المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أظهر تحقيق جديد أجرته الإذاعة الإسرائيلية العامة (ريشت بيت)، أن ما يسمى بـ "الخطة الاقتصادية لدعم الأقليات"، لا تضيف ميزانيات تذكر للمواطنين العرب، وأن حجمها الإجمالي بما فيها الميزانيات القائمة أصلا، بالكاد يصل إلى 26ر1 مليار دولار (5 مليارات شيكل)، في حين أن الحكومة زعمت بداية أن الحجم الاجمالي هو ثلاثة أضعاف: 15 مليار شيكل (78ر3 مليار دولار).

وقام الصحافي داني زاكين بإجراء تحقيق يستند إلى بحث وأحاديث عن مسؤولين في وزارة المالية أعربوا عن استغرابهم من ذكر 15 مليار شيكل ككلفة إجمالية للخطة. وقال مسؤولون إن الخطة تستند أيضا إلى بنود قائمة أصلا في الموازنة العامة، ومن المفروض أن تصل إلى البلدات العربية حتى من دون إقرار هذه الخطة.

ويقول زاكين إن كلفة الخطة للسنوات الخمس كلها، هو 5 مليارات شيكل، 26ر1 مليار دولار، ومن هذا المبلغ، فقط ما بين 5ر1 مليار إلى ملياري شيكل، كميزانية إضافية تقسم على خمس سنوات (378 مليون إلى 505 ملايين دولار)، وهذا هو الانطباع السائد لدى المستوى المهني في وزارة المالية. وقسم كبير من هذه الميزانية الاضافية سيُصرف على إقامة مراكز شرطة "من أجل فرض أنظمة وقوانين البناء"، حسب ما قال الصحافي زاكين. كذلك فإن قسما من هذه الميزانية سيتم تحويله إلى المجالس البلدية والقروية، بموجب وضعيتها ضمن البلدات الفقيرة، وتسمى ميزانيات "توازن" تهدف إلى تعويض هذه المجالس عن ضعف المداخيل لديها، بفعل ضعف المستوى الاقتصادي للشريحة السكانية في كل واحدة من تلك البلدات.

كذلك فإن في هذه الميزانية ما سيكون صرفه مشروطا، وفي وضعية البلدات العربية هناك شك كبير في صرف هذه الميزانيات، خاصة تخصيص ميزانية بنحو 250 مليون دولار لإقامة مراكز جماهيرية (نواد). فصرف هذه الميزانية في كل واحدة من البلدات العربية مشروط بأن تخصص البلدية والمجلس القروي أرضا ملائمة، وهذا بحد ذاته أمر صعب للغاية، بفعل نقص الأراضي في البلدات العربية، بسبب سياسة رفض توسيع مناطق النفوذ، وتوسيع مسطحات البناء، إضافة إلى عملية التأخير المبرمج لإقرار الخرائط الهيكلية للبلدات العربية وفي حالات كثيرة تكون البلدة من دون خرائط هيكلية ضرورية للتنظيم لمدة 20 عاما وأكثر.

كما أن صرف هذه الميزانية يتطلب من المجالس البلدية والقروية تخصيص ميزانية إضافية لإتمام المشروع، وفي حال أن كل البلدات العربية في حالة عجز مالي، فإنها لا تستطيع تخصيص ميزانيات إضافية.

ويؤكد تحقيق الإذاعة العامة على ما هو معروف منذ سنوات، وهو أن هذه الميزانيات المشروطة تبقى في خزينة وزارة المالية لفترة محددة (سنة واحدة في المعتاد)، وفي حال عدم صرفها تتحول الميزانيات فورا إلى خانة "ميزانيات فائضة"، ويتم صرفها في إطار الفائض العام في الموازنة العامة على أمور أخرى، وأبرزها وزارة الدفاع. ويؤكد التحقيق أن أعلى نسبة عدم صرف ميزانيات مشروطة هي في البلدات العربية.

ويصل عدد المواطنين العرب في الداخل إلى حوالي 45ر1 مليون نسمة، وهذا من دون أهالي القدس المحتلة، ومرتفعات الجولان السوري المحتل، الذين يتم إدخالهم إلى إحصائيات إسرائيل الرسمية. وحوالي 89% من إجمالي العرب يقيمون في بلداتهم العربية، بينما 11% في "مدن مختلطة"، وغالبيتهم الساحقة في مدن فلسطينية تاريخية، باتت ذات أغلبية يهودية، وهي عكا وحيفا ويافا واللد والرملة. وتعاني البلدات العربية تقريبا كلها، والأحياء العربية في المدن الفلسطينية التاريخية التي باتت مختلطة، من سوء أوضاع اقتصادية اجتماعية، ناجمة أساسا من سياسة التمييز العنصري، في توزيع الموارد، والبنى التحتية والأرض، وهذه السياسة تطال كل تجمع سكاني عربي، بما فيها الأحياء العربية في المدن التاريخية السابق ذكرها، ويظهر واضحا الفرق بين أوضاع الأحياء العربية واليهودية.

وحسب تقارير تصدر تباعا، فإن الفجوة بين ما يصرف على المواطن العربي واليهودي، تصل أحيانا إلى عشرة أضعاف، كما هي حال جهاز التعليم، إذ تبين من تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية أن إجمالي ما تصرفه الحكومة على الطالب اليهودي، يصل إلى 9 أضعاف ما يصرف على الطالب العربي، وهذا يأخذ بعين الاعتبار المنهاج الأساس والبرامج اللامنهجية، والبنى التحتية وغيرها.

ويقول الدكتور سامي ميعاري، الباحث في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، ومختص في قضية الفجوات الاجتماعية، في حديث للإذاعة الإسرائيلية العامة، إنه يبارك من حيث المبدأ كل خطة، تهدف بالأساس إلى سد الفجوات القائمة، والخطة المطروحة تطرق أبوابا كثيرة تجدر معالجتها. ويضيف: إلا أن التحقيق الذي عرضه الصحافي زاكين يطرح أسئلة كثيرة عن هذه الخطة، وهي تحيد عن جوانب عدة، ما يجعل الخطة أبعد من تحقيق هدفها المعلن.

وتابع ميعاري أنه في ما يتعلق بجهاز التعليم، فإن الخطة تتحدث فقط عن زيادة الصرف على تأهيل المعلمين، ولكنها لا تطرق جوانب أهم، مثل النقص في الغرف المدرسية، وتحسين المنهاج وتطويره بموجب مفاهيم العصر. كذلك فإن الخطة لا تتحدث عن إقامة مناطق صناعية داخل البلدات العربية، بل تتحدث عن مناطق صناعية مشتركة مع بلدات يهودية، وإذا ما استندنا إلى تجارب الماضي، فإن من يستفيد من مناطق "مشتركة" كهذه، هي البلدات اليهودية.

وفي مجال البناء والسكن، قال د. ميعاري إن الخطة تتحدث فقط عن 15 بلدة عربية كحد أقصى تبنى فيها مساكن متعددة الطبقات، ولكن ماذا عن عشرات كثيرة من البلدات العربية التي تعاني من شبه حالة انفجار سكاني، ولا يوجد فيها احتياطي أراضي للبناء، ولا تجد الأجيال الشابة العربية أين تبني بيوتها؟.

وفي ملخص حديثه للإذاعة أكد ميعاري أن البحث الذي أجراه في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، بالتزامن مع الإعلان عن الخطة، توصل إلى أن الميزانية الإجمالية الجديدة في هذه الخطة تصل إلى 5ر2 مليار شيكل (630 مليون دولار) كحد أقصى في أفضل الأحوال.

وكان ميعاري قد قال في مقال له إن الخطة الاقتصادية المعلنة تنطوي على علامات استفهام كبرى وتحمل في طياتها دواعي الشك وكثير من المغالطات التي تبرر التشكيك في مدى صدقها ونجاعتها وصلاحيتها ما يستدعي مناقشتها وإبداء الرأي فيها بالاعتماد على المنطق والأدلة والبراهين والمؤشرات.

وأضاف: "لا بد من التساؤل أولاً: هل المبلغ المقترح وعلى جدول زمني (خمس سنوات) هو مبلغ سيتم إنفاقه فعلا بالوجه الصحيح؟ وهل يكفي لاحتياجات المجتمع العربي؟ هل يأتي في سياق بشرى جديدة؟ أم أنه من ضمن الميزانيات التي منذ البداية كان جزء منها مخصصا للمجتمع العربي من خلال ميزانية المكاتب الحكومية المختلفة (اي أنه امتداد للميزانيات القائمة وتفرع منها)؟ بما معناه: كم هو الجزء الإضافي من الميزانية الذي تم الحصول عليه للاستثمار في المجتمع العربي لسد الفجوات مع المجتمع اليهودي وليس من خلال ما هو مخصص للمجتمع العربي؟ ولماذا تسميتها بخطه التطوير وليس بخطة سد الفجوات؟".

ويقول ميعاري "ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات مركّبة: لأن المبلغ المطلوب لتحقيق المساواة الكاملة هو أكثر بكثير من هذا، وفي تقديري أنه يصل إلى ما يقارب 60 مليار شيكل (2ر15 مليار دولار) على جدول زمني مدته عشر سنوات. وهذا المبلغ الذي أقترحه الآن هو في نظري طرح منطقي، ويمكن توفيره إذا ما أخذنا بعين الاهتمام أن الحكومة ترفع من مقدار المنتوج العام بمقدار 22 مليار شيكل سنويّاً. فنستخلص من هذا أنه وفي مجتمع عادل يمكن تخصيص 6 مليارات شيكل من الميزانية للمجتمع العربي وهذا متناسب تماماً مع نسبة العرب من سكان الدولة. أما على المستوى العملي والمهني فلا شك في أن الحديث عن برنامج شمولي يبدو هاماً للوهلة الأُولى في اتجاه العلاج الأساسي ولكنني أعتقدُ بأن هذه الخطة في معظم مجالاتها مليئة بالثغرات ويكتنفها الغموض وتخطئ الهدف في أحيان أُخرى".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات