المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 أعلنت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، عن صدور طبعة جديدة لكتاب موضوع المدنيات الذي سيدرس في المدارس الإسرائيلية، بعنوان "أن نكون مواطنين في إسرائيل"، بعد ستة أعوام من العمل على إعادة صياغته، رافقها سجال عام حاد وانتقادات لمضامينه.

يشار إلى أن الإعلان عن صدور الكتاب جاء عشية إحياء إسرائيل ذكرى جنودها القتلى وذكرى استقلالها، الأمر الذي شكل ذريعة لعدم التعاطي مع الكتاب بشكل واسع، باستثناء صحيفة "هآرتس" بالأساس. وبرغم ذلك، فإن معظم التعليقات والمقالات حوله كانت نقدية.

ورأى محلل شؤون التربية والتعليم في "هآرتس"، أور كاشتي، أن الطبعة الجديدة لكتاب المدنيات هي "تعبير صادق لأفكار اليمين السياسي والصهيونية الدينية خصوصا حول مسألة كيف ينبغي أن تدار دولة إسرائيل".

وجرت عملية إعادة صياغة الكتاب خلال ولاية حكومات بنيامين نتنياهو، منذ العام 2009 وحتى اليوم. وبدأت هذه العملية عندما كان غدعون ساعر، من حزب الليكود، وزيرا للتربية والتعليم، وانتهت خلال ولاية رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف، نفتالي بينيت، وزير التربية والتعليم الحالي، وأخضع الوزيران موضوع المدنيات لأجندة حزبية يمينية.

ويمنح الكتاب مكانا مركزيا للأفكار الدينية اليهودية، ويتم التعبير عن ذلك باقتباسات كثيرة من مصادر دينية يهودية، ويعتبر الكتاب أن ثمة مبررا واحدا لإقامة دولة إسرائيل هو "الوعد الإلهي".

ويدافع الكتاب عن وجود إسرائيل "كدولة قومية يهودية"، ويعرّف القومية في إسرائيل بأنها "عرقية – ثقافية" مرتبطة بـ"القومية اليهودية"، ويكرر الادعاء بأن هذا التعريف لا يتناقض مع الديمقراطية، وبذلك يتجاهل الكتاب الانتقادات، حتى داخل إسرائيل، لهذا التعريف القومي.

تجاهل وجود العرب

يبرز في كتاب المدنيات الجديد تجاهل الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، ويقسم هذه الأقلية إلى هويات ثانوية عديدة "من غير اليهود"، مثل العرب والدروز والشركس والأراميين. ويشار إلى أن "الآراميين" نزعة جديدة تشمل عددا قليلا جدا وهامشيا للغاية بين الأقلية العربية الذين لا يعتبرون أنفسهم عربا، ويلقون تشجيعا لذلك من حكومة اليمين الإسرائيلية وبشكل خاص من رئيسها نتنياهو، ورغم ذلك فإن الكتاب يخصص لهم حيزا واسعا نسبيا.

وجاء في الفصل التاسع في الكتاب، تحت عنوان "العرب، الدروز والشركس في المجتمع الإسرائيلي"، أن "معظم الناطقين بالعربية يعرفون أنفسهم بأنهم جزء من الأمة العربية، والقسم الأكبر منهم يعرفون أنفسهم كفلسطينيين". وتأتي هذه الجملة من باب الإدانة وليس بهدف وصف واقع.

وخصص للعرب المسلمين من مواطني إسرائيل فقرتان فقط في الكتاب، الذي أشار إلى أنهم يشكلون 83% من "مجمل الأقليات" في إسرائيل. وهاتان الفقرتان قصيرتان وتركزان بالأساس على التمييز ضد المرأة.

لكن الكتاب يخلو من أي تطرق إلى مكانة المرأة في المجتمع اليهودي، ولا يتناول بتاتا ظاهرة إقصاء المرأة من الحيز العام بشكل مطلق بين اليهود الحريديم.

ويتطرق الكتاب بشكل واسع وبإعجاب للدروز، الذين يخضعون للخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش الإسرائيلي، ويعتبر أن "معظم الدروز لا يعرفون أنفسهم كعرب"، وأنه "خلافا لما هو سائد في معظم بلدان الشرق الأوسط، فإن مكانة المرأة الدرزية مساوية لمكانة الرجل".

ويشدد الكتاب على اندماج الدروز في المجتمع الإسرائيلي، وعلى أن "عددا متزايدا من الشبان الدروز يصلون إلى مواقع تأثير رفيعة".

ويصف الكتاب الشركس كمن يتعاطفون مع دولة إسرائيل، وأنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي.

وفيما يتعلق باللغة العربية، جاء في الكتاب أن "لا مكان لها في كل الحيز العام" وأن "قسما من الوزارات تمتنع عن منح خدمات باللغة العربية"، ورغم أن هذه ظاهرة تناقض القانون الإسرائيلي إلا أن تعامل الكتاب معها ليس نقديا.

ورغم أن الكتاب مُعد للمدارس الحكومية، وبضمنها العربية، إلا أنه لم يشارك في كتابته أي عربي. والمستشار الأكاديمي الوحيد المذكور في الكتاب هو الدكتور أفي بكشي، المعروف بمواقفه اليمينية. كما أن طاقم المشاركين في إعادة صياغة الكتاب مؤلف من اليهود فقط.

وادعت وزارة التربية والتعليم أنها حصلت على ملاحظات من عرب متخصصين في موضوع المدنيات، لكن الوزارة رفضت كشف أسمائهم، كما أنهم ليسوا موقعين على الطبعة الجديدة، ما يعني أن ثمة احتمالين، إما أن الكتاب لم يطلع عليه عرب أو أنه اطلع عليه عرب ولكنهم قدموا ملاحظات نقدية ولم يوافقوا على مضمونه.

وانتقد نائب رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، البروفسور مردخاي كريمنيتسر، تعامل الكتاب مع العرب، ورأى أنه "في الجانب الأخلاقي – الأيديولوجي، هذا كتاب له توجه معاد للمواطنة، وخصوصا في كل ما يتعلق بجمهور المواطنين العرب".

وأضاف أنه "جرى إخراج العرب من الجيد المشترك. وبنظري هذا مفهوم معاد للمواطنة وللديمقراطية، سيثير بحق غضب أي شخص مخلص للديمقراطية وأي يهودي ليبرالي في العالم. وإذا خرجت هذه المضامين إلى خارج إسرائيل، فإنها ستستخدم كسلاح بأيدي من ينزع شرعيتنا".

"أرض إسرائيل" والاستيطان

يدعي الكتاب أن العلاقة بين اليهود وفلسطين، الذي يسميها "أرض إسرائيل"، مستمرة منذ آلاف السنين، وأن "سيادة يهودية كانت موجودة في أرض إسرائيل قبل آلاف السنين، في فترة الهيكل الأول والهيكل الثاني. منذئذ وطوال كل السنين، وخلال فترة الشتات أيضا، عاش يهود في أرض إسرائيل، ولم يتم التخلي عنها أبدا".

ولا يتطرق الكتاب أبدا إلى علاقة العرب والفلسطينيين بفلسطين، رغم أن الكتاب يشير إلى أنهم كانوا أغلبية في البلاد قبل تأسيس إسرائيل.

ويدعي الكتاب أن علاقة وحق اليهود في فلسطين مطلقان، بينما القومية الفلسطينية ليست حقيقية، وأن اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا إبان النكبة في العام 1948 "هربوا خوفا على حياتهم أو استجابوا لدعوات زعماء محليين أو قادة الدول العربية المجاورة".

كلمة "مستوطنة" لا تظهر في الكتاب بتاتا. ويعتبر مؤلفو الكتاب أن هناك خلافا حول الأراضي المحتلة عام 1967، وما إذا كانت هذه "مناطق محتلة" أو "مناطق محررة" ويصفها الكتاب بأنها "مناطق مُدارة".

أما المشروع الاستيطاني فإن الكتاب يذكره بشكل مقلص للغاية ولا يتطرق إلى تاريخه أو إلى عواقبه. ويذكر الكتاب هذا المشروع بشكل عابر لدى الحديث عن مواقف اليمين واليسار في إسرائيل، المؤيدة والمعارضة للاستيطان.

ويذكر الكتاب المحرقة إبان الحكم النازي لألمانيا على أنها مبرر لإقامة "الدولة اليهودية" ووجودها. وجاء في الفصل الرابع أن "الشعب اليهودي ما زال ينزف جراء مقتل ستة ملايين من أبنائه".

ويوجد في الكتاب تبرير آخر، ديني: "وفقا للتوجه السائد، فإن توراة إسرائيل ورؤيا الأنبياء تأمر الشعب اليهودي بإقامة سيادة يهودية في أرض إسرائيل".

وانتقدت الدكتورة هيللي بينسون، من جامعة بن غوريون في بئر السبع، هذا الفصل، وقالت إن "كل جوهر هذا الفصل إشكالي، لأنه بدلا من فتح نقاش حول المفاهيم المختلفة للقومية والمواطنة، يوجه هذا الفصل رسالة واضحة مفادها أن هذا هو النموذج المفضل، وحتى من الناحية الأخلاقية أيضا".

من جهة أخرى، على الرغم من أن اليهود العلمانيين هم المجموعة الأكبر في إسرائيل، إلا أن الكتاب يذكرها بصورة مقلصة جدا، ولا يتناول شرحا حول جوهر العلمانية.

وفي المقابل، يتطرق الكتاب بتوسع إلى مجموعات أصغر بكثير من العلمانيين، وهم الحريديم والمتدينين، وخاصة إلى الصهيونية الدينية، وهو التيار الذي يمثله حزب "البيت اليهودي".

ويكاد لا يتطرق الكتاب إلى "الشرخ الطائفي" بين اليهود الأشكناز والشرقيين في إسرائيل. وكتب البروفسور يوسي دهان، أنه "في العالم الموازي الذي أوجده الكتاب لا يوجد شرقيون وأشكناز في إسرائيل، ولا توجد مدن تطوير ولا أحياء فقر، ولا يوجد تاريخ من الصراع على الأراضي والموارد والفرص".

كذلك تطرق الكتاب باقتضاب شديد إلى اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحق رابين، على أيدي ناشط اليمين المتطرف، يغئال عمير، في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين.

ورغم أن الكتاب يستنكر الاغتيال إلا أنه يشير إلى خلفية القاتل أو خلفية الاغتيال، وبدلا من ذلك يطلب من التلاميذ تحليل حدود التعبير عن الرأي من خلال استخدام اقتباسين، أحدهما اعتبر أن الاغتيال تم على خلفية "ظروف اجتماعية"، والثاني قول المستشار القانوني الأسبق، ميني مزوز، أن الاغتيال لم يكن نتيجة تحريض اليمين ضد رابين والاتفاق مع الفلسطينيين.

وينتقد الكتاب سن قوانين أساس، التي تعتبر قوانين دستورية في إسرائيل، وبينها قانون أساس: حرية الإنسان وكرامته. ويبدو أن انتقاد هذه القوانين في الكتاب نابع من أن بمقدورها منع سن بعض القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي سعت إلى طرحها أحزاب اليمين.

"رواية الشعب اليهودي فقط"!

يعتبر اليمين الإسرائيلي أن الصيغة المعدلة لكتاب المدنيات يجب أن تعكس "رواية الشعب اليهودي"، علما أن الكتاب يطمس وجود الفلسطينيين.

وعبر عن هذا الموقف المحامي اليميني، الدكتور حاييم ميسغاف، في مقال في صحيفة "معاريف"، أول من أمس الأحد، اعتبر فيه أن كتاب المدنيات "يجب أن يعكس رواية الشعب اليهودي، ولا مكان للمطالبة بوجهة نظر متبادلة أو متساوية".

واعتبر ميسغاف أن منتقدي الكتاب "يريدون أن يروا هنا، قبل أي شيء، دولة ’جميع مواطنيها’، وهذا أمر يثير لدي حزنا بالغا، ولو كانوا موجودين لدى صياغة وثيقة الاستقلال لحاولوا الدوس عليها ودعوا دول العالم إلى عدم الاعتراف بالدولة اليهودية".

وتابع ميسغاف أن "معسكر اليسار يطلب أن يتضمن الكتاب رواية العرب. وهذا لن يحدث بالطبع، لكن محاولة نزع الشرعية عن الروح اليهودية بواسطة وسائل إعلام (إسرائيلية) لا يتوقف".

واستطرد أن "الدولة التي أقيمت هنا هي دولة يهودية بكل وضوح. ولا توجد أية طريقة من أجل تغيير يهودية هذه الدولة، ولذلك أقول إن كل من لا يريد هذا اللباس لدولة إسرائيل حر بالانتقال إلى دول أخرى حيث ربما يجد هناك أن التعددية الديمقراطية أكبر. وستستمر دولتنا في كونها يهودية بكل ما يعني ذلك".

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات