المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تختلف النظرة للامور، بين الشارعين، العربي واليهودي، في البلاد. فعلى الرغم من الخوف المشروع جراء التهديدات بضربة عسكرية متوقعة على اسرائيل، الا ان سلم الاولويات في الوسطين يختلف تماماً. فالجماهير العربية في اسرائيل قلقة جدًا على الشعب العراقي، ومن النتائج التي من الممكن أن تحققها الحرب العدوانية على العراق من جهة، وما قد يجري في المناطق المحتلة بعد انشغال العالم بالحرب ضد العراق. هذا الاعتبار لم يكن قائماً عام 91، لأن الخارطة السياسية اختلفت تمام الاختلاف عما هو عليه الوضع الآن. والتوتر الفلسطيني - الاسرائيلي كان قائما ولكن ليس بهذه الحدة

كتب: فراس خطيب

<<إعلامكم هو المسؤول عن هذا التوتر الذي يشهده الشارع، كل العالم، الاسرائيليون خاصةً، يهولون في تغطيتهم الاعلامية دون الحاجة لذلك، وها هي النتيجة، ثلاث ضحايا من عائلتي>>.

هذا ما قاله الجد سميح صرصور لجريدة "هآرتس"، يوم الاثنين (17/3)، بعد أن فقد ثلاثة من ابناء عائلته التي تسكن في مدينة كفر قاسم، لأنهم ذهبوا الى النوم في غرفة مأطومة قاموا بتجهيزها خوفا من ضربة عسكرية محتملة من العراق على اسرائيل، وناموا ليلة كاملة في هذه الغرفة دون الانتباه لمنقل الفحم المشتعل، مما أدى الى إختناقهم.

الجد سميح صرصور قال في نفس المقابلة: <<عندما قال لي ابني (وهو قيس صرصور، رب العائلة الذي فقد زوجته واثنين من ابنائه) إنه يود النوم في غرفة محكمة، لأنه قلق جدا على اطفاله، ضحكت. فأنا على سبيل المثال لم أدخل هذه الغرفة المحكمة حتى في حرب الخليج التي وقعت عام 1991>>. هؤلاء الضحايا هم أول ضحايا الحرب المتوقعة على العراق، حتى قبل شن الهجوم. ومع هذا يستبعد العرب في اسرئيل ضربة متوقعة من العراق، مع أن الغالبية العظمى منهم قاموا بالتحضيرات اللازمة للحرب.

ومن يدخل الى القرى العربية اليوم، يتذكر الاحداث التي وقعت عام 91، من شراء النايلون والمعلبات وغيرها من هذه الحاجيات، لكن ما نستطيع لمسه أيضا أن التعامل مع هذا التهيؤ نابع من واجب الاحتياط، وليس من واقع يحتم عليهم التزود بهذه المواد فعلا. فالغالبية تؤكد – كما ينعكس ذلك في الصحف واستطلاعات الرأي - على أن ضربة من العراق تستهدف اسرائيل هو امر يقترب الى الخيال، وحتى الان لم تسمع الا أصوات نادرة جدًا من بين الجمهور العربي تؤمن بأن الضربة العراقية على إسرائيل هي أمر واقع.

يتواجد الشارع الاسرائيلي في حالة توتر، أخف وطأة مما كان عليه الحال عام 91. ففي استطلاع للرأي أجرته صحيفة "يديعوت احرونوت"، (الأربعاء 19/3)، تبين أن أكثر من ربع المواطنين الاسرائيليين لم يقوموا بالتحضيرات اللازمة للحرب، و 70% منهم لا يتوقعون ضربة عسكرية عراقية، مقابل 30% ممن يتوقعون.

واذا استعرضنا الصورة التي كانت قبل عام 91، لوجدنا بأن الامر يختلف تماماً. فجميع استطلاعات الرأي في ذلك الحين أوضحت بأن الغالبية الساحقة، هيأت نفسها لضربة متوقعة، وهذا يعود الى الكثير من الحيثيات - على حد قول الكثيرين.

تختلف النظرة للامور، بين الشارعين، العربي واليهودي، في البلاد. فعلى الرغم من الخوف المشروع جراء التهديدات بضربة عسكرية متوقعة على اسرائيل، الا ان سلم الاولويات في الوسطين يختلف تماماً. فالجماهير العربية في اسرائيل قلقة جدًا على الشعب العراقي، ومن النتائج التي من الممكن أن تحققها الحرب العدوانية على العراق من جهة، وما قد يجري في المناطق المحتلة بعد انشغال العالم بالحرب ضد العراق. هذا الاعتبار لم يكن قائماً عام 91، لأن الخارطة السياسية اختلفت تمام الاختلاف عما هو عليه الوضع الآن. والتوتر الفلسطيني - الاسرائيلي كان قائما ولكن ليس بهذه الحدة.

بالمقابل، غالبية اليهود في البلاد قلقة على الحالة الداخلية في اسرائيل لا أكثر. فاذا نظرنا الى الصحف العبرية هذه الايام، لطالعتنا فيها الكثير من الآراء التي اهتمت فقط بوضع الشارع الداخلي الاسرائيلي، من دون الاخذ بعين الاعتبار ماذا يمكن ان يجري في العراق او في المناطق المحتلة او حتى لدى العرب في اسرائيل!

بوحي من هذه الاوضاع حاول بعض الكتاب الاسرائيليين <<توعية>> الشعب الاسرائيلي، و <<فتح عيونه>> على <<الحرب الاساسية>> لدولة اسرائيل. وكتبت سيما كدمون في "يديعوت أحرونوت" (19/3) أنه <<من المحبذ ألا ننسى أين تجري حربنا الحقيقية، حربنا ليست في بغداد وإنما في غزة، وجنوب بيت لحم، وفي جنين>>.

لكن امونه الون، الصحفية في <<يديعوت>> والمستوطنة في <<بيت ايل>> (المقامة على اراضي البيرة) اعتبرت الحرب فرصة لتحقيق حلمها القديم – الجديد: اقامة دولتين في <<ارض اسرائيل التاريخية>>: يهودية "نظيفة" غربي النهر وفلسطينية عربية الى الشرق منه. هكذا، وبوقاحة وصلف المستوطن الذي يجلس فوق ارض غيره ويدعي انه بيته.. هناك، عبر الاردن، تكتب واحدة من ابرز الوجوه الصحفية النسائية في اسرائيل اليوم، والضيف الثابت في صالونات الاسرائيليين عبر الشاشة الصغيرة!

* مخول: <<رائحة مؤامرة>>

لكن عضو الكنيست، عصام مخول (الجبهة)، فمنشغل في قضايا أكثر الحاحاً من قضية وطن امونه الون <<النظيف من الفلسطينيين>>. انه يشتم <<رائحة المؤامرة>> في سلوك الدولة تجاه مواطنيها العرب، ويقول في تصريح خاص لـ "المشهد الاسرائيلي"، (الأربعاء 19/3) إنه <<من حديث الشارع في الوسط العربي، ومن طريقة تعامل المجندين مع المواطنين، استطعت أن اشتم نوعا من المؤامرة، وأنا طبعا لا أستطيع التأكد من هذا، ويجب البحث في الامر فورًا. فما يدفع الحكومة الاسرائيلية لتوزيع كمامات غير صالحة للاستعمال للعمال الاجانب هنا، يدفعها أيضا لنفس التعامل مع سكان النقب على سبيل المثال. وانا اقترحت في إجتماع لجمعية "الجليل"، التي تبحث في الامور الطبية، أن يقوم مختصون بفحص هذه الكمامات والتقنيات التي وزعت في الوسط العربي. لا توجد هناك أية أمور مثبته عن عدم صلاحية الكمامات وما شابه، ولكن تقديري بأن هناك تمييزًا واضحًا بين الوسطين العربي واليهودي، وبين ما يوزع في التجمعات السكنية العربية وبين ما يُوزع في تل أبيب>>.

كيف يرى مخول الجاهزية العربية في اسرائيل اذا ترجمت هذه الضربة الى فعل على ارض الواقع؟

مخول: <<البلدات العربية غير جاهزة لا لهزة ارضية، ولا لضربة عسكرية؟! على الرغم من اختلاف المناطق والحيثيات، الا اننا نعلم أن الغالبية الساحقة من القرى العربية المعترف وغير المعترف بها تعاني من نقص في هذا المجال، من الملاجىء ومن التحصينات، التي من الممكن ان تساعدها على الاحتماء من هجوم عسكري صاروخي. وهذا طبعاً نابع عن سياسة الحكومة وممارسة التمييز على مدار السنين ضد جماهيرنا. نحن لا نود أن نشارك في التهويل المفتعل، ولكن من واجب هذه الدولة توفير الحماية للمواطنين العرب، وألا تتجاهل البلدات العربية على الاطلاق. وهذا واجب مفروض عليها. كما ويجب عليها تقديم كل الوسائل دون تمييز>>.

- ما هو توقعك الشخصي؟

مخول: << استبعد ان تتعرض اسرائيل لضربة عراقية، لأن الحالة السياسية والمنطق السياسي للمنطقة، يفرضان مثل هذا الاستبعاد. واذا تعرضت اسرائيل لضربة عسكرية، فلن يكون ذلك عن طريق العراق، بل عن طريق جهة أخرى ستشارك في الحرب مستقبلا. ولكن يجب أن نعلم أن التهويل الذي تصنعه اسرائيل، جاء ليلهي الناس بويلات الحرب والضربة المتوقعة من قبل العراق، من أجل تمرير ضربة أكبر للشعب في اسرائيل، الا وهي الخطة الاقتصادية الجديدة التي تسعى اليها حكومة شارون. فعن طريق انغماس الناس في التحضير، يستطيعون تمرير هذه السياسة الاقتصادية، الأكثر خطورة من الضربة العسكرية>>.

- والوضع السياسي اليوم؟

مخول: <<إسرائيل شريكة في العدوان الغاشم على الشعب العراقي، وهي حليفة امريكا، عن طريق استقبال وتخزين المعدات الحربية في موانئها. هذا ليس بالضرورة أمرًا عدوانياً، بل هو تحضير لفترة قادمة، وانا أتوقع أن تكون هذه الحرب طويلة جدًا. لدى اسرائيل دور كبير في مثل هذا العدوان. فهي تقوم بممارساتها الاجرامية ضد الشعب الفلسطيني وعن طريق خلق الازمات في الحدود الشمالية، في الوقت الذي ينشغل العالم بالحرب على العراق. ومن هنا أتوجه الى الجماهير العربية في البلاد من أجل الوقوف ضد هذه المخططات والممارسات، وأن نعبر عن احتجاجنا ضد العدوان على الشعب العراقي وعلى شعوب المنطقة أجمع، وأن نشارك في المظاهرات والاحتجاجات ضد هذه الحرب الامبريالية علينا جميعًا>>.

* خطيب: <<نرفض العدوان.. ونرقب المجهول>>

رئيس <<لجنة المتابعة العليا>> للعرب في اسرائيل، شوقي خطيب، أكد من جهته لـ "المشهد الاسرائيلي"، في هذا الصدد: <<نحن في لجنة المتابعة للجماهير العربية، نعلن موقفنا ضد هذا الهجوم على أرض وشعب العراق، وضد العنجهية والتطرف الامريكيين. أما بالنسبة لتوقعي اذا كانت هناك ضربة محتملة أم لا، فأنا لا أعتقد أنه ستكون ضربة عسكرية موجهة ضد اسرائيل، ولكن الشعب الاسرائيلي عامة، والمواطنين العرب، لديهم المشاعر التي تقودهم في نهاية المطاف الى خوف متوقع، او الى رعب معين، فهذا امر شرعي. فالوضعية السياسية القائمة تفرض مثل هذا الشعور. وكل التحليلات السياسية تبين احتمالا لا يتعدى الواحد بالمئة، وهذا احتمال منخفض>>.

- كيف سارت الامور، من ناحية توزيع الكمامات؟

خطيب: <<كان هناك توزيع في الوسط العربي، وقامت الاغلبية الساحقة من المواطنين العرب بتبديل الكمامات. ولكن كان هناك تقصير من جانب السلطات في بعض البلدات العربية، فلم تكن هناك محطات كافية للتبديل>>.

تحدثنا مع مكتب الناطق بإسم <<قيادة الجبهة الداخلية>> الاسرائيلية، للحصول على تعقيب على هذه التصريحات التي اتهمتهم بإهمال الوسط العربي، فجاء الرد: <<نحن لا نتعامل مع الامور كما تتعاملون أنتم معها. نحن نعمل على التغطية الكاملة للشعب بإكمله، من دون الأخذ بعين الاعتبار الانتماءات القومية. المواد الموزعة للوسط اليهودي هي نفسها التي توزع في الوسط العربي، ونحن نتعامل مع الدولة كدولة دون اي نوع من هذه الاتهامات. كما أن المناطق مقسمة على أساس متساو لجميع المواطنين في دولة اسرائيل، وليس بحسب أوساط مختلفة>>.

الصوت القادم الي عبر سماعة الهاتف من <<قيادة الجبهة الداخلية>> امتنع عن الادلاء بتصريحات أخرى، نظرا لانشغالهم في حالة الطوارىء المعلنة - على حد تعبيرهم.

القوات الامريكية على سواحل بحر العرب، تنتظر الاشارة من أجل شن الهجوم على الشعب العراقي. حتى هذه اللحظة لا يمكن لأحد أن يتوقع تأجيل الضربة الامريكية. فكل المنطقة بحالة توتر. يبقى السؤال ماذا عن ضربة عراقية محتملة على اسرائيل؟ كيف ستقف البلدات العربية وتستوعب هذه الضربة من ناحية عملية ومن ناحية سياسية؟ الوضع صعب جدًا على حد قول المسؤولين، فالبلدات العربية تفتقر الى الحد الادنى من الحماية، وهناك الكثيرون ممن يشككون في نزاهة تعامل السلطات الرسمية مع المواطنين العرب في هذه الدولة.

هل فعلا كل المواطنين في هذه الدولة متساوون من دون تفرقة، كما قالوا؟. واذا كانت الاجابة أيجابية، فلماذا تفتقر البلدات العربية للتقنيات التي تحميها؟..

اسئلة ربما تظل مفتوحة الى ما بعد .. الحرب القادمة ايضاً، في منطقة لا تشبع من الحروب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات