يدل تراكم سلسلة من المؤشرات والأحداث على أن أكبر كتلتين برلمانيتين إسرائيليتين معارضتين للحكومة، حاليا، قد تهاوتا منذ الآن، ما يعزز التقدير بأن مشهد المعارضة الحالية، في الانتخابات المقبلة، سيتغير بقدر كبير جدا، مع احتمال اختفاء أحد هذه الأحزاب من الكنيست، في حين أن الحزب المتشكل حديثا نسبيا، من حزبي العمل وميرتس، قد يعزز حضوره من جديد، وقد يُحدث مفاجأة بقوته البرلمانية. وكل هذا ينعكس في استطلاعات الرأي العام التي في غالبيتها الساحقة تكرر مشاهد انتخابات السنوات الأخيرة، بأنه لن يكون هناك حسم واضح لأي من الفريقين، لتشكيل حكومة جديدة، رغم إعلان إحدى الكتلتين اللتين تمثلان الجمهور الفلسطيني في الداخل، استعدادها لدعم كل حكومة توافق عليها.
في كل مرة تُعلن فيها إسرائيل عن بدء حرب أو عملية عسكرية، يُرفق بها اسم خاص يستخدم في البيانات الرسمية والتغطيات الإعلامية، والخطابات السياسية. وبرغم أن هذه الأسماء قد تبدو غريبة للوهلة الأولى؛ إلا أنها تحمل في الواقع مضامين دينية، ورمزية، وسياسية.
بعبارة أخرى، فإن اختيار هذه المسميات لا يتم بطريقة عبثية، بل تُصاغ ضمن طواقم مختصة، بما يخدم وظيفة مزدوجة: توجيه رسالة للعدو من جهة، ورسالة للمجتمع الإسرائيلي وتهيئة الرأي العام من جهة أخرى.
صدر هذه الأيام التقرير السنوي لمفوضية شكاوى الجمهور التابعة لمراقب الدولة في إسرائيل، وهو يغطي العام 2024. وتقول مفوّضية شكاوى الجمهور إنها تلقّت 21,592 شكوى. وبلغت نسبة الشّكاوى التي كانت المفوّضية مخوّلة بالبتّ فيها وتبيّن أنّها محقّة أو جرت تسوية موضوعها من دون حاجة إلى اتّخاذ قرار بشأنها من قِبل المفوّضيّة 46%. هذه النسبة أكبر من نسبة الشكاوى التي تبيّن أنّها محقّة أو تمّ تسوية موضوعها في العام 2023 (43%). نسبة 37% من الشكاوى التي قامت المفوّضية بفحصها واتّخاذ قرار بشأنها تبيّن أنّها محقّة. هذه هي أكبر نسبة من الشكاوى المُحقة منذ أكثر من عشرين عاماً.
تحول الاهتمام العالمي بعيداً عن غزة خلال أسبوعين من الحرب الإسرائيلية-الإيرانية؛ وهذا شكل فائدة جانبية من وجهة نظر إسرائيل. لكن بغض النظر أين تتجه أنظار العالم، فإن القتل الإسرائيلي اليومي للفلسطينيين الجائعين في غزة مستمر. والآن، مع وجود تلميحات إلى التوسع المحتمل لـ "اتفاقيات أبراهام"، سيكون من دواعي سرور إسرائيل أن تشتت الانتباه مرة أخرى عن المذبحة التي لا تزال تلحقها بالسكان المدنيين في غزة.
بدأ في الأيام القليلة الأخيرة، جدل حاد، وفق وصف الصحافة الإسرائيلية، بين قيادة الجيش الاسرائيلي، ووزارة المالية، حول الميزانية الاستثنائية التي يطلبها الجيش في أعقاب الحرب على غزة، إذ يطالب حاليا بأكثر من 17 مليار دولار، نصفها للعام الجاري، في حين تطالب وزارة المالية الجيش بإعادة هيكلة ميزانيته، في أعقاب ما تراه بـ "زوال التهديد الإيراني". وفي خضم هذا، ما زالت التقارير الإسرائيلية متباينة، بشأن حجم الخسائر الاقتصادية والمالية، الناجمة عن الحرب على إيران، وتكبد الجبهة الداخلية حجم دمار لم تعرفه إسرائيل من قبل. ورغم هذا، تشير التقارير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يتضرر من هذه الحرب القصيرة زمنيا، لا بل شجعت أسواق المال الإسرائيلية، في حين واصل الشيكل تعزيز مكانته أمام الدولار، وسائر العملات العالمية.
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع اندلاع أطول الحروب الإسرائيلية وأكثرها عنفًا على الفلسطينيين وإرهاقًا على الإسرائيليين، حافظ الشيكل الإسرائيلي على استقرار نسبي في أسواق المال، في سلوك يُخالف ما تفترضه الأدبيات الاقتصادية الكلاسيكية بشأن مصير العملات في أزمنة الحرب. فعادةً ما تكون العملة الوطنية للدولة أولى ضحايا الحرب: تهرب رؤوس الأموال، تتراجع الاستثمارات، تنخفض الثقة، وتتسارع وتيرة التضخم. وفي حال كانت الحرب مصنّفة كحرب إبادة، فإن التوقع الأكثر منطقيا هو فرض عقوبات اقتصادية بحق الدولة. لكن في إسرائيل لم ينهَر الشيكل، بل واصل أداءه المستقر، ما يستدعي وقفة تحليلية لفهم ما إذا كان هذا استثناءً أم أمرًا طبيعيًا بسبب خصوصية إسرائيل.
الصفحة 6 من 351