المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هجومًا حادًّا على منظمة "بتسيلم" ("المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة") ووصفها بأنها منظمة مهووسة قررت الانضمام إلى الجوقة المعادية لإسرائيل.

وجاء هجوم نتنياهو هذا في سياق بيان خاص نشره على موقعه الشخصي في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" (السبت)، وتطرّق فيه إلى الجلسة التي عقدت في مجلس الأمن الدولي (الجمعة) وشارك فيها ممثلون من منظمة "بتسيلم" وجمعية "أصدقاء حركة السلام الآن في الولايات المتحدة" وأكدوا خلالها أن الاحتلال والمستوطنات في الأراضي الفلسطينية سبب النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

وشجب نتنياهو قيام ممثل منظمة "بتسيلم" بحثّ مجلس الأمن على التحرك ضد إسرائيل، وقال إن ما فشلت هذه المنظمة وأمثالها في تحقيقه عبر انتخابات ديمقراطية في إسرائيل تحاول تحقيقه من خلال الإكراه الدولي، وأكد أن الحكومة ستستمر في الدفاع عن الدولة ضد أي ضغوط دولية.

وأشار رئيس الحكومة إلى أنه سيعمل على تعديل قانون الخدمة الوطنية بحيث لن يتاح إمكان تأديتها من الآن فصاعدًا في صفوف "بتسيلم". وقالت مصادر مقربة من نتنياهو إنه تحدّث بهذا الشأن مع رئيس الائتلاف الحكومي عضو الكنيست دافيد بيتان.
وتوالت ردود الفعل الإسرائيلية على مشاركة "بتسيلم" و"السلام الآن" في جلسة مجلس الأمن.

وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية أييليت شاكيد إن "بتسيلم" جزء من حملة نزع الشرعية عن إسرائيل.

وطلب وزير الزراعة أوري أريئيل من المستشار القانوني للحكومة إلغاء ملاكات التطوع في "بتسيلم".

وقال وزير شؤون القدس زئيف إلكين إن "بتسيلم" تصب الزيت على نار التحريض ضد إسرائيل في العالم وأكد وجوب حرمانها من أي امتيازات ضريبية.

وقدم ناشط من حزب العمل الإسرائيلي شكوى إلى الشرطة الإسرائيلية ضد منظمة "بتسيلم". وجاء في الشكوى أن هذه المنظمة خالفت المواد القانونية المتعلقة بسيادة الدولة والتسبب بالحرب والمشمولة ضمن القسم الخاص بالخيانة في قانون العقوبات الإسرائيلي.

وكان مجلس الأمن الدولي عقد يوم الجمعة جلسة خاصة تحت عنوان "المستوطنات الإسرائيلية عائق أمام السلام" شارك فيها المدير العام لمنظمة "بتسيلم" حجاي إلعاد وممثلون عن حركة "السلام الآن" في الولايات المتحدة. وحث هؤلاء مجلس الأمن على التدخل والعمل من أجل وقف بناء المستوطنات في المناطق المحتلة.
وقال إلعاد في خطابه إن الاحتلال في الأراضي الفلسطينية غطاء قانوني لعنف دولة إسرائيل المنظّم.

وأضاف أنه لا يقصد من أقواله إثارة صدمة الأسرة الدولية، وإنّما التأثير فيها.

وأشار إلى أنه على مدار السنوات الـ49 الماضية، والعدّ ما يزال مستمرًا، أصبح الظّلم المسمّى الاحتلال الاسرائيليّ لفلسطين، والسيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، جزءًا من النظام الدوليّ. ونحن على وشك إتمام نصف القرن الأوّل تحت وطأة هذا الواقع. وباسم منظمة بتسيلم، أناشدكم اليوم أن تفعلوا ما يلزم فعله. وأيّ فعل لا يرقى إلى مستوى خطوة دوليّة حاسمة لن يكون سوى استهلال للنصف الثاني من القرن الأوّل للاحتلال.

وأكد إلعاد أن مجلس الأمن والأمم المتحدة والشعوب الممثّلة هنا لديها أكثر من مجرّد سلطة: لديها مسؤولية أخلاقية - وفرصة حقيقية - لفعل عاجل قبل حزيران 2017 الذي يستهلّ رمزيًا نصف قرن آخر من الاحتلال؛ وعليهم مسؤولية بثّ رسالة واضحة للعالم، للإسرائيليين والفلسطينيين، مدعومة بفعل دولي: لا يمكن لإسرائيل أن "تلعب على الحبلين". لا يمكنها احتلال شعب طيلة خمسين عامًا والتفاخر بلقب "ديمقراطيّة". ولا يمكنها انتهاك حقوق الملايين والمطالبة بإكراميّات دوليّة لا يبرّرها سوى كلمات جوفاء حول الالتزام بالقيم المشتركة، قيم حقوق الإنسان.

وتابع قائلًا: إسرائيل هي دولة ذات سيادة قامت من خلال الشرعية الدولية الممنوحة بموجب القرار الذي اتخذته هذه المؤسّسة ذاتها في العام 1947. وأنا مواطن في هذه الدولة. طيلة معظم سنوات وجود دولتي أجاز العالم لها احتلال أرض شعب آخر. لقد عشت هذا الواقع طيلة حياتي، كلّ يوم من حياتي. الملايين من الإسرائيليين والفلسطينيين لا يعرفون واقعًا آخر. نحن نحتاج إلى مساعدتكم. إن خمسين عامًا من الاحتلال "المؤقت" هي مدّة طويلة جدًا بحيث لن تجدوا ولو شخصًا واحدًا على وجه الأرض يقبل مثل هذا التناقض في المصطلحات. يجب إحقاق حقوق الفلسطينيين. يجب إنهاء الاحتلال. يجب على مجلس الأمن أن يتحرّك. والآن هو أوان ذلك.

وتساءل مدير "بتسيلم": ماذا يعني فعليًّا أن تقضي 49 عاما تحت وطأة الحكم العسكري؟ أنتم ترون فقط لمحة عن بعض جوانب الحياة تحت الاحتلال عندما تندلع أعمال عنف أو عندما تجذب أحداث معيّنة اهتمامًا دوليًّا. ولكن ماذا عن بقية الوقت؟ ماذا عن الأيام الكثيرة "العادية" لاحتلال حاضر طيلة 17898 يومًا، ويواصل فرض حضوره بقوّة؟ الحياة تحت وطأة الحكم العسكري تعني في الغالب عنفًا يوميًا، بيروقراطيًا، وغير مرئيّ. إنّها تعني العيش تحت وطأة نظام تصاريح لا نهائيّ يسيطر على حياة الفلسطينيين "من المهد إلى اللّحد": إسرائيل تسيطر على سجلّ السكان وتصاريح العمل؛ وإسرائيل تقرّر من يمكنه السفر إلى الخارج ومن لا يمكنه ذلك. في بعض القرى، تحتفظ إسرائيل بقوائم من يُسمح له بزيارة القرية، ومن يُسمح له بزراعة أيّ حقل. لا تُمنح التصاريح دائمًا، ويجب تجديد هذه التصاريح على الدوام. لهذا فالفلسطينيون يستنشقون احتلالًا مع كلّ نفَس يتنفّسونه. خطوة واحدة خاطئة قد تُفقدك حرّية الحركة والتنقل، أو مصدر رزقك، أو حتى فرصة الزواج وبناء أسرة مع من تحبّ.

وأضاف: هناك، في الوقت نفسه، المستوطنات والمستوطنون، الحاضرون دائمًا. إنّهم مواطنون إسرائيليون يعيشون، ظاهريًا، في ظلّ ديمقراطية "العالم الأوّل"، وهو عالم موجود بشكل ما فقط من أجلهم، خارج حدود بلادهم. هذا المشروع الآخذ في التوسّع، رغم عدم شرعيته، موجود في كلّ مكان في كافّة أنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتشمل المستوطنات المناطق المبنية والأراضي المحيطة بها المخصّصة لهم بسخاء، لأغراض التوسّع مستقبلًا، أو تُستخدم كـ"مناطق أمنيّة خاصة". هذه المستوطنات تعني نقاط تفتيش للفلسطينيين، وطرق التفافية للمستوطنين. إنّها تعني الجدار الفاصل. وأخيرًا، تعني تفتيت فلسطين إلى مئات المجمّعات المعزولة، العائمة - وربّما عليّ أن أقول، الآخذة في الغرق ببطء في بحر من الهيمنة الإسرائيلية. فهل هناك من يستحقّ العيش في ظروف كهذه طيلة نصف قرن؟

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات