تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

بالرغم من أن انتخاب آفي غباي رئيساً لحزب العمل الإسرائيلي، يوم الاثنين – 10.7.2017، لم يكن مفاجأة كبيرة، وكان بقدر ما متوقعا، فإن أوساط الوسط – اليسار السياسي بدت سعيدة بفوز غباي، وذلك، بالأساس، لكونه دب الأمل في هذه الأوساط، وإن كان ذلك بشكل آني وحسب، بأن حكم رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قد ينتهي في الانتخابات العامة المقبلة.

غير أن هذا "الأمل" يبدو أنه ما يزال بعيدا عن الواقع، خاصة وأن استطلاعات رأي، جرى نشرها غداة انتخاب غباي، دلّت على أن كتلة أحزاب اليمين لا تزال تتفوق على كتلة أحزاب الوسط- اليسار المؤلفة من حزب العمل، الشريك الأساسي في كتلة "المعسكر الصهيوني"، وحزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) وحزب ميرتس.

ووفقا لاستطلاع القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، فإن حزب الليكود بزعامة نتنياهو سيتراجع من 30 مقعدا في الكنيست الحاليّ إلى 25 مقعدا فيما لو جرت الانتخابات الآن، وسيتراجع "المعسكر الصهيوني" من 24 مقعدا إلى 20 مقعدا (لكن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن هذه الكتلة كانت تحصل على أكثر بقليل من عشرة مقاعد تحت قيادة إسحاق هيرتسوغ). وفي هذا الاستطلاع تجاوز "المعسكر الصهيوني" لأول مرة حزب "يش عتيد" الذي حصل على 18 مقعدا، علما أنه ممثل في الكنيست اليوم بـ11 مقعدا.

وبحسب استطلاع نشرته القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، فإن حزب الليكود سيحصل على 29 مقعدا، و"المعسكر الصهيوني" على 24 مقعدا، و"يش عتيد" على 16 مقعدا.

ومع ذلك أظهر الاستطلاعان أن كتلة أحزاب اليمين، التي تشكل الحكومة الحالية، ستفوز بما بين 64 و68 مقعدا في الكنيست.

بالإضافة إلى ذلك، رأى 34% من المشاركين في استطلاع القناة الثانية أن نتنياهو هو الأنسب لتولي منصب رئيس الحكومة، بينما قال 13% فقط إن غباي هو الأنسب لتولي هذا المنصب، واعتبر 12% أن رئيس حزب "يش عتيد"، يائير لبيد، هو الأنسب لهذا المنصب.

من هو آفي غباي؟

ولد آفي غباي لعائلة يهودية من أصول مغربية يوم 22 شباط 1967، في حي البقعة في القدس، وهو السابع بين ثمانية أشقاء.
وتسرح من الجيش الإسرائيلي برتبة رائد من وحدة التصنت 8200.
في العام 1991 حصل على شهادة البكالوريوس في موضوع الاقتصاد من الجامعة العبرية في القدس، وبعد ذلك حصل على الماجستير في موضوع إدارة الأعمال.

عمل كمركز الطاقم الإعلامي في شعبة الميزانيات في وزارة المالية الإسرائيلية.

في العام 1998 انتقل للعمل في شركة الاتصالات العملاقة "بيزك"، كمساعد لمدير عام الشركة، ثم تم تعيينه نائبا لمدير عام "بيزك" لشؤون الموارد البشرية، وبعد ذلك مديرا عاما لـ"بيزك الدولية"، وفي العام 2007 جرى تعيينه مديرا عاما للشركة، وبقي في هذا المنصب حتى العام 2013.

‎في العام 2014 ترأس لجنة تقصي حقائق حكومية حول انهيار خدمات مستشفى "هداسا" في القدس.

وفي العام نفسه انضم إلى حزب "كولانو" (كلنا)، الذي أسسه وتزعمه وزير المالية الحالي، موشيه كحلون، لكن غباي لم يحصل على مكان في قائمة مرشحي الحزب لانتخابات الكنيست.
بعد انتخابات العام 2015 تم تعيين غباي وزيرا لحماية البيئة. ‎
‎استقال من حكومة نتنياهو في منتصف العام 2016 على خلفية معارضته لخطة الغاز وتعيين أفيغدور ليبرمان وزيرا للدفاع مكان موشيه يعلون.

بعد ذلك انضم غباي إلى حزب العمل، وفي الجولة الثانية للانتخابات الداخلية في هذا الحزب، في 10 تموز الحالي، تغلب على عضو الكنيست عمير بيرتس وفاز برئاسة حزب العمل. ‎
وأشارت تقارير متطابقة إلى وجود علاقة وثيقة بينه وبين رئيس الحزب السابق إيهود باراك الذي تولى في الماضي منصبي رئيس الحكومة ووزير الدفاع.

‎أبرز مواقف غباي السياسية

خلال محادثة هاتفية بادر إليها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لتهنئة غباي بالفوز برئاسة العمل، قال الأخير، بحسب بيان صادر عن حزب العمل، إن على الرئيس الفلسطيني لقاء نتنياهو وجها لوجه، والبحث في الشؤون اليومية المشتركة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في سبيل بناء ثقة متبادلة.

وكرر غباي خلال المحادثة الادعاء الإسرائيلي الممجوج بقوله إن أحد المواضيع التي بالإمكان بحثها هو "إخراج كتب التدريس التي تحتوي على مضامين تحريضية من جهاز التربية والتعليم الفلسطيني ومواضيع أخرى، والتقدم مع مرور الوقت إلى محادثات حول قضايا الحل الدائم"، معتبرا أن "السلام لا يُصنع بلقاءات دولية أو بمؤتمرات إقليمية، وإنما يبدأ بخلق ثقة وتقارب شخصي بين الجانبين".

وبرغم ذلك، يؤكد محللون سياسيون إسرائيليون أن مواقف غباي السياسية غير معروفة للجمهور العريض، لأنه لم يعبر عنها بشكل واضح، خاصة وأنه لم ينتخب للكنيست وتولى منصب وزير لمدة عام واحد فقط.

لكن غباي صرح، خلال مناظرة بينه وبين بيرتس عشية الانتخابات الداخلية في حزب العمل، أنه "لن يدخل إلى حكومة نتنياهو بأي حال من الأحوال. وحزب العمل برئاستي سيكون البديل". وتابع "تذكروا أنني غادرت حكومة نتنياهو. وأنا أعرف من هو نتنياهو. وأعرف ما الذي يوجهه وإلى أين يقود الأمور".

وخلال المناظرة، قال غباي حول حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، إن "الحل الإقليمي الأساسي واضح لمعظم الإسرائيليين: دولتان لشعبين، من خلال الاحتفاظ بالقدس والكتل الاستيطانية الكبرى تحت السيادة الإسرائيلية، وتبادل أراض، وإنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح في مناطقهم في الضفة الغربية وغزة".

وأضاف فيما يتعلق بالمستوطنات، أنه يجب "سد كافة قنوات التمويل غير الشفافة من أجل تمرير ميزانيات إلى يهودا والسامرة" (الضفة الغربية).

وحول إمكانية التعاون مع القائمة المشتركة، قال غباي "سيسرني جدا أن نصل إلى وضع يكون فيه المجتمع العربي جزءا من الحكم في إسرائيل. لكن مع القائمة المشتركة كما هي ومع مركباتها الإسلامية وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، لا يمكن تشكيل حكومة".

ورفض غباي إمكانية التفاوض مع حماس، وقال إنها "حركة تريد القضاء علينا. وبالإمكان إجراء مفاوضات معها على أمر واحد، هو تبادل أسرى".

تحديات ماثلة أمام غباي

من المتوقع أن يواجه غباي عدة تحديات، خاصة داخل حزبه. ويرى مقربون منه أن التحدي الأكبر هو توحيد القوى المتخاصمة داخل حزب العمل تحت زعامته، وإعادة الحزب إلى موقع الحزب الأكبر والأكثر تأثيرا في صفوف المعارضة، بدلا من حزب "يش عتيد".

وقال أحد داعمي غباي داخل العمل لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن غباي "سيدرك سريعا أن حزب العمل مشروع صعب ومعقد، وهو لا يدرك ما الذي ينتظره. ومواجهة السياسة الحزبية الداخلية ستكون صعبة، وفي موازاة ذلك سيضطر إلى الصمود في امتحان الشعبية في الاستطلاعات".

وأضاف أن "في انتظار غباي عقبات صعبة جدا. من جهة، سيضطر إلى الامتناع عن خوض حرب عالمية مع أعداء داخل الحزب، ومن الجهة الثانية سيضطر إلى الحفاظ على قاعدة قوته، أي معسكر عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش، في الحزب".

ونصح آخرون غباي بعدم مغازلة ناخبي اليمين، مثلما يفعل لبيد، من أجل كسب أصوات.

وكتب عضو الكنيست والوزير السابق من حزب العمل، عوزي برعام، في صحيفة "هآرتس"، أنه لم يدعم غباي في الانتخابات الداخلية. وأضاف أنه "يوجد توجه انتشر مؤخرا، يرى في يائير لبيد البديل لحكم نتنياهو، كونه وسطيا، ويكاد لا يلتزم بشيء، ويحاذر ألا يثير غضب الإجماع".

وأضاف برعام أنه على الرغم من لجم هذا التوجه مؤخرا، إلا أنه "تغلغل لدى قسم من ناخبي حزب العمل، الذين يتقربون من لبيد. وتوجد لدى غباي القدرة على تعزيز عملية لجم توجه لبيد، وزيادة الإدراك بأن هذا الأخير لا يشكل بديلا حقيقيا... وعليه أن يوجه رسائل قصيرة وواضحة وحادة إلى الجمهور، يستعرض فيها حزب العمل كبديل أخلاقي حقيقي بإمكانه الوقوف في وجه الليكود، خلافا للبيد".

وتابع برعام أن على غباي أن "يكون وطنيا يندد بأولئك ’الوطنيين’ الذين يبيعون الدولة إلى الحريديم والمتدينين، ويمسون بالقيم الديمقراطية والاجتماعية، ويدافعون عن الفساد ويهتمون بترسيخ الطريق السياسي والأمني المسدود".
يأس من قيادة حزب العمل

لم ينجح حزب العمل منذ نهاية ولاية ايهود باراك في رئاسة الحكومة في العام 2001، في العودة إلى سدّة الحكم، وتراجعت شعبيته بشكل كبير بالأساس لصالح أحزاب جديدة ظهرت على الساحة السياسية واستمالت ناخبي الحزب، بينها حزبا "كديما" و"يش عتيد". وخلال هذه الفترة تولى عدد كبير نسبيا رئاسة العمل.

واعتبر محلل الشؤون الحزبية في "هآرتس"، يوسي فيرتر، أن "انتخاب غباي يعبر عن إحباط أعضاء العمل من تحول حزبهم إلى حزب منصاع ومحل سخرية. وقادهم يأسهم إلى اختيار أقل الخيارات معقولية، والشخص الأقل قبولا والأكثر جرأة. لم يحدث أبدا في هذا الحزب أن فاز شخص مجهول نسبيا، وانضم إلى صفوفه قبل عدة شهور، في جولتي انتخاب عدد من المرشحين القياديين فيه".

وأضاف فيرتر أن "فوز غباي بات ممكنا بسبب الحضيض، من حيث قدرة الحزب الانتخابية والجماهيرية وصورته المتدهورة. وكان بحاجة إلى ضربة كهربائية، وهذا ما حصل عليه. ويبدو أن المعارضة الجارف للقيادة القديمة له وتأييد خصمه عمير بيرتس، أديا إلى ردة فعل عكسية من جانب الناخبين".

وعبر فيرتر، مثل غيره من المحللين، عن تفاؤله بفوز غباي. وأضاف "حزب العمل بقيادته سيكون معارضة أكثر قوة وأشدّ عنادا. ولم يُعتبر هيرتسوغ أبدا معارضا حقيقيا بسبب الجولات غير النهائية للاتصالات من أجل تشكيل حكومة وحدة مع نتنياهو. ويبدو أن غباي ليس في هذا الاتجاه. فهو سيركز بالأساس على المجال الاجتماعي – الاقتصادي. أما في المواضيع الأمنية، فليس لديه ما يقول وما سيقوله لن يعتبر جديا".

كذلك كتب كبير المعلقين في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أن غباي "حقق فوزا كبيرا بكافة المقاييس. وهو غير مألوف في تاريخ السياسة الحزبية الإسرائيلية، التي عرفت انتصارات سياسيين جدد ولكنها لم تشهد انتصارا كهذا. وغباي غير مألوف من ناحيتين: الأولى أن اسمه لم يكن معروفا لمعظم الجمهور حتى قبل أشهر معدودة، والثانية أنه فاز في انتخابات في حزب قديم وممأسس".

وشبّه برنياع غباي بالرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون. وأشار إلى أن "الاشمئزاز ذاته من المؤسسة السياسية، ومن السياسيين القدامى الذين يسيطرون عليها، والتعطش ذاته للتجديد، ولشخص منهك أقل، وكذلك المعرفة القليلة رفعت آفي غباي إلى رئاسة العمل".

واعتبر برنياع أن "غباي هو ماكرون الجديد. ويدل انتخابه على مزاج الناخبين لا أقل مما يدل عليه. ولا يتعين على نتنياهو أن يخشى من غباي، وإنما من اشمئزاز أجزاء آخذة بالاتساع بين الجمهور من الوضع الراهن... وأثبتت نتائج الانتخابات وجود فجوة كبيرة جدا بين المنتخبين والناخبين".

وتابع أن "على غباي أن يقرر الجهات التي سيبني جسورا معها خارج حزبه، وهل سيغازل الحريديم، أم أنه سيقترب من (رئيس "البيت اليهودي" نفتالي) بينيت، وهل سيوطد أم سيقطع العلاقة مع (تسيبي) ليفني. ولأنه ليس عضو كنيست، سيضطر إلى بناء مكانته في العالم، لدى حكومات أجنبية".

وخلص برنياع إلى أنه "ربما ثمة علاقة معينة بين الحسم في حزب العمل وبين التقدم في تحقيق الشرطة في قضية الغواصات (التي يشتبه فيها مقربون من نتنياهو بالتورط في مخالفات فساد خطرة). ومن شأن هذين الحدثين التأثير على موعد الانتخابات. كما أن اتخاذ قرار بتقديم لائحة اتهام سيدفع نتنياهو إلى تقديم الانتخابات. وفي جميع الأحوال، تتصرف المؤسسة السياسية وكأن الانتخابات على الأبواب".

الهوية الشرقية لغباي

شدّد عالم الاجتماع الإسرائيلي، ليف غرينبرغ، في مقال نشره في موقع "اللسعة" الإلكتروني، على أن المنافسة بين غباي وبيرتس لم تكن بين "الجدد" والمؤسسة الحزبية القديمة، وإنما "بين مجموعتين شرقيتين مختلفتين" داخل العمل، مشيرا إلى أن الاثنين هما من أصول مغربية.

وأضاف غرينبرغ أن هاتين المجموعتين الشرقيتين "مختلفتان طبقيا ومن حيث مسار تقدمهما. والخلفية المختلفة تنتج مفاهيم ومواقف والتزامات مختلفة، يتم التعبير عنها بمواقف ’اشتراكية ديمقراطية’ أكثر ليونة من جانب غباي، قياسا ببيرتس".

وتابع غرينبرغ أنه لا يُتوقع حدوث انشقاق في حزب العمل بسبب فوز مرشح من أصول مغربية برئاسة الحزب، "مثلما حدث بعد فوز بيرتس على (شمعون) بيريس في العام 2005. لكن الاستعداد للسير خلف رئيس مغربي ليس كافيا... وإذا بدأ هذان القياديان (غباي وبيرتس) بالتعاون من أجل إحداث انقلاب في حزب العمل والدولة، فإن هذا سيكون التجديد الحاصل، لأن التمييز، حتى الآن، ضد الشرقيين من خلال التهديد بنهوض ’المارد الطائفي’ جرى التعبير عنه من خلال نفي أية إمكانية لأن يعمل شرقيان معا. وإذا تعاونا معا ضد نتنياهو، فإن مهاجمة هويتهما الشرقية قد تكون مضاعفة، لكنها ستُحدث، بحد ذاتها، ديناميكية لمناقشة الموضوع".