المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أشعل الصراع الذي يخوضه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للسيطرة على القناة التلفزيونية العشرة في إسرائيل الصراع الطائفي من جديد فأحدث له أزمة ائتلافية جديدة لا تزال تتفاعل بصورة تشكل خطراً على ائتلافه الحكومي الحالي وتهدد لحد ما بإسقاط الحكومة، وذلك حيال التهديد الذي أطلقته حركة "شاس" (للمتدينين الشرقيين)، التي تتمثل بسبعة أعضاء في الكنيست الحالي وتشكل ركناً أساسياً في الائتلاف الحكومي الحالي.

فمن المعروف أن نتنياهو يشن حرباً قاسية ضد القناة العاشرة منذ بضع سنوات، إذ يتهمها بأنها معادية له وتحرّض عليه، وخاصة على خلفية بعض التحقيقات الصحافية التي أجراها صحافيون عاملون في هذه القناة وكشفت عن تورط نتنياهو في عدد من فضائح الفساد واستغلال السلطة ومنصبه لمنفعته الشخصية ومنفعة أفراد عائلته.

وفي يوم 6 حزيران الجاري، انتخب مجلس إدارة القناة العاشرة شخصية مقربة جدا من رئيس الحكومة نتنياهو وزوجته سارة هو خبير العلاقات العامة رامي سدان لمنصب رئيس "شركة الأخبار" في هذه القناة، وذلك بعد أن ضمن تأييد خمسة من أعضاء مجلس الإدارة هم ممثلو مجموعة RGE التي امتلكت غالبية أسهم القناة العاشرة في حزيران من العام الماضي وسيطرت عليها، بعد سنوات من الأزمة المالية الخانقة التي عصفت بها ودفعتها إلى حافة الانهيار والإغلاق.

كما أيّد تعيين سدان رئيساً لـ"شركة الأخبار 10" المدير العام لموقع "نعنع" الإسرائيلي، يوآف هلدمان، بينما عارضه "ممثلو الجمهور" الثلاثة في مجلس الإدارة، نظراً لأن "ترشيحه جاء بشكل مفاجئ"! فقد علم أن سدان لم يكن من بين المرشحين لتولي رئاسة شركة الأخبار، ولم يُطرح ترشيحه إلا قبل أيام معدودة فقط من جلسة مجلس الإدارة التي خصصت لانتخاب رئيس الشركة وحظي على الفور بدعم وتأييد ممثلي المجموعة المالكة.

وكان سدان أشغل في السابق منصب المستشار الخاص لبنيامين نتنياهو وزوجته. وقبل نحو نصف سنة فقط، اتخذت خاصة في السلطة الثانية للإذاعة والتلفزيون في إسرائيل (المسؤولة عن القناة العاشرة والقناة الثانية التلفزيونيتين) قراراً بتعيينه عضوا في مجلس إدارة "أخبار 10"، علماً بأنه يمتلك ويدير مكتبا خاصا للدعاية والعلاقات العامة.

وقد أثار هذا التعيين، في حينه، غضباً وامتعاضا واسعين بين الصحافيين العاملين في شركة الأخبار في القناة العاشرة على خلفية علاقاته الوثيقة جدا مع رئيس الحكومة وأبدوا تخوفاً من أن عضوية سدان في مجلس إدارة شركة الأخبار سيكون من شأنها "المسّ بحرية العمل الصحافي في القناة". لكن معارضتهم هذه لم تغير شيئا في موقف السلطة الثانية أو في موقف المجموعة المالكة.

وفي الجلسة الأخيرة لمجلس إدارة القناة، التي حضرها كمرشح لمنصب رئيس شركة الأخبار (والتي تم فيها، في نهاية الأمر، انتخابه لهذا المنصب)، تحدث سدان أمام أعضاء مجلس الإدارة ومن بين ما قاله ـ حسبما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية لاحقا ـ إن "القناة العاشرة وشركة الأخبار فيها تمثلان النخبة ويتعين عليهما اختراق الحدود التي وضعتها حول نفسها والتوجه إلى مسعودة من سديروت" ("مسعودة"، هو اسم يهودي شرقي للنساء و"سديروت" هي إحدى "بلدات التطوير" التي يسكنها يهود شرقيون في النقب في جنوب إسرائيل).

وحين تصدى له أحد أعضاء مجلس الإدارة بالقول إن "هذا الكلام تفوح منه رائحة عنصرية"، رد سدان بالقول: "تعالوا نعترف بالحقيقة، أنا مثلكم من النخبة... أكره حركة شاس واللص أرييه درعي (زعيم هذه الحركة الذي يشغل في الحكومة الحالية حقيبتين وزاريتين هما: وزارة الداخلية ووزارة تطوير الضواحي، النقب والجليل) ومع ذلك، يتوجب علينا اختراق الحدود ومخاطبة جمهور الشرقيين أيضا".

"إسرائيل 2016 ـ عنصرية واستعلاء ضد الشرقيين"

وقد أثار الكشف عن هذه الأقوال عاصفة سياسية ـ طائفية واسعة في إسرائيل، فأصدرت حركة "شاس" بيانا قالت فيه إن "الأقوال التي نشرت على لسان رامي سدان، رئيس مجلس إدارة شركة الأخبار في القناة الثانية، هي أقوال خطيرة جدا، صادمة ودنيئة... إنها أقوال عنصرية واستعلائية تمس حركة سياسية تمثل مئات آلاف المواطنين في إسرائيل"!

وأضافت "شاس" في بيانها: "هذه التصريحات الظلامية صدرت في الجلسة التي عرض فيها سدان رؤيته العامة أمام مجلس إدارة شركة الأخبار، وهو ما يزيد من خطورتها أكثر فأكثر. ومن الخطير جدا أن يكون شخص كهذا صديقا مقربا لرئيس الحكومة ولعائلة نتنياهو". وعليه، طالبت "شاس" مجلس إدارة القناة العاشرة "بإعادة النظر في تعيين شخص كهذا لهذا المنصب الرفيع والهام جدا في شركة الأخبار".

وفي تصريحات لاحقة، قال أرييه درعي إن مصوتي حركة "شاس" هم "مئات آلاف المواطنين الشرقيين الذين قرروا التوحد ورفع رؤوسهم عاليا لاجتثاث ظاهرة العنصرية الطائفية وكبح أشخاص مثل سدان". وقال: "في جلسات مجالس الإدارة المغلقة، يسمح بعض الناس لأنفسهم بالتعبير عما في دواخلهم والبوح بحقيقتهم... في إسرائيل 2016 هنالك عنصرية ضد الشرقيين. في إسرائيل 2016 يحتقرون الجمهور الشرقي. في إسرائيل 2016 هنالك من يجيز لنفسه الاستعلاء على جمهور واسع بأكمله، رغم أن هذا الجمهور هو جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل ومجتمعه"!

وأضاف درعي مهددا: "نحن هنا لكي نبقى ونواصل، لن نمر مر الكرام على مثل هذه التصريحات". وكانت ترجمة هذا التهديد العملية التوجه من قبل حركة "شاس" وقادتها إلى رئيس الحكومة نتنياهو ومطالبته بالتدخل الشخصي لإلغاء تعيين سدان رئيسا لشركة الأخبار شرطاً لبقاء "شاس" في الائتلاف الحكومي. وأوضح درعي: "إنني أطالب رئيس الحكومة، الذي يشغل منصب وزير الاتصالات المسؤول المباشر عن السلطة الثانية للإذاعة والتلفزيون وعن القناة العاشرة بالتعبير عن موقفه من هذه التصريحات الخطيرة وماذا ينوي العمل حيالها، لأن هجوما حقيرا كهذا على جمهور بأسره على خلفية أصوله الإثنية لا يمكن أن يمر مر الكرام".

وقوبلت تصريحات سدان هذه بالاستنكار والتنديد من قطاعات سياسية وشعبية مختلفة في إسرائيل، من غير اليهود الشرقيين أيضا. فقد استنكر رئيس حزب "يش عتيد"، يائير لبيد، هذه التصريحات وقال إنها "تصريحات عنصرية، محرِّضة على الفتنة ومشبعة بالكراهية"! وأضاف لبيد أن شخصا يحمل مثل هذه الآراء والتوجهات "لا يمكن أن يتولى منصب مدير في شركة أخبار مركزية في دولة ديمقراطية".

وقالت عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش ("المعسكر الصهيوني") إن رامي سدان "هو عنصري حقير. إنه يكره مسعودة، لكنها بحاجة إليها". وطالب زميلها في الكتلة، عضو الكنيست نحمان شاي، باستقالة سدان الفورية من منصبه الجديد هذا لأن "أقواله هذه غير مقبولة وغير محتملة. ويبدو أنه لا يعي أهمية وخطورة هذا المنصب". أما عضو الكنيست ميراف ميخائلي ("المعسكر الصهيوني") فقالت إن "سدان هذا يكشف جانبا آخر عن مقربي نتنياهو وأصدقائه: المضايقة الطائفية" (تلميحاً إلى مقربين آخرين لنتنياهو اتُهِموا بارتكاب مخالفات المضايقة الجنسية). وأضافت ميخائيلي: "قُل لي من هم مقرّبوك، أقل لك من أنت"!


سدان: "متنورون" يحاولون الإيقاع بيني وبين الشرقيين!

وفي رده على الضجة السياسية والطائفية التي أثارتها تصريحاته كما نقلتها بعض وسائل الإعلام في إسرائيل، توجه رامي سدان إلى مكتب الوزير درعي ناقلا رسالة مفادها نفي الأقوال التي نسبت إليه واتهامه "بعض الذين يدّعون التنور بأنهم أصيبوا بخيبة أمل شديدة من تعييني رئيسا لشركة الأخبار في القناة العاشرة ولذا فهم يحاولون الآن الإيقاع بيني وبين اليهود الشرقيين وخلق نزاع على خلفية طائفية بيننا"!

وفي تصريح لموقع "ساحة السبت" الإسرائيلي، عاد سدان ونفى ما نسب إليه من تصريحات، مشددا على أن "أقوالي أخرجت عن سياقها... الاقتباسات التي نشرت كاذبة تماما... يحاولون الإيقاع بيني وبين الجمهور الشرقي".

لكنّ بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية انتبهت وأعادت التذكير بأنها "ليست المرة الأولى التي ينفي فيها سدان تصريحات منسوبة إليه"! ففي تقرير قدمه إلى السلطة الثانية للإذاعة والتلفزيون نفى سدان ما نُسب إليه عن التغطية الإعلامية لفضيحة "بيبي تورز" (استغلال رئيس الحكومة أموالا غير شرعية لتمويل سفرات شخصية له ولأفراد عائلته إلى خارج البلاد) وعن الصحافي رفيف دروكر (محلل الشؤون الحزبية في القناة العاشرة والذي كشف النقاب عن قضية "بيبي تورز")، رغم أن تلك الأقوال مسجلة في مقابلة إذاعية بثتها إذاعة "القناة 7" (التابعة لليمين والمستوطنين) ورغم أن تسجيل تلك المقابلة موجود على شبكة الانترنت. فقد قال سدان في سياق تلك المقابلة، لدى تطرقه إلى "قضية بيبي تورز" وما نشر عنها في وسائل الإعلام: "بعض الصحافيين يتربصون برئيس الحكومة نتنياهو وزوجته منذ العام 1996. ليس مهما كم من المستشارين الإعلاميين والمحامين يتصدّون لهؤلاء الصحافيين وأكاذيبهم، فهم يواصلون نشر هذه القصص بصورة هوسية استحواذية.... والحقيقة أن وسائل الإعلام تنشغل بهذه القضية بصورة يومية تقريبا في محاولة لإظهار وجه إسرائيل البشع. إنها حالة مَرَضيّة"!

ولكن، رغم نفي سدان ما نسب إليه في جلسة مجلس إدارة القناة العاشرة وتأكيده أن ما نشر هو كذب، إلا أن عددا من أعضاء مجلس الإدارة الذين حضروا الجلسة أكدوا أنه تفوه بها فعلا، وذلك في تصريحات أدلوا بها لوسائل إعلام مختلفة في إسرائيل. وقال أحدهم: "أقوال سدان صدمتني". وقال آخر: "أقوال سدان في الجلسة كانت مثيرة للحرج وللغضب وفاحت منها رائحة استعلاء وعنصرية".

ومن جهته، أكد المدير العام لشركة الأخبار في القناة العاشرة، الصحافي غولان يوخباز، أن سدان تفوه بالتصريحات التي نسبت إليه أمام أعضاء مجلس إدارة القناة، مضيفاً أنه (سدان) "قال هذا الكلام لي شخصيا، أيضا"!

كما أكد صحة التصريحات العنصرية المنسوبة إلى سدان، أيضا، المدير العام للقناة العاشرة، يوسي فارشافسكي، وطالبه بالاستقالة الفورية من منصبه الجديد.

وقال فارشافسكي: "كنت حاضرا في جلسة مجلس إدارة القناة العاشرة، التي تحدث فيها سدان. لقد تفوه بكلام عنصري ضد شاس. وقد قدمتُ تقريرا رسمياً بهذا الكلام إلى إدارة السلطة الثانية للإذاعة والتلفزيون". لكن فارشافسكي ذهب إلى أبعد من ذلك واتهم أعضاء آخرين في مجلس الإدارة بالتفوه بكلام عنصري طائفي، إذ قال: "إذا ما نظرنا إلى أقوال أعضاء آخرين في الجلسة ذاتها، كما عرضتها السلطة الثانية نفسها، فسنحصل على صورة عنصرية قاسية"!

التماس إلى المحكمة العليا

وعلى أثر هذه التصريحات، تقدم أربعة نواب رؤساء بلديات إسرائيلية ممثلون لحركة "شاس" بالتماس عاجل إلى "محكمة العدل العليا" مطالبين بإصدار أمر بالتجميد الفوري لتعيين رامي سدان رئيسا لشركة الأخبار في القناة العاشرة، كما طالبوا المحكمة بإصدار أمر يلزم السلطة الثانية بالكشف عن جميع المحاضر والتسجيلات من جلسة مجلس الإدارة إياها.

ورفض قاضي المحكمة العليا، سليم جبران، إصدار أمر بتجميد التعيين، لكنه أصدر أمرا إلى كل من المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، السلطة الثانية للإذاعة والتلفزيون ولرامي سدان شخصيا بتقديم ردودهم على الالتماس في مدة أقصاها عشرة أيام، على أن تتضمن هذه الردود تعليلات المعنيين بشأن سلامة التعيين وقانونيته. كما أمهل القاضي جبران السلطة الثانية شهرا لعرض موقفها بشأن الكشف عن محاضر وتسجيلات الجلسة المذكورة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات