المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اختتم الكنيست في الأسبوع الماضي دورته الصيفية، وهي الدورة البرلمانية الأولى بعد الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في منتصف آذار الماضي. وكان من الطبيعي أن ينجح نتنياهو في انهاء الدورة الصيفية من دون أزمة حكومية، في ائتلاف لم يمر عليه 11 أسبوعا حتى انتهاء الدورة. إلا أن هذه الحكومة تنتظرها عواصف تهدد ثباتها، رغم أن اليمين المتطرف يثبت أقدامه أكثر في الحلبة السياسية وفي الشارع الإسرائيلي ككل. وفي المقابل فإن اليسار الصهيوني المتمثل بحركة ميرتس، بات يبحث عن خشبة إنقاذ تضمن بقاءه في الكنيست في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي قد تفاجئ في موعدها المبكر في حال لم تصمد الحكومة أمام العواصف المتوقعة.

وقد أنهت الحكومة الدورة الصيفية بعد أن أنجزت ثلاثة قوانين مركزية في برنامجها، اثنان منهم جرت صياغتهما في الدورة السابقة، على يد وزيرة العدل تسيبي ليفني، وهما: قانون تشديد العقوبات على تهمة إلقاء الحجارة إلى حد 20 عاما، وقانون الاطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، رغم المعارضة الواسعة لهذا القانون خاصة من نقابة الأطباء الإسرائيلية العامة لما فيه من خرق لحقوق الإنسان وحقوق الأسرى.

أما القانون الثالث فهو ما يسمى بـ "القانون النرويجي"، الذي يتيح لكل وزير في الحكومة أن يستقيل من عضويته في البرلمان طالما هو وزير، ويظل من حقه أن يعود إلى عضوية البرلمان في حال استقال أو أقيل من منصبه الوزاري خلال الدورة البرلمانية، مقابل خروج عضو البرلمان الذي دخل مكانه. والصيغة الإسرائيلية الجديدة هي صيغة جزئية، بحيث تسمح لكل كتلة برلمانية عدد نوابها حتى 12 نائبا، باستبدال وزير أو نائب وزير واحد، ما يعني أن القانون لن يسري على كتلة الليكود.

ومن شأن هذا القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ كما يبدو مع بدء الدورة الشتوية في منتصف شهر تشرين الأول المقبل أو حتى قبلها، أن يمنح الائتلاف الحاكم أربعة نواب جدد سيكونون متفرغين أكثر لعمل الهيئة العامة في مواجهة المعارضة.

وكما هو معروف ترتكز حكومة نتنياهو على 61 نائبا من أصل 120 نائبا، ما يجعلها أمام تهديد دائم في الكنيست، وخاصة في العمل الجاري مثل تمرير قوانين لا ترغب بها الحكومة، خاصة قوانين ذات طابع اقتصادي اجتماعي. ولا يلوح في الأفق أي سيناريو يسمح لنتنياهو بتوسيع قاعدة ائتلافه الحاكم، فأمامه ثلاث كتل برلمانية مرشحة للانضمام، ولكن ضم كل واحدة منها على انفراد يواجه عقبات وعراقيل، منها ما سيضطر نتنياهو إلى إجراء تشكيل حكومة جديدة كليا.

والكتلة الأقرب سياسيا للائتلاف الحاكم هي "يسرائيل بيتينو" بزعامة المتطرف أفيغدور ليبرمان، إلا أن الأخير بخلاف حاد مع كتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم"، ويصر على تجنيد شبانهما في جيش الاحتلال، وحجب ميزانيات ضخمة جدا تتلقاها مؤسسات "الحريديم" وتشكل عبئا على الموازنة العامة. ولكن هذا لا يعني مبدئية زائدة لدى ليبرمان، وإنما يريد بذلك كسب جمهور ليس قليلا بين اليمين المتشدد، الذي يعتبر المتزمتين وأحزابهم ابتزازيين يحصلون على ميزانيات لا يستحقونها كثمن لدعمهم الحكومات الإسرائيلية. ويعتقد ليبرمان أنه بهذا سيعيد لنفسه قسما من القوة البرلمانية التي خسرها في الانتخابات الأخيرة.

في المقابل، فإن انضمام كتلة المعارضة الأكبر "المعسكر الصهيوني"، التي تضم حزب "العمل" بزعامة إسحاق هيرتسوغ، وحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني، يتطلب تغييرا شاملا في الحكومة، قد يؤدي إلى خروج كتلة المستوطنين "البيت اليهودي" من الحكومة، وهذا ما لا يريده نتنياهو، ولكن حتى لو تم أمر كهذا فإن هذه ستكون حكومة قلاقل وصدام دائم بين مركباتها.

أما بالنسبة لكتلة "يوجد مستقبل"، فإن المتدينين المتزمتين يرفضون انضمامها نظرا لموقف الكتلة من ميزانيات المتزمتين، ولكن أيضا حزب "يوجد مستقبل" يتخوف من انضمام كهذا لحكومة تضم المتزمتين لأن هذا سيعني زوال الكتلة تقريبا في الانتخابات المقبلة.

غير أن هذه الاحتمالات مبنية على الوضع الراهن، بمعنى في حال نشوء ظروف أخرى، مثل قلاقل أو تصعيد عسكري أو ما شابه، فمن شأن ظروف كهذه أن تكون ذريعة لكل واحدة من هذه الكتل أو الحكومة لتبرر أمام جمهور ناخبيها خطوة الانضمام الى حكومة نتنياهو.

ونجح نتنياهو في إنهاء الدورة الصيفية من دون أن يسجل خسائر كبيرة، وهذا طبيعي لائتلاف لم يمر على تشكيله رسميا 11 أسبوعا، فهو بائتلافه الهش يرتكز في القوانين السياسية والعنصرية على كتلة المعارضة "يسرائيل بيتينو" التي تضمن له أغلبية أكبر من أغلبية الائتلاف القائم.

وعلى أساس الارتكاز على حزب "يسرائيل بيتينو" نجح نتنياهو، كما ذكر سابقا، في اقرار قانونين عنصريين، الأول تشديد العقوبات على من يتهم بإلقاء الحجارة نحو جيش الاحتلال والقوات الأمنية، لتتراوح من 5 إلى 20 عاما. والقانون الثاني هو الاطعام القسري للأسرى المضربين عن الطعام، وفي القانونين نجحت حكومة نتنياهو في اختراق المعارضة عدا الدعم المباشر من "يسرائيل بيتينو"، فقد حصلت في قانون الحجارة على دعم من نواب "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل".

ولن تكون هناك مشكلة أغلبية لحكومة نتنياهو في أي قانون عنصري تطرحه مباشرة أو تدعمه إن كان الاقتراح من أحد نواب الائتلاف أو المعارضة، لأن "يسرائيل بيتينو" ستقدم الدعم المطلق لقوانين كهذه.

العقبات المستقبلية

برغم هذا، فإن نتنياهو يعرف أنه مقبل على دورة شتوية عاصفة، وسيكون من الصعب عليه انهاء الدورة الشتوية، التي ستستمر من منتصف تشرين الأول المقبل إلى نهاية آذار من العام المقبل 2016، من دون توسيع قاعدة الائتلاف. والجهد الأكبر الذي ستبذله الحكومة في المرحلة المقبلة، يصب في عملية إقرار الموازنة العامة للعامين الجاري 2015 والمقبل 2016، وسيعقد الكنيست في مطلع أيلول جلسة استثنائية لإقرار الموازنة العامة بالقراءة الأولى، والسماح للجان الكنيست بعقد جلسات بحث خلال ما تبقى من العطلة الصيفية، على أن تبدأ مداولات القراءة الثانية بعد شهر من افتتاح الدورة الشتوية في منتصف تشرين الأول.

وخلافا للتوقعات التي تنشر في وسائل الإعلام، فإن الحكومة تضمن لنفسها أغلبية لإقرار الموازنة العامة رغم هشاشة القاعدة الائتلافية، لأن هذه الموازنة ستكون بموجب اتفاقيات الائتلاف المبرمة بين حزب "الليكود" وكتل الائتلاف.

لكن بعد الانتهاء من الموازنة العامة، سيبدأ الكنيست عمله التشريعي العام، وهنا ستبدأ لعبة شد الحبل بين المعارضة والائتلاف بوتيرة أقوى، عما كان في الدورة الصيفية. وفي تلك المرحلة وكما علمت التجربة ستبدأ في الظهور الخلافات الداخلية بين مركبات الائتلاف، فالتناقضات بين أطراف الائتلاف ليست سهلة، خاصة في موضوعين مركزيين: سلسلة قوانين تتعلق بعلاقة الدين بالدولة، ومسعى كتلتي "الحريديم" إلى ضمان قيود دينية أشد في موضوع "الحلال"، ومكانة المؤسسة الدينية العليا. وثانيا، محاولة نتنياهو تقويض جهاز القضاء من خلال قانون يحد من صلاحيات المحكمة العليا في نقض قوانين.

وفي كلا الموضوعين، تقف كتلة "كولانو" بزعامة موشيه كحلون بموقف مناقض لكتل الائتلاف الأربع الباقية، إذ أن "كولانو" يمثل موقف اليمين الأيديولوجي القديم، الذي يسعى للحفاظ على "أسس الدولة التقليدية"، مثل استقلالية جهاز القضاء، وابقاء حيز حركة للعلمانيين والتيار الديني الليبرالي.

وإذا اعتمدنا على تجارب الماضي، وفي حال لم ينجح نتنياهو في توسيع قاعدة حكومته الائتلافية، فإنه سينهي الدورة الشتوية بتعب، وظهور شرخ واضح في الائتلاف الحكومي، الذي سيبدأ في حينه بالاستعداد لإقرار موازنة العام 2017 إن لم يكن لعامين، وهنا ستتأجج الخلافات في الائتلاف أكثر، وعلى أساس هذا السيناريو تكثر التوقعات بأن حكومة نتنياهو الحالية، وفي حال بقيت على شكلها الحالي، من الصعب عليها أن تنهي العام المقبل 2016.

معارضة ليست موحدة

إن هشاشة الائتلاف وحدها لا تكفي لسقوط حكومة، فالمطلوب للأمر معارضة قوية موحدة، وهذا ما هو غير موجود في المعارضة القائمة التي تتشكل من خمس كتل برلمانية، ولكن لكل كتلة أجندتها، وقد كثرت التناقضات بينها في الدورة الصيفية المنتهية.

فقد كان من المفترض أن يكون حال الائتلاف الهش فرصة لما يسمى بـ "الوسط" و"اليسار الصهيوني"، ليعزز قوته في صفوف المعارضة، إلا أن ما هو ظاهر يشكل العكس تماما، فحزب "العمل" المنخرط في "المعسكر الصهيوني"، ظهر في أكثر من حالة متماثلا مع سياسة الحكومة، خاصة في الموقف من الاتفاق الدولي مع إيران، الأمر الذي عرّض الحزب وزعيمه هيرتسوغ إلى انتقادات حادة جدا في وسائل الإعلام. كذلك فإن كتلة "يوجد مستقبل"، ورغم صعوبة انضمامها إلى حكومة نتنياهو، ما تزال تميل نحو اليمين ومسايرته، فهذه الكتلة أصلا تعد يمينية، بموجب نهجها في حكومة نتنياهو السابقة.

وبالنسبة لكتلة "يسرائيل بيتينو" فهي تلعب دور الاحتياط اليميني للائتلاف الحاكم كما ورد هنا، ما يضمن حزام أمان في عدة قضايا للحكومة.

وبالإمكان القول إن كتلة ميرتس اليسارية الصهيونية قد تكون الأقرب لشكل معارضة القائمة المشتركة، القائمة الوحدوية للفلسطينيين في إسرائيل، لكن ميرتس باتت قلقه أكثر من ذي قبل على مصيرها، كحركة سياسية تخوض الانتخابات بشكل مستقل. ويتخوف قادة ميرتس من أن يكون من الصعب عليهم تجاوز نسبة الحسم الجديدة 25ر3% في الانتخابات المقبلة.

ويزداد قلق ميرتس من احتمال أن تكون الانتخابات البرلمانية مداهمة، وفي وقت مبكر أكثر من التوقعات، ولهذا بموجب تقارير صحافية، بدأت الحركة تدرس شكل خوضها الانتخابات المقبلة، إذ يهددها تحالف "المعسكر الصهيوني" في حال استمراره بالشكل القائم اليوم، بمعنى تحالف حزب "العمل" وحزب "الحركة" بزعامة ليفني.

وتعلو أصوات في حركة ميرتس تطالب بالشروع في مفاوضات مع حزب "العمل" للانضمام إلى "المعسكر الصهيوني"، بهدف تجاوز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة. ولكن حتى الآن ليس واضحا مصير "المعسكر الصهيوني"، فحزب "العمل" تحالف مع حزب "الحركة" الذي لا وجود له على الأرض وإنما برلمانيا، لذا سيكون هذا السؤال مطروحا في حزب "العمل". من جهة ثانية، فإن ضم ميرتس إلى "المعسكر الصهيوني" قد يواجه معارضة جيوب في "العمل" تميل لمغازلة سياسة اليمين.

أمام وضع كهذا، فإن ميرتس لا ترفض التفكير في اتجاهات أخرى، وإبرام تحالفات مع قوائم انتخابية لا تعبر نسبة الحسم، مثل الخضر وأنصار تشريع "الماريحوانا" وغيرهما.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات