المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حذّر المجلس الإقليمي للقرى العربية غير المعترف بها في النقب من "استمرار سياسة الدولة، بعدم وضع ملاجئ متنقلة للعرب في النقب"، لافتاً إلى أن سياسة السلطات الإسرائيلية تأتي بذريعة أنها "لا تريد أن تتحوّل هذه الملاجئ إلى مساكن دائمة"، غير آبهة بأن حوالي 120 ألف مواطن عربي في النقب يعيشون في القرى مسلوبة الاعتراف. وعموماً يحتاج النقب إلى أكثر من 11 ألف ملجأ، بتكلفة نحو نصف مليار شيكل، وفقاً للهيئة العربية للطوارئ في النقب. ولكن ما يجري حالياً هو توفير "أسطوانات من الباطون" ليحتمي فيها المواطنون في حالة إطلاق صواريخ، علماً بأنها لا توفر حماية تقترب من الملاجئ. ويقول المجلس الإقليمي: لا تشكل الأسطوانات حماية مؤكدة وفقا لتعليمات الجبهة الداخلية. ولهذا الغرض، يجب إنشاء "غرف حماية"، وهي عبارة عن هيكل باطوني مطابق للمواصفات.

هذا التحذير تطلقه أيضاً اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية والهيئة العربية للطوارئ، وتقول إنها تتابع بشكل مكثف الوضع غير الآمن الذي يعاني منه أهالي القرى غير المعترف بها في النقب، "ومنذ اليوم الأول قمنا بالتوجه إلى المكاتب الحكومية والجبهة الداخلية برسائل رسمية لتوفير مساحات آمنة تضمن حماية أهالينا في النقب في ظل غياب أنظمة الإنذار والملاجئ والتي تعتبر حقاً أساسياً في حالات الطوارئ. وللأسف تحرك الجهات الحكومية باختلافها يكاد لا يذكر، وصولاً لنصب حاميات غير آمنة وغير مسقوفة بإجراء قد يعرض الأطفال والعائلات للخطر".

17 ضحية من عرب النقب بينهم 6 أطفال

قالت جمعية حقوق المواطن إنه في 18 تشرين الأول 2023، تم نشر إعلان على الموقع الإلكتروني لوزارة المساواة الاجتماعية، جاء فيه أن الوزارة - بالتعاون مع قيادة الجبهة الداخلية - "تعمل على سد ثغرات الحماية في القرى البدوية في النقب". وجاء في الإعلان أن فريقاً من الوزارة وقيادة الجبهة الداخلية قام بجولة في المنطقة لرسم خريطة للاحتياجات في الميدان، وقام بإرشاد سكان القرى حول تنزيل وتشغيل برنامج قيادة الجبهة الداخلية. كما ذكر الإعلان أنه تمت إعادة تعريف جميع مناطق القرى غير المعترف بها في نظام "القبة الحديدية" على أنها "مناطق مأهولة" بدلاً من "مناطق مفتوحة".

بناء على ذلك، توجهت الجمعية برسالة إلى قيادة الجبهة الداخلية، ووزيري الدفاع والداخلية، وقيادة الجبهة الداخلية في الجنوب، تطالب فيها بإيجاد حل فوري لضمان أمن وحماية السكان في النقب، وفي القرى غير المعترف بها على وجه الخصوص.

ومما جاء في الرسالة: "نتوجه إليكم بطلب وضع غرف حماية أو ملاجئ مؤقتة ومنظومات إنذار في جميع القرى البدوية غير المعترف بها في النقب، التي لا تتبع سلطات محلية أو مجالس إقليمية. منذ اندلاع الحرب في 7.10.2023 سقطت الكثير من الصواريخ على القرى غير المعترف بها في النقب، وهي قرى يقطن فيها عشرات آلاف السكان. لم يسمع السكان صفارات إنذار قبل سقوط الصواريخ، ونتيجة لعدم وجود ملاجئ أو حتى غرف محمية نقالة، سقطت 17 ضحية من السكان البدو، من بينها 6 أطفال. إن غياب الحماية من الصواريخ للسكان البدو في النقب، يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوقهم الأساسية في الحياة والسلامة الجسدية والمساواة".

وفقاً للفحص الذي أجرته الجمعية، وضمّنته رسالتها، يعيش في النقب نحو 270 ألفاً من المواطنين العرب البدو، منهم، بحسب التقديرات، حوالي 100 ألف يعيشون في 35 قرية غير معترف بها في شمالي النقب، في مبانّ دائمة أو مؤقتة، بما فيها السقائف والأكواخ. وتفتقر هذه القرى إلى أية وسائل حماية متاحة، وذلك على الرغم من أن القرى موجودة في مدى الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة. إن عدم توفير وسائل وقاية للقرى غير المعترف بها هي مسألة قد نوقشت في التماس سبق أن تقدمت به جمعية حقوق المواطن إلى المحكمة العليا، العام 2017، وطلبت فيه توفير حلول حماية فورية وثابتة للقرى غير المعترف بها في النقب. كما طالب الالتماس المذكور بتوفير حلول وقاية من الصواريخ، بما فيها نصب غرف حماية نقالة، إلى جانب نشر تعليمات واضحة وقائمة على المساواة للسلطات المحلية من أجل إقامة مناطق آمنة ووسائل حماية ملائمة في القرى.

دراسة: "إهمال سكان هذه القرى في غاية الفظاعة والقسوة"!

في إثر هذا الالتماس، عرضت قيادة الجبهة الداخلية خطة لتحسين حماية السكان، حيث تم في إطارها تحسين وسائل الإنذار الجماعي عبر الهواتف النقالة، وإقامة دورات تأهيلية لـ"رفع الوعي"، وتوزيع منشورات، بل ونصب عدة غرف محمية في القرى العربية البدوية المعترف بها. كما أعلنت قيادة الجبهة الداخلية أنها ستقوم "في حال استدعت الحاجة، بالنظر في نصب منظومة ’قبة حديدية‘ بصورة تحمي أيضاً سكان المضارب". أما فيما يتعلق بنشر وتخصيص الغرف المحمية، فقد قالت المحكمة بأن "سحب الغطاء إلى منطقة ما، سيؤدي إلى كشف منطقة أخرى"، ولذا فقد قررت عدم التدخل في الاعتبارات والتقييمات المتعلقة بمستوى مخاطرة السلطات المختصة. ومع ذلك، قالت المحكمة، حينذاك: "نذكّر بأننا في فترة من الهدوء الأمني النسبي، والعناصر المهنية في الجبهة الداخلية عليها مهمة تحديث حلول الحماية في المضارب في المستقبل، وهي منطقة مستضعفة، كلما تغيرت التقديرات المتعلقة بالتهديد؛ وهي تضع نصب عينيها مسألة المساواة".

وفي هذا السياق، أكدت دراسة من إعداد "منتدى التعايش في النقب" و"مركز أدفا" أن "إهمال سكان القرى مسلوبة الاعتراف في غاية الفظاعة والقسوة وبحاجة لمعالجة فورية. لم يكن لدى سكان هذه القرى يوم مهاجمة حماس وحدات تأهب أو مناطق محمية أو ملاجئ. وقد عُرِّفَت أراضي القرى مسلوبة الاعتراف في نظام ’القبة الحديدية’ على أنها ’مناطق مفتوحة’ وليست ’مناطق مأهولة’، ولم تُصّد الصواريخ التي أطلِقَت عليها لذلك. هذا بالإضافة إلى أنه، ونظراً لانعدام البنى التحتية الكهربائية، لم تُسمع في القرى صفارات الإنذار التي حذّرَت من سقوط الصواريخ".

السلطات تلقي المسؤولية على السلطة المحلية... التي تحرم القرى منها!

بعد التماس آخر للجمعية، العام 2021، ردّ مكتب رئيس هيئة أركان الجيش وقيادة الجبهة الداخلية في حزيران 2021 حول موضوع انعدام غرف الحماية في القرى غير المعترف بها، أنه بحسب قانون الحماية المدنية للعام 1951، "فإن المسؤولية عن حماية ملجأ خاص ملقاة على كاهل الفرد، وعلى السلطة المحلية ضمان إقامة وصيانة الملاجئ الخاصة من قبل أصحاب المنازل. وإلى جانب ذلك، وطالما كانت هنالك فوارق في الحماية في مجال سيادة مجلس إقليمي معين، فإن من مسؤولية هذا المجلس أن يوفر للسكان بنى تحتية للحماية العامة في ساعات الطوارئ [...] إن وظيفة الجبهة الداخلية تتمثل في أن تقوم بالعمل كمنظم أمام جهات التخطيط والبناء المحلية المؤتمنة، بموجب القانون، على تنفيذ أوامر الحماية المدنية". كما ورد في الرد: "لا توجد في القانون أو في أي مصدر معياري آخر منظومة يحق للجبهة الداخلية بواسطتها إقامة حماية لعقار، إلا بموجب توجيهات المستوى السياسي التي تتخذ في هذا الشأن، وفي ظل توفر ميزانية ملائمة. في ظل غياب توجيه كالتوجيه الذي أشرنا إليه أعلاه، ليس من الممكن توفير حماية خاصة من جانب الدولة".

وتعقّب الجمعية أن "قائد الجبهة الداخلية يترأس خدمات الدفاع المدني، وهي الهيئة المؤتمنة والمسؤولة المباشرة عن حماية الجمهور في إسرائيل من المخاطر والتهديدات التي تشبه الحالة التي نعيشها. الغرض من صلاحيات خدمات الدفاع المدني يتمثل في حماية السكان من مخاطر الهجمات، والحد من نتائجها". وقانونياً، "يمكن لهذه الهيئة أن تصدر أمرها لسلطة محلية بـ ’إقامة ملاجئ عامة بالعدد والمكان والزمان الذي تحدده السلطة المختصة، وصيانتها في حالة تتيح استخدامها في أي وقت تكون فيه حاجة إلى ذلك’. وفي حال عدم قيام السلطة المحلية بواجبها في الوقت الذي حدده الدفاع المدني، يحق لرئيس هيئة الدفاع المدني القيام بذلك بدلا من السلطة، وإلزام السلطة المحلية بالتكاليف. بمعنى أنه وطالما لم تقم السلطة المحلية بأداء واجبها، فإن على الدولة أن تحل محل السلطة المحلية وأن تنفذ الأمر".

ولكن القرى غير المعترف بها في النقب لا تقع في النطاق البلدي للسلطات المحلية أو الإقليمية. وفي ظل عدم وجود سلطة محلية، وغياب حلول تخطيطية للقرى غير المعترف بها، فإن المسؤولية التخطيطية عن المنطقة التي يعيش فيها سكان هذه القرى تقع أولاً وقبل أي شيء على كاهل وزارة الداخلية، وواجب العثور على حلول للوقاية لسكان القرى غير المعترف بها ملقى على كاهل هيئة الدفاع المدني، أي على كاهل قيادة الجبهة الداخلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات