المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير لمحللها العسكري أليكس فيشمان أمس الاثنين، أن أوساطا سياسية وأمنية إسرائيلية رفيعة المستوى أبدت قلقها من تعزز الحلف بين روسيا وإيران وتركيا، ولا سيما في أعقاب الموقف الروسي الداعم لبقاء قوات إيرانية في سورية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه هذا الأسبوع اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث في أنطاليا التركية، وخلال الأيام القادمة سيجتمع رؤساء أركانها، وفى نهاية الشهر سيعقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة في سوتشي الروسية ستبحث مستقبل سورية والقضايا الحارقة في الشرق الأوسط.

وقال فيشمان إن الوتيرة التي تعقد بها هذه الاجتماعات غير مسبوقة، وهدفها هو على ما يبدو تقديم رد على التحركات السعودية ضد إيران وحزب الله بدعم من الأميركيين وإسرائيل، وتسهيل الإسراع في إبرام اتفاق بين الدول الثلاث بشأن صورة سورية في اليوم التالي لاتفاق الوضع النهائي.

وأشار إلى أن إسرائيل تخشى من أن يؤدي تعزيز هذا الحلف والمحور إلى تقوية وجود إيران في سورية خصوصا في ضوء الاتفاق الروسي- الأميركي الأخير حول القضية السورية.

من ناحية أخرى أكدت آخر التحليلات الإسرائيلية الأمنية أن الجهد النفسي الذي تبذله إسرائيل لإقناع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بالامتناع عن الانتقام من عملية تفجير النفق في منطقة الحدود مع قطاع غزة قبل عدة أسابيع، هو جهد كبير.

وأضافت أن سخاء الجيش الإسرائيلي غير المعهود في إعطاء تفاصيل عن تدابير التأهب، بما في ذلك نشر منظومة "القبة الحديدية" في منطقتي الجنوب والوسط، يشكل جزءاً من هذا الجهد الدعائي، وأشارت إلى أن الرسالة من وراء ذلك هي "لا تعبثوا معنا، نحن على أهبة الاستعداد". لكن في الوقت ذاته شدّدت على أنه حتى في هذه الجبهة ليس في إمكان أحد أن يؤكد أن الانتقام لن يأتي، وتوقعت أن يأتي في أعقابه التصعيد في مواجهة غزة.

وبرز بين هذه التحليلات التحليل الذي كتبه المعلق العسكري عمير رابابورت المقرب من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أول من أمس الأحد وظهر في موقع "إنرجي".

وقال فيه: منذ وقت طويل لم نسمع هذا الكم من التصريحات التهديدية بما يشبه المعركة الكلامية التي خاضتها إسرائيل في الأسبوع الماضي ضد تمركز إيران في أراضي سورية، وفي مواجهة احتمالات انتقام حركة الجهاد الإسلامي لمقتل عناصرها في تفجير النفق بالقرب من مستوطنة كيسوفيم. ولقد كانت التصريحات التي صدرت عن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان خلال زيارته للحدود الشمالية يوم الأربعاء غير مسبوقة في حدتها حتى بمقاييس ليبرمان حين قال: "الجيش الإسرائيلي مستعد ومهيأ لأي سيناريو. ونحن نحتفظ بحرية تحرك مطلقة. لن نسمح بتمركز إيراني في سورية، ولن نسمح بتحويل سورية إلى قاعدة متقدمة ضد دولة إسرائيل. ومن لم يفهم ذلك، يجدر به أن يفهمه".

وبرأيه، تكشف هذه الزيارة إلى الشمال برفقة رئيس الأركان اللواء غادي أيزنكوت وسائر كبار المسؤولين العسكريين حقيقة أن هذه الجبهة تشكل أكبر تحد بالنسبة إلى إسرائيل. فالأحداث الداخلية الغريبة في لبنان، بما فيها مغادرة رئيس الحكومة سعد الحريري، صرفت أنظار حزب الله عن حساب العدو الإسرائيلي، لكن التحركات الإيرانية التي تشمل إقامة قاعدة دائمة على أراضي سورية هي ذات أهمية كبيرة: تسعى إيران إلى رفع مستوى تهديدها حيال إسرائيل قبل احتمال تعرض منشآتها النووية للهجوم، لذا يشكل وجودها الرسمي على أراضي سورية خطراً لا مثيل له.

وأضاف: إن التخوف الأكبر هو من أن تنقل إيران إلى سورية في المستقبل بطاريات دفاع جوي أكثر تطوراً، وصواريخ بر وبحر متطورة تمس بحرية الملاحة والطيران. ويمكن أن يشكل هذا بداية فقط لحرب صاروخية ضخمة.

وأشار المعلق إلى أنه من وراء كواليس التصريحات أمام الميكروفونات، تجري اتصالات سياسية دولية بهدف منع التمركز الإيراني في سورية. وقد وظفت إسرائيل جهوداً كبيرة في واشنطن للتحذير من هذا الخطر الذي لا يتهددها فقط، بل يهدد الأردن أيضاً، الجارة الثالثة في مثلث الحدود، لكن الأميركيين ليسوا معنيين بسورية حقاً. وإن الذي يسيطر على سورية بعد انتصار الأسد في الحرب الأهلية هو روسيا. ويقول الروس لكل طرف من الأطراف بمن فيهم إسرائيل، ما يرغب في سماعه، لكنهم يفعلون ما هو الأفضل بالنسبة إلى روسيا. في هذه المرحلة، تلتقي المصلحة الروسية بصورة غير سيئة مع المصلحة الإيرانية. لهذا قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الأسبوع إن الوجود الإيراني في سورية شرعي، وذلك بعد أسبوعين من الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الروسي لإسرائيل حيث أظهر كثيراً من الود وقليلاً من الخطوات العملية ضد التمدد الإيراني.

ومضى رابابورت قائلاً: هل التصعيد في الشمال يمكن أن يتحول من كلام إلى صواريخ؟ على الرغم من تهديدات جميع اللاعبين، وحتى إيران تفهم ما هي الحرب النفسية، ليس لأي طرف من الأطراف مصلحة حقيقية في الانجرار إلى حرب، وبالتأكيد ليس إسرائيل. بيد أن المشكلة هي أن للتصعيد دينامية خاصة به، ويمكن أن تنشب حروب أيضاً من جراء سوء فهم للعدو (أنظر عملية الجرف الصامد في العام 2014)، لذا فإن الوضع حساس للغاية.

هذا الأسبوع بدت الخطوات في الساحة الأخرى، في مواجهة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية التي يأتي تمويلها وتعليماتها من طهران، أيضاً كأنها حرب نفسية حقيقية. بداية هذه المعركة كانت من خلال الظهور الدراماتيكي لمنسق الأنشطة في المناطق اللواء يوآف مردخاي، أمام الكاميرات مساء يوم السبت. قال مردخاي بلغة عربية سليمة يدرسونها في وحدات الاستخبارات في الجيش: "إن حركة الجهاد الإسلامي تلعب بالنار على ظهر سكان قطاع غزة، وعلى حساب المصالحة الفلسطينية، والمنطقة كلها". ويوجد في الجيش الإسرائيلي وحدات تهتم بالحرب النفسية، ويمكن تقدير أن ذلك جزء لا يتجزأ من المجهود الرامي إلى منع هجوم انتقامي تشنه حركة الجهاد بعد مقتل 12 من عناصرها في تفجير النفق الشهر الماضي.

وختم: تتعرض حركة الجهاد الإسلامي إلى ضغط شعبي غزاوي للرد، ومن جهة أخرى إلى ضغط من "حماس" ومن مصر لكبح النار من أجل عدم تعريض المصالحة الفلسطينية الهشة للخطر. وثمة تخوف حقيقي في إسرائيل من حدوث هجوم كبير أو إطلاق صواريخ، ولهذا جرى اتخاذ خطوات عملية لإحباط هذه الاحتمالات مثل اعتقال قائد الجهاد الإسلامي في يهودا الضفة الغربية طارق قعدان يوم الاثنين الماضي، ونشر بطاريات القبة الحديدية في وسط البلد. وإن الجهد النفسي "لإقناع" حركة الجهاد الإسلامي بالامتناع عن الانتقام كبير. وسخاء الجيش الإسرائيلي، غير المعهود، في إعطاء تفاصيل عن تدابير التأهب، بما في ذلك نشر "القبة الحديدية"، يشكل جزءاً من هذا الجهد الدعائي. والرسالة هي "لا تعبثوا معنا، نحن على أهبة الاستعداد". لكن حتى في هذه الجبهة ليس في إمكان أحد أن يؤكد أن الانتقام لن يأتي، وفي أعقابه يأتي التصعيد في مواجهة غزة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات