المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يفتتح الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين المقبل 23 الجاري دورته الشتوية، التي ستستمر خمسة أشهر.

وسيغيب عن هذه الدورة الملف التقليدي السنوي، إقرار الموازنة العامة، وذلك بعد أن اتبعت إسرائيل منذ العام 2009 نظام الميزانية المزدوجة لعامين. غير أن الدورة الشتوية ستعالج ملفات حساسة لها انعكاسات سياسية كبيرة، مثل "قانون القومية" وقوانين تتعلق بالقدس المحتلة. لكن الأمر البارز الذي سيرافق افتتاح الدورة والأسابيع اللاحقة، هو استئناف التحقيقات في شبهات الفساد التي تحوم حول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ نحو عام.

وتّعد الدورة الشتوية الدورة الأساسية في العام البرلماني نظرا لمدتها. ويتشكل العام البرلماني من دورتين: شتوية (5 أشهر) وصيفية (3 أشهر). وحسب ما هو متوقع، فإن هذه الدورة سيكون فيها "جهد" خاص من الائتلاف الحاكم، وبتوجيه مباشر من زعيمه نتنياهو، للتقدم في مسار تشريع "قانون القومية"، إذ حسب تقارير صحافية، فإن القانون ما يزال يصطدم بخلافات داخل الائتلاف، خاصة من كتلتي المتدينين المتزمتين "الحريديم".

واستنادا لما أعلن في اليوم الأخير من الدورة الصيفية في نهاية تموز الماضي، بأن نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لدفع مشروع قانون يقضي بضم مستوطنات إلى منطقة نفوذ القدس المحتلة، وفق منطقة حددتها سلطات الاحتلال، فإن الدورة الشتوية ستنشغل أيضا في عدة قوانين تتعلق بالقدس والمشاريع الاستيطانية فيها.

لكن كما ذكر فإن نتنياهو سيخضع في الأيام القليلة المقبلة لأربع جلسات تحقيق، في ملفي الفساد اللذين يعرّفان بكنيتي "1000" و"2000". والقضية الأولى تتعلق بحصول نتنياهو على "هدايا" بمئات آلاف الدولارات، من صديقه الثري أرنون ميلتشين، وسط شبهات بحصول الأخير على امتيازات. والثانية، سعي نتنياهو لإبرام صفقة مع صاحب السيطرة على صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس، بموجبها تصبح الصحيفة ودية تجاه نتنياهو، مقابل أن يسعى الأخير لسن قانون يؤدي عمليا إلى تقليص حجم انتشار الصحف اليومية المجانية مع تركيز على أكبر تلك الصحف، "يسرائيل هيوم"، برغم أن هذه الصحيفة مجنّدة كليا لصالح نتنياهو.

وليس واضحا بعد مسار التحقيق مع نتنياهو في قضية صفقة الغواصات، التي بموجبها سعى عدد من المسؤولين والمقربين في محيط نتنياهو إلى إبرام صفقة لشراء ثلاث غواصات ألمانية رأى الجيش الإسرائيلي أنها زائدة واعترض عليها، كما أن وزير الدفاع السابق موشيه يعلون اعترض عليها بشدة. ويقال إن هذا كان دافعا لنتنياهو لإقالة يعلون، لصالح تعيين أفيغدور ليبرمان مكانه قبل 16 شهرا، وبذا انضم حزب "إسرائيل بيتنا" إلى الحكومة وضمن لها أغلبية مستقرة في الكنيست.

وفي الأيام الأخيرة قرّر نتنياهو، مستندا إلى ائتلاف مؤيد وداعم، الخروج من دائرة المشبوه ليكون مهاجما لجهاز الشرطة، بادعاء أن إعلان مصادر في الشرطة لوسائل إعلام عن أربع جلسات تحقيق مقبلة معه هو بمثابة تسريب يستهدف نتنياهو شخصيا، رغم أن جلسات التحقيق تجري عادة مع كل الشخصيات السياسية في العلن، إلا إذا كان هناك ما يقضي بجعلها سرية. وحاولت جهات في محيط نتنياهو تغليف هجومه على جهاز الشرطة بطابع سياسي، بزعم وجود خيبة أمل لدى نتنياهو من أداء قائد الشرطة العام، روني ألشيخ، خاصة على ضوء الخلاف الذي نشب بين رئيس الحكومة وقيادة الشرطة حول نصب البوابات الالكترونية عند مداخل المسجد الاقصى المبارك في شهر تموز الماضي.

ولا يكتفي نتنياهو بهذا، بل يخوض أيضا مسارين صداميين: الأول سيجد من يخالفه من الائتلاف الحاكم، باقتراحه إغلاق سلطة البث الرسمية الجديدة، التي بدأت عملها في منتصف ربيع العام الجاري. والثاني مواجهة مع المعارضة البرلمانية، على خلفية قانون جديد يجيز زيادة التعيينات السياسية في السلك الوظيفي الأعلى في الوزارات.

وقد اتضح أن نتنياهو اتفق مع رؤساء الأحزاب في الائتلاف باستثناء رئيس حزب "كلنا" موشيه كحلون، على إغلاق سلطة البث الرسمية الجديدة، والعودة إلى سلطة البث، التي أغلقت قبل أكثر من خمسة اشهر، وأدى هذا إلى فصل مئات العاملين. وفي خلفية هذا، مسعى نتنياهو الدائم ليسيطر أكثر ما يمكن على وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، مع سعي أيضا للتأثير على وسائل الإعلام الخاصة. وقد بادر نتنياهو قبل اكثر من ثلاث سنوات لإقامة سلطة بث جديدة، بدلا من التي كانت قائمة، بشكل يضمن سيطرة سياسية أكبر على التعيينات تحت ستار التجديد، والتخلص من الجهاز العامل القديم والمترهل.

وقد طرح المبادرة الجديدة وزير الداخلية آرييه درعي، بالتنسيق مع نتنياهو ومع باقي رؤساء أحزاب الائتلاف، بزعم أن سلطة البث الجديدة تكلف الخزينة العامة مئات الملايين من الشيكلات، دون أن تحدث التغيير المتوخى منها. وليس واضحا مصير هذه المبادرة، والموقف الأخير الذي سيكون لكحلون منها، إذ أن كحلون كان قد تصدى في مطلع العام الجاري لمبادرة من هذا النوع، وانتهى الصدام بتأجيل بدء عمل سلطة البث الجديدة لبضعة أشهر أخرى.
وفي القضية الثانية، أقرت الحكومة في جلستها المنعقدة أمس الأول الأحد، مشروع قانون يجيز للوزراء تعيين نواب مديرين عامين للوزارات، بينما يقضي النظام القائم بأن من صلاحية الوزير إقالة وتعيين مدير عام للوزارة في حين أن نواب المديرين العامين هم من ذوي التخصصات ويتم تعيينهم بناء على عطاءات وأولا من خلال السلك الوظيفي في داخل الوزارة ذاتها.

ومضمون هذا القانون هو أحد بنود اتفاقيات الائتلاف الحاكم، وكل الأحزاب المشاركة وافقت عليه، ويهدف إلى زيادة سطوة المستوى السياسي على السلك المهني في مؤسسات الدولة. ولهذا فإن المواجهة حوله ستكون بين الائتلاف والمعارضة، خاصة وأن القانون يلقى اعتراضات من مستشارين قانونيين في الحكومة والوزارات. ويذكر في هذا المجال أنه يتم التداول لدى وزيرة العدل أييليت شاكيد في مشروع قانون آخر يجيز للوزير أيضا أن يقيل ويعين مستشارا قانونيا للوزارة ما يزيد من سطوة السياسيين أكثر على جهاز الحكم.

وأمام كل هذا، فإن الائتلاف الحكم يشهد تماسكا، ولا يبدو أي شرخ فيه في هذه المرحلة يقود إلى حل الائتلاف والتوجه إلى انتخابات مبكرة. ولا يبدو أن الأزمة المفترض أن تنشب حول سلطة البث من شأنها أن تقود إلى حل الحكومة.

كذلك الأمر بالنسبة للتحقيقات في شبهات الفساد مع نتنياهو، فبحسب الوتيرة القائمة واستنادا إلى تجارب السنوات، طالما أن التحقيقات ما تزال جارية فإن الأمر سيحتاج لأشهر عديدة حتى تنهي الشرطة التحقيقات وتقدم استنتاجاتها، وتنقلها إلى المستشار القانوني للحكومة، الذي هو أيضا سيحتاج وقتا غير محدد، حتى يبت في مصير التحقيقات، ويقرر ما إذا ستكون لوائح اتهام. واستنادا إلى هذا، وفي حال لم تظهر معلومات جديدة أو قضايا تقلب الصورة القائمة، فإن نتنياهو ما يزال بعيدا عن مغادرة المسرح السياسي نحو قفص الاتهام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات