المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مقابلة خاصة مع الباحث في "معهد دراسات

الأمن القومي" في جامعة تل أبيب

*في حال كانت المعلومات التي لدى إسرائيل بشأن انتقال الأسلحة غير التقليدية من سورية إلى جهات "إرهابية" تتطلب شن عملية عسكرية فإن إسرائيل ستشن عملية كهذه*

كتب بلال ضـاهـر:

تصاعدت في الأيام القليلة الماضية التهديدات الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله، في أعقاب العملية التفجيرية التي استهدفت حافلة سياح إسرائيليين في مدينة بورغاس البلغارية، يوم الأربعاء الماضي.

ووجه رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، اصبع الاتهام إلى إيران وحملها المسؤولية عن العملية في بورغاس، بعد ساعات قليلة جدا من وقوعها، ما أدى إلى توجيه انتقادات له في إسرائيل. وبعد ذلك قال نتنياهو إن حزب الله الذي نفذ هذه العملية. كذلك حمل وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، حزب الله مسؤولية تنفيذ العملية في بورغاس.

وفي موازاة ذلك صعد نتنياهو وباراك تهديداتهم بمهاجمة سورية ولبنان على خلفية مخاوف من نقل أسلحة متطورة موجودة بحوزة سورية، بينها أسلحة كيماوية وصواريخ حديثة مضادة للطائرات، إلى حزب الله، أو استيلاء منظمات مسلحة تابعة للجهاد العالمي على أسلحة كهذه.

وقال باراك، أمس الأول الأحد، "إننا نتابع احتمال محاولة حزب الله نقل منظومة أسلحة متطورة، وإسرائيل لا يمكنها الموافقة على ذلك". وأضاف أنه "في هذا المحيط، الذي لا يمكن فيه لشعب أن يغير جيرانه، سندافع عن أنفسنا في كل مكان وبكل طريقة من خلال ترجيح الرأي والتحلي بالمسؤولية".

وكرر باراك اتهام حزب الله بأنه مسؤول عن عملية بورغاس التفجيرية التي وقال إنه "واضح أن هذه كانت عملية بتوجيه من حزب الله". وأضاف "نحن داخل حملة عالمية لتصعيد الإرهاب عموما وفي إسرائيل خصوصا، وهناك نجاحات غير مألوفة حققتها أجهزة الاستخبارات وتم إحباط عمليات طوال العام".

وقال باراك مخاطبا مجندين جددا للجيش الإسرائيلي "أنتم تتجندون في فترة غير سهلة، وليس كل شيء منوط بنا، على سبيل المثال في مصر وسورية. ومن جهة ثانية ننظر إلى سورية ونتابع مجرى الأمور، واعتقدنا أنه عندما يبلغ السيل الزبى سيتدخل العالم لكن هذا ليس صحيحا". وأضاف "يجب أن تكون إسرائيل قوية وهذه ورديتكم هذه المرة". وحذر من أن "الأمور ستكون صعبة جسديا وعقليا، وأولئك الذي يجلسون إلى جانبكم سيكونون أصدقاءكم كل الحياة وأنا أحسدكم بعض الشيء فهذه فترة صعبة وتنطوي على مطالب ولكنها تضع تحديا".

وفي سياق متصل قال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، روني بار أون، للإذاعة العامة الإسرائيلية إنه "بسبب الوضع في سورية فإنه يوجد تخوف كبير (في إسرائيل) من تسرب أسلحة إلى أيدي حزب الله أو عصابات إرهابية في سورية ولبنان. وليس واضحا ما إذا كانت مجموعات المعارضة في سورية أفضل من هذه الناحية من النظام الحالي". وأشار بار أون إلى أن الحديث يدور على أسلحة كيماوية وصواريخ متطورة مضادة للطائرات وصواريخ أرض - أرض وغيرها.

من جانبه قال رئيس الدائرة السياسية - الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس غلعاد، لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن بحوزة سورية كميات هائلة من الأسلحة الكيماوية وأن التخوف في إسرائيل هو من استيلاء "مجموعات إرهابية" في سورية ولبنان، وليس فقط حزب الله، على أسلحة كهذه.

وقال رئيسا الموساد، تامير باردو، وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك)، يورام كوهين، خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي، أمس الأول، إن إيران وحزب الله حاولا تنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية في أكثر من 20 دولة خلال العامين الماضيين.

وامتدح نتنياهو "كشف الجهات التي تقف وراء الاعتداءات" وقال إن "ثمة أهمية كبيرة للقدرة على الإثبات للعالم أن إيران وحزب الله مسؤولان عن موجة الاعتداءات هذه العابرة للقارات". كذلك شكر نتنياهو "أفراد الموساد والشاباك على أنشطتهم الخفية التي يقومون بها في أنحاء العالم من أجل الدفاع عن مواطني الدولة" وأكد أن "موجة الإرهاب الإيرانية التي يتم تنفيذها بواسطة حزب الله أيضا توجه وستواجه أنشطة حازمة" من جانب الاستخبارات الإسرائيلية.

وأجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، شلومو بروم، حول احتمالات التصعيد في المنطقة، وتأثير ذلك على العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.

(*) "المشهد الإسرائيلي": ماذا يقف وراء تصريحات باراك بأن إسرائيل لا تقبل ولن تسمح بنقل أسلحة متطورة، أسلحة كيماوية خصوصا، من سورية إلى حزب الله. هل ستهاجم إسرائيل سورية ولبنان؟

بروم: "ما يقف وراء هذه التصريحات هو خوف حقيقي من وضع تتفكك فيه سورية، وهذا أمر نراه أمام أعيننا، فالحكم المركزي السوري يفقد السيطرة على مخزون الأسلحة المتطورة، وهذا ليس سلاحا نوويا فقط وإنما هناك مضادات جوية متطورة جدا، وهذا السلاح قد يسقط في أيدي جهات تشكل خطرا على إسرائيل، مثل تنظيمات جهادية قريبة من تنظيم القاعدة داخل سورية، أو تنظيمات في لبنان وبالأساس حزب الله. ومعنى هذا الأمر هو أنه إذا كانت هناك معلومات استخباراتية لدى إسرائيل بهذا الخصوص وفي حال كانت هذه المعلومات تتطلب تنفيذ عملية عسكرية فإن إسرائيل ستنفذ عملية عسكرية".

(*) ماذا سيحدث في حال استولت المعارضة السورية على هذه الأسلحة؟

بروم: "إذا استولت المعارضة السورية المركزية، الممثلة في جيش سورية الحر والمجلس السوري الوطني، فإن هذا أمر حسن. فالموقف الرسمي لحكومة إسرائيل هو أنها تؤيد تغيير النظام في سورية. والأمر المهم هو أن يتم تغيير النظام وأن ينشأ حكم مركزي آخر. هذا أمر حسن وأنا لا أتحدث عن عملية عسكرية إسرائيلية في حال حدوث سيناريو كهذا".

(*) نتنياهو سارع إلى تحميل إيران المسؤولية عن العملية التفجيرية في مدينة بورغاس البلغارية، الأسبوع الماضي. هل نتنياهو كان يتحدث إلى العالم عندما وجه هذا الاتهام إلى إيران، أم أنه كانت بحوزته معلومات حول ضلوع إيران في العملية، بعد ساعات قليلة جدا من وقوعها؟

بروم: "لا أعرف ما إذا كانت بيدي نتنياهو معلومات معينة حول ضلوع إيران. لكن واضح أنه يوجد مرشحان لتنفيذ هذه العملية، وهما حزب الله وإيران، وربما يكون كلاهما ضالعين في هذه العملية. وما يمكنني أن اقوله كمراقب من الخارج، هو أن مميزات العملية تلائم أسلوب عمل حزب الله أكثر من أسلوب عمل إيران. فعندما كانت إيران ضالعة في عمليات، كتلك التي وقعت في تايلاند ونيودلهي وأذربيجان، فإنه كان ضالعا في تنفيذها عملاء إيرانيون وكانوا يحملون جوازات سفر إيرانية. وهذه لم تكن الحال في بورغاس، وكانت هناك بصمات لحزب الله. فمنفذ العملية كان انتحاريا، وتوجد هنا محاولة لعدم إمكانية التعرف على هوية الانتحاري الذي نفذ العملية".

(*) على ما يبدو أن إسرائيل باتت اليوم في بداية معركة الانتخابات العامة، بعد انسحاب حزب كاديما من التحالف. كيف يؤثر هذا الوضع على عملية اتخاذ القرارات في حكومة إسرائيل؟

بروم: "أعتقد أنه إذا نظرنا إلى الأداء السياسي في إسرائيل فإن الدولة موجودة في معركة انتخابية طوال الوقت، وهذا ينطبق على الأجواء الحالية بكل تأكيد. كيف يؤثر هذا؟ هذا الوضع مريح لنتنياهو، لأن بإمكانه أن يصرف الأنظار إلى مواضيع خارجية وأمنية، التي يشعر فيها أنه أقوى من التركيز على المواضيع الداخلية، مثل المساواة في تحمل الأعباء والمشاكل الاجتماعية وما إلى ذلك".

(*) ما هي التخوفات في إسرائيل من حكم الإخوان المسلمين في مصر؟

بروم: "التخوف في إسرائيل هو أن يطبق الإخوان المسلمون أيديولوجيتهم. وإذا عدنا إلى الفترة التي سبقت تنحي (الرئيس المصري المخلوع حسني) مبارك، وراجعنا تصريحات وكتابات الإخوان المسلمين، طوال السنوات العشرين الأخيرة، فإنه بالإمكان أن نرى بوضوح أن الإخوان كانوا ضد اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر. وهم لا يعترفون بشرعية وجود إسرائيل، وسيكونون مسرورين إذا اختفت إسرائيل عن الوجود. والسؤال الجوهري هو بالطبع هو ما إذا سيستمرون بالتحدث والعمل وفقا لهذه الأيديولوجيا عندما أصبحوا في مركز مسؤول. فعندما تصبح في مركز تحمل المسؤولية، فإنك، في الواقع، تصبح مسؤولا بالاهتمام بمشاكل الدولة، والاهتمام باحتياجات أكثر من ثمانين مليون نسمة، وأن يحصلوا على احتياجاتهم الأساسية. لذلك تصبح الاعتبارات في هذه الحالة مختلفة بعض الشيء. ولا يوجد نقص في المشاكل في مصر. وأية حكومة ستشكل هناك ستواجه صعوبات في مواجهة هذه المشاكل. ولذلك يصعب علي أن أقتنع بأن أداء الإخوان المسلمين سيكون وفقا لأيديولوجيتهم المعلنة. وأعتقد أنهم سيبحثون عن تسوية ما بين هذه الأيديولوجيا والواقع المصري، ومن الجائز أن يتم التعبير عن ذلك من خلال إطلاق تصريحات معادية لإسرائيل، ولكن في المستوى العملي ستكون سياستهم معتدلة أكثر. فهل سيسعى الإخوان المسلمون إلى المس باتفاقية السلام مع إسرائيل؟ لا أعتقد ذلك".

(*) كيف تؤثر كل هذه الأوضاع المتوترة في المنطقة على العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية وعلى مستقبل إدارة الصراع؟

بروم: "لا يوجد تأثير جيد لهذه الأوضاع على هذه العلاقات، لأنه تم حشر العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين في الزاوية قبل بدء الربيع العربي في مصر وسورية، ولا يوجد اهتمام حقيقي للاعتناء بهذه العملية، لا في إسرائيل ولا في الولايات المتحدة ولست واثقا من وجود اهتمام بهذا الموضوع في أوروبا أيضا رغم تصريحات الأوروبيين. وبرأيي أنه لا يوجد اهتمام جدي بتقدم العملية في رام الله أيضا. وما حدث في سياق الربيع العربي يزيد من حدة الوضع فيما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية، لأن اللاعبين العرب على اختلافهم سيركزون الآن أكثر على مشاكلهم الداخلية ولن يتمكنوا من التفرغ لمعالجة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. لكن هكذا ستكون الحال في المدى القريب والمدى المتوسط، وأنا أرى تطورات مشجعة في المدى البعيد، وبضمن ذلك ما يحدث في حركة حماس".

(*) ماذا تقصد؟

بروم: "حقيقة أن حماس اضطرت إلى التنازل عن راعييها التقليديين، وهما إيران وسورية، لأنه لو بقيت حماس موالية لهما لوجدت نفسها في الصفحة غير الصحيحة من التاريخ. والآن يتعين على حماس البحث عن راع جديد، المتمثل في مصر وقطر والسعودية. ومصر الجديدة، وللأسباب التي ذكرتها سابقا، وكذلك قطر، والسعودية طبعا، ليست مهتمة باندلاع موجة عنف جديدة لدى الفلسطينيين. ويوجد اهتمام أساس لدى هؤلاء اللاعبين الثلاثة باستمرار العملية السياسية وسيهتمون بأن تكون حماس جزءا من العملية السياسية. ومن أجل تحقق ذلك يتعين على حماس مواصلة عملية التغيير الجارية فيها".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات