المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بالنسبة للفلسطينيين فإن ما يطرحه شارون وحكومته غير جدي بتاتا، والهدف منه ليس فقط الظهور بمظهر الداعي للسلام وإنما أيضا إجبار الفلسطينيين على رفض الفكرة ليظهروا بمظهر الرافض للسلام. وأكثر ما يؤكد عدم جدية هذه الأفكار أنها مليئة بالتناقضات والشروط والمطالب الغامضة التي من الصعب الاتفاق على أنها قد حققت أم لا. فكيف سيكون هناك دولة فلسطينية مع تنشيط العمل الاستيطاني في الضفة ومنطقة القدس؟ وهل يعقل أن يفرض على الفلسطينيين نظام حكم وإدارة يكون الهدف من إنشائها تحقيق الأهداف الإسرائيلية قبل أن تلتفت هذه الإدارة إلى المصالح الحيوية الفلسطينية؟ وكيف سيلبي الفلسطينيون المطالب الإسرائيلية ما دامت الحكومة الإسرائيلية هي الجهة التي ستقرر فيما إذا نفذ الفلسطينيون كل ما طلب منهم، علما أن القائمين على هذه الحكومة لا يرغبون بالانتقال من المرحلة الأولى للمرحلة الثانية؟

وجهة نظر فلسطينية
بقلم محسن يوسف بعد مفاوضات استمرت طيلة عقد التسعينيات من القرن الماضي خُيّل إلينا أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قد أصبحا قاب قوسين أو أدنى من إبرام اتفاقية تاريخية تنهي الصراع بين الطرفين وتفتح المجال أمام إبرام اتفاقيات مماثلة مع البلدان العربية الأخرى. في حينه اعتقد أغلبية الفلسطينيين والإسرائيليين أن المباحثات قد أنجَزت حوالي 95% مما يجب إنجازه ولم يبق أمام المفاوضين إلا أن يتفقوا على أمور قليلة نسبيا رغم أهميتها المعنوية لكلا الطرفين.

* أرئيل شارون الذي كان رئيسا لحزب الليكود المعارض في فترة مفاوضات كامب ديفد بذل كل ما باستطاعته لكي يقوض دعائم تلك المفاوضات ليمنع التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لقد أحرز شارون نجاحا باهرا وحصل على مبتغاه بشكل كامل بحيث أشعل نار انتفاضة الأقصى التي وضعت حدا لمفاوضات السلام. أعيد احتلال الضفة الغربية بكاملها وكاد أن يلغي ليس فقط السيادة الفلسطينية الهزيلة أصلا وإنما أن يقضي على السلطة الفلسطينية بالكامل.

* رغم تطرف ويمينية شارون أصبح اليوم وفي أعقاب تشكيله حكومته الثانية يقف في أقصى يسار أعضاء حكومته، ليس لأنه قد غيّر من أفكاره وآراءه وإنما لأن أعضاء حكومته الجدد إما أن يكونوا يمينيين بنفس قدر يمينيته وإما أن يكونوا أكثر يمينية وتطرفا منه. ولكي نعرف موقف حكومة شارون الثانية من موضوع السلام بشكل دقيق علينا أن نعود إلى وثيقتين غاية في الأهمية، وهما: الخطوط العريضة التي تقوم عليها الحكومة الجديدة، و الخطاب الذي ألقاه أرئيل شارون نفسه في مؤتمر هرتسليا بتاريخ 4/12/2002. ويمكن تلخيص المعلومات التي جاءت بوثيقة الخطوط العريضة للحكومة بما يلي:

1. ستعمل الحكومة على تحقيق السلام مع الفلسطينيين ومع الدول العربية على شرط أن لا يضر ذلك بالمصالح الأمنية والتاريخية والقومية لإسرائيل والشعب اليهودي

2. ستعمل الحكومة على تعزيز مكانة القدس كعاصمة لإسرائيل

3. ستعمل الحكومة على تعزيز الاستيطان في كل أرجاء أرض إسرائيل

4. السلام يتطلب تنازلات صعبة من جميع الأطراف

أما الفكرة الرئيسية التي تحدث عنها شارون في خطابه بمؤتمر هرتسليا فهي تلك المتعلقة بإنشاء دولة فلسطينية. فحسب هذه الوثيقة فقد أبدى شارون استعداده للقبول بقيام دولة فلسطينية على مراحل وأنه لن يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى إلا بعد الانتهاء من المرحلة السابقة بشكل كامل وبعد أن يتم التأكد من أن الفلسطينيين قد نفذوا جميع ما طلب منهم بصدق وحسن نية. أما المراحل الرئيسية التي ذكرت فتتمثل بما يلي: في المرحلة الأولى على الفلسطينيين أن ينهوا الانتفاضة وكل أعمال العنف وأن تجمع السلطة الفلسطينية الأسلحة من المنظمات الفلسطينية وأن تتوقف عملية التحريض على استعمال العنف، وإجراء تغيير جوهري على مناهج التدريس الفلسطينية وما إلى ذلك من أمور. وفي المرحلة الثانية يجب إجراء إصلاحات جذرية في السلطة الفلسطينية خصوصا في مجالات صلاحيات وواجبات مؤسسات الحكم المختلفة وفي المجالات المالية والأمنية، وأن يكون هناك تعاون أمني وثيق بين السلطة وإسرائيل. وفي المرحلة الثالثة يتم إجراء انتخابات فلسطينية. وبعد ذلك فقط يتم إنشاء دولة فلسطينية في مناطق (أ) و (ب) فقط على أن تكون جميع منافذها الخارجية وسماؤها تحت السيطرة الإسرائيلية وعلى أن ينال مشروع الدولة هذه موافقة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي. وفي مرحلة لاحقة غير محددة بفترة زمنية تجري مفاوضات لحل الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية بشكل نهائي.

بالنسبة للفلسطينيين فإن ما يطرحه شارون وحكومته غير جدي بتاتا، والهدف منه ليس فقط الظهور بمظهر الداعي للسلام وإنما أيضا إجبار الفلسطينيين على رفض الفكرة ليظهروا بمظهر الرافض للسلام. وأكثر ما يؤكد عدم جدية هذه الأفكار أنها مليئة بالتناقضات والشروط والمطالب الغامضة التي من الصعب الاتفاق على أنها قد حققت أم لا. فكيف سيكون هناك دولة فلسطينية مع تنشيط العمل الاستيطاني في الضفة ومنطقة القدس؟ وهل يعقل أن يفرض على الفلسطينيين نظام حكم وإدارة يكون الهدف من إنشائها تحقيق الأهداف الإسرائيلية قبل أن تلتفت هذه الإدارة إلى المصالح الحيوية الفلسطينية؟ وكيف سيلبي الفلسطينيون المطالب الإسرائيلية ما دامت الحكومة الإسرائيلية هي الجهة التي ستقرر فيما إذا نفذ الفلسطينيون كل ما طلب منهم، علما أن القائمين على هذه الحكومة لا يرغبون بالانتقال من المرحلة الأولى للمرحلة الثانية؟

علاوة على ذلك فإن الخطوط العريضة للحكومة تشترط موافقة الائتلاف الحكومي على إنشاء دولة فلسطينية، علما أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تصرح جهارا وفي كل وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية أنها لن توافق على إنشاء دولة فلسطينية إلى الغرب من نهر الأردن. فعلى سبيل المثال صرح حزب الاتحاد الوطني الذي يترأسه أفغدور ليبرمان مرارا وتكرارا أنه "يعارض قيام دولة فلسطينية غرب نهر الأردن مهما كانت حدودها".

والأغرب من ذلك كله أن رموز هذه الحكومة عارضوا اتفاقية أوسلو وعملوا كل ما بوسعهم لإبطالها والقضاء عليها وقد نجحوا بذلك إلى حد كبير جدا، والآن يقترحون هم أنفسهم تحقيق السلام بين الطرفين بنفس مواصفات اتفاقية أوسلو. فهل المقصود هو تغيير اسم الاتفاقية لأن الاسم القديم مرتبط بحزب العمل وبالرئيس ياسر عرفات أم أن الهدف هو إعادة التفاوض من البداية بهدف كسب الوقت ليتمكنوا من فرض حقائق جديدة على أرض الواقع التي من شأنها منع قيام دولة فلسطينية؟

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، التي كانت أكبر حرب في التاريخ البشري، عقدت مئات التسويات وأبرمت مئات الاتفاقيات في فترة زمنية لا تزيد على السنتين. في مقابل ذلك فرضت إسرائيل على الفلسطينيين مفاوضات استمرت لعقد من الزمان ولم يتم التوصل إلى اتفاق ينهي مشكلة مساحة من الأرض لا تساوي واحدا على مليون من مساحة العالم الذي شارك في الحرب العالمية الثانية. بل على العكس من ذلك فإن شارون وحكوماته قد أعادوا المشكلة إلى مربعها الأول وتجاهلوا كل ذلك العقد من المفاوضات. وهنا يتساءل المرء كم سيحتاج الطرفان من الوقت للتفاوض حتى إنهاء الصراع بشكل نهائي ؟

في اعتقادي أن الإشكال الأساسي الذي واجه وأفشل اتفاقية أوسلو هو مبدأ المرحلية في حل النزاع. إن عامل الانتظار والخوف مما ستتمخض عنه المحادثات البطيئة جدا قد زاد من قلق الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، وقد أفسح المجال أمام المعارضين لأي نوع من التسوية لتنظيم صفوفهم ووضع المجتمَعان الفلسطيني والإسرائيلي بوضع من الترقب والتوتر والخوف بحيث يقبلان بأي نوع من أعمال العنف التي من شأنها أن تزيل من أمامهم شبح التغيير المستقبلي.

الغريب أن الساسة الإسرائيليين والأمريكان لم يتعلموا من درس أوسلو، وعلى ما يظهر فإنهم سيكررون نفس الخطأ في المستقبل القريب. في نظري أن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيسبب ألما كبيرا لكل أفراد الشعبين بالضبط مثل ألم المخاض وألم الأسنان الذي يسبب ألما شديدا جدا لفترة قصيرة من الوقت ثم يعود الجسم إلى حالته الطبيعية. وعليه يفضل حل هذا الصراع دفعة واحدة وليس على مراحل لأن الحل المرحلي يعني المعاناة المتواصلة لأشهر وسنين طويلة.

غالبية أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية لا يريدون البدء بمفاوضات السلام قبل إحراز نصر مؤزر على الفلسطينيين وتلقينهم درسا لا ينسوْنه، لكي لا يعودوا إلى الثورة والانتفاضة من جديد. ولكن على القادة الإسرائيليين وحلفائهم أن يتذكروا أن إسرائيل قد أحرزت انتصارات مؤزرة وساحقة على الفلسطينيين مرات عديدة إلا أن هذا الشعب سرعان ما كان يعود للثورة من جديد ليس لأنه شعب غبي وبطيء الفهم وإنما لأن الظلم العظيم الذي اقترف بحقه يفوق آلام الثورات والانتفاضات. وإني على يقين أن الشعب الفلسطيني سيعود للثورة والانتفاضة من جديد كل بضع سنين، بالضبط كما فعل دائما، ما دام أنه لم يتم التعامل مع قضيته بشئ من العدالة والإنسانية. وعلى جميع الأحوال، ماذا ستحقق حكومة شارون الجديدة إذا ما استكان الشعب الفلسطيني، الذي أصبح يشكل الآن نصف سكان فلسطين الانتدابية، وامتنع عن القيام بانتفاضات وثورات جديدة ؟ فهل سيختفي من على وجه الكرة الأرضية أم أنه ستضطر الحكومات الإسرائيلية القادمة إلى القبول بدولة ديموقراطية ثنائية القومية ؟ ألم يكن هذا الحل هو الذي نادى به الفلسطينيون على مر عقود طويلة وما زالت إسرائيل ترفضه رفضا باتا حتى اليوم؟ تم نشره في 10/3/2003 ©bitterlemons.org

* د. محسن يوسف محاضر في قسم التاريخ في جامعة بيرزيت

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, هرتسليا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات