المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"لا جديد في الجبهة الاقتصادية ـ الاجتماعية في إسرائيل"- بهذه الجملة التي يبدو، للوهلة الأولى، أنها قابلة للتأويل والفهم على أكثر من وجه واحد يفتتح "مركز أدفا"، مركز الأبحاث المتخصص برصد التحولات والسيرورات الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل وتحليل السياسات الحكومية المتصلة بهذه التحولات والسيرورات، تقريره السنوي الجديد بعنوان "صورة الوضع الاجتماعي 2015"، والذي صدر في اليوم الأخير من الشهر الأخير من السنة الأخيرة (31/12/2015).

ولئن قلنا إن الجملة الافتتاحية المذكورة أعلاه "قابلة للتأويل"، كما يبدو للوهلة الأولى، فإن ما يليها من معطيات إحصائية توثيقية حول الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي في إسرائيل ومن تحليل لخلفياتها، أسبابها، دلالاتها وإسقاطاتها المحتملة، لا يترك مجالا لأي تأويل، بل يأخذ الجملة (الافتتاحية) إلى معناها الوحيد المحتمل والممكن، منطقيا وموضوعيا، كما يراه معدو التقرير: إسرائيل لا تزال تنتظر التغيير الاجتماعي المنشود!

ويتوصل معدو "تقرير أدفا السنوي" الحالي (صورة الوضع الاجتماعي 2015)، الباحثون شلومو سبيرسكي، إيتي كونورـ أطياس وروتم زلينغر، إلى استنتاجهم هذا بالتأسيس على "المعطيات التي لا تسند الجواب (التعامل) الحكومي التقليدي والجاهز، دائما، لكل المسائل والتحديات الاجتماعية: النمو، فالنمو ثم النمو"!

ويلفت معدو التقرير - الذي نقدم عرضا موسعا له هنا - إلى أن الجزء الأكبر من المعطيات الواردة فيه مصدرها "مكتب الإحصاء المركزي" الإسرائيلي و"مؤسسة التأمين القومي"، وهي معطيات تنشر بتأخير سنة واحدة عادة، ما يعني أنها تتعلق بالعام 2014، بوجه أساس، لكنها ترسم صورة شاملة عن الوضع خلال العقد الأخير، 2004 - 2014، بمجمله، ما يسمح بتشخيص وتحليل السيرورات البعيدة المدى الحاصلة في المشهد الاقتصادي ـ الاجتماعي العام في إسرائيل.

ويسجل التقرير أنه منذ انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، شهد الاقتصاد الإسرائيلي معدلات نمو جيدة تفوق معدّلات النمو في أوروبا الغربية: ففي الفترة ما بين عام 2000 و2014، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بمعدّل 3ر3% في السنة، مقابل 6ر1% فقط في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، التي انضمت إليها إسرائيل في العام 2010. وتبعاً لذلك، كان من المتوقّع أن ينعكس هذا الأمر في الوضع الاقتصادي لجميع الإسرائيليين، إلا أن متوسّط الأجور لم يتغيّر، إطلاقا، تقريبا. وتشير المعطيات الممتدة على فترة أطول إلى أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي للفرد لم يكن مصحوبا بزيادة موازية، مفترضة، في القيمة الحقيقية للأجور، بل إن الفجوة بينهما ازدادت وتعمقت في العام 2014، أكثر من أي وقت مضى.

متوسط الأجور على حاله منذ عقد!

يسجل التقرير، منذ البداية، حقيقة أساسية تشكل مرساة ومنطلقا لكثير من التقييمات والتحليلات اللاحقة: لم يطرأ على متوسط الأجور في إسرائيل أي تغيير منذ ما يزيد عن عقد كامل من الزمن! ويضاف إلى هذه الحقيقة معطى آخر يقول: نسبة العمال الإسرائيليين الذين يتقاضون أجراً متدنيا (يعادل ثلثيّ متوسط الأجور في البلاد، أو أقل) لقاء عملهم بلغت 1ر22% في العام 2013، وهذه من بين النسب الأكثر ارتفاعا في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). وإلى ذلك، يضاف معطى آخر أيضا، يقول: نحو الثـُلث من العمال الإسرائيليين يتقاضون أجورا لا تزيد عن الحد الأدنى للأجور (نحو 4300 شيكل حالياً)، في الوقت الذي بلغت فيه تكلفة متوسط الأجور الشهرية التي تقاضاها مدراء الشركات الكبرى في الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام 2014 أكثر من 400 ألف شيكل!

وتنعكس هذه المعطيات، بأوضح صورة، في توزيعة "كعكة المدخول الوطني" خلال العقد الأخير، من 2004 حتى 2014: حصة أصحاب العمل والمشغّلين من "كعكة المدخولات الوطنية" ارتفعت من 14% إلى 17%، بينما انخفضت حصة العمال الأجيرين من هذه الكعكة من 61% إلى 57%!

ويرى التقرير أن "الغنى قد ازداد"، إذ ارتفعت قيمة إجمالي الممتلكات المالية الموجودة بين أيدي الجمهور في نهاية العام 2014 إلى 259ر3 مليار شيكل، أي بزيادة 2ر2 ضعف عما كانت عليه قيمتها في العام 2000. ورغم عدم توفر أية معلومات حول كيفية توزع هذا المبلغ الضخم حسب الشرائح العُشرية، إلا أنه ما من شك في أن عبارة "بين أيدي الجمهور" بعيدة تماما عن وصف الوضع بصورة صحيحة ومعبرة: فمما هو معروف من وعن دول أخرى، من المنطقي الافتراض بأن حصة الأسد من هذه القيمة (المبلغ) موجود بين يدي الشريحة العُشرية الأعلى، بل بين يدي الشريحة المئوية الأعلى بالتحديد وبشكل خاص!

ومقابل ازدياد الغنى ـ كما هو مبيّن آنفا ـ ازداد الفقر أيضا، إذ ارتفعت نسبة العائلات الفقيرة من 5ر17% من مجمل العائلات في البلاد في بداية العقد السابق (أي، في العام 2000) إلى 8ر18% في العام 2014، بينما تراوحت نسبتها في العام 1980 بين 11% و 12%. ويؤكد التقرير أن "نسبة الفقر في إسرائيل هي من الأعلى، على الإطلاق، في دول منظمة OECD".

ثمة في إسرائيل فروع اقتصادية قليلة توفر فرصا للعمل بأجر جيد، نسبيا: التقنية العالية (هاي تيك)، الاستثمارات المالية، الشركات التي تقدم الخدمات. غير أن العمل في هذه الفروع يتطلب، غالبا، تحصيلا أكاديميا. لكن النصف (50%) فقط من أبناء الشبيبة في إسرائيل يحصلون على شهادة البجروت (الثانوية العامة) و1ر29% فقط من أبناء الشبيبة الذين كانوا في سن 17 عاما في العام 2006 وصلوا إلى درجة التعليم الجامعي حتى العام 2014.

ويؤكد التقرير، هنا، أن هذه المعطيات "تستدعي حكومة متدخلة وفاعلة"، إذ أن الحكومة الإسرائيلية هي، في حد ذاتها، أحد أكبر المشغِّلين في الاقتصاد الإسرائيلي، علاوة على كونها المسؤولة المباشرة عن التعليم، في مختلف درجاته ومستوياته. غير أن حكومات إسرائيل ـ يضيف التقرير ـ تحاول قدر مستطاعها تقليص مدى تدخلها وحجم نشاطها الاقتصادي ـ الاجتماعي "بغية إخلاء الحلبة للقطاع التجاري". وإذا كانت الدولة (الحكومة ومؤسساتها) قد شكلت اللاعب الاقتصادي والاجتماعي المركزي والأقوى خلال العقود الأولى على تأسيس الدولة، بعد العام 1948 ـ سواء في التطوير الاقتصادي، العمل والتشغيل، استيعاب المهاجرين اليهود، الإسكان، التعليم ـ فإننا نراها تبذل جهدا كبيرا وواضحا خلال العقود الأخيرة من أجل تقليص نشاطها وخفض ميزانياتها المرصودة للصرف على هذه المجالات. والنتيجة الحتمية لهذا هي تقلّص وتراجع الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة: التعليم، الصحة، الرفاه والضمان الاجتماعي. فقد انخفضت المصروفات الحكومية (بما فيها السلطات المحلية) الشاملة على هذه الخدمات في العام 2014 إلى نسبة 2ر41% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أدنى من النسبة الموازية في غالبية دول أوروبا الغربية وتضع إسرائيل تحت المتوسط العام في دول منظمة OECD.

وفوق هذا، يؤكد التقرير، فإن جدول الأعمال المعتمد لدى الحكومات الإسرائيلية يتحدد، بصورة أساسية، برسم النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وتطورات مجرياته، بينما من الواضح أن لا بوادر لأية تسوية سياسية تلوح في الأفق. "ومعنى هذا، أن الحكومات الإسرائيلية ليست متفرغة لوضع وإعداد وتطوير خطط طويلة المدى لرفع نسبة استحقاق شهادة البجروت (الثانوية العامة)، لزيادة عدد ونسبة الطلاب الجامعيين أو لتوسيع حدود "أمّة الشركات الناشئة" (Startup Company) إلى ما هو أبعد من حدود دولة تل أبيب"، كما يقول التقرير بلهجة انتقادية ساخرة.

النمو ـ هل هو الدواء لكل داء؟

الجواب الروتيني المعتاد على ألسن رؤساء الدولة في الرد على المعطيات المعروضة هنا هو: النمو، فالنموّ ثم النمو. والنمو، باختصار، هو ارتفاع الناتج الإجمالي المحلي للفرد. لكن هذا الجواب غير كاف وغير شاف. أولا، لأن النمو في إسرائيل ليس ثابتا لفترة طويلة من الزمن. فبينما نجد أن الدول الأخرى معرضة لأزمات اقتصادية عالمية عامة، كتلك التي حصلت في العام 2008، نرى أن إسرائيل معرضة، أيضا وبالإضافة، إلى أزمات "خاصة" ناتجة عن المواجهات العنيفة المتكررة مع الفلسطينيين.

وتبين المعطيات أنه خلال السنوات منذ بداية القرن الحالي، وبينما تأثرت الدول الأخرى بالأزمة المالية التي حصلت في العام 2008، تضرر الاقتصاد الإسرائيلي، بالإضافة إلى ذلك، من جراء الانتفاضة الفلسطينية الثانية أيضا. ولم يتوقف الأمر عند تلك الانتفاضة فحسب، بل وقعت منذ انتهائها وحتى نهاية العام 2014 المواجهات العسكرية التالية في قطاع غزة: "أيام الندم" (2004)، "قوس قزح" (2004)، "المطر الأول" (2005)، "أمطار الصيف" (2006)، "الشتاء الحار" (2008)، "الرصاص المصبوب" (2008- 2009)، "عمود السحاب" (2012)، و"الجرف الصامد" (2014).

صحيح أن إسقاطات كل واحدة من هذه العمليات العسكرية محدودة، لكن تأثيرها التراكمي يشكل ضررا متواصلا يطال مجموعات سكانية معينة وأقاليم معينة في البلاد، بما يخلق جوا من عدم الاستقرار.

وثانيا، لأن النمو في حد ذاته لا يضمن توزيعا متساويا وعادلا لثماره. فمنذ نهاية الانتفاضة الثانية، سجل الاقتصاد الإسرائيلي نمواً بمعدلات مرتفعة تزيد عن تلك التي سجلت في دول أوروبا الغربية: بين الأعوام 2000 و 2014 ازداد الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي بمعدل 3ر3% في السنة، مقابل 6ر1% فقط في دول OECD. وعلى هذا، فقد كان من المتوقع، إذن، أن ينعكس هذا على الوضع الاقتصادي لمجمل المواطنين الإسرائيليين. لكن الواقع أن متوسط الأجور في إسرائيل (أي: الأجر الذي يتقاضى نصف الإسرائيليون أكثر منه بينما يتقاضى نصفهم الآخر أقل منه) لم يتغير طوال هذه السنوات كلها!

ومن هنا، فإن النمو في حد ذاته لا يشكل أية ضمانة لتوزيع ثماره بصورة عادلة، لأن هذا يحتاج إلى سياسة اجتماعية مناسبة.

الأجور منقطعة عن النمو

منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، نلاحظ أن الأجور آخذة في الانقطاع عن النمو، أكثر فأكثر. وتبين معطيات "مؤسسة التأمين القومي" أنه خلال العقدين من 1968 حتى 1988، كان النمو مصحوبا، فعلا، بارتفاع مواز في الأجر الحقيقي (القيمة الحقيقية للأجر المتوسط) الذي يتقاضاه الإسرائيليون. ولكن، بينما ارتفع الأجر بالتوازي مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد، منذ بداية التسعينات وحتى العام 2000 تقريبا، ولو بنسبة أقل، إلا أنه "تجمد" على حاله ولم تتغير قيمته الحقيقية منذ العام 2000. ومعنى هذا أن ثمار النمو لم تصل (بالمتوسط) إلى أيدي العمال في الاقتصاد الإسرائيلي، وإنما تم تحويلها إلى جهات وعناوين أخرى.

وبدون وضع سياسة اجتماعية مناسبة وتطبيقها فعليا، ستبقى ثمار النمو تتجه نحو الأعلى، بالذات، بينما يُفترض بها ـ طبقا للادعاء الشائع ـ أن تتجه نحو الأسفل.

الغنى يزداد

في الوقت الذي بقيت الأجور على حالها، دون تغيير في قيمتها الحقيقية، ازداد الغنى في إسرائيل. هذا ما يمكن الاستدلال عليه من الارتفاع في ما يسمى "ممتلكات مالية في أيدي الجمهور" (برامج توفير في البنوك، سندات قيمة، مدخرات مالية وتأمينات حياة). فقد ارتفعت هذه الممتلكات في الفترة ما بين العام 2000 والعام 2014 بأكثر من الضعف، من 452ر1 مليار شيكل إلى 259ر3 مليار شيكل (بأسعار العام 2014).

ورغم أنه لا يتم نشر أية معطيات في إسرائيل حول توزيعة هذه الممتلكات بين الشرائح العُشرية أو الشرائح الخُمسية، إلا أن المعلومات المتوفرة حول دول أخرى قد تفيدنا وتساعدنا على الافتراض بأن في إسرائيل أيضا ـ كما في الدول الأخرى ـ تستولي الشريحة العشرية الأعلى، وخاصة منها الشريحة المئوية الأعلى، على حصة كبيرة جدا من هذه الممتلكات.

أجور المدراء الكبار

في الوقت الذي لم يطرأ أي تغيير، تقريبا، على متوسط الأجور، سجلت أجور المدراء في الشركات الكبيرة ارتفاعات حادة جدا. ونحن نعرف عن هذه الارتفاعات بفضل قانون خاص يلزم الشركات التي تطرح أسهمها المالية في سوق الأسهم (البورصة) بنشر معطيات وافية عن الأجور الخمسة الأعلى في الشركة. أما الشركات التي لا تطرح أسهما لها في سوق الأسهم، فلا نعرف عنها شيئا.

المعطيات الواردة هنا هي الأكثر تحديثا التي تم نشرها عن العام 2014. فقد بلغت تكلفة أجور المدراء العامين في الشركات الـ 100 الأكبر التي تتداول اسهمها في بورصة تل أبيب (مؤشّر "تل أبيب 100") في العام 2014، 01ر5 ملايين شيكل في السنة، بالمتوسط، أو 417 ألف شيكل في الشهر. ويمثل هذا المبلغ انخفاضا بالمقارنة مع العام 2013، لكنه يبقى خياليا بالنسبة للغالبية الساحقة من الإسرائيليين.

أما متوسط تكلفة الأجور السنوية لأصحاب المناصب الخمسة الأرفع في هذه الشركات فقد بلغ 64ر3 مليون شيكل، أو 303 آلاف شيكل في الشهر. وفي العام 2014، كان متوسط تكلفة أجور أصحاب المناصب الخمسة الأرفع في الشركات المذكورة أعلاه أكبر بـ 32 ضعفاً من متوسط الأجور في السوق (9373 شيكلا، للعمال الإسرائيليين فقط) وأكبر بـ 70 ضعفاً من الحد الأدنى للأجور في السنة ذاتها (4300 شيكل).

نسبة متلقّي الحد الأدنى من الأجر لم تتغير

تنشر مؤسسة "التأمين القومي" معطيات حول أجور العمال الأجيرين في إسرائيل طبقا لثلاثة مستويات/ درجات مختلفة: حتى الحد الأدنى للأجر، حتى الأجر المتوسط وما فوق الأجر المتوسط. ومن المؤسف ـ كما يقول التقرير ـ أن هذه المعطيات تُنشر بتأخير سنتين، أي أن المعطيات التي تنشر في سنة معينة تكون عن السنة التي ما قبل السابقة.

إبان فترة الأزمة الاقتصادية التي أحدثتها الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ارتفعت نسبة العمال الذين يتقاضون أجورا حتى الحد الأدنى للأجر (الحد الأدنى وما دون): من 7ر31% من مجمل العمال الأجيرين في البلاد في العام 2002 إلى 4ر35% في العام 2003، لكن نسبتهم ظلت ثابتة منذ العام 2010 حتى العام 2013، إذ هبطت إلى 3ر31%.

وفي المقابل، طرأ ارتفاع في نسبة العمال الذين يتقاضون مرتبات تعادل الأجر المتوسط وتزيد عنه، إذ تجاوزت هذه النسبة الـ 30%، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2000. ومع ذلك، ينبغي أن نذكر أن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أدخل، في العام 2012، تغييرا جوهريا على نظام إحصاء مصروفات العائلات في إسرائيل، والذي تعتمده "مؤسسة التأمين القومي" في تحديد درجات الأجور.

مرتبة عليا في سلم الأجور المتدنية

تقدم منظمة OECD نظرة مقارنة حول الدرجات الدنيا في سلم الأجور في إسرائيل، إذ تنشر سنوياً معطيات حول نسبة العمال الذين يتقاضون أجورا متدنية. والأجر المتدني، في التعريف، هو الذي لا يزيد عن ثلثيّ الأجر المتوسط في السوق.

وفي هذه المقارنة الدولية، "تمتاز" إسرائيل: 1ر22% من العمال الأجيرين في إسرائيل حصلوا في العام 2013 على أجور متدنية، وهي من النسب الأعلى في دول هذه المنظمة.

أشكنازيون، شرقيون وعرب

الفجوات في الأجور بين اليهود والعرب وبين اليهود الشرقيين (مواليد إسرائيل لأب/ أم من مواليد آسيا أو أفريقيا) واليهود الأشكنازيين (مواليد إسرائيل لأب/ أم من مواليد أوروبا أو أمريكا) هي فجوات كبيرة جدا.

المعطيات الواردة هنا هي عن الأعوام 2012 ـ 2014. ويستدل منها أن الدخل الشهري للعمال الأجيرين العرب في العام 2014 كان الأدنى على الإطلاق: 29% منهم تقاضوا أجورا أدنى من المتوسط.

أما العمال اليهود، الأشكنازيون والشرقيون على حد سواء، فقد زاد متوسط دخلهم الشهري عن الدخل الشهري المتوسط لمجمل الأجيرين في البلاد: الأشكنازيون ـ زيادة بنسبة 38% والشرقيون ـ زيادة بنسبة 12%.

واحدة من كل خمس عائلات ـ تحت خط الفقر

خُمس العائلات في إسرائيل (20% منها) تعيش على مداخيل متدنية جدا تضعها تحت "خط الفقر" الذي هو، بالتعريف، الدخل الذي يعادل 50% أو أقل من الدخل المتوسط للعائلة في إسرائيل.

في العام 2014، كانت نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر 8ر18% من مجمل العائلات في إسرائيل. والمعطيات التي نشرتها منظمة OECD عن العام 2014 وضعت إسرائيل في القسم العلوي من الجدول (أي، القسم السيء!): نسبة انتشار الفقر بين العائلات في إسرائيل كانت أعلى بـ 7ر1 ضعف عن المتوسط العام في دول هذه المنظمة (11%).

الفجوة في هذا المجال ما بين المواطنين اليهود والمواطنين العرب هي كبيرة جدا: نسبة الفقر بين العائلات العربية أكبر بثلاثة أضعاف من نسبته بين العائلات اليهودية. أما نسبة الفقر الأعلى بين اليهود فهي لدى الحريديم، وهي تقترب كثيرا من النسبة لدى العرب.

عدم المساواة في إسرائيل ـ من الأعلى في دول OECD

ثمة معطى واحد يوجز كل المعطيات التي وردت حتى الآن وهو الذي يتعلق بمستوى عدم المساواة، كما يحدده "مؤشر جيني" الذي يفحص موقع دولة ما على محور يمتد من 0 إلى 1: الطرف الأول ـ الصفر ـ يمثل وضعا تتوزع فيه المداخيل بصورة متساوية بين الجميع. والطرف الثاني ـ 1 ـ يمثل وضعا تتجمع فيه المداخيل كلها بين يدي شخص واحد.

"مؤشر جيني" بالنسبة إلى إسرائيل هو أحد الأعلى في دول منظمة OECD: في العام 2012، احتلت إسرائيل (بمؤشر جيني قيمته 371ر0) المرتبة رقم 4 من بين 31 دولة. ولكن واقع عدم المساواة (مؤشر جيني) ارتفع منذ العام 1980 في دول هذه المنظمة بنسبة متوسطة مقدارها 3ر5%. أما في إسرائيل، فقد ارتفع "مؤشر جيني" من 326ر0 إلى 371ر0، أي بزيادة نسبتها: 8ر13%!

البطالة تصعّب مهمة الخروج من دائرة الفقر

تبلغ نسبة العاطلين عن العمل في إسرائيل اليوم 3ر5% (في شهر تشرين الأول من العام 2015). وهي نسبة متدنية بالمقارنة مع الدول الأوروبية التي تبلغ فيها النسبة المتوسطة ضعفي النسبة في إسرائيل ـ 7ر10%. لكن نسبة البطالة القطرية (العامة، في الدولة كلها) تخفي فجوات عميقة جدا بين البلدات والمجموعات السكانية المختلفة.

والمعروف أن البطالة تصيب بالضرر، أساسا، الفئات الأضعف في المجتمع: فهي منتشرة وبنسبة مرتفعة في البلدات العربية، أكثر بكثير منها في البلدات اليهودية، وفي بلدات التطوير أكثر من البلدات المتمكنة اقتصاديا، وبين النساء أكثر منها بين الرجال، وبين النساء العربيات أكثر منها بين النساء اليهوديات. وتمسّ البطالة بالفئات التي لم يوفر لها جهاز التعليم مستوى تعليميا ـ ثقافيا لائقا. كما تمسّ أيضا بالشبان الذين لم ينجحوا بعد في تثبيت مواقعهم في سوق العمل وبكبار السن الذين تم فصلهم من عملهم ويجدون صعوبة كبيرة في الالتحاق بمكان عمل جديد، نظرا لتقدم سنّهم.

وتبين المعطيات نسبة "طالبي العمل" حسب البلدات، كما تنشر في موقع سلطة الاستخدام والتشغيل. وطالبو العمل هم الذين يتوجهون إلى مكاتب هذه السلطة ويسجلون أنفسهم طالبين إيجاد وتوفير أماكن عمل لهم. لكن كثيرين جدا من العاطلين عن العمل لا يتوجهون إلى تلك المكاتب، لأسباب مختلفة. ومع ذلك، تتيح هذه المعطيات نظرة معينة على الفوارق ما بين البلدات.

وكما هو متوقع، فإن البلدات العربية، وفي مقدمتها البلدات البدوية في النقب، هي التي تتصدر قائمة بلدات طالبي العمل. ففي مدينة رهط، مثلا، بلغت نسبة طالبي العمل في آذار الأخير (2015) نحو 4ر31%، وهي النسبة ذاتها تقريبا التي سجلت في بلدات عربية في الشمال: أم الفحم (8ر29%)، عرابة (8ر28%)، سخنين (3ر25%)، طمرة (7ر23%) والمغار (4ر23%).

أما البلدات اليهودية، فقد كانت نسبة طالبي العمل فيها أقل بكثير، أدنى من 5% بشكل عام، مع بعض الاستثناءات، كما في: ديمونا (1ر15%) ويروحام (8ر13%).

التعليم العالي: أقلية فقط هي التي تصل!

يشكل التعليم العالي "طريقا سريعا" لمستقبل شخصي واقتصادي ـ اجتماعي أفضل. وفي إسرائيل، يتخذ هذا الطريق شكل الهرم: الجميع يبدأون سوية من الدرجة الأولى، لكن كلما تقدموا صعودا في الهرم يتناقص عدد المنتقلين إلى المرحلة التالية. ولا تبلغ قمة الهرم ـ التحصيل الأكاديمي ـ إلا أقلية ضئيلة: حتى العام 2014، نحو 1ر29% فقط من أبناء/ بنات الشبيبة الذين بلغوا سن 17 عاما في العام 2006 التحقوا بمؤسسة إسرائيلية للتعليم العالي.

في العام 2006، كان 6ر79% فقط من أبناء الفئة العمرية المذكورة يتعلمون في الصف الثاني عشر في مسارات توصل إلى امتحانات الثانوية العامة (البجروت)، بينما حصل على هذه الشهادة في نهاية الأمر 9ر45% فقط من أبناء الفئة العمرية ذاتها. ومن بين هؤلاء، الذين استحقوا الحصول على هذه الشهادة، جزء غير قليل لم تكن شهادته تلبي شروط الحد الأدنى للالتحاق بمؤسسة للتعليم العالي. والنتيجة: نسبة مستحقي شهادة البجروت الذين استطاعوا تقديم طلبات الانضمام إلى مؤسسات التعليم العالي لم تتجاوز 40% فقط من ابناء تلك الفئة العمرية. ومن بين هؤلاء، 1ر29% فقط انخرطوا في العم 2014 في إحدى مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل.

نسبة الشابات والشبان اليهود الذين انضموا إلى مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل تعادل ضعفي نسبتهم من بين الشابات والشبان العرب. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عددا كبيرا من الشابات والشبان العرب يواصلون تعليمهم العالي في الخارج، كما في الأردن مثلا، حيث يدرس الآلاف منهم.

استحقاق شهادة "البجروت"

التفسير الأساس للنسبة المتدنية من الشبان الذين ينخرطون في التعليم العالي هو تدني نسبة أبناء الشبيبة الذين يحصلون على شهادة البجروت.

خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ارتفعت نسبة مستحقي شهادة البجروت من بين الفئة العمرية (سن 17 عاما) بـ 10 نقاط من جزء النسبة المئوية في كل واحد من العقدين: من 20% في العام 1980 إلى 30% في العام 1990 وإلى 40% في العام 2000. أما خلال العقد الأول من القرن الـ 21، فقد شهدت نسبة مستحقي هذه الشهادة تقلبات، صعودا وهبوطا، غير أن الجهاز التعليمي أخفق، في المحصلة، في عبور حاجز الـ 50%. وفقط في العام 2013، وللمرة الأولى، ارتفعت نسبة مستحقي شهادة البجروت إلى 4ر53%، لكن هذه النسبة عادت إلى الانخفاض، بصورة طفيفة، في العام 2014.

المصطلحات المستخدمة:

ديمونا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات