المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما زالت عملية قيام الجيش الإسرائيلي قبل نحو شهر بنشر وثيقة تحمل توقيع رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال غادي آيزنكوت، تحت عنوان "إستراتيجيا الجيش الإسرائيلي"، تثير قراءات متعددة.

وتمثل آخر هذه القراءات في دراسة نشرتها الباحثة في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب بنينا شرفيت- باروخ قبل عدة أيام وتناولت فيها مكوّن الشرعية الدولية في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.

وكتبت شرفيت- باروخ تقول:

أفردت وثيقة "إستراتيجيا الجيش الإسرائيلي" التي نشرت أخيراً مساحة رئيسة لضرورة المحافظة على الشرعية الدولية لاستخدام القوة من قبل الجيش الإسرائيلي.

وتطرقت الوثيقة إلى هذا الموضوع على امتداد صفحاتها.

وتلحظ الوثيقة أن "العدو ينشط أيضاً في جوانب غير عسكرية - تحركات، ونجح في الماضي بتعويض خسارته أمام مكاسب الجيش الإسرائيلي في هذه المجالات".

ورأت أن لهذه الحملة (المحافظة على الشرعية الدولية) جانبين: دفاعي، وهجومي. وهي تهدف إلى توفير الشرعية لإسرائيل (ومن ضمنها حرية عمل الجيش الإسرائيلي)، جنبا إلى جنب مع نزع الشرعية عن العدو (ومن خلال ذلك تضييق نطاق تحركاته). وتحدد الوثيقة أنه "من أجل تحقيق ذلك، ينبغي بذل جهد سياسي - دبلوماسي، متبصر وقانوني، يبدأ في المراحل التحضيرية، ويستمر طوال الحملة من أجل توفير شرعية للعمل، والمحافظة عليها، وتحسينها، سواء في دولة إسرائيل نفسها أو في المجتمع الدولي".

وبرأيها لا بد من الثناء على الجيش الإسرائيلي وعلى إدراكه لأهمية موضوع الشرعية ومركزيتها، من أجل التمكن من تحقيق المكاسب المطلوبة في مواجهة العدو، وعلى استيعابه لحقيقة أن أيام تجاهل الإطار القانوني والرأي العام الدولي إبان القتال، والانتصار رغم ذلك في الحرب، ولت إلى غير رجعة. واليوم، كل جيش غربي منخرط في قتال هو تحت أنظار العالم. وتصل الصور المرعبة للضرر الناجم عن القتال مباشرة وفي الوقت الحقيقي إلى وسائل الإعلام على اختلافها، ولا سيما الشاشة الصغيرة والإنترنت، مما يولّد ضغطاً فورياً لتفادي إلحاق الأذى بالسكان المدنيين والبنى التحتية المدنية. إن هذه الظاهرة التي تؤثر أيضاً في سياسة استخدام القوة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية أخرى، تنطبق أضعافاً مضاعفة على إسرائيل، لكونها تحت مجهر العالم وخاضعة للامتحان بمقاييس أشد صرامة.

وتابعت: على ضوء أهمية موضوع الشرعية من أجل تحقيق أهداف الجيش الإسرائيلي في الحرب، فمن الحيوي دراسة ما ينبغي فعله من أجل زيادة الشرعية الدولية لاستخدام القوة، وما الذي ينبغي تحاشيه للحيلولة دون تآكل هذه الشرعية من دون طائل. وأولاً وقبل أي شيء، تكمن طريقة كسب الشرعية في احترام قواعد القانون الدولي، بدءا بتطبيقها في أوقات الحرب. وفي الحقيقة، تتعرض إسرائيل للانتقاد وتواجه تآكل شرعيتها حتى عندما تلتزم بالقواعد، لكن ما دامت تعمل بموجب قوانين الحرب، فهي تستطيع أن ترد على منتقديها وعلى الدعاوى الجنائية المحتملة، وتواصل حشد تأييد حلفائها المهمين.

وفي هذا السياق، تسمع أحيانا كثيرة ادعاءات مفادها أن قوانين الحرب غير ملائمة لمواجهات أيامنا هذه ضد تنظيمات غير دولانية، وليس ضد جيوش نظامية تابعة لدول. وإذا كان المقصود بذلك هو أن قوانين الحرب تمنع الاستهداف المتعمد لسكان العدو المدنيين، أو للبنى التحتية التي لا يربطها رابط بالأعمال العسكرية للعدو، فإن قوانين الحرب بالفعل تحد من هذه الإمكانية. بيد أن هذه الأفعال مقيدة أساسا بقيم الجيش الإسرائيلي وقيم دولة إسرائيل. وبالتالي، من المفيد وجود مثل هذه المقيدات، ويسهم احترامها في تحقيق الأهداف القومية لدولة إسرائيل مثلما حددت في مقدمة الوثيقة: "المحافظة على قيم دولة إسرائيل وعلى طابعها كدولة يهودية وديمقراطية وكوطن قومي للشعب اليهودي".

وقالت الباحثة إن الحجة التي تقول إن قوانين الحرب تفرض قيودا غير قابلة للتطبيق على استخدام القوة، وتالياً تمنع قتالاً فعالاً ضد عناصر غير دولانية، ليست حجة دقيقة، وهي تعكس في أغلب الأحيان فهماً منقوصاً للقواعد، ذلك أن قوانين الحرب لم تنبثق من معاهدات دولية معقودة بين دول داعية للسلام والخير، تجهل واقع الحرب، وإنما يتعلق الأمر بالقانون الدولي العرفي الذي تطور من خلال ممارسات دول منخرطة في أعمال القتال ومن خلال تفسيرها لطابع نشاطها. بل وأكثر من ذلك، الأمر يتعلق بمنظومة قوانين ديناميكية تتطور باستمرار. وتجري محاولة متنامية جداً في العقود الأخيرة، لتفسير هذه القوانين تفسيرا ضيقا، وللمطالبة بتجنب شبه مطلق لإلحاق الأذى بالمدنيين.

ويقود هذا التوجه هيئات حقوق الإنسان وأكاديميون. ومن الضروري كبح هذا التوجه، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي عبر نشر تقارير يعدها خبراء ملمون بالشؤون القانونية ومدركون لتعقيدات ساحة القتال، يطرحون تفسيراً عملياً وقابلاً للتطبيق لقوانين الحرب (وهناك تفسيرات متعددة لهذه القوانين أسوة بسائر القوانين). وهناك خطوة في هذا الاتجاه لوزارة الدفاع الأميركية التي نشرت أخيراً دليلها المحدث لقوانين الحرب، الذي يغطي 1180 صفحة، ويستعرض بالتفصيل المفهوم الأميركي الرسمي في هذا الشأن. ويتوجب على إسرائيل أن تدرس تنفيذ مشروع مماثل قد يسهم في إرساء قواعد قانونية قابلة للتطبيق إبان القتال. وهذا الأمر يتعلق بمشروع وطني يتطلب تخصيص موارد ملائمة. وفي غضون ذلك، من المهم أن يتم تشجيع نشر مقالات وأبحاث تحلل مختلف أوجه قوانين الحرب، وأن يتم تخصيص الموارد الضرورية لهذا الأمر.

وأكدت أن احترام قوانين الحرب يستلزم فهم هذه القوانين من قبل جميع الجهات المعنية بدءا بالقيادة السياسية، مرورا بكبار قادة الجيش الإسرائيلي، وانتهاء بأصحاب الرتب الدنيا. وينبغي تضمين الموضوعات القانونية في برامج تدريب القادة من صف المبتدئين إلى الأعلى. علاوة على ذلك، لا ينبغي الاكتفاء بمحاضرات جافة، بل ينبغي التدرب على سيناريوهات تنطوي على معضلات قانونية، أسوة بتحديات عملانية أخرى. ففي واقعٍ تتوقف فيه شرعية حملة عسكرية كاملة على أداء "العريف الاستراتيجي"، فمن عدم المسؤولية حرمان هذا الجندي من التدريب الملائم. وعلى كبار قادة الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية أن يكونوا عارفين بهذه القواعد. وهكذا يمكن اتخاذ قرارات مبنية على معرفة تأخذ في الحسبان القيود والفرص في ساحة المواجهة القانونية. وفي سبيل الحصول على الشرعية لدولية من الضروري إشراك مستشارين قانونيين في القرارات العملانية، من مرحلة التخطيط، مروراً بمرحلة التنفيذ، وانتهاء بمرحلة الاستجوابات والتحقيقات اللاحقة. إن هذا التكامل قائم بالفعل اليوم، لكن من المهم تعزيزه.

كما أشارت إلى أن أهمية موضوع الشرعية تحتم إبقاء رتبة "المدعي العام العسكري" بمستوى لواء وعدم خفضها إلى رتبة عميد، كي يكون لكلامه الوزن المناسب في نقاشات هيئة الأركان العامة، وفي الجيش الإسرائيلي عموماً، وكذلك من أجل تعزيز مكانة المستشارين القانونيين الخاضعين له عند قادتهم، لدى تقديمهم المشورة القانونية لهؤلاء القادة.

وفي هذا السياق، تكتسب الرسائل والتصريحات العلنية التي يدلي بها كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية، أهمية بالغة، سواء تجاه الداخل أو تجاه الخارج. والرسالة التي تؤكد أهمية احترام قوانين الحرب ينبغي أن تصدر عنهم بصوت عال ووضوح، من دون غمز أو تردد. ولا ينبغي الاكتفاء بالشعار الذي يقول "إن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"، وإنما ينبغي القول صراحة إنه يتوجب على كل ضابط وجندي احترام قوانين الحرب، لأن هذا هو الفعل الصحيح، ولأن هذا ما يجدر فعله، ولأن هذا يخدم المصلحة الوطنية. وهذا يعني أنه ينبغي التصرف بحزم ضد من ينتهك هذه القواعد ويضر في المقام الأول بقيم الدولة وبقيم الجيش الإسرائيلي، وبالمصلحة الأمنية كذلك، وبالقدرة على تحقيق أهداف الحرب. وينبغي تقديم الدعم الكامل للمدعي العام العسكري عندما يحقق في شبهات انتهاك القواعد، بما في ذلك الاستعانة، إذا لزم الأمر، بتحقيقات الشرطة العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي.

وشدّدت على أنه ينبغي أن يمتنع كبار قادة الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية - بمن فيهم وزراء في الحكومة ومسؤولون كبار في الدولة - عن الإدلاء بتصريحات غير مسؤولة تضر بالشرعية، فإن تصريحات، على سبيل المثال، يستشف منها أنه ينبغي التعرض عمداً للسكان المدنيين، حتى لو قيلت على لسان جهات سياسية إرضاء للرأي العام الإسرائيلي، تتسبب بتآكل شرعية إسرائيل، وهي تخدم أولئك الذين يودون إثبات سوء نية إسرائيل، ومن الصعب التصدي لها حتى لو تصرف الجيش الإسرائيلي بالفعل بشكل قانوني. كما أن التصريحات التي تتعرض للجهاز القضائي، سواء للمدعي العام العسكري أو للمحكمة العليا، تلحق ضرراً بشرعية إسرائيل الدولية. من الحيوي احترام هذه القواعد من أجل المحافظة على الشرعية الدولية لاستخدام القوة. وأوضحت وثيقة "استراتيجيا الجيش الإسرائيلي" أن الشرعية الدولية هي مكون أساس في مفهوم الأمن القومي. ويجدر ترجمة هذا الإدراك قولا وفعلا وبوضوح أمام الداخل والخارج، سواء من قبل قادة الجيش أو من قبل القيادة السياسية.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الوثيقة، التي تم تعميمها بصيغتها السرية قبل نشرها بشهر على كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، تعكس وضع إسرائيل الأمني اليوم، ويتبين منها أن الجيش الإسرائيلي لا يرى أية دولة تهدد إسرائيل، وتظهر سورية في هذه الوثيقة، على سبيل المثال، أنها "دولة فاشلة، قيد التفكك".

واعتبرت الوثيقة أن أعداء إسرائيل الأساسيين اليوم هم المنظمات الإسلامية التي لا تشكل دولة، في إشارة إلى حركة حماس وحزب الله وتنظيم "داعش". والسيناريو الأساس الذي يبني الجيش الإسرائيلي نفسه من أجل مواجهته هو حدوث مواجهة مع منظمات كهذه، رغم أن القدرات الجاري تطويرها تلائم حروبا ضد جيوش نظامية لدول.

ووصفت الوثيقة انتصار إسرائيل في الحرب بأنه "تحقيق الغايات السياسية للحرب والتي جرى تحديدها، بشكل يقود إلى تحسين الوضع الأمني بعد المواجهة". ولا يشمل "الانتصار" أو "الإنجازات" القضاء على منظمات مثل حماس أو حزب الله، أو احتلال منطقة لفترة طويلة.

وفيما يتعلق بإيران، فإن الوثيقة تذكرها على أنها تقدم الدعم لحزب الله وحماس، وليست كتهديد نووي على إسرائيل، مثلما يزعم رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو.

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات