المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

60% من مجموع الاعتقالات التي نفذتها شرطة إسرائيل بين الأعوام 2011 و 2015 كان ضحيتها مواطنون عرب، بينما يشكل المواطنون العرب عامة نحو 20% من مجموع السكان في إسرائيل، إذ أفادت المعطيات الرسمية الأخيرة التي نشرها مكتب الإحصاء المركزي بأن اليهود يشكلون 8ر74% من مجموع السكان في إسرائيل. وعند الحديث عن الاعتقالات التي نفذتها شرطة إسرائيل بين القاصرين خلال الفترة ذاتها، تكشف المعطيات صورة أكثر قتامة وخطورة، إذ شكل القاصرون العرب 56% من مجموع المعتقلين القاصرين!


هذه المعطيات كشف عنها موقع "محادثة محلية" العبري الإسرائيلي في مطلع حزيران الجاري، وهي معطيات رسمية أعدتها وجمعتها شرطة إسرائيل نفسها وحصل عليها الموقع المذكور، بعد اضطرار الشرطة إلى تزويد "الحركة من أجل حرية المعلومات" بها، تنفيذا لأحكام القانون الإسرائيلي الخاص بهذا الشأن والمسمى "قانون حرية المعلومات".

وتشمل المعطيات الرسمية معلومات عن جميع الاعتقالات التي نفذتها شرطة إسرائيل خلال السنوات المذكورة (2011 ـ 2015)، موزعة على تصنيفات مختلفة، بما فيها الاعتقالات التي تبين أنها كانت اعتقالات تعسفية، إذ لم تتمخض عن تقديم أية لوائح اتهام بحق المعتقلين؛ بنود الشبهات التي اعتمدتها الشرطة في استصدار أوامر الاعتقال؛ فضلا عن التوزيعة حسب الفئة العمرية وحسب الانتماء الإثني (يهودي/ "غير يهودي").

يشار هنا إلى أن تعبير "غير يهودي" هو الذي تستخدمه الشرطة لدى الحديث عن المواطنين العرب، بشكل أساس، رغم أنه قد يشمل أيضا سياحاً أجانب، عمالاً أجانب وفلسطينيين من المناطق المحتلة يتواجدون في داخل إسرائيل. هذا، مع العلم أن شرطة إسرائيل تنفّذ أيضا ما تسميه "اعتقالات جنائية" في المناطق الفلسطينية المحتلة نفسها.

لكن هذه المعطيات، هنا، لا تشمل الاعتقالات التي ينفذها "جهاز الأمن العام" (الشاباك) أو الجيش الإسرائيلي.

177393 معتقلاً "غير يهودي"!

وتبين المعطيات أن شرطة إسرائيل نفذت خلال الأعوام الخمسة المذكورة ما مجموعه 295654 عملية اعتقال بحق مواطنين، كان من بينهم 177393 مواطناً "غير يهودي"، أي ما يزيد عن 60% من مجموع تلك الاعتقالات! ومن بين هذه الاعتقالات جميعها، انتهى 59% منها (174436 اعتقالاً) دون تقديم أية لائحة اتهام.

وتبين معطيات الاعتقالات حسب الفئة العمرية أن التوزيعة الإثنية هي ذاتها، تقريبا، بين المعتقلين القاصرين أيضا. فقد اعتقلت الشرطة خلال السنوات الخمس المذكورة 30013 قاصرا عربيا ("غير يهودي")، شكّلوا ("غير اليهود") ما يعادل 56% من مجموع القاصرين الذين اعتقلتهم الشرطة خلال الفترة المذكورة. لكنّ هذه النسبة ترتفع بصورة حادة في حالات الاعتقال بشبهات معينة، إذ وصلت نسبة القاصرين العرب الذين تم اعتقالهم بشبهات "أمنية" إلى 88% من مجموع القاصرين الذين اعتقلتهم الشرطة بهذه الشبهات في السنوات الخمس هذه، بينما كانت نسبتهم 86% من مجموع القاصرين الذين تم اعتقالهم بشبة ارتكاب "مخالفات ضد إنسان آخر".

والنسبة ذاتها بين اليهود والعرب تبقى، أيضا، في عدد لوائح الاتهام التي انتهت إليها تلك الاعتقالات، أي: 60% من الاعتقالات التي انتهت بتقديم لوائح اتهام طالت مواطنين عرباً. وعند التمعن في المعطيات التفصيلية حول الاعتقالات التي انتهت بتقديم لوائح اتهام بشبهة ارتكاب مخالفات محددة، تبدو التوزيعة الإثنية أكثر وضوحاً: ففي مجال الشبهات بارتكاب مخالفات "أمنية"، على سبيل المثال، انتهت 38% من الاعتقالات بين اليهود بهذه الشبهات بتقديم لوائح اتهام، بينما انتهت 64% من الاعتقالات بين العرب بهذه الشبهات بتقديم لوائح اتهام، ما يعني ضعفيّ نسبتها بين اليهود، تقريبا!

علة الاعتقال تختلف باختلاف الانتماء القومي!

تبين المعطيات الرسمية، أيضا، واقع عدم المساواة بين اليهود والعرب في مجال تطبيق القانون في المخالفات المختلفة. فعلى سبيل المثال، اعتقلت الشرطة خلال السنوات الخمس المذكورة 490 شخصاً بشبهة ارتكاب مخالفة "التحريض"، كان من بينهم 426 مواطنا عربيا، أي ما يعادل 86% من مجموع المعتقلين بهذه الشبهة.

غير أن واقع عدم المساواة في مسألة الاعتقالات لا ينحصر في حقيقة أن عدد المعتقلين العرب أكثر بكثير من عدد المعتقلين اليهود، فقط، وإنما تبين المعطيات أن الأمر ينسحب على كل ما يتعلق بعلل الاعتقال، أيضا.

ففي مخالفات "مهاجمة شرطي و/ أو عرقلة عمله"، تم تقديم لوائح اتهام بنسب متساوية ضد اليهود والعرب، على حد سواء، لكن نسبة المعتقلين العرب بشبهة "مهاجمة شرطي في ظروف خطيرة" كانت أعلى بكثير من نسبة المعتقلين اليهود بهذه الشبهة: 56% من المعتقلين بشبهة "مهاجمة شرطي و/ أو عرقلة عمله" كانوا من العرب، بينما ارتفعت نسبتهم من بين المعتقلين بشبهة "مهاجمة شرطي في ظروف خطيرة" إلى 74%. أما عن القاصرين الذين تم اعتقالهم بهذه الشبهة، فقد كانت الصورة أشد قتامة: غالبية المعتقلين بشبهة "مهاجمة شرطي" كانوا من القاصرين اليهود، بينما 86% من القاصرين المعتقلين بشبهة "مهاجمة شرطي في ظروف خطيرة" كانوا من العرب!

ويعود سبب هذا الفارق الكبير جدا في عدد المعتقلين العرب مقارنة بعددهم من اليهود، في أحد جوانبه، إلى ما يندرج في إسرائيل ضمن باب "الأمن"، وهو باب واسع جدا كما هو معروف. فمن النادر أن يتم اعتقال يهود بشبهة ارتكاب مخالفات "أمنية"، بينما يتم هذا بصورة واسعة بين العرب. ومع ذلك، فإن الشبهات "الأمنية" تشكل، في المجمل، 12% فقط من مجموع علل الاعتقال. وهذه الشبهات مختلفة ومتنوعة، في درجة خطورتها وفي العقوبات المترتبة عليها، ومن بينها: مخالفات تتعلق بحيازة أسلحة و"وسائل قتالية"، "رفع العلم الفلسطيني" (رغم أنها لم تعد تشكل مخالفة منذ توقيع اتفاقيات أوسلو)، رمي الحجارة والخيانة والتجسس. ومع ذلك، فليس في وسع هذا النوع من المخالفات تفسير هذه الفجوة الكبيرة جدا بين عدد المعتقلين العرب وعدد المعتقلين اليهود.

ومما يؤكد عمق واقع انعدام المساواة في مجال الاعتقالات، أيضا، أن نسبة المعتقلين اليهود في بعض الشبهات هي أعلى بكثير من نسبة العرب، كما هي الحال، مثلا، في المخالفات الجنسية (65% من المعتقلين بشبهة هذه المخالفات هم من اليهود)، مخالفات الإخلال بالأدب والأخلاق (63% من المعتقلين هم من اليهود) ومخالفات تسبيب الأذى الجسدي (53% من المعتقلين هم من اليهود).

ويستدل من المعطيات الرسمية أن شرطة إسرائيل نفّذت خلال الفترة المذكورة (من 2011 حتى 2015) ما معدّله 160 اعتقالا في اليوم الواحد!

أبرز المعطيات بالأرقام

• مجموع الاعتقالات (بين 2011 و 2015): 295654 شخصاً، من بينهم 11717 يهوديا (36ر39%) و 177570 عربيا (06ر60%).
• مخالفات "أمنية" (رمي حجارة، تحريض، رفع العلم الفلسطيني): 36902 معتقل، من بينهم 3055 يهوديا (28ر8%) و 33769 عربيا (51ر91%).

• مخالفات إخلال بالنظام العام (تهديدات، عرقلة عمل شرطي، تجاوز حدود): 168746 معتقلا، من بينهم 67853 يهوديا (21ر40%) و 387100 عربي (49ر59%).

• مخالفات ضد أشخاص (التسبب بالموت، القتل، رمي حجارة على خلفية قومية): 5072 معتقل، من بينهم 1134 يهوديا (36ر22%) و 3920 عربيا (29ر77%).

• مخالفات جسدية (التسبب بأذى جسماني خطير، الاعتداء على موظف جمهور لدى تأدية وظيفته): 76295 معتقلا، من بينهم 36293 يهوديا (57ر47%) و 39605 عرب (91ر51%).

• مخالفات جنسية (الاغتصاب بالقوة أو بالتهديد، مضايقات جنسية، أعمال مشينة بالقوة): 8328 معتقلا، من بينهم 5146 يهوديا (79ر61%) و 3126 عربيا (54ر37%).

• مخالفات مخلة بالأدب وبالأخلاق (زراعة وإنتاج مخدرات، دفع شخص لممارسة الدعارة، إدارة أو امتلاك بيت دعارة): 26844 معتقلا، من بينهم 15967 يهوديا (48ر49%) و 10805 عرب (25ر40%).

• مخالفات ضد ممتلكات (سرقة، حيازة مسروقات، إشعال حريق): 94832 شخصا، من بينهم 40958 يهوديا (19ر43%) و 53646 عربيا (57ر56%).

• مخالفات غش واحتيال (تزوير، إعطاء شيك بلا رصيد، احتيال ونصب): 10138 معتقلا، من بينهم 3190 يهوديا (47ر31%) و6909 عرب (15ر68%).

• مخالفات اقتصادية (مخالفات مالية، مخالفات ملكية فكرية): 1674 معتقلا، من بينهم 1034 يهوديا (77ر61%) و 634 عربيا (87ر37%).

• مخالفات إدارية: 69 معتقلا، من بينهم 18 يهوديا (09ر26%) و 50 عربيا (46ر72%).

• مخالفات ترخيص (تراخيص سياقة ومركبات، ترخيص مصالح تجارية): 4635 معتقلا، من بينهم 1492 يهوديا (19ر32%) و 3138 عربيا (70ر76%).

• مخالفات مرورية: 1274 معتقلا، من بينهم 426 يهوديا (44ر33%) و 847 عربيا (48ر66%).

• مخالفات أخرى: 8280 معتقلا، من بينهم 1912 يهوديا (09ر23%) و 6363 عربيا (85ر76%).

الأرقام تثبت: شرطة إسرائيل – جهاز عنصري!

هذا، وعقب مركز "عدالة ـ المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل" على هذه المعطيات وما تضمنته بالقول إن "هذه الأرقام تثبت أن شرطة إسرائيل هي جهاز عنصري"!.
وأضاف: "إن نهج التأطير والتنميط الذي تعتمده الشرطة حيال المواطنين العرب هو الذي يجعل أفرادها يعتبرون، مسبقاً ودون أي مبرر، أي عابر سبيل عربي مشتبهاً به، وهو ما يقود في نهاية المطاف إلى ممارسة العنف البوليسي ضد المواطنين العرب وتنفيذ الاعتقالات ضدهم بصورة تعسفية".

وقال مركز "عدالة": "وعلاوة على هذا، تعتمد شرطة إسرائيل إجراءات عينية محددة ضد المواطنين العرب وحدهم، مقصورة عليهم فقط، مثل الاعتقالات الاحترازية بحق نشطاء سياسيين، الاعتقالات بحق قاصرين في ساعات الليل المتأخرة، الاستدعاءات لتحقيقات تنتهي بالاعتقال غالبا وغير ذلك من هذه الإجراءات".

وتطرق مركز "عدالة" في تعقيبه إلى سياسة "وحدة التحقيقات مع رجال الشرطة" ("ماحَش") وممارساتها فأكد أن "مقابل هذا كله، لا تقوم وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة بواجبها القانوني بإجراء التحقيق الجدي، الجذري والمهني في الشكاوى التي تـُقدَّم إليها من قبل مواطنين عرب وباسمهم ضد أفراد الشرطة، بينما يُفترض بهذه الوحدة أن تكون الجسم الذي يقف إلى جانب المواطنين في محاربة ولجم ومعالجة عنف الشرطة وممارساتها التعسفية بحق المواطنين. وبنهجها هذا، إنما تعطي هذه الوحدة الضوء الأخضر للممارسات البوليسية العنصرية والعنيفة".

أما شرطة إسرائيل فرفضت من جانبها التطرق إلى الفجوات الكبيرة جدا التي تكشف عنها المعطيات بشأن معدلات الاعتقال بين العرب مقابل اليهود، واكتفت بالقول: "تنفيذا لوظيفتها في الكشف عن المخالفات والمخالِفين والتحقيق فيها ومعهم، تقوم شرطة إسرائيل بتنفيذ إجراءات وخطوات لتطبيق القانون من ضمنها الاعتقالات، طبقا لما يخولها القانون من صلاحيات وطبقا لعلل الاعتقال المنصوص عليها في القانون، دون أية علاقة بهوية الشخص أو أصله، ولا في حال من الأحوال"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات