المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حذر التقرير السنوي لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي"، التابع للوكالة اليهودية- الصهيونية، والذي يقف على رأسه المستشار الأميركي دينيس روس، من أن إسرائيل أمام تحديات إقليمية، على الرغم من عدم وجود تهديد من جيوش نظامية في المنطقة لها، وبشكل خاص بسبب تمركز إيران في سورية. وقال التقرير إن على إسرائيل أن تستغل وجود رئيس أميركي داعم ومؤيد لها في البيت الأبيض، من أجل تحقيق انجازات في المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، بشكل يمنعها من الولوج نحو دولة ثنائية القومية، تفقد فيها إسرائيل هويتها "اليهودية الديمقراطية"، بحسب ما أكد.

وفي مجال العملية التفاوضية الفلسطينية- الإسرائيلية، يقول التقرير إن الرئيس دونالد ترامب يكرر تصريحاته حول طموحه لإحلال السلام بين إسرائيل والدول العربية بشكل عام، ومع الجانب الفلسطيني بشكل خاص. وعلى أساس هذا، فإنه يؤجل تنفيذ وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، كي لا يمس باحتمالات دفع المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية. ويضيف أن استمرار قيادة الولايات المتحدة الأميركية لعملية السلام، يخلق لإسرائيل فرصة للدفع نحو حل بمساعدة الوسيط المؤيد (لإسرائيل)، ولكن من شأنه أيضا أن يضع إسرائيل أمام ضغوط لتنفيذ تنازلات مؤلمة، ولربما في نهاية المطاف أن تلقي هذه التنازلات بظلالها على علاقات إسرائيل مع إدارة ترامب، مهما كان مؤيدا لإسرائيل.

ويتابع التقرير "إن تحركات الرئيس الأميركي حتى الآن عكست النوايا لدمج دول سنيّة معتدلة، في إطار الحل الاقليمي، الذي يضم أيضا الجانب الفلسطيني. إلا أنه حتى الآن ليس واضحا بأي شكل سيكون الحل. فالمُحاور الفلسطيني متفرّق جغرافيا وتنظيميا، ولا تبدو في الأفق وحدة صفوف حقيقية بين حركتي فتح وحماس" (التقرير صدر بطبيعة الحال قبل اتفاق المصالحة في القاهرة، لكن إسرائيل الرسمية والإعلامية تشكك في احتمال نجاح الاتفاق).
ويستند التقارير إلى استنتاجات إسرائيلية تدعي وجود خلل في السلطة في رام الله وفي غزة، وبضمن ذلك التوقعات والفرضيات الإسرائيلية بنشوب ما أسماه التقرير ذاته "معركة خلافة للرئيس أبو مازن". وفي المقابل، فإن تقرير المعهد ذاته لا يرى تغيرا جوهريا في نهج حركة حماس، حتى بعد التغيرات السياسية فيها، بحيث أن الفجوات في المواقف بينها وبين إسرائيل ما تزال واسعة. وهذه الحال من ناحية التقرير، "تدل على حجم التحدي الذي أخذه الرئيس ترامب على عاتقه". وختم التقرير هذا الباب قائلا "إن ترك الولايات المتحدة الأميركية لعملية السلام، أو تقييد مساهمتها فيها، هو أمر خطير بالنسبة لإسرائيل، لأن هذا سيسمح لقوى عالمية أخرى، ليست مؤيدة لإسرائيل، بأن تحل مكان الولايات المتحدة في الوساطة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني".

التهديدات والفرص

 في باب التهديدات والفرص الماثلة أمام إسرائيل يقول التقرير "إنه في الوقت الذي يعم فيه العنف في الشرق الأوسط العاصف، فإن إسرائيل لا تقف، كما في الماضي، أمام تهديد عسكري فوري من دولة مجاورة، أو من تحالف عربي اقليمي. إلا أنه هذا الأمر المشجع من شأنه أن ينقلب كليا، في حال نجحت إيران في توطيد تواجد قواتها في الجبهة السورية القريبة، عند الحدود (خط وقف اطلاق النار) في مرتفعات الجولان، من خلال خلق دهليز استراتيجي بين طهران والبحر الأبيض المتوسط. وهو دهليز من شأنه أن يحقق لإيران تأثيرا كبيرا وأن يزيد من قوة حزب الله العسكرية".

في المقابل، حسب التقرير، فإن "العلاقات الأمنية بين إسرائيل ومصر والأردن ودول سنيّة تتعزز. والتعامل مع إسرائيل هو كشريكة وكمساعدة في مواجهة التحديات الأساسية: مساعي إيران النووية والعدوانية، وإرهاب الإسلام المتطرف. فقد تم لجم مسعى إيران لتحقيق سلاح نووي، إلا أن هذا التهديد تم تأجيله، ولم يسقط عن جدول أعمال إيران. فالاتفاق النووي الدولي مع إيران يسمح لها بزيادة تفوقها النووي، وتأثيرها الاقليمي، في الوقت الذي تسجل فيه إيران انجازات في سورية ولبنان والعراق واليمن".

وتابع التقارير أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما "كان مستعدا لرؤية إيران كشريكة في الحل الاقليمي، وتحفظ من اعتبار السعودية ككنز أمني للولايات المتحدة، أما الرئيس ترامب فإنه يقف من دون أي تحفظ إلى جانب الدول السنيّة، ضد إيران". أما "الوضع في سورية فهو يحمل في داخله أخطارا على إسرائيل، وبالأساس في أعقاب تعزيز وجود إيران في سورية كعامل أساس في حلبة مجاورة لإسرائيل. فبمساعدة روسيا وإيران، يوسع الرئيس السوري بشار الأسد المناطق الواقعة تحت سيطرته. وهذا الواقع من شأنه أن يجعل حزب الله والحرس الثوري الإيراني قريبين من الحدود مع إسرائيل في مرتفعات الجولان. وعلى إسرائيل أن تواصل جهدها للجم هذا التطور، إن كان من خلال تجنيد الولايات المتحدة لمساعدتها، أو عبر استمرار التنسيق مع موسكو".

وجاء أيضا أنه "حتى الآن، نجحت إسرائيل في إقامة علاقات عمل فعلية وناجعة مع روسيا، نجحت من خلالها في الدفاع عن مصالحها. إلا أن نصب صواريخ S300 وS400 في سورية يؤكد حجم الحذر الذي يتعيّن على إسرائيل أن تتبعه، من أجل الاستمرار في احباط نقل كميات أسلحة إلى حزب الله، من دون أن يؤدي هذا إلى احتكاك مع موسكو. وعلى الرغم من أن جيش بشار الأسد مرهق بفعل سنوات الحرب الأهلية التي لم تنته بعد، وأن حزب الله غارق في القتال في سورية، وحركة حماس معزولة وضعيفة، فإنه ما تزال هناك امكانية لأن تنشب مواجهات عنيفة مع هؤلاء الأعداء، خاصة وأن انتفاضة الأفراد لم تنته، وقد تظهر بوجوه عدة، خطيرة، خاصة إذا ما أخذت طابعا دينيا".

أما بشأن العلاقات مع تركيا فيقول التقرير "إن العلاقات مع تركيا تشكل نموذجا لحقيقة أن الشرق الأوسط متقلب، وهذا وضعٌ يلزم إسرائيل بالحذر، إلى جانب اتباع المهنية الاستراتيجية. فاتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا في حزيران 2016، وتطور العلاقات، بما يشمل قطاع الغاز، لم يمنع الرئيس أردوغان من مهاجمة إسرائيل بتعابير قاسية، من خلال اتهامها بتهويد القدس، واتباع اجراءات أبارتهايد". و"الاحتمال بأن يغير لاعبون في المنطقة شكل تعاملهم مع إسرائيل هو أحد مصادر القلق في إسرائيل، وكذلك من صفقة الأسلحة الأميركية للسعودية، بقيمة 110 مليارات دولار، والتي أجزاء منها من شأنها أن تمس بجودة التفوق العسكري الإسرائيلي. كذلك فإن تحسن علاقات الولايات المتحدة مع الدول العربية التقليدية في الشرق الأوسط، وهو أمر إيجابي، من شأنه أن يأتي على حساب العلاقات مع إسرائيل"، حسب ادعاء التقرير ذاته.

وعلى مستوى الحلبة الدولية، يرى التقرير أن مكانة إسرائيل العالمية ترتكز على قوتها العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية، فالتكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة منحت إسرائيل اسما عالميا. وهذا انعكس في زيارات مهمة جدا قام بها رئيس الوزراء إلى الصين والهند وإلى العديد من الدول الأفريقية. كذلك فإن مخزون الغاز الذي تكشف في السنوات الأخيرة من شأنه أن يعزز مكانة إسرائيل.

ويقول التقرير "إنه على الرغم من التطور في مكانة إسرائيل، فإن المحاولات لضرب مكانة إسرائيل الدولية تتواصل، من خلال نشاطات المقاطعة وسحب شرعية إسرائيل. وأضرار هذه الحملات ما تزال ماثلة، وأبرز تعبير لها، قرار منظمة اليونسكو، الذي تجاهل العلاقة اليهودية التاريخية بجبل الهيكل (المسجد الأقصى المبارك). والقرار الذي يصف مغارة المكفيلا (الحرم الإبراهيمي الشريف) والبلدة القديمة في الخليل بأنهما موقع تراثي فلسطيني واقع تحت أخطار كبيرة"، بفعل الاحتلال.

ويختم التقرير هذا الباب قائلا إنه "أمام التحديات التي فيها أخطار، تمثل أمام إسرائيل فرصة ليست قليلة، من أجل تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، وتوطيد العلاقات مع الدول العربية السنيّة، وأن تلجم مخاطر ولوج إسرائيل نحو دولة ثنائية القومية، وبهذا خسارة الهوية اليهودية لدولة إسرائيل. فكون إسرائيل متحررة من تهديدات جيوش نظامية، إلى جانب قوتها الاستراتيجية، وبوجود رئيس مؤيد في واشنطن، أمام إسرائيل فرصة لإجراءات استراتيجية، تضمن مستقبلا لها كدولة يهودية وديمقراطية".

ويتوقف التقرير عند نواح عدة في شبكة العلاقات بين إسرائيل وبين المنظمات الأميركية اليهودية وجمهور أبناء الديانة اليهودية ككل في الولايات المتحدة. وكما في تقارير سابقة، فإن "معهد سياسة الشعب اليهودي" يلقي وزنا كبيرا لمثلث العلاقات: إسرائيل- الأميركان اليهود- السلطات الأميركية. وهو يرى أن على إسرائيل أن تسعى بشكل دائم إلى ضمان علاقات وطيدة مع الجمهور الأميركي اليهودي بكل تنوعاته، وأن تأخذ بالحسبان دائما التنوع الثقافي والسياسي القائم بين الجمهور اليهودي الثاني في العالم من حيث حجمه، 4ر5 مليون نسمة.

ويقول التقرير إن ترامب لا يحظى بشعبية لدى غالبية الأميركان اليهود، وبشكل خاص لدى الجمهور العلماني (الذي يشكل الغالبية)، وبشكل خاص الشباب منهم. وجاء في التقرير "إن على إسرائيل أن لا تتسبب في وضع اليهود أمام وضعية يضطرون فيها إلى الاختيار ما بين مبادئهم الديمقراطية والليبرالية، وبين إسرائيل، خاصة وأن مجموعات واسعة من الأميركان اليهود ترى أن إسرائيل في طريق التراجع عن مبادئ وقيم ديمقراطية".

ويبرز في التقرير تحذير "معهد سياسة الشعب اليهودي" من أن تتحول إسرائيل إلى موضوع خلافي بين الحزبين الأميركيين، الجمهوري والديمقراطي. ويقول التقرير "إن التأييد لإسرائيل العابر للأحزاب في الولايات المتحدة الأميركية، هو الكنز السياسي والاستراتيجي الأول لإسرائيل. ومن أجل الحفاظ عليه، أمام حالة التقاطب الأميركي الداخلي، من الأفضل لإسرائيل أن تميز بين احتياجاتها لتطوير علاقات العمل للأفضل مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبين التماثل الأيديولوجي مع هذه الإدارة".

ويتابع التقرير "إن على حكومة إسرائيل أن تحافظ على علاقاتها الوثيقة مع كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بموازاة الحفاظ على علاقات جيدة مع القطاعات الليبرالية في الجمهور اليهودي، حتى وإن أبدت هذه القطاعات انتقادات تجاه إسرائيل".

ويقول التقرير "إنه لأول مرة في التاريخ من الممكن أن تتحول إسرائيل إلى موضوع خلافي حزبي، لدى الجمهور الأميركي بشكل عام. فقد أظهر استطلاع لمعهد بيو الأميركي، أن 80% من أعضاء الحزب الجمهوري يعبرون عن تأييدهم لإسرائيل. بينما أقل من 50% من أعضاء الحزب الديمقراطي يؤيدون المواقف الإسرائيلية من الفلسطينيين. ومع أن هذا الأمر لم ينعكس في الكونغرس الأميركي، إلا أنه على المستوى الميداني، فإن التراجع في التأييد لإسرائيل بات مقلقا، خاصة وأن هذا الخلاف يلج أيضا إلى الجمهور اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, باراك, مغارة المكفيلا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات