المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعكف لجنة الدستور، القانون والقضاء التابعة للكنيست، هذه الأيام، على إعداد مشروع القانون الجديد المسمى "قانون مكافحة الإرهاب" للقراءتين الثانية والثالثة لإقراره نهائيا، بعد أن كانت الهيئة الموسعة للكنيست قد أقرّته بالقراءة الأولى، فجر يوم الثالث من أيلول 2015، بتأييد 45 عضو كنيست مقابل معارضة 14 عضوا.

واقتراح القانون الجديد هذا يزيد ويوسّع، بصورة كبيرة جدا، من صلاحيات الدولة (المؤسسات والسلطات الحكومية المختصة) في كل ما يتعلق بـ"مكافحة الإرهاب"، فضلا عن التوسيع المقلق للمصطلحات المستخدمة في تعريف "الإرهاب" وتوصيفاته القانونية والعقوبات المفروضة على مخالفاته.

وكانت وزيرة العدل الحالية، أييلت شاكيد، عرضت مشروع القانون الجديد مدّعية بأنه "يأتي لتزويد سلطات تطبيق القانون بالقدر الأكبر من الأدوات اللازمة اليوم لضمان نجاعة قصوى في محاربة الإرهاب، تنظيماته المختلفة، وأنشطتها المتزايدة، ومحاربة مصادر التمويل التي تتيح هذه الأنشطة"! وقالت شاكيد، في معرض عرضها مشروع القانون على الهيئة العامة للكنيست: "يحاول الإرهاب تقسيمنا إلى معسكرات مختلفة، لكننا موحدون في حربنا ضد الإرهاب، لا يمين ولا يسار، لا معسكرات ولا فئويات... إنها حربنا جميعا ولزام علينا أن ننتصر فيها. إنها حرب سننتصر فيها جميعا، موحدين"!

وأوضحت شاكيد أن مشروع القانون الجديد يأتي "ليكون مكملا لما يُبذل في الجبهة الأمنية. فإلى جانب الجبهة الأمنية، هنالك الجبهة الأخرى التي تدور فيها حرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب ـ الجبهة القضائية. ولهذا، يأتي مشروع القانون المطروح هنا لرفع وتحسين قدرات دولة إسرائيل القضائية والقانونية في حربها ضد الإرهاب، إذ تمت بلورة أحكام وترتيبات جديدة، إلى جانب ما هو قائم في المجالات الجنائية، المدنية والإدارية، تبغي تقديم الأجوبة وسد النقص في كل ما تضعه المنظمات الإرهابية أمامنا من مصاعب وتحديات"! وختمت بالقول: "نحن مقتنعون بأن تشريع قانون مكافحة الإرهاب بصيغته الجديدة المقترحة هو خطوة ضرورية وحيوية لدفع وتعميق الحرب ضد الإرهاب"!

ويسـتأنف الكنيست محاولات تشريع هذا القانون الآن، مرة أخرى، بعد إقراره بالقراءة الأولى بضع مرات في الكنيست من قبل، من دون أن يُطرح للتصويت بالقراءتين الثانية والثالثة، الضرورتين لاستكمال عملية تشريعه وإضافته إلى كتاب القوانين الإسرائيلي.

وكان مشروع القانون هذا قد طرح على طاولة الكنيست للمرة الأولى قبل خمس سنوات، إبان تولي تسيبي ليفني منصب وزيرة العدل وإشغال ميني مزوز (قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية حاليا) منصب المستشار القانوني للحكومة، على خلفية عملية "الانفصال" عن قطاع غزة وفي أعقاب تذمر "جهاز الأمن العام" (الشاباك) من إلغاء الحكم العسكري في قطاع غزة واضطراره إلى "الانصياع لنصوص القانون الإسرائيلي الصارمة القاضية بعرض أي معتقل / مشبوه غزيّ على المحكمة خلال 24 ساعة من اعتقاله"! وتم، في حينه، تشريع "قانون مؤقت" يتيح تمديد اعتقال أي مشتبه به بارتكاب مخالفات أمنية غيابيا أو اعتقاله لمدة 96 ساعة بدون أمر محكمة. ويأتي القانون الجديد، عمليا، لتثبيت "القانون المؤقت" وجعله قانونا دائما.

وخلال الأسابيع الأخيرة، قرر "المجلس الوزاري المصغر" دفع الكنيست إلى التعجيل بتشريع هذا القانون، بذريعة جريمة إحراق منزل وأبناء عائلة دوابشة في بلدة دوما الفلسطينية! وهو ما أثار غضب عدد كبير من أعضاء الكنيست الذي اعترضوا على عدم تمكينهم من الاطلاع على بنود مشروع القانون (التي تمتد على نحو 100 صفحة) وإتاحة الفرصة الكافية أمامهم لدراسته بتعمق، إذ لم يُوضع بين أيديهم سوى قبل 48 ساعة فقط من موعد التصويت عليه بالقراءة الأولى.

تأييد إشكالي لقانون "إشكالي"!!

شكلت إشارة شاكيد إلى "الوحدة في الحرب ضد الإرهاب، لا يمين ولا يسار.." تعبيرا عن الموقف الذي يعتمده "المعسكر الصهيوني" إزاء مشروع القانون الجديد، وهو الذي وضعته أصلاً إحدى قائدات هذا الحزب، تسيبي ليفني، إبان إشغالها منصب وزيرة العدل في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، كرئيسة لحزب "الحركة" ("هتنوعا") التي تحالفت مع حزب "العمل" في إطار "المعسكر الصهيوني" عشية الانتخابات الأخيرة للكنيست الـ 20، التي جرت في آذار من العام الجاري.

فقد ألزم حزب "المعسكر الصهيوني" جميع أعضائه في الكنيست بتأييد مشروع القانون الجديد (برغم اعتراف هذا الحزب بأن "ثمة في القانون الجديد إشكاليات جدية" وبرغم إعلان عدد منهم معارضتهم الحازمة لبنود مركزية فيه!!) وذلك من خلال التذرع بأن "قانون مكافحة الإرهاب يهدف إلى توفير رد شاف وواف في الحرب ضد الإرهاب الذي تواجهه إسرائيل" وبالتأكيد على أن "المعسكر الصهيوني ـ كما أعلنّا مرارا وتكرارا ـ لن يتنازل عن أية فاصلة لدى الحديث عن أمن دولة إسرائيل ومواطنيها"!!

وعبر أحد أعضاء الكنيست من "المعسكر الصهيوني"، إيال بن رؤوفين، عن إشكالية إلزام نواب هذا الحزب بتأييد مشروع القانون "رغم إشكاليته"، فقال: "سألتزم بقرار الكتلة وسأصوت إلى جانب مشروع القانون، رغم ضرورة إدخال الكثير من التعديلات والتصحيحات عليه بغية الحفاظ، في الحد الأقصى، على أخلاقيات القتال"!!

وعقب عضو الكنيست عيساوي فريج (حركة "ميرتس") على موقف "المعسكر الصهيوني" هذا بالقول إن "أعضاء المعسكر الصهيوني يثبتون، مرة أخرى، أنهم حزب يفتقر إلى عمود فقري ويخاف من نفسه. فبدلا من طرح بديل لنتنياهو وحكومته وسياسته، يحاول إسحق هيرتسوغ (زعيم "المعسكر الصهيوني") منافسته على مَن هو الأقوى في مواجهة الإرهاب ومَن يستخدم لغة أكثر قومجية. والنتيجة الحتمية لهذا، ليس تقديم بديل لنتنياهو، بل تقديم تقليد له يجعل هذا الحزب أقل جدوى وغير ذي صلة"!

أما رئيسة "ميرتس"، عضو الكنيست زهافا غالئون، فقالت إن "المطلوب والأكثر إلحاحاً هو إزالة المصنع الذي ينتج دافعية الإرهاب، وهو الاحتلال"! وهو ما أكده، أيضا، عضو الكنيست أحمد طيبي (القائمة المشتركة) الذي قال إنه "من الاحتلال وبقائه تنشأ حاجة الشعب الرازح تحت الاحتلال إلى مقاومته طلباً للتحرر والاستقلال، وهو ما يصل إلى أعمال عنف أيضا. لقد جربتم، حتى الآن، وسائل مختلفة ضد العنف: التصفيات، الطرد، الاعتقالات الإدارية وغيرها الكثير، سعيا إلى تنظيم الاحتلال، لكن ليس وضع حد نهائي له وإنهائه. ولذا، فإن حالة العنف ستتواصل. ولكي تنتهي هذه الحالة، يجب تحرير الشعب الفلسطيني من نير الاحتلال".

ورأت عضو الكنيست عايدة توما ـ سليمان (القائمة المشتركة) أن "التعريف الواسع الذي يشمله القانون الجديد لمفهوم الإرهاب، ماذا ومَن يشمل، هو استمرار للحملة الحكومية التي تبغي نزع الشرعية عن الجمهور الذي من حقه معارضة سياسة الاحتلال وعدم المساواة الحكومية. إنه قانون يهدف إلى إرساء المكارثية والملاحقات السياسية في نص قانوني ضمن قوانين دولة إسرائيل".

توسيع خطير للصلاحيات المصطلحات والتعريفات

يشكل مشروع القانون الجديد نصاً تجميعيا لجميع القوانين الإسرائيلية التي تعالج كل ما يتعلق بـ"الإرهاب"، مع إضافة بنود وأحكام أخرى محدّثة عليه ليستبدل، لدى إقراره، جزءا كبيرا من التشريعات الانتدابية التي تستند إليها "مكافحة الإرهاب" اليوم (أنظمة الطوارئ الانتدابية)، رغم إبقائه على جزء غير قليل منها وتضمينها في نصوص القانون الجديد!
وتشمل صيغة القانون الجديد ما اعتبره بعض الحقوقيين "انقلابا حقيقيا" في مكافحة "الإرهاب"، بدءا بالتشديد الحاد والدراماتيكي في العقوبات، مرورا بتعريف "الإرهاب"، تعديل الاعتبارات والمعايير لإثبات المخالفة الجنائية المسماة "التحريض على الإرهاب"، حظر أي تعاطف مع تنظيم إرهابي، تعديلات تشمل تسهيلات خطيرة في أحكام الأدلة والشهادات المقدمة في المحاكم، وانتهاء بتحويل عدد من الصلاحيات الممنوحة للأجهزة الأمنية من صلاحيات مؤقتة إلى صلاحيات ثابتة ودائمة لن تعود مشروطة بإعلان "حالة طوارئ" (علما بأن "حالة الطوارئ" هذه سارية في البلاد منذ قيام الدولة) ولن تحتاج ممارستها إلى استخدام "أنظمة الطوارئ" الانتدابية، كما هي الحال حتى اليوم، وفي مقدمتها صلاحية إصدار أوامر المنع من مغادرة البلاد وصلاحية فرض الاعتقال الإداري.

وهذه الأخيرة (صلاحية الاعتقال الإداري)، التي لا تسري على المواطنين الإسرائيليين (عربا ويهودا)، خلافا للمواطنين الفلسطينيين في المناطق المحتلة (الخاضعين للقانون العسكري)، يضعها القانون الجديد في يدي وزير الدفاع، على أن تًقدّم الأدلة إلى رئيس محكمة مركزية خلال 48 ساعة (وتبقى سرية لا يتم الكشف عنها أمام المشتبه به أو محاميه!) ليقرّ أمر الاعتقال الإداري لفترة ستة أشهر قابلة للتمديد!

كما يخول القانون وزير الدفاع صلاحية الإعلان عن أية مجموعة "تنظيما إرهابيا"، حتى لو "عبّرت، فقط، عن تأييد أعمال إرهابية، من دون أن تقوم بتنفيذها فعليا"!! وينص، أيضا، على أنه إذا ما ثبتت أية علاقة بين أي منظمة خيرية فلسطينية (في داخل إسرائيل) وبين حركة "حماس"، فمن صلاحية وزير الدفاع الإعلان عن هذه المنظمة "تنظيما إرهابيا" ومحاكمة أي شخص (فوق سن 12 عاما) سواء كان عضوا أو ناشطا فيها، أو لمجرد ارتدائه ما يمكن أن يعبر عن تعاطف معها (قميص، طاقية أو غيرها) وفرض عقوبة السجن الفعلي عليه لمدة سنتين.

ويتيح القانون الجديد لجهاز "الشاباك" ممارسة الرقابة والمتابعة المحوسبتين على أي شخص يشتبه به بممارسة أي نشاط "يرتبط بالإرهاب"، بمصادقة رئيس الحكومة فقط، دون الحاجة إلى أية أوامر أو قرارات قضائية صادرة عن المحاكم.

ويشدد القانون الجديد من العقوبة المستحقة لمدان يدان بـتهمة "مد يد العون لنشاط إرهابي" فيساويها بالعقوبة المستحقة للمدان بتهمة تنفيذ "عمل إرهابي"، كما يشدد العقوبة على كل من يدان بتهمة "التعبير عن تعاطف علني مع تنظيم إرهابي" إلى ثلاث سنوات من السجن الفعلي، فضلا عن تشديد العقوبة القصوى على جملة كبيرة من المخالفات "المرتبطة بالإرهاب" إلى نحو 30 عاما من السجن الفعلي!

ويوسّع القانون الجديد، بصورة خطيرة ومقلقة جدا، تعريفات "الإرهاب" ومصطلحاته فيضع في خانة "العمل الإرهابي" ليس فقط النشاط أو العمل الفعلي الذي يصيب مواطنين أو ممتلكات، بل أيضا أي تهديد بنشاط كهذا أو بنشاطات ترمي إلى ممارسة ضغط (سياسي!!) على الحكومة، من دون التمييز بين ما يطال منها الجنود أو المواطنين المدنيين.

تحذيرات شديدة من خطورة هذا القانون

يثير مشروع القانون الجديد انتقادات ومعارضات شديدة وواسعة، ليس بين السياسيين فقط، بل وخصوصا بين المنظمات الحقوقية والحقوقيين الأكاديميين، مصدرها ما يحمله هذا القانون ـ لدى إقراره المتوقع ـ من مخاطر جسيمة وتعديات خطيرة على الحقوق الفردية، حقوق الإنسان والمواطن، في دولة إسرائيل بما ينزع عنها نهائيا نقاب "الديمقراطية".

ويحذر جميع المعارضين من مغبة ما يذهب إليه القانون الجديد من توسيع للمصطلحات والتعريفات والمخالفات المتصلة بموضوعة "الإرهاب"، للصلاحيات المخولة للأجهزة الأمنية (وخاصة "الشاباك") في تقييد الحريات والتعدي على الحقوق الأساسية ضمن ما يوضع تحت سقف "مكافحة الإرهاب"، الذي يصبح ـ بهذا القانون ـ سقفا عاليا جدا يكاد يكون بلا حدود، ناهيك عن التشديد الخطير في العقوبات المتاح للمحاكم الإسرائيلية فرضها على هذه المخالفات.

فقد وجه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" انتقادات حادة إلى مشروع القانون وطريقة إعداده ودفعه تشريعياً، "دونما نقاش وبحث جماهيريين مناسبين وكافيين".

ورأى المعهد، في "ورقة موقف" أعدها البروفسور مردخاي كريمنيتسر ود. عمير فوكس تحت عنوان "مشروع قانون هستيري" (!)، أن اقتراح القانون الحالي يشكل "انقلابا حقيقيا" في كل ما يتصل بتعريف الإرهاب إلى درجة "إفراغ مكافحة الإرهاب من مضمونها وجدواها"، فضلا عن "اعتماد وسائل وحشية تجاه المشتبه بهم بارتكاب مخالفات تتعلق بالإرهاب"!

وكتب كريمنيتسر وفوكس: "مشروع القانون ينطوي على احتمالات كبيرة لإحداث تغييرات جوهرية وعميقة في التشريعات الإسرائيلية، بحيث يتعمق بصورة كبيرة تطبيق القانون والعقوبات، من جهة، بينما يتاح المس غير المعقول وغير التناسبي بحقوق الإنسان من جهة ثانية".

ويصيفان: "مشروع القانون يخطئ، للأسف، أهدافه المعلنة ويجعل من مصطلح "العضوية في تنظيم إرهابي" نكتة خطيرة، لما يشمله من تعبير عن موافقة أو تعاطف مع منظمات ليست لها علاقة، إلا بصورة غير مباشرة تماما، مع ما يمكن اعتباره "تهيئة النفوس" لتجنيد نشطاء في تنظيمات إرهابية".

ورأت "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" أن مشروع القانون الجديد يحاول "تطبيع" استخدام الأداة الاستثنائية المتمثلة في الاعتقال الإداري وجعلها "أمرا طبيعيا وسهلا، تماما".

وأضافت: "ثمة تخوف كبير وحقيقي من أن يشكل هذا تكريسا وتثبيتا للصلاحيات بهذا الشأن في الوعي الجماهيري العام باعتبارها وسائل "عادية وطبيعية"، بدلا من إبقائها مقصورة على الحالات والظروف الاستثنائية جدا".

وعقب مركز "عدالة" (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل) على إقرار مشروع القانون بالقراءة الأولى فقال إن "القانون يعرّف نشاطات وفعاليات سياسية أو إنسانية شرعية ينفذها الفلسطينيون في إسرائيل، ضد الاحتلال أو في تقديم معونات شرعية لأبناء شعبهم، بأنها أعمال إرهابية مما يعني تجريم مجرد انتمائهم إلى شعبهم. وبالإضافة إلى هذا، يمنح القانون جهازيّ الشرطة والشاباك مطلق الحرية في إحباط أية نشاطات احتجاجية شرعية إذا ما اعترضت على قرارات وسياسات الحكومة. وعليه، فالقانون الجديد يشكل تصعيدا خطيرا في قمع النشاط السياسي في المجتمع العربي في إسرائيل ويرمي إلى زرع الخوف بين الفلسطينيين في إسرائيل من مغبة مشاركتهم في مثل هذا النشاط"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات