المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أنهى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في نهاية آذار دورته الشتوية، وهي الثانية المتممة لعام برلماني أول، لحكومة بنيامين نتنياهو. وخلافا للتوقعات، فإن الائتلاف الحاكم، ذا الأغلبية الهشّة، 61 نائبا من أصل 120 نائبا، نجح في اجتياز الدورة من دون أزمات تذكر؛ وذلك لسببين مركزين: أولهما، أن الائتلاف تجنّب معالجة مشاريع القوانين الخلافية داخل الائتلاف. وثانيهما أن المعارضة البرلمانية ليست موحدة، وهي مقسّمة لثلاثة معسكرات، وحتى ربما أربعة معسكرات، يناور بينها الائتلاف في كل عمليات التصويت البرلمانية.

في الأسبوع الأخير للكنيست، تلقى الائتلاف جرس إنذار من نائبين من حزب "الليكود" رفضا المشاركة في عمليات التصويت المختلفة، ومن بينها مشروع قانون يجيز اقصاء نائب عن كامل الولاية البرلمانية، وهو قانون يستهدف النواب العرب. وقد احتج النائبان أبراهام نغوسا (من أصل أثيوبي)، وداني بيطان وكلاهما من حزب "الليكود"، على تراجع حكومتهما عن التزامها باستقدام أثيوبيين من المجموعة المسمى "الفلاشمورا"، وهم من أصول يهودية، ولكنهم تنصّروا وهم أقارب لعائلات يهودية موجودة في إسرائيل.

ومنع هذا "التمرد" المحدود من وصول الأغلبية لقانون الاقصاء الى 61 نائبا، وهو العدد الذي قال عنه المستشار القانوني للحكومة إنه مفضّل أن يكون، كون القانون تعديلا لقانون أساس. وقررت كتلة الليكود معاقبة النائبين بحرمانهما من تقديم مواضيع للبحث ومشاريع قوانين في الدورة الصيفية المقبلة. وهذه الحادثة العابرة، هي نموذج لما قد يواجهه الائتلاف لاحقا في مطبات سياسية واقتصادية مختلفة، خاصة إذا كان فيها مكاسب حزبية لواحدة أو أكثر من الكتل البرلمانية المشاركة في الائتلاف.

وهذا ما يعرفه الائتلاف، ولهذا فإنه حتى الآن تجنّب الدخول في مشاريع قوانين وقرارات لا اجماع حولها في الائتلاف، وتعد قضايا خلافية، تهدد تماسك الائتلاف. وكنّا في العدد السابق قد استعرضنا أبرز هذه القوانين، ومن أهمها ما يطمح له بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود، وتحالف المستوطنين "البيت اليهودي"، وكتلتا المتدينين المتزمتين (الحريديم) "شاس" و"يهدوت هتوراة"، وهي تلك التي تقوض صلاحيات المحكمة العليا، وبشكل خاص سحب صلاحياتها بنقض قوانين وقرارات يقرها الكنيست. ويعترض على هذا حزب "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون.

ولم يطرح الائتلاف هذه القوانين، رغم أنها مشمولة ضمن اتفاقيات الائتلاف بين الليكود والكتل المؤيدة، بسبب اعتراض "كولانو"، إلا أنه في أعقاب صدور قرار المحكمة العليا، الذي نقض بندا مركزيا في اتفاقية احتكار حقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل في البحر الابيض المتوسط، يوم 27 آذار الماضي، شن وزراء ونواب في الائتلاف هجوما كاسحا على المحكمة العليا، وبزّهم نتنياهو ذاته ووزيرة العدل أييليت شكيد، وخلق هذا الهجوم جدلا واسعا في الحلبة الإسرائيلية. وقد عبّر كحلون عن معارضته للهجوم على المحكمة العليا، ما يؤكد أكثر الخلاف المركزي في هذه النقطة، التي أدرجها نتنياهو ضمن برنامجه الانتخابي.

ونضيف الى هذا، الخلاف العقائدي حول ما يسمى بـ "قانون القومية"، أو "قانون إسرائيل دولة الشعب اليهودي"، وقوانين دينية تتعلق بالإكراه الديني وسطوة المتدينين على الكثير من نواحي الحياة. ولكن ليس فقط أن الائتلاف تجنّب هذه القوانين الخلافية، بل أيضا بادر وزير المالية كحلون الى إزالة ما كان يُعد لغما في طريق عمل الائتلاف، إذ أعلن أنه لن يقود الى أزمة في الائتلاف الحاكم، على خلفية معارضته لاعداد ميزانية مزدوجة للعامين المقبلين، وأنه سيسجل تحفظه، وفي ذات الوقت أن يعرقل ما يسعى له نتنياهو.

معارضة مفككة

في الحساب الجاف نقول إن الائتلاف الحكم يرتكز على 61 نائبا من أصل 120، بمعنى 61 نائبا مقابل 59 نائبا، وفي ظروف عادية ما كانت أي حكومة ستصمد طويلا، خاصة في وضعية تركيبة الكنيست في كل واحدة من الولايات البرلمانية منذ العام 1996 ولاحقا، بمعنى حينما بدت التركيبة مشرذمة، تغيب عنها الكتل الضخمة.

لكن على أرض الوقع، فإن المعارضة لا يوجد ما يوّحدها، بل هي متناحرة. وأولها الكتلة الأبرز في هذا المجال، "يسرائيل بيتينو"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، فهذه الكتلة كان من المفترض أن تكون ضمن الائتلاف الحاكم، وتضمن له استقرارا لولاية برلمانية. إلا ليبرمان اعترض على الاتفاقيات التي أبرمها حزب "الليكود" مع كتلتي "الحريديم"، كونها نقضت كل القرارات والقوانين التي أقرت في الحكومة السابقة، وهدفت إلى تقليص ميزانيات مؤسسات "الحريديم".

ثم راح ليبرمان يصعّد خطابه ضد الحكومة في مسارين: الأول حول أداء بنيامين نتنياهو ضد الفلسطينيين، إذ يطالب بضربات اشد على الضفة والقطاع وضد فلسطينيي 48. وثانيا، ضد أحزاب "الحريديم" والميزانيات التي يحصلون عليها، وبذلك يخاطب ليبرمان جمهورا من اليمين المتشدد يعتبر "الحريديم" كمن يبتزون الموازنة العامة ويعتاشون على النفقات. ويريد ليبرمان من هذا، ضمان جمهور مصوتين جدد له في الانتخابات المقبلة، بعد أن خسر الكثير من قوته البرلمانية في الانتخابات الأخيرة.

إلا أن ليبرمان وكتلته يتصرفان كنواب احتياط للائتلاف الحاكم، إذ أنها يدعمان إما بالتصويت المباشر أو بالخروج من قاعة الكنيست، لدى التصويت على كافة القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع.

أما كتلة "يوجد مستقبل" بزعامة وزير المالية السابق يائير لبيد، فإنها قلما تتجند للتصويت بشكل جماعي ضد الحكومة، باستثناء الموازنة العامة، وبعض القوانين، ومن بينها القوانين المتعلقة فقط بالجانب الديمقراطي، الذي سيطال الشارع اليهودي، مثل سلسلة القوانين التي تهدف الى محاصرة الجمعيات الحقوقية، ولكن هذه الكتلة بغالبيتها تنضم لكافة القوانين العنصرية التي تستهدف الفلسطينيين وحدهم.

وحال وضعية المعارضة اشتدت أيضا على ضوء نهج حزب "العمل" الذي يقود كتلة "المعسكر الصهيوني"، خاصة بعد تبني ما أسماه "حلا مرحليا" للضفة المحتلة، يجعلها مجموعة كانتونات محاصرة، ومنقطعة عن بعضها. اضافة الى أن رئيس حزب "العمل" يتسحاق هيرتسوغ صعّد خطابه اليميني، خاصة في الأشهر الستة الأخيرة.

ونضيف الى عوامل ضعف المعارضة القائمة عاملا جديدا، وهو شبهات الفساد التي تحوم حول هيرتسوغ ذاته، وفي صلبها تلقي أموال غير مشروعة لتمويل حملته الانتخابية، بما فيها حملة حزبه، إذ أن عددا من منافسيه على رئاسة الحزب، استلوا سيوفهم، وباتوا يطالبونه، بتعابير مخففة، بالجلوس جانبا، ما يوحي بخلق حالة من البلبلة في قيادة الحزب، وانشغالها في شؤونها الداخلية، ما يضعفها أكثر في الشارع.

وما يجمع "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" أيضا، هو انضمام الكتلتين الى هجوم أحزاب اليمين على نواب القائمة المشتركة، التي تمثل فلسطينيي الداخل. في حين طال هجوم حزب "العمل" أيضا، حزب "ميرتس" اليساري الصهيوني، الذي بقي الكتلة الصهيونية الوحيدة، التي يتطابق نهج تصويتها مع القائمة المشتركة في جميع القوانين ذات الصبغة السياسية والعنصرية والمناهضة للديمقراطية.

بناء على هذا المشهد القائم، فإن الائتلاف الحاكم مستفيد من هذا التناحر في المعارضة، وأيضا التواطؤ معه في الكثير من القوانين، ذات الصيغة العنصرية والمناهضة لحل الصراع، وايضا في قضايا اقتصادية، مثل مسألة احتكار الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل في البحر الابيض المتوسط، فكتلتا "يسرائيل بيتينو" و"يوجد مستقبل"، متفقتان مع الخط الذي يقوده نتنياهو، بتوسيع نطاق الاحتكار والامتيازات للشركات الضخمة المحتكرة.

وخلال الدورة الشتوية، اصطدم الائتلاف ثلاث مرات بواقع اغلبيته الهشّة، الأولى كانت باسقاط قانون يعنى بأحد جوانب حقوق المرأة، وكان قانونا بمبادرة أحد النواب مدعوما من الحكومة، ولم يعبر القراءة التمهيدية. والثاني كان قانونا سقط بتعادل الأصوات بالقراءة الأولى، ويرفع من مكانة المحاكم العسكرية أمام المحاكم المدنية. والحالة الثالثة كانت في قانون اقصاء النواب، ولكن هذا القانون صودق عليه بالقراءة الأولى، ولكن بأغلبية دون 61 نائبا، كما ورد سابقا هنا.

تماسك الائتلاف واحتمالات توسيعه

في القاموس السياسي الإسرائيلي الحالي، فإن حزب "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، يُعد ضمن ما يسمى "الوسط"، أو في أحسن الأحوال يُعد "يمينا معتدلا"، وراح بعض المحللين الإسرائيليين الى حد القول إن كحلون قد يكون سدّا في وجه القوانين المتعارضة مع الديمقراطية، مثل تقويض حركة الجمعيات الحقوقية، وضرب صلاحيات الجهاز القضائي، وخاصة المحكمة العليا. ولكن على أرض الواقع، وباستثناء الاعتراض على ضرب جهاز المحاكم ومكانتها، فإن كتلة "كولانو" مشاركة كليا في جميع القوانين العنصرية والمناهضة لحل الصراع، بما في ذلك كل نهج الاستيطان والاحتلال.

وهذا يعني أن الائتلاف القائم يرتكز كله على اليمين المتشدد، وهذا يعزز أكثر من تماسكه، وحتى الآن لا تظهر تصدعات في الائتلاف من شأنها أن تقود الى حله، إلا إذا نشأ مستقبلا ما هو غير منظور حتى الآن، أو إذا قرر طرف ما في الائتلاف فتح الملفات الخلافية.

في الشهر الأخير ظهرت معلومات تدل على محاولات لتوسيع الائتلاف القائم. وأولها كان تصريح أفيغدور ليبرمان، بأنه تلقى توجها من زعيم حزب "شاس" آرييه درعي، بالانضمام الى الائتلاف، وكان واضحا من لهجة ليبرمان الاستخفاف بالطلب، وكما يبدو لحسابات ليبرمان المستقبلية، وعزمه على استرداد بعض قوته البرلمانية التي فقدها في الانتخابات الأخيرة.

ولاحقا قال وزير المالية كحلون إنه في الأسابيع الأخيرة جرت اتصالات بين حزبي "الليكود" و"العمل"، لضم الأخير مع تحالفه "المعسكر الصهيوني"، الى الائتلاف القائم، إلا أنه وحسب كحلون، فإن الإعلان عن وجود شبهات بالفساد ضد هيرتسوغ أوقف هذه الاتصالات، التي بلغت الى حد كتابة مسودة اتفاق. وبغض النظر عن مدى دقة المعلومات، التي لم ينفها أي شخص من الحزبين، فإن البرنامج الجديد الذي تبناه حزب "العمل"، بشأن الضفة الفلسطينية المحتلة، من شأنه أن يفتح الأبواب أمام تحالفه في أي ائتلاف، ومع أشد الأحزاب يمينية.

لكن مع صدور تصريح كحلون صدرت أصوات في حزب "العمل" و"المعسكر الصهيوني"، تعلن معارضتها للانضمام الى ائتلاف نتنياهو، ونخص بالذكر، تسيبي ليفني، زعيمة حزب "الحركة" الشريك في "المعسكر الصهيوني"، والنائب القوي في حزب "العمل" إيتان كابل.

وبالإمكان القول، إن احتمال توسيع الائتلاف من خلال "المعسكر الصهيوني"، باتت معدومة أكثر من ذي قبل، على ضوء الشبهات ضد هيرتسوغ، والأهم أن حزب "العمل" سيتجه نحو انتخابات داخلية لرئاسة وهيئات الحزب، سيتحدد تاريخها في جلسة المجلس المركزي للحزب في منتصف أيار المقبل.

والاحتمال شبه الوحيد القائم لتوسيع الائتلاف، هو ضم كتلة "يسرائيل بيتينو"، فهذه الخطوة تبقى أقل "كلفة" للائتلاف، ولكن حتى الآن يبدو أن ليبرمان متمسك بموقفه بشأن عدم الانضمام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات