المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال تقرير جديد للخبير الاقتصادي في وزارة المالية الإسرائيلية إن كل برامج الحكومة لتحفيز جمهور الحريديم (اليهود المتشددين دينياً) على الانخراط في سوق العمل لم تحقق النتائج المتوخاة، وهذا ما سيستدعي الحكومة لأن تعيد جدولة أهدافها من حيث النسب المئوية. وقد تبين أن نسبة انخراط الحريديم في سوق العمل لم تتعد 51%، مقابل حوالي 88% لدى الجمهور العام. كما تبين أن أدنى نسب الانخراط هي لدى الجمهور الأشكنازي (الغربيين)، الذين هم أكثر تزمتا دينيا من الحريديم السفاراديم الشرقيين، إلا أنه في الحالتين تبقى النسبة منخفضة.

وقال التقرير إن نسبة انخراط رجال الحريديم في سوق العمل، ممن هم في جيل العمل الفعلي، بلغت هذا العام 51%، مقابل حوالي 54% قبل عامين. ورغم ذلك تبقى النسبة أعلى مما كانت عليه في العام 2000، في حدود 40%. وكانت الحكومة قد وضعت في العام 2012 هدفا لأن تكون النسبة في العام 2020 في حدود 63%، وهذا ما بات يبدو صعب المنال كليا. ويقول تقرير الخبير الاقتصادي إن هذه النسبة من الممكن أن تتحقق في العام 2030، شرط أن تكون هناك محفزات لجمهور الحريديم للخروج إلى سوق العمل.

ورأى التقرير أن نسبة انخراط الرجال في مستوطنة بيتار عيليت 58%، وفي مستوطنة إلعاد 56%، بينما في مستوطنة موديعين عيليت، أكبر مستوطنات الضفة، بلغت 40%، وفي مدينة بني براك المجاورة لتل أبيب 39%. ويستنتج التقرير أن جمهور حزب "شاس" للحريديم الشرقيين أكثر اقبالا من جمهور تحالف "يهدوت هتوراة"، الذي يضم أحزاب وتيارات اليهود الأشكناز.

وقال التقرير إن نسبة انخراط النساء من جمهور الحريديم، تبقى أعلى من الرجال بفارق يتراوح ما بين 5% إلى 10%، بحسب المواقع. كما أظهر استطلاع نشرت نتائجه في التقرير ذاته، أن قرابة 97% من الرجال الحريديم الذين يمتنعون عن الانخراط في سوق العمل، يرفضون العمل في أي ظرف كان، وتهبط النسبة إلى اقل من 90% لدى نساء الحريديم من ذات الشريحة.
ويمتنع رجال المتدينين المتزمتين الحريديم عن الانخراط في سوق العمل العام لأسباب دينية، بعكس نساء الحريديم، اللاتي ينخرطن في سوق العمل بنسب أكبر. وترى المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة أنه مع التزايد الكبير لجمهور الحريديم، بسبب نسبة التكاثر العالية جدا، 8ر3% سنويا، فإنهم يشكلون عبئا اقتصاديا، وأن عدم انخراطهم بالنسب القائمة لدى الجمهور الواسع، بات ينعكس على وتيرة النمو، وهذا تأثير مرشح ليزداد أكثر مستقبلا. ويضاف إلى هذا الحياة التقشفية لدى الحريديم، إذ أنهم ليسوا جمهورا استهلاكيا بالمفاهيم العصرية لاستهلاك الفرد، وهذا ليس نابعا فقط من كونهم شريحة فقيرة.

وكان التقرير السنوي لبنك إسرائيل لهذا العام قد دعا إلى فتح أبواب العمل اكثر أمام جمهوري الحريديم والعرب، إذ أن انخراطهما في سوق العمل أقل من الشرائح الأخرى. كما أن نسبة انخراط هذين الجمهورين في أماكن العمل غير المهنية ذات الرواتب المتدنية هي الأعلى.

ويقول خبراء في وزارة المالية إن التراجع في انخراط الحريديم في سوق العمل، نابع من التغيرات في المحفزات لهم للخروج إلى العمل في العامين الأخيرين. ويقول التقرير "إن نسبة العمل المنخفضة لدى رجال الحريديم نابعة من تفضيل مجتمع الحريديم لأنماط حياة مختلفة، ومنها دراسة التوراة، قبل الانخراط في العمل، فدراسة التوراة بالنسبة لهم أمر قيمي في مجتمع الحريديم، كونه يؤثر على مكانة الفرد في مجتمعه". إلا أن التقرير كما يبدو كان حذرا في اختيار تحليله واستنتاجاته، لأن الحقائق تقول إن جمهور الحريديم استعاد في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية ميزانيات ضخمة، كانت قد قلصتها الحكومة السابقة برئاسة نتنياهو التي استثنت كتلتي الحريديم البرلمانيتين منها، وهذا يعني ارتفاع مخصصات الحريديم الاجتماعية، أو تلك التي يتقاضونها مقابل بقائهم في المعاهد الدينية.

 أعداد الحريديم

 بعد سنين من مسعى ليس واضحا خلفياته لتقليل التقارير الرسمية حول أعداد الحريديم ونسبتهم من الجمهور العام في إسرائيل، ونسبتهم بشكل خاص من اليهود الإسرائيليين، بدأت تقارير تفصح عن احصائيات أكثر واقعية من قبل. فحتى قبل عامين أو ثلاثة كانت التقارير الرسمية تدعي أن نسبة الحريديم من الجمهور العام هي في حدود 9%، وهذا أقل كثيرا من الواقع.

في نهاية الشهر الماضي أيلول، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريرا حول نمط الاستهلاك لدى الحريديم، وقيل فيه إن عددهم اليوم هو في حدود مليون نسمة، وهذا ما يعادل 12% من اجمالي السكان في إسرائيل، من دون القدس المحتلة منذ العام 1967. وهذا يعني أيضا أن نسبتهم باتت اليوم 15% من اجمالي اليهود الإسرائيليين المعترف بيهوديتهم.

لكن في تحليل لتقارير أخرى تكلمت عن أعداد الحريديم مستقبلا، نجد أن نسبة الحريديم باتت حاليا تتجاوز 13% من اجمالي السكان، وأكثر من 16% من اجمالي اليهود الإسرائيليين. فقد قال تقرير طرح في الصيف الماضي على جدول اعمال مجلس الاقتصاد الوطني الإسرائيلي، إن أعداد الحريديم ستزداد حتى العام 2040، بنسبة 77%، وهي نسبة تقل عن توقعات ابحاث أخرى، بينما الجمهور العلماني اليهودي سترتفع أعداده بنسبة 35%، أما العرب فإن نسبة تزايدهم ستكون 56%. وبناء عليه، فإن نسبة الحريديم من اجمالي السكان ستصل إلى 20% في العام 2040، ونسبة 26% من اجمالي اليهود الإسرائيليين، إذ تبلغ نسبة تكاثر الحريديم حوالي 8ر3%، وبعدهم نسبة التيار الديني الصهيوني 8ر2%، أما نسبة تكاثر اليهود العلمانيين فهي في حدود 4ر1%، بينما نسبة تكاثر العرب انهارت في السنوات الأخيرة إلى 4ر2%، بعد أن كانت في سنوات سابقة أكثر من 4ر3%.

بين التجنيد والتعليم

 على مدى السنوات العشرين الأخيرة باتت المؤسسة العسكرية تلمس ارتفاع نسبة الشبان الحريديم من اجمالي الشبان اليهود المفروض عليهم قانون التجنيد الالزامي في جيش الاحتلال، إذ تتراوح نسبة التجاوب بين الشبان الذكور ما بين 68% وحتى 72%، والغالبية الساحقة من الممتنعين عن التجنيد هي شبان الحريديم الذين يرفضون التجند لأسباب دينية، رغم تشددهم اليميني في السنوات الأخيرة.

وقد حظي شبان الحريديم منذ العام 1948 بإعفاء فوري من الخدمة العسكرية، ولكن يومها وعلى مر سنين كانوا يشكلون نسبة هامشية من أفواج التجنيد. ومنذ سنوات التسعين احتدت المطالبات بشمل شبان الحريديم في الخدمة العسكرية، وأقيمت لهذا الغرض عدة لجان حكومية. ولكن الأمر المركزي في هذا المجال تم في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة قصيرة العمر، التي استمر عملها حوالي 21 شهرا، وكانت كتلتا الحريديم خارجها. فقد استغل الائتلاف الوضع القائم لسن قانون يفرض الخدمة العسكرية بشكل تدريجي على شبان الحريديم، إلا أن القانون لم يدخل حيز التنفيذ بالكامل، وقد انهارت الحكومة بسرعة، لتتشكل حكومة بديلة بعد انتخابات 2015، في مركزها كتلتا الحريديم، والشرط الأساس كان الغاء ذلك القانون الذي لم يجف حبره.

ويظهر من تقرير حول فوج التجنيد في الصيف الماضي، أن عدد الشبان الحريديم المجندين حديثا بلغ 2800، وهؤلاء حسب التقديرات يشكلون أقل من 19% من الشبان الذكور الحريديم. ويقول التقرير إن هؤلاء شكلوا 87% من الهدف المرحلي لتجنيد الشبان الحريديم، وقبل عام كانت النسبة 91% بمعنى أن نسبة التجاوب مع التجنيد في تراجع مستمر، خاصة وأن حملة مناهضة الخدمة العسكرية من قيادات الحريديم وجمهورهم تتزايد باستمرار، وشهدت الأشهر الأخيرة عدة مواجهات في القدس بين الشبان الحريديم وعناصر الأمن، بعد أن تمت مهاجمة جنود من الحريديم دخلوا أحياءهم.

وكما قيل من قبل هنا، فإن مسألة التجنيد في الجيش هي "كلمة السر" لمحاولة كسر جدران مجتمع الحريديم المغلق، ليكون أكثر منفتحا على العالم، وبهذا يتم تحفيز الاجيال الشابة للتوجه إلى العلم والعمل، وهذا ما يغير مستقبلا طبيعة مجتمع الحريديم. وهذا ما يعيه جيدا قادة الحريديم، الذين يقاومون هذا المخطط غير المعلن.

وظهرت قبل أسابيع معطيات داعمة للهدف المفترض من مسألة التجنيد، إذ تبين أن 88% من الحريديم الذين تجندوا في الجيش في وحدات قتالية وفاعلة قد انخرطوا في سوق العمل، ونسبة اقل بقليل ممن تجندوا في وحدات خدماتية، وأن هؤلاء يتقاضون رواتب اعلى بكثير من ابناء جيلهم الحريديم. ورغم ذلك فإن هذا لا يقنع شبان الحريديم، كما يظهر من تراجع اقبالهم على الخدمة العسكرية وعلى سوق العمل.

يعودون إلى المعاهد الدينية

 

وينعكس تراجع انخراط الحريديم في سوق العمل في تزايد أعداد طلاب المعاهد الدينية، إذ قال تقرير لوزارة التعليم، صدر في الأشهر الأخيرة، إن أعداد طلاب المعاهد الدينية للحريديم ارتفعت منذ العام 2015 وحتى الآن بنسبة 16%، مقارنة مع ما كان في العام 2014. وحسب التقديرات، فإن عدد طلاب المعاهد بلغ 74 ألفا، مقابل حوالي 63 الف طالب في العام 2014. ونشير إلى أن هؤلاء ليسوا في جيل طلبة المدارس، بل هم من كافة الأعمار. كما أن هذه الأعداد لا تشمل الطواقم الادارية والتعليمية في المعاهد، التي ميزانياتها تبقى منفصلة عن الميزانية المشار اليها، التي يتم صرفها كمخصصات على طلاب المعاهد.

وحسب التوقعات، فإنه مع ارتفاع ميزانيات المعاهد الدينية، بحكم مشاركة كتلتي الحريديم في الكنيست في الائتلاف الحكومي الحالي، فإن أعداد الطلاب ستستمر في الارتفاع، أيضا في العام الدراسي الجاري على الأقل بمعدل نسبة 8%، وهي ضعفا نسبة التكاثر، ما يعني مباشرة إما جمود نسبة الانخراط في سوق العمل أو حتى تراجعها.

وكان تقرير آخر أشار إلى أنه بالرغم من كل المحفزات التي قدمتها الحكومات الأخيرة ومجلس التعليم العالي في السنوات الأخيرة لرفع نسبة الحريديم في معاهد التعليم العالي، إلا أن نسبتهم 2ر4%، وهي ثلث نسبتهم بين الجمهور العام، وهذا يعد ارتفاعا بنسبة 16% عما كان في العام 2009.

وكل هذه المعطيات تقلق المؤسسة الحاكمة بسبب واقع اليوم، لكن لأنها أيضاً ستتزايد مستقبلا طالما استمرت طبيعة حياة الحريديم، من حيث معدل الولادات ونسبة التكاثر ونمط الحياة التقشفية وطبيعة التعليم المدرسي وموقفهم من الانخراط في سوق العمل وفي الجيش.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات