المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بلغ التوتر بين العلمانيين وبين الحريديم والمتدينين اليهود وكذلك بين التيار الأرثوذكسي اليهودي الذي يسيطر على الشؤون الدينية في إسرائيل والأميركيين اليهود ذروة جديدة خلال الأسابيع الأخيرة، على خلفية إصرار الأحزاب الحريدية على تجميد خطة تقضي بتخصيص موقع للتيارات اليهودية الأخرى، وخاصة الإصلاحي والمحافظ، في حائط المبكى (البراق)، ورفض التساهل بشأن التهود بموجب التيارين المذكورين (اقرأ مادة أخرى في هذا العدد).

 

ويعتبر الحريديم، وهم ممثلون في الحكومة بحزبي شاس و"يهدوت هتوراة"، ويدعمهم حزب "البيت اليهودي" الذي يمثل الصهيونية الدينية والحريديم القوميين، أن أي تساهل في المواضيع المرتبطة بالعلاقة بين الدين والدولة، وبينها إغلاق المصالح التجارية في يوم السبت، هو تراجع في الستاتيكو (الوضع القائم)، الذي جرى التفاهم بشأنه قبل سبعين عاما. في حينه، بعث رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، بـ"رسالة الستاتيكو" إلى أعضاء حركة "أغودات يسرائيل" العالمية الحريدية. وتعتبر هذه الرسالة منذئذ أنها نظمت في إسرائيل مواضيع مثل قدسية السبت والـ"كاشير" (الطعام والشراب الحلال بموجب الشريعة اليهودية) والتعليم والزواج والطلاق، وعمليا كانت هذه تفاهمات حول العلاقة بين الدين والدولة.

إلا أن دراسة جديدة أعدها الخبير القانوني ومدير مركز القومية، الدين والدولة في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، الدكتور شوكي فريدمان، أظهرت أن هذا الستاتيكو لم يعد قائما كما يسود الاعتقاد. ونقلت صحيفة "هآرتس" مؤخرا عن فريدمان قوله إن "بإمكان أي ’طرف’ أن يرى ما يريد. لذلك، مع مرور السنين، تحول الستاتيكو إلى كلمة سحرية تعلق بها السياسيون، وحتى المحاكم، من أجل وصف العلاقة بين الدين والدولة".

وأضاف فريدمان أن "الترتيبات بين الدين والدولة في إسرائيل، التي يشملها الستاتيكو المتخيل، تغيرت، في كافة المجالات، دون توقف. والخدمة التي توفرها الدولة باتت غير ضرورية والترتيبات المؤسسة له أخذت تفرغ من مضمونها".

ووفقا للدراسة، فإن الجانب العلماني في إسرائيل هو المسؤول عن تراجع الستاتيكو. ولعل المثال الأبرز على هذا التراجع يتمثل بيوم السبت. إذ أنه على الرغم من أن المواصلات العامة في هذا اليوم محدودة، لكن تغيرات ملحوظة طرأت على عمل المصالح التجارية، التي بدأت في السنوات الأخيرة تفتح أبوابها يوم السبت. وأشارت الدراسة إلى أن فتح المطاعم وإجراء مباريات كرة القدم في أيام السبت كانت بداية هذا التحول وحسب.

وأضافت الدراسة أن "معظم القوانين القائمة اليوم لا تُطبق ونشأت ظاهرة عامة تتمثل بأن أسواقا وفروعا تجارية كانت تُغلق في أيام السبت، تحولت أيام سبتها إلى أيام عادية". كذلك تظهر الدراسة أن رؤساء البلديات يفضلون في غالب الأحيان غض النظر عن مخالفات لقوانين بلدية تمنع فتح المصالح التجارية وتسيير المواصلات العامة في يوم السبت، وأحيانا يدعم رؤساء بلديات ذلك. وقالت الدراسة إنه "نشهد أيضا بداية توجه يسمح بنشاط في يوم السبت بموجب قوانين بلدية".

يشار إلى أن الستاتيكو استند بالأساس إلى قوانين بلدية وقانون ساعات العمل والعطلة، التي أقرت يوم السبت كيوم عطلة أسبوعية، ولكن ليس كقيمة دينية. وحاول أعضاء كنيست متدينون، على مر السنين، سن "قانون السبت"، لكن جميع محاولاتهم في هذا السياق باءت بالفشل.

وأظهرت معطيات تضمنتها الدراسة أن 98% من دور السينما، 65% من المتاحف، 83% من المؤسسات الثقافية المركزية وحوالي 20% من التجمعات التجارية تعمل في إسرائيل في يوم السبت. من الجهة الأخرى، فإن المتظاهرين في القدس والمدن الحريدية ضد "تدنيس" يوم السبت، خلال السنوات الماضية، كانوا من أتباع التيارات الحريدية المتطرفة وليس التيارات الحريدية والدينية المركزية. وقال مدير جمعية "حادوش – لحرية الدين والمساواة"، أوري ريغف، إنه "كانت ثلاثة مطاعم تفتح في أيام السبت في القدس، واليوم أصبح في المدينة الكثير من المطاعم والمقاهي والحوانيت وغيرها التي تفتح في يوم السبت".

وفيما يتعلق بيوم السبت، فإن الشوارع أصبحت مفتوحة ومتاحة للسيارات، بينما كانت شوارع كثيرة تُغلق أمام حركة السيارات في الماضي. وجرت حول ذلك صراعات كثيرة، وبينها صراعات قضائية، لكن المحكمة العليا الإسرائيلية قررت فتحها أمام السيارات، في نهاية التسعينيات.

تراجع الستاتيكو باتجاهين

ورأى ريغف أن الستاتيكو تراجع باتجاهين، وأوضح أن "مجالات مختلفة، مثل التهرب من الخدمة العسكرية، زيادة الخدمات الدينية والدعم الاقتصادي للمجتمع الحريدي، تغير من الجهة الأخرى. ورسالة الستاتيكو شددت على تدريس المواضيع الأساسية في المؤسسات التعليمية الحريدية. لكن لسبب ما نسي الجميع ذلك" في إشارة إلى امتناع هذه المؤسسات عن تدريس مواضيع أساسية، مثل الرياضيات واللغة الانكليزية.

ولا يزال الحريديم والمتدينون اليهود يسيطرون على مجال الزواج والطلاق، أو ما يسمى "احتكار الحاخامية" لهذا المجال. ويتم التعبير عن ذلك من خلال عدة أمور بينها فرض قيود شرعية حول الأهلية للزواج، والمطالبة بإجراء مراسم زواج يوجد فيها تفوق للرجل وتشمل طقوسا دينية وبلورة مدونة سلوكية لحياة زوجية وسيطرة كاملة للزوج على الطلاق.

لكن فريدمان أشار في الدراسة إلى حدوث تغيرات كبيرة في هذا المجال، وإلى أن الكنيست والمحاكم قلّصت، طوال سنوات مضت، من صلاحيات المحاكم الدينية اليهودية وسيطرتها المطلقة على القانون الديني في هذا السياق. واعترفت المحكمة العليا الإسرائيلية بعقود الزواج المدني المبرمة خارج البلاد وعقود الزواج الخاصة بأشخاص ترفض الحاخامية تزويجهم. ووفقا لمعطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فإن 20% من الأزواج الذين تسجلوا في العام 2013 كانوا بموجب عقد زواج مدني، وذلك إضافة إلى أزواج تزوجوا بعقد زواج خاص وتنازلوا عن اعتراف الدولة بهم.

إضافة إلى ذلك، يتزايد في السنوات الأخيرة عدد المتزوجين خارج البلاد بواسطة حركات اليهودية المتجددة، وبدأ في إسرائيل إبرام عقود زواج خارج إطار الحاخامية، وبواسطة منظمة "تسوهار" الأرثوذكسية. وقال رئيس منظمة "تسوهار"، الحاخام دافيد ستاف، إن "قوى السوق تؤثر. والاعتقاد أننا ملزمون بالدخول إلى أوردة العلمانيين في كل شيء، ونكون قد خدمنا اليهودية بذلك، هو خطأ باعتقادي".

كذلك حدث تراجع على الستاتيكو في موضوع الطلاق، وإن يكن بشكل أقل من الزواج. وقالت الدراسة إنه في السنوات الأخيرة جرت مصادرة صلاحيات من الحاخامية، مثل إمكانية توزيع الأملاك ودفع مخصصات حضانة الأطفال بموجب الشريعة اليهودية، وتحويل هذه الصلاحيات إلى المحاكم المدنية.

واعتبرت رئيسة حزب ميرتس، زهافا غالئون، أن "الستاتيكو مات منذ فترة، وتحول إلى قشرة فارغة وغير عديمة الأهمية. لكن الأخطر من ذلك هو أن قيم وثيقة الاستقلال، التي تضمن حرية العبادة، ماتت أيضا".

وفيما يتعلق بالتهود، أو اعتناق الديانة اليهودية، أشارت الدراسة إلى أنه "منذ بلورة الستاتيكو بخصوص التهود، وبموجبه يتم الاعتراف بمن هو يهودي بموجب الشريعة اليهودية، تغير الوضع بصورة متطرفة. إذ أنه بعملية طويلة وضع المشرعون، والمحكمة بشكل خاص، مضامين عديدة ومتنوعة لمصطلح اليهودي، بحيث تعترف دولة إسرائيل اليوم فعليا بجميع أنواع التهود".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات