المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مع استمرار الهبّة الشعبية الفلسطينية وخاصة في القدس المحتلة بات هناك في أوساط أغلب المحللين الإسرائيليين إجماع على أن القدس غدت مقسمة فعلا، وبرز هذا بعدما وضعت قوات الاحتلال المكعبات الإسمنتية عند مداخل الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية، وعقب توقف سكان القدس الغربية اليهود والمستوطنين عن المرور في هذه الأحياء.

وكتب المحلل العسكري في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، ألون بن دافيد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "معاريف"، أن "إسرائيل بحماقتها ضمت إلى داخل مسار الجدار الفاصل 250 ألف فلسطيني. ويكفي بضع عشرات مخربين منهم كي يثيروا أعصابنا ويقوضوا شعورنا جميعا بالأمن"، وشدد على أن "طوقا أو إغلاقا لن يوقف إرهاب هؤلاء العشرات".

ودعا بن دافيد إلى بناء جدار عازل داخل القدس، وأكد أن "جبل المكبر وشعفاط لم يكونا ولن يكونا جزءا لا يتجزأ من إسرائيل". ويبدو أن الهبة جعلت هذه المحلل، وغيره، يستوعب أمورا ما كان سيستوعبها من دون هذه الهبة، وكتب أنه حتى لو كان الآلاف من سكان القدس الشرقية "يتم تشغيلهم في هداسا أو السفريات في القدس، فإن هواهم فلسطيني، وسيكون هناك ما يكفي من المتطوعين لتنفيذ عمليات، خاصة عندما يكون الأمر سهلا بهذا الشكل".

وأردف أن "من يصر على إبقاء القدس ’موحدة’ عليه أن يعترف بثمن الإرهاب الذي ستستمر هذه المدينة بدفعه إلى أن يتم الفصل فيها. ومن يريد السيطرة على راس العامود وكفر عقب إلى أبد الآبدين، عليه في مرحلة ما أن يتنازل عن المكانة الهجينة لسكان شرقي القدس حاملي بطاقات الهوية الإسرائيلية فيما يتعلق بالحق في الانتخاب. ومن يدعي أن الصهيونية ستستفيد من استمرار السيطرة على صور باهر والعيسوية، مدعو إلى تخيّل نتائج الانتخابات لرئاسة بلدية القدس بعد عدة سنوات".

وتساءلت محللة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، حول المكعبات الإسمنتية والحواجز في القدس، فقالت "ما هي هذه ’الأطواق المتنفسة’ التي أقيمت هذا الأسبوع إن لم تكن محطات حدودية تقسم العاصمة بين غرب وشرق، إلى مدينة إسرائيلية وأخرى فلسطينية"؟.

وأضافت أن "هذه المدينة لم تكن موحدة أبدا، وتوحيدها الاصطناعي وفنتازيا جنون العظمة لدى من لم يكتفوا بضم الأماكن المقدسة لليهود (البلدة القديمة)، جعلاهم يضيفون عشرات الأحياء والقرى ومخيمات اللاجئين، الذين يزيد عدد سكانها عن 300 ألف...".

وانتقدت هذه المحللة استمرار تمسك رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وكذلك رئيس المعارضة، إسحق هرتسوغ، ورئيس حزب "ييش عتيد"، يائير لبيد، "بهذه المقولة الكاذبة حول القدس الموحدة، ومعناها الكاذب هو ضم 28 قرية فلسطينية لم تكن تشكل القدس أبدا".

وفي سياق هبة القدس، لفت المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن جميع الخبراء الإسرائيليين في الشؤون الفلسطينية، في الأكاديميا وأجهزة الأمن، لم يتوقعوا هبة المقدسيين الحالية، وأن "ما لم يتم توقعه، ولم يُفهم إطلاقًا، هو كيف أن الشبان في القدس الشرقية، وغالبيتهم دون سن العشرين عاما، ويحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية ويتحدثون العبرية بصورة جيدة، أخذوا زمام المبادرة واستمروا في شن الهجمات، يوما تلو الآخر، على مواطنين وأفراد شرطة، وذلك برغم علمهم الأكيد أن ثمة احتمالا كبيرا لأن يطلقوا النار عليهم أو يضربوهم حتى الموت خلال دقائق بعد أن يستلوا السكين".

وتابع هرئيل: بعد أسبوعين من نشوب موجة العنف الحالية، بدأت معالمها العامة في التبلور. إن القدس الشرقية هي الصانع المركزي للمواجهات. فحولها، وخصوصاً بسبب المخاوف الفلسطينية من خطوات إسرائيلية من طرف واحد في الحرم القدسي، نشب العنف. ومن القدس الشرقية لا يزال يخرج معظم المخربين لتنفيذ عمليات طعن ودهس. والدور القيادي للقدس في المواجهة فاجأ رجال الاستخبارات ومختلف الخبراء في الشؤون الفلسطينية. وقد كان بين هؤلاء مَن توقع نشوب احتجاجات. كان بينهم من فهم مغزى الغضب الكامن، المتراكم، في صفوف الفلسطينيين بعد حوالي خمسة عقود من الاحتلال الإسرائيلي في ضوء مشاعر انعدام المخرج التام، السياسي والاقتصادي.

وأكد أنه مع نهاية الأسبوع الثاني من الهبّة، لم تعد المؤسسة الأمنية مستعدّة للمجازفة بإصدار تاريخ يمكن تقديره لنهايته. كما أصبح واضحًا لقادتها أن أموراً أساسية تغيّرت على الأرض وأن مصاعب كثيرة متوقعة قبل العودة إلى الهدوء النسبي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات