المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قالت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية إنه "بدلا من إغلاق شعبة الاستيطان، تكلّف الحكومة قِطّاً بحراسة الحليب".

وأضافت: "تلجأ الحكومة إلى حيل قانونية لتعيين أوري أريئيل (وزير الزراعة من "البيت اليهودي")، أحد مصممي وواضعي الطرق المشكوك في أمرها، مسؤولاً عن الفوضى، السياسية والمالية. وإضافة إلى تعيين أريئيل "وزيراً للمستوطنات"، تعتمد الحكومة عدم الشفافية وتسعى إلى زيادة ميزانية شعبة الاستيطان بمبلغ غير معروف"!

وجاءت هذه الأقوال على خلفية القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية قبل أكثر من أسبوع وصادقت فيه بإجماع كل وزرائها، على الاقتراح الذي تقدم به أريئيل بشأن استئناف عمل "شعبة الاستيطان" بكونها أحد الأقسام في وزارة أريئيل هذه (وُضعت تحت مسؤوليته كجزء من الاتفاق الائتلافي لدى تشكيل الحكومة الحالية)، وذلك بعد تجميد عمل هذه الشعبة منذ نحو سنتين على خلفية خلافات، شبهات واتهامات قانونية حالت دون رصد وتحويل الميزانيات الحكومية لها. ويعني هذا القرار استعادة الدولة (الحكومة وأذرعها المختلفة) الوسيلة المركزية لتعميق، توسيع وتطوير الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة ("يهودا والسامرة")، أساساً، إضافة إلى النقب والجليل.

وقد تمّ إنشاء "شعبة الاستيطان" هذه في العام 1971 كهيئة في إطار "المنظمة الصهيونية العالمية" لتشكل ذراعاً تنفيذية مكلفة بتطبيق السياسيات الحكومية الإسرائيلية في مجالات الاستيطان، الزراعي والجماهيري، في المناطق الفلسطينية المحتلة (ما وراء "الخط الأخضر")، ثم في منطقتي النقب والجليل أيضا ابتداء من العام 2004. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية هي التي تمول "شعبة الاستيطان" وهي التي تخصص كل ميزانياتها، من الأموال العامة، إلا أنها تمتعت طوال سنوات عديدة بحريّة تامة في العمل والصرف، دون أية رقابة حكومية أو قانونية أيا كانت، ما أوصل إلى شبهات واتهامات عديدة أحاطت بعمل "شعبة الاستيطان"، نشاطاتها ومصروفاتها، تراوحت بين عدم الشفافية والدعم المالي غير القانوني للمستوطنات في الضفة الغربية وحتى الفساد، الإداري والمالي.

وخلال السنتين الأخيرتين، وعلى الخلفية المذكورة، تم تجميد نشاط "شعبة الاستيطان" بصورة جزئية وذلك في أعقاب وجهة نظر قانونية قدمتها نائبة المستشار القانوني للحكومة، المحامية دينا زيلبر، في شباط 2015، وضمنتها نقدا شديدا وحاداً لـ"شعبة الاستيطان" على خلفية انعدام الرقابة على عملها، وخصوصا في مجالي اتخاذ القرارات وصرف الميزانيات، وختمته بأمر صريح يمنع الحكومة من مواصلة "نقل مجالات عمل مختلفة إلى شعبة الاستيطان وتخويلها صلاحية العمل باسم الحكومة ونيابة عنها"، كما يمنعها من "رصد الميزانيات العامة لهذه الشعبة وتمويل أنشطتها".

وفي أعقاب هذا الرأي القانوني وفي محاولة "قانونية" لتجاوزه والالتفاف عليه وإفراغه من مضمونه، أقر الكنيست في شهر كانون الأول الماضي "قانون شعبة الاستيطان"، بناء على مشروع القانون الذي قدمته كتلة حزب "البيت اليهودي" (حزب أريئيل نفسه، بواسطة عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش) بغية "تنظيم مكانة شعبة الاستيطان باعتبارها الذراع التنفيذية للحكومة في كل ما يتعلق بتطوير ودعم الاستيطان والمستوطنات"! ويخوّل القانون الحكومة صلاحية وضع مجالات معينة تحت مسؤولية "شعبة الاستيطان" وتوكيلها بمهمة العمل فيها، بما يوجبه ذلك من تخويلها الصلاحيات "الحكومية" المطلوبة. ونص القانون، في أحد بنوده، على ضرورة "التوقيع على اتفاق بين الحكومة وشعبة الاستيطان بشأن الصلاحيات التي سيتم نقلها إليها"! وخلال الأشهر الأخيرة، بذل الوزير أريئيل جهوداً متواصلة ومكثفة لدى المستشار القانوني الجديد للحكومة، أفيحاي مندلبليت، حتى تم التوصل بين الطرفين إلى صيغة تشكل "حلا وسطاً" بين موقف الوزير أريئيل و"شعبة الاستيطان" من جهة، وموقف نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زيلبر، من جهة أخرى. وهي صيغة تنظم عمل "شعبة الاستيطان" وتسمح للحكومة باستئناف ضخ الأموال لها وتتيح استئناف عملها بصورة كاملة "في مختلف أنحاء البلاد"، أي في الضفة الغربية المحتلة وفي النقب والجليل.

وقررت الحكومة تخصيص ميزانية سنوية لهذه الشعبة.
ونقل موقع "عروتس 7" (يميني) عن إدارة "شعبة الاستيطان" تعقيبها على قرار الحكومة بالقول إنها "تعتبر قرار الحكومة الصادر تفويضا مُجدداً لرفع علَم الاستيطان في مختلف أنحاء دولة إسرائيل، وستواصل الشعبة دورها كرأس حربة في تكريس وتعزيز التشبث بالأرض في الضواحي، الأمنية والاستيطانية"!

وفي ردود الفعل المعارضة لقرار الحكومة هذا ولما يترتب عليه، قالت عضو الكنيست تمار زاندبرغ (من "ميرتس") إنه "إذا لم يكن بناء مستوطنة جديدة، أو دعم أكثر من 20 عضو كنيست لنهب الأراضي في عمونه، كافيين لكشف توجهات هذه الحكومة وتأكيد مبادئها، فها هي تعود الآن عصّارة الأموال لصالح المستوطنات"! وأضافت زاندبرغ: "مرة أخرى، تقرر حكومة إسرائيل تجاوز القوانين والدوس عليها لمصلحة الاحتلال وفي خدمته".زيادات خيالية في ميزانيات "الشعبة" لصالح المستوطنين!

تجدر الإشارة إلى أن وجهة النظر القانونية التي وضعتها نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زيلبر، وأشرنا إلى مضمونها المركزي أعلاه، لم تأت من فراغ بالطبع، بل يمكن القول إنها كانت اضطرارية لا مهرب منها على ضوء ما تكشف من حقائق وأرقام عن "شعبة الاستيطان" (قبل تجميد عملها!)، ليس على صعيد الفساد، الإداري والمالي فقط، وإنما على صعيد النشاط الاستيطاني أيضا، وخاصة تفضيل المستوطنات والمستوطنين اليهود في الضفة الغربية على جميع "بلدات التطوير" في النقب والجليل!

فقد كانت "لجنة رقابة الدولة" في الكنيست أفردت إحدى جلساتها للبحث في عمل "شعبة الاستيطان"، وذلك على خلفية بحث شامل أجراه ونشره آنذاك مركز "مولاد ـ لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" (في الأسبوع الأخير من كانون الأول 2015). وعشية جلسة اللجنة المذكورة، أجرى "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست تحليلاً لبحث مركز "مولاد" وما تضمنه من نتائج، توصل في نهايته إلى النتيجة المركزية التالية: "ميزانيات التنفيذ المخصصة لشعبة الاستيطان تزداد بعدة أضعاف عن الميزانية المقررة سنوياً... في كل واحدة من السنوات الثلاث الأخيرة، كانت ميزانية شعبة الاستيطان الأساسية بضع عشرات من ملايين الشواكل فقط، بينما ازدادت الميزانية خلال السنة أضعافاً مضاعفة، بسبب التحويلات المالية المتكررة إليها من وزارات وهيئات حكومية مختلفة"! وبيّن التحليل المذكور ما يلي: في العام 2012، قفزت ميزانية "شعبة الاستيطان" من 7ر77 مليون شيكل إلى 458 مليون شيكل ـ زيادة بنسبة 590%؛ وفي العام 2013، ارتفعت الميزانية من 8ر82 مليون شيكل إلى 5ر653 مليون شيكل ـ زيادة بنسية 790%؛ وفي العام 2014، سُجل رقم قياسي، إذ ازدادت الميزانية بنسبة 950%!!

أما المستفيد الأول والأكبر من الزيادة المتكررة في ميزانيات "الشعبة" هذه فكان "لواء المركز" ـ أي: "يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وجبل الخليل"، حسبما يؤكد البحث والتحليل، إذ ازدادت الميزانية المخصصة لهذا "اللواء" بنسبة 2300% في العام 2013 وبنسبة 2500% في العام 2014!!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات