ 5 أشهر، إذ سيرتفع حجم الميزانية بنحو 70 مليار شيكل، أي ما يعادل حوالى 19.4 مليار دولار، لتغطية جزء من كلفة الحرب، وهذا على حساب زيادة ضرائب، وزيادة الديون الحكومية، التي من المتوقع أن تسجل في العام الجاري ذروة لم تبلغها منذ سنوات عديدة، تراجع فيها حجم الدين العام. وما سيزيد عبء المديونية، هو ارتفاع فوائدها بفعل خفض تدريج الاعتمادات للاقتصاد الإسرائيلي، بسبب الأوضاع الأمنية والقلاقل السياسية.
"قررنا عدم تقديم أية توصية عملية بشأن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. ذلك أن منصب رئيس الحكومة هو، في جوهره، منصب منتَخَب ذو سمات مميزة، ولذلك قررنا الامتناع عن تقديم أية توصية عملية بشأنه" ـ هذه هي الجملة التي رأى عدد من المعلقين والمراقبين الإسرائيليين أنها الجملة الأهمّ، على الإطلاق، من بين كل ما ورد طي الصفحات الـ 322 بالمجمل، التي تضمنها تقرير اللجنة الرسمية للتحقيق في الأحداث التي وقعت خلال الاحتفال الديني اليهودي الذي جرى في جبل ميرون (الجرمق) ليل 30 نيسان 2021 وراح ضحيتها 45 شخصاً، جراء الاكتظاظ الشديد والتدافع القوي جداً.
مرة أخرى يخرج إلى الضوء العام ملف قديم/ جديد من مربعات ظلام السياسة وظلاميتها. إنه ملف الرقابة والملاحقة بواسطة المخابرات لمؤسسات التعليم والعاملين والعاملات فيها بصفة مربين ومربيات ومدرّسين ومدرسات. هذه المرة وصلت الأمور درجات من العبث الذي بات يميّز كل جهاز الحكم التنفيذي الإسرائيلي الراهن، لدرجة أن مَن يريد سياسيو اليمين الشعبوي تكليفه بمهمة الرقابة الجديدة، وهو جهاز الشاباك، يزعم التحفظ بنفسه من المشروع المطروح، من ناحية حجمه وبنيته على الأقل وليس جوهره.
في شباط 2024، بدأ الجيش الإسرائيلي بشق طريق يقطع قطاع غزة من شرقه إلى غربه، ويسمى "طريق عابر القطاع" أو شارع 749. ويعزل الطريق شمال قطاع غزة عن جنوبه، ومن شأنه أن يشكل نقطة ارتكاز للجيش الإسرائيلي، وله أبعاد استراتيجية أخرى تتعلق بالاستيطان، والتحكم بسكان القطاع عبر منع عودة سكان الشمال إلى منازلهم.
جرت، يوم 27 شباط الماضي، انتخابات المجالس البلدية والقروية في إسرائيل (انتخابات السلطات المحلية)، وذلك في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة. هذه أول انتخابات إسرائيلية تجري في ظل الحرب، بعد أن تم تأجيل موعدها مرتين، إذ كان من المفروض إجراؤها يوم 30 تشرين الأول العام الماضي، وتم تأجيلها إلى نهاية كانون الثاني الماضي، ثم إلى نهايات شباط، والانعكاس الأكبر للحرب هو انخفاض أشد في نسبة التصويت، أكثر من ذي قبل، إذ إن هذه انتخابات معروفة عامة بنسبة تصويت منخفضة في الشارع الإسرائيلي، وبارتفاعها في المجتمع العربي.
الصفحة 38 من 338