المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما زالت إسرائيل تعيش في خضم عاصفة عقب قيام حركتي اليمين "إم ترتسو" و"عاد كان" بشن هجوم شديد على المنظمات الحقوقية في محاولة لتشويه صورتها وتصويرها كأنها عميلة لأجندات أجنبية، لكونها تتلقى تمويلا من دول وصناديق أجنبية تُعنى بحقوق الإنسان.

وتنشط المنظمات الحقوقية، التي تسمى في إسرائيل "منظمات يسارية" والمستهدفة من حركات اليمين، في مجال حقوق الإنسان، وخاصة حقوق الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967، وتصدر تقارير تكشف عن ممارسات وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عن انتهاكات تُرتكب بحق الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل.

ولا يعتبر هجوم اليمين على المنظمات الحقوقية جديدا، لكنه تصاعد في الفترة الأخيرة في موازاة خطوات أقرتها دول الاتحاد الأوروبي، مثل وسم منتجات المستوطنات وإخراج المستوطنات من إطار التعاون الأوروبي - الإسرائيلي، كما حدث في الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حول المشروع العلمي العملاق "هورايزون 2020". كما يأتي هذا التصعيد في أعقاب اعترافات برلمانية أوروبية متتالية بدولة فلسطين، ونشاط حركة مقاطعة إسرائيل BDS.

وركز هجوم حركتي اليمين بالأساس على منظمتين، هما "بتسيلم – مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية" و"لنكسر الصمت". وهذه الأخيرة هي حركة أسسها جنود إسرائيليون ويتركز نشاطها في جباية إفادات من جنود في الخدمة العسكرية حول ممارسات الجيش وانتهاكات لقوانين الحرب، سواء في الحروب المتتالية على قطاع غزة أو الممارسات اليومية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية.

حملة "مدسوسون"

أصدرت حركة "إم ترتسو"، التي تأسست في العام 2006، مؤخرا، كراسة بعنوان "تقرير المدسوسون – 2015"، وفيلما قصيرا، هاجمت فيهما المنظمات الحقوقية في إسرائيل ووضعت فيهما مبالغ تلقتها هذه المنظمات من حكومات وصناديق أجنبية منذ العام 2012، ومن "الصندوق الجديد لإسرائيل" منذ العام 2008، و"أموال فلسطينية تم التعهد بدفعها" منذ العام 2014.

وقالت "إم ترتسو" في تقريرها إن "’مدسوسون’ هو اسم بحث جديد تصدره حركة ’إم ترتسو’، يبحث ويلخص نشاط 20 منظمة إسرائيلية تعتبر في المجتمع أنها ’منظمات يسارية’ أو كمنظمات ’حقوق إنسان’ وفق المعطيات المتوفرة حتى العام 2015. ويظهر التقرير أن الحديث لا يدور عن هذا ولا ذاك، وإنما عن منظمات مدسوسين".

واعتبرت الحركة أن "منظمات الدعاية السياسية تنشط من الداخل بتمويل واسع النطاق من دول أجنبية، ضد المجتمع الإسرائيلي، ضد جنود الجيش الإسرائيلي وضد قدرة الدولة على الدفاع عن نفسها في الحرب ضد الإرهاب. والمشترك بين الغالبية العظمى لمنظمات المدسوسين التي جرى التدقيق فيها، عدا التمويل الأجنبي الذي يُضخ إليها من دول أوروبا، هو غلاف صورتها وميزانياتها الذي توفره لها المنظمة الأميركية الصندوق الجديد لإسرائيل".

وتابعت أن "قسما من المنظمات تتلقى مئات آلاف الدولارات حتى من صناديق فلسطينية. ومن بين منظمات المدسوسين العشرين التي جرى التدقيق فيها، 15 مدعومة من المنظمة الأميركية الصندوق الجديد لإسرائيل، 4 دافعت قضائيا عن مخربين أو عائلات مخربين، وبعضها هاجم يهودا في موجة الإرهاب الجديدة. وفي دولة اليهود العام 2015 بالإمكان أداء الخدمة الوطنية في منظمات المدسوسين التي تدافع عن مخربين، وتقدم دعاوى ضد جنود أو تشوه صورة إسرائيل في الأمم المتحدة بادعاء أنها دولة أبارتهايد".

وادعت الحركة أن "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل" تلقت مؤخرا مبلغ 50 ألف دولار من "سكرتارية حقوق الإنسان والقانون الدولي" ومقرها في رام الله، وقدمت مساعدة قانونية إلى صبحي أبو خليفة وشروق دويات، المتهمين بتنفيذ عملية طعن.

ونددت الحركة اليمينية بجمعية حقوق المواطن لأنها "عملت من أجل إعادة الدراسة الأكاديمية" للأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وشاركت في الدفاع عن الناشط الحقوقي الفلسطيني شعوان جبارين.

وتابعت أن "رابطة أطباء من أجل حقوق الإنسان" تلقت دعما من "سكرتارية حقوق الإنسان والقانون الدولي"، "وتتهم هذه الرابطة الجيش الإسرائيلي في العالم بممارسة ’التعذيب والتنكيل بالفلسطينيين’ وارتكاب جرائم حرب، وتعمل من أجل وقف سياسة الاغتيالات التي يمارسها الجيش الإسرائيلي. ومنحت رعاية في الماضي لمعرض يصور الجنود الإسرائيليين وكأنهم يطلقون النار على مواطنين فلسطينيين".

وبحسب "إم ترتسو" فإن منظمات "حاخامين من أجل حقوق الإنسان" و"اللجنة ضد التعذيب" و"هموكيد- المركز لحماية الفرد" تتلقى تمويلا فلسطينيا. وهاجمت منظمة "المركز لحماية الفرد" لأنها التمست إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد هدم بيوت مشتبه بهم بتنفيذ عمليات طعن.

واحتجت هذه الحركة اليمينية على سماح إسرائيل بأن يؤدي شبان "الخدمة المدنية" في منظمة "بتسيلم"، وقالت إن هذه المنظمة "نحصل سنويا على مئات آلاف الدولارات من صناديق سياسية أجنبية" وأن "هذه المنظمة المدسوسة تظهر صباح مساء في وسائل الإعلام العالمية وتتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب".

وهاجمت "إم ترتسو" مركز "عدالة" لحقوق الأقلية الفلسطينية في إسرائيل لأنه يعمل ضد سحب الإقامة من أسرى فلسطينيين من القدس الشرقية "ويعارض الصبغة اليهودية لدولة إسرائيل" ولأنه يحصل على تمويل فلسطيني وأوروبي.

وهاجمت منظمة "لنكسر الصمت" لأنها أصدرت في أعقاب العدوان على غزة في العام 2014 كراسة تضمنت شهادات جنود إسرائيليين تؤكد ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب.

وادعت "إم ترتسو" أن هذه المنظمة تلقت تمويلا فلسطينيا بمبلغ 300 ألف دولار لإصدار كراسة الشهادات.

وخلصت "إم ترتسو" إلى أنه "إذا أرادت دولة إسرائيل الاستمرار في الوجود كدولة مستقلة، يهودية وديمقراطية، لا خيار أمامها سوى حل منظمات الدعاية هذه التي تنشط من داخلها بتمويل أجنبي. وعلى دولة إسرائيل فك ارتباط هذه المنظمات مع الصندوق الجديد لإسرائيل".

المدسوسون في المنظمات الحقوقية

استخدمت حركة "عاد كان" (حتى هنا) اليمينية كلمة "مدسوسون" بمفهوم عكسي، وأعلنت أنها دسّت نشطاء لها داخل منظمات، بينها "لنكسر الصمت". وكشفت هذه الحركة عن نشاطها من خلال برنامج "عوفدا" في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي.

ووفقا لهذا البرنامج التلفزيوني، فإن "عاد كان" تمكنت من توثيق قيام سمسار أراض فلسطيني، يدعى "أبو جمال"، من منطقة جنوب جبل الخليل، بالتوجه إلى الناشط اليساري الإسرائيلي عزرا ناوي، من دون معرفة نشاطه، وطرح بيع أراض للمستوطنين.

وبحسب "عاد كان" فإن ناوي أبلغ جهات في السلطة الفلسطينية بنشاط هذا السمسار. وبعد أيام قليلة تم العثور على السمسار ميتا في فراشه.

لكن هذا لم يمنع الشرطة الإسرائيلية من اعتقال ناوي في مطار بن غوريون بينما كان يعتزم السفر إلى خارج البلاد، بشبهة "التسبب بموت مواطن فلسطيني أراد بيع بيوت لليهود".

واعتقل في إطار هذه القضية ناشط إسرائيل آخر والمواطن الفلسطيني نصر النواجعة، الذي يعمل محققا ميدانيا في منظمة "بتسيلم". واتهمت الشرطة الإسرائيلية الثلاثة "بالاتصال مع عميل أجنبي"، في إشارة إلى أجهزة الأمن الفلسطينية.

وبعد اعتقال دام قرابة أسبوعين، أمرت المحكمة المركزية في القدس بالإفراج عن الثلاثة وتحويلهم إلى الاعتقال المنزلي، بعدما أكد القاضي أنه لم يثبت وجود أي علاقة بين نشاط ناوي وموت السمسار، وأن المحكمة الإسرائيلية ليست مخولة بالحكم على نشاط نواجعة وإبلاغه أجهزة الأمن الفلسطينية بشأن السمسار.

وبرغم قرار المحكمة المركزية، توجهت الشرطة إلى المحكمة العسكرية في سجن "عوفر" واستصدرت أمرا بالإبقاء على نواجعة قيد الاعتقال. لكن المحكمة المركزية عادت وأصدرت قرارا بالإفراج عن الناشط الفلسطيني. ولا تزال الشرطة الإسرائيلية تقدم طلبات إلى المحكمة باعتقاله.

وتبين هذه القضية التعاون بين حركات اليمين وأجهزة الأمن ووسائل إعلام في إسرائيل.

"المدسوسون في الثقافة"

في أعقاب حملة "المدسوسون" ضد المنظمات الحقوقية، أعلنت حركة "إم ترتسو" أنها بصدد إطلاق حملة جديدة بعنوان "المدسوسون في الثقافة"، تستهدف فيها أبرز الأدباء والممثلين والمغنين الإسرائيليين.

وتأتي هذه الحملة بادعاء أن الأدباء والفنانين المستهدفين لهم علاقة مع منظمات "بتسيلم" و"يش دين" و"لنكسر الصمت".
وتذكر 'إم ترتسو' في هذه الحملة الجديدة الممثلة المسرحية غيلا ألماغور، والمغنيتين رونا كينان وحافا ألبرشطاين، والأدباء أبراهام يهوشواع وعاموس عوز ودافيد غروسمان ورونيت مطلون، وهم أعضاء في المجلس العام لمنظمة "بتسيلم".

وقالت إن الكاتب المسرحي يهوشواع سوبول عضو في اللجنة العامة لمنظمة "يش دين"، والمغني شأنان ستريت عضو المجلس الدولي لـ"الصندوق الجديد لإسرائيل" وقرأ شهادات جنود حول ممارسات الاحتلال في أمسية نظمتها منظمة "لنكسر الصمت".

وبرر المدير العام لحركة "إم ترتسو"، متان بيلغ، الحملة التحريضية ضد المثقفين بأن الأخيرين ينتقدون حكومة بنيامين نتنياهو.

ردود فعل سياسية

اللافت في هجوم اليمين على المنظمات الحقوقية هو أن السياسيين من أحزاب المعارضة الصهيونية، باستثناء نواب حزب ميرتس، وكذلك وسائل الإعلام باستثناء صحيفة "هآرتس"، لم يتصدوا للحملة اليمينية، وذلك على خلفية الإجماع في إسرائيل حول رفض الانتقادات للجيش ولكل جهاز الاحتلال بشكل عام.

لكن منظمة "لنكسر الصمت" ردت على حملة "إم ترتسو" بفيلم قصير، أشارت فيه إلى أن "إم ترتسو" ترفض الإعلان عن معظم المتبرعين لها. واقتبست "لنكسر الصمت" أقوالا للقس جون هيغي، الذي تبرع لهذه لحركة اليمينية، وادعى في الماضي أن الزعيم النازي أدولف هتلر نفذ رغبة الرب عندما ارتكب المحرقة بحق اليهود.

كذلك قالت "لنكسر الصمت" إن مدير حركة "إم ترتسو"، متان بيلغ، كذب عندما قال إن المنظمات الحقوقية حصلت على تمويل من صناديق فلسطينية.

وقال الناشط اليساري يشاي منوحين إن "هذه الحملة تستبيح دماءنا، وحركات اليمين تعتمد على أجواء الخوف والكراهية ونتيجة لهذه الحملة سيقدم أحد على ارتكاب عمل خطر ما".
وخلافا للصمت العام في إسرائيل إزاء حملة "مدسوسون"، أثار إعلان "إم ترتسو" عن حملتها الجديدة "مدسوسون في الثقافة" ردود فعل كثيرة من جانب سياسيين ووسائل إعلام هاجموا الحركة اليمينية.

وفي أعقاب ردود الفعل هذه، نشرت "إم ترتسو" في صفحتها على موقع "فيسبوك" تعليقا، يوم الجمعة الماضي، جاء فيه "لقد طرحنا منشورا خاطئا حول موضوع هام جدا وجوهري وكان علينا أن نكون حريصين أكثر".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات