المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تدعي إسرائيل أن مظاهر العداء للسامية في أوروبا تتزايد باضطراد في السنوات الأخيرة، وتستخدم إسرائيل، وخاصة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، هذا الادعاء من أجل تمرير سياسات تشجيع هجرة اليهود في أوروبا إلى إسرائيل، والتحذير من محرقة جديدة بحق اليهود.

لكن يتبين في هذه الأثناء أن إسرائيل، وأعضاء كنيست من الائتلاف، يقيمان علاقات مع أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، وحتى مع أحزاب تمثل النازية الجديدة.

وتطرق إلى هذا الموضوع المحاضر في قسم التاريخ العام في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور موشيه تسيمرمان، المتخصص في تاريخ ألمانيا والمحرقة النازية، من خلال مقال نشره في صحيفة "غلوبس"، يوم الخميس الماضي.

وأشار تسيمرمان إلى إحياء العالم في كانون الثاني الفائت، مثلما يجري في كل عام منذ عشر سنوات، "يوم الذكرى العالمي للمحرقة". ويشار إلى أن إسرائيل تحيي ذكرى المحرقة في شهر أيار. وكتب تسيمرمان أن "يوم الذكرى العالمي لا يتطرق إلى المحرقة اليهودية فقط. ووفقا لتعريفه ’العالمي’ فإنه يوم ذكرى لضحايا النازيين جميعا، وهم اليهود والغجر والمعاقون وذوو الاحتياجات الخاصة والمثليون وآخرون".

وأضاف أنه "منذ أن بدأت ألمانيا، قبل عشر سنوات، بإحياء يوم 27 كانون الثاني، وهو يوم تحرير معسكر الإبادة أوشفيتز على أيدي الجيش الأحمر، كيوم ذكرى لضحايا النازية كلهم، إذ كان في أوشفيتز ضحايا غير يهود، اتجه قرار الأمم المتحدة بإحياء هذا اليوم في الاتجاه نفسه. يوجد إذن فرق بين روح إحياء يوم المحرقة الإسرائيلي ويوم المحرقة العالمي".

ورأى تسيمرمان أن لإحياء يوم المحرقة العالمي جانبا هاما إزاء منع جرائم إبادة عرقية في المستقبل.

وكتب أن "ثمة أفضلية في النظر إلى ما بعد المسألة اليهودية فقط، وليس كمحاولة لتقزيم المحرقة، وإنما من خلال وضعها في سياق أوسع. وتعني نظرة كهذه أنه ليس فقط كان هناك ضحايا غير يهود للعنصرية النازية، وإنما أنه ليس بالإمكان القول إن هذه كانت ظاهرة لا يمكن أن تتكرر. وبالطبع، ومع التغييرات المحتملة، فإن الضحايا حينذاك يمكن أن يواجهوا محرقة جديدة، ويمكن للآخرين أيضا أن يواجهوا إبادة عرقية ومحرقة. ولذلك فإنه جيد أنهم توصلوا أخيرا إلى الاستنتاج بوجوب القيام بمجهود دولي في هذا الاتجاه".

لكن تسيمرمان تساءل حول سبب تأخر إحياء ذكرى ضحايا النازيين كلهم 60 عاما من يوم تحرير معسكر الإبادة النازي أوشفيتز. ولفت إلى أنه "في إسرائيل يختزلون يوم الذكرى هذا باتجاه النقاش حول العداء للسامية أولا. ويذكرون في كل عام أن العداء للسامية يتصاعد، ويستنتجون من ذلك أنه لا مفر أمام اليهود سوى الهجرة إلى إسرائيل".

وأردف أنه توجد صعوبة مزدوجة لهذا الادعاء الإسرائيلي، "أولا، لو كان هناك تصعيد دائم في العداء للسامية، لتصرف اليهود في الشتات بشكل آخر، إذ يهاجر إلى إسرائيل 20 ألفا كل عام، وعلى ما يبدو ليس بسبب العداء للسامية فقط. والصعوبة الثانية هي أن إسرائيل تعرف بشكل أوتوماتيكي مواقف مناهضة لإسرائيل على أنها عداء للسامية. وإذا كان الوضع على هذا النحو، يطرح السؤال، لماذا تعتبر إسرائيل ملاذا آمنا أكثر من العداء للسامية؟ ففي نهاية الأمر، اليهود ضحايا العمليات العدائية في إسرائيل والمناطق (المحتلة) أكثر من عددهم في خارج البلاد".

وأضاف تسيمرمان أن "هذا ليس الحساب الخاطئ الوحيد في سياق العلاقات بين إسرائيل والنضال ضد العداء للسامية. ويبدو أننا لم نتعلم تمييز الخطر الحقيقي. ويتضح أن عضو كنيست من المقاعد الخلفية لحزب الليكود دعا عضو مجلس بلدية فيينا من ’حزب الحرية’، وهو يهودي، إلى زيارة البلاد. فهل عضو الكنيست الذكي لم يعرف أن ’حزب الحرية’ هو حزب يميني متطرف، وأنه حزب يورغ هايدر في الماضي، وحزب هانس كريستيان شتراخا في الحاضر؟".

وتابع تسيمرمان أنه "على الرغم من أن شتراخا أذكى من هايدر، لكن ظهر في صفحته في فيسبوك قبل عدة سنوات كاريكاتور معاد للسامية، ما يدل على أن محيطه المعادي للسامية لم يمت. وبالمناسبة، فإن ذلك اليهودي النمساوي، واسمه دافيد لازار، احتل عناوين الصحف قبل خمس سنوات، عندما دعا نجل معمر القذافي، الديكتاتور الليبي، لزيارته".

ورأى تسيمرمان أن "الارتباط بأي شكل مع هذا الحزب اليميني يعتبر أمرا مرفوضا في الساحة النمساوية، مثلما هو مرفوض في ألمانيا بالنسبة لحزب عادي أن يكون مرتبطا بأي شكل مع ’الحزب القومي – الديمقراطي’ وهو ليس إلا حزب النازية الجديدة. ومثلما هو مرفوض في فرنسا التعاون مع حزب لوبن، الأب والابنة. وهذه أحزاب ذكية كفاية كي لا تطلق تصريحات تخرجها عن القانون".

وأوضح تسيمرمان أنه "برغم وجود هذه الأحزاب في البرلمان فإنها تواجه مقاطعة من جانب الأحزاب الشرعية. لكن ها هو سياسي إسرائيلي يكسر مقاطعة ’حزب الحرية’. وينبغي القول إنه كانت هناك محاولة كهذه في الماضي، وحتى أنه كانت هناك مبادرة شبيهة من داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية" في إشارة إلى وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان.

وأشار تسيمرمان إلى أنه "يوجد لشتراخا عذر عندما يحذر من تصاعد العداء للسامية من جانب المهاجرين المسلمين. فهكذا اصطاد عصفورين بحجر واحد: وجه ضربة للمهاجرين الأجانب؛ وفعل ذلك بواسطة المعاداة للسامية. وكذلك حزب اليمين المتطرف، النازية الجديدة، الألماني الذي ينظم المظاهرات العنصرية باسم ’بغيدا’، يدعي بشكل مشابه وحتى أنه يجند علم إسرائيل أو إسرائيليا ضالا لمظاهراته".

وتابع أنه "على غرار سياسيين يمينيين متطرفين آخرين، فإن مارين لوبن الفرنسية أيضا، وكذلك خرت فيلدرس الهولندي، يطرحان نفسيهما كمؤيدين لإسرائيل، من أجل أن يوفرا عذرا ضد ادعاءات العداء للسامية، وبالأساس من أجل الحصول على شرعية سياسية. وللأسف يوجد إسرائيليون يتعاونون مع هؤلاء".

ولفت تسيمرمان إلى أن "أي أوروبي عاقل يعرف من هم شتراخا، لوبن، فيلدرس وأمثالهم. وهو يعرف أيضا أنه تحكم إسرائيل حكومة يمينية. ومنذ نشوء العلاقة بين اليمين الإسرائيلي واليمين الأوروبي، وإضافة إلى أن ذلك اليمين المتطرف والنازي الجديد، توصم إسرائيل بأنها متعاونة مع النازية الجديدة".

وخلص تسيمرمان إلى أنه "من خلال الحماس لإظهار وجود تأييد لإسرائيل كشهادة شرعنة، نزود شهادات شرعنة لنازيين جدد وليمين متطرف ولعنصريين، يتغذون في نهاية الأمر من العداء للسامية ويغذونه حتى لو ظهروا كصالحين. وهذه طريق أساسية وخطيرة أكثر للإساءة لاسم إسرائيل و/ أو التسبب بنزع شرعيتها، أكثر من نشر معطيات حركة ’لنكسر الصمت’".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات