المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قد يرى البعض في مسارات المواجهة التي يخوضها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيال تواتر التحقيقات الجنائية التي تجريها الشرطة معه بشأن سيل من شبهات الفساد، مع ملاحظة أنه يجيّر المزيد من الأدوات فيها يوماً بعد يوم (اقرأ عن آخر هذه المسارات في خبر منفرد على هذه الصفحة)، دليل ضعف ناجم عن انحشار في عنق الزجاجة، أو بمثابة مؤشر إلى "بداية نهايته من ناحية جماهيرية"، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق المُقال موشيه يعلون.

وقد يرى بعض ثان أنها من علائم فائض القوة لدى نتنياهو بشكل خاص ولدى اليمين الإسرائيلي بشكل عام، لا سيما وأن هذا الأخير لا ينفك يحكم إسرائيل منذ أربعة عقود ولا تلوح في الأفق المنظور أي مؤشرات إلى إمكان نزوله من سدّته.

وسواء كان الحقّ مع البعض الأول أو الثاني، فإن بقاء نتنياهو أو انصرافه ليس المسألة الأهم لدى التعاطي مع خصائص الوضع الإسرائيلي القائم هنا والآن، وإحالاته بالنسبة للصراع مع دولة الاحتلال. ويظل الأهم كامناً في التغيرات التي تخضع لها هذه الدولة ونظامها السياسي في ظل هيمنة اليمين، وكيف يجري إقرار جوهر سياستها الخارجية عالمياً وإقليمياً، بتأثير هذه التغيرات من جهة، وارتباطاً بالتحولات الطارئة في العالم والإقليم من جهة أخرى مكملة وموازية.

وهذا بالضبط هو ما يتطرّق إليه مقال إسرائيلي جديد بقلم أحد بطانة نتنياهو (طالع ص 6)، لدى قيامه بسلسلة إنجازات السياسة الخارجية الإسرائيلية تحت قيادته، والتي تمتاز بموجب قراءته "بالنمو والازدهار السياسيين غير المسبوقين في تاريخ دولة إسرائيل"، مشيراً على سبيل المثال إلى أنه "خلال خمسة عشر شهراً، أجرى نتنياهو خمسة لقاءات سياسية تاريخية، في دول لم يزرها أي رئيس حكومة إسرائيلية من قبل".

وعلى صلة بالوضع الإسرائيلي القائم، تطالعون في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" عرضاً مفصلاً لدراسة جديدة تحت العنوان "المقاطعة الآخذة في التبدد: علاقات إسرائيل مع اليمين المتطرف في أوروبا"، صدرت أخيراً عن "مسارات ـ المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية" (ص 5). وبرأي كاتب الدراسة، فإن هذه العلاقات تتمحور حول صيغة مركزية قوامها مساهمة أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية وزعمائها في "تبييض الاحتلال والمستوطنات"، في مقابل إسباغ إسرائيل الشرعية على عنصرية هذه الأحزاب وممارساتها القومجية المتعصبة.

لعلّ القاسم المُشترك الذي يجمع بين الوقائع الواردة في المقال وتلك التي في الدراسة، هو إشارة كليهما إلى النجاح النسبي للسياسة التي يتبعها اليمين في إسرائيل تحت قيادة نتنياهو في قطف ثمار التحولات العالمية والإقليمية لصالح تأييد الاستمرار في التنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك لا يجوز الاستهانة بأن ما يدجّج هذا النجاح، الذي وصفناه بأنه نسبيّ، عاملان غير متعلقين فقط بأداء اليمين الإسرائيلي وزعيمه، هما:

الأول، التطورات الإقليمية وخاصة ما يتعلق منها بتغيير أولويات ما تسميه الأدبيات الإسرائيلية "الكتلة السنيّة". فقد صرح نتنياهو، أخيراً، بأن ما يحدث مع هذه الكتلة فعلياً الآن "لم يحدث في تاريخنا قط، ولا حتى عند التوقيع على اتفاقيات معها". ويؤكد كاتب المقال من بطانة رئيس الحكومة أن هذا التصريح لولي أمره لا يصدر في فراغ؛ فحلقات التعاون بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى، لم تكن بمثل هذا المستوى من القوة والثبات من قبل. وهو تعاون يجري على أساس المصالح المشتركة لكل من إسرائيل ومصر والأردن. كما أن التخوف من السيطرة الإيرانية في سورية ومن خرق الاتفاق النووي، إلى جانب مواصلة تطوير وإنتاج الصواريخ البالستية العابرة للقارات في إيران، دفعا نحو تقارب غير مسبوق بين إسرائيل والسعودية، ولو من وراء الكواليس على الأقل. وضمن ذلك نُشرت أنباء أفادت بأن وفداً عسكرياً رفيع المستوى من السعودية وصل إلى إسرائيل في زيارة سرية. بل نُشر الشهر الفائت (أيلول) أن أميراً من القصر الملكي السعودي زار إسرائيل. ومثل هذه الزيارات واللقاءات جرت أيضاً بين مسؤولين إسرائيليين كبار وبين نظرائهم من البحرين والكويت وعُمان وقطر. ويوم 17 أيلول الماضي، نُشر أن حاخامين اثنين من المسؤولين في "مركز شمعون فيزنطال" زارا دولة البحرين في بداية العام الحالي، واستمعا إلى ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وهو يدعو إلى إلغاء المقاطعة العربية لإسرائيل ويُعلن عن السماح لمواطني دولته بزيارة إسرائيل.

العامل الثاني، الحالة السياسية القائمة في إسرائيل منذ فترة طويلة والتي تشي ليس فقط بعدم وجود خطاب سياسي مناقض لخطاب اليمين حيال القضية الفلسطينية بل أيضاً بعدم وجود معارضة حقيقية منافسة لهذا اليمين. وتقدّم التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس حزب العمل وتحالف "المعسكر الصهيوني" آفي غباي (اقرأ عنها في هذه الصفحة) الدليل الأوضح على ما نقصد.

قبل عدة أشهر من تصريحات غباي هذه، رأى المؤرخ الإسرائيلي يغئال عيلام أن معظم المقاربات التي تقدم تفسيرات لمسألة صعود اليمين في إسرائيل ومواصلته الحكم على مدى عشرات الأعوام لا تمسّ الجذور الحقيقية لهذه المسألة. وكتب أنه ليس استعلاء النخب ولا تجاهل الثقافة الشرقية هما اللذان أديا الى أفول ما يُسمى "اليسار"، ولا حتى التمييز والغبن على أساس اجتماعي. وحان الوقت للاعتراف بحقيقة أن "هذا الشعب كان يمينياً في أساسه. ومنذ البداية كان يتبنى فكراً يقول إنه شعب مختار، وحيد وفريد، لا تنطبق عليه القواعد الإنسانية العامة. وفقط في الأزمنة الصعبة عندما كان أقلية تمسك بالفكر اليساري الكوني في جوهره، كي ينال الدعم في العالم المتنور ويضمن بقاءه". وبرأيه فإن الدعوات التي توجه اليوم إلى "معسكر اليسار" لبذل كل جهد من أجل استعادة الحكم، مثيرة للشفقة. فما المعنى من تغيير القيادة الحالية إذا كانت مناسبة لهذا الشعب في هذا الزمن بتطابق تام؟ وما المعنى إذا كان "اليسار" لهذا الغرض مطالباً بأن يتخفى في هيئة اليمين وبأن يتبنى سياسة حكومة اليمين القائمة؟ فاليمين يفعل هذا بطريق مباشر وطبيعي، ولن ينجح "اليسار" أبداً في أن يمثل تلك السياسة بصدقية أفضل من اليمين الحاكم.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات