المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

انشغلت وسائل الإعلام كثيرا في الأيام الماضية في احتمال أن يخوض رئيس هيئة أركان الجيش الأسبق غابي أشكنازي السياسة، والسؤال المركزي الذي كان يدور أي حزب سيختار؟، وظهر "بسرعة" استطلاع رأي وكأنه يُبلغ أشكنازي أي حزب عليه أن ينضم له. إلا أن أشكنازي في حال قرر خوض السياسة فعلا، سيلمس كسابقيه في سنوات الألفين، أنه في مرحلة لا بريق فيها للقادة العسكريين السابقين، كما كانت حال جنرالات مرحلة تأسيس إسرائيل، مثل موشيه دايّان وإسحاق رابين وغيرهما. وزيادة على هذا، فإن أشكنازي يصل إلى السياسة منهكا من تحقيقات امتدت لخمس سنوات. ورغم أن ملفه تم اغلاقه إلا أنه سيبقى عالقا في الرأي العام كمن طالته قضية فساد.

تسلطت الأضواء الإعلامية على غابي أشكنازي قبل سنوات كثيرة من تبوئه منصب رئيس هيئة الأركان من 2007 حتى 2011، وبالذات حينما كان قائد عصبة جيش الاحتلال في جنوب لبنان، إبان الانسحاب في أيار العام 2000، ولاحقا تبوأ مناصب عسكرية، ومن بينها مدير عام وزارة الدفاع، وجرى رسمه في الإعلام الإسرائيلي كـ "الجنرال المحبوب شعبيا"، وتابعته وسائل الإعلام كثيرا، في نهايات العام 2010، حينما تفجرت فضيحة تقرير مزوّر، تم نسجه في قيادة الأركان ووزارة الدفاع، ويهدف إلى منع تعيين أحد الجنرالات، وتم الزج باسمه كمن عرف ووافق على هذا التقرير. إلا أن التحقيقات التي امتدت على مدى خمس سنوات انتهت بقرار المستشار القانوني للحكومة في الشهر الماضي، كانون الثاني 2016، بإغلاق الملف وعدم تقديم أشكنازي للمحاكمة، نظرا لغياب الأدلة، ما أعاد من جديد لوسائل الإعلام فرضيات دخوله الحلبة السياسية.

إلا أن الجنرال احتياط أشكنازي، ورغم أنه لم يعلن رسميا عن انخراطه في السياسة، يصل إلى الرأي العام منهكا من قضية التحقيقات التي لاحقته، وفي كل معسكر سينضم اليه سيجد في المعسكر الآخر من يلاحقه بقضيته، وهذا سيؤثر أكثر على شعبيته، التي لا يمكن القول إنها فوق العادة.

وقد نشرت صحيفة "معاريف"، بعد صدور القرار استطلاعا للرأي أظهر أن أشكنازي سيحقق قوة اضافية فقط لحزب "يوجد مستقبل"، بينما إذا دخل إلى حزب "العمل"، فإنه سيفقده بعضا من مقاعده البرلمانية الحالية. وهذه معادلة من الصعب تفسيرها، سوى أنه كما يبدو هناك من يسعى إلى توجيه أشكنازي نحو حزب محدد. وأكثر من هذا، هناك شك كبير في ما إذا كان لأشكنازي تأثير على الحزبين، لأنه في استطلاع للرأي نشر في اليوم الأخير من العام الماضي، بمعنى قبل ثلاثة أسابيع من استطلاع "معاريف"، تبين أن حزب "العمل" وتحالفه "المعسكر الصهيوني" كانا سيخسران المقاعد ذاتها، وبخصوص "يوجد مستقبل" تبين أن قوته البرلمانية ارتفعت بدون ذكر أشكنازي.

غياب بريق الجنرالات وشعبيتهم

تتميز الحلبة السياسية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة بغياب نجوم السياسة ذوي الشعبية الجارفة في الشارع. وفي حالة إسرائيل كانوا من الشخصيات المؤسسة للكيان الإسرائيلي، بينما "نجوم" المرحلة، هم خيار اللامفر. فمثلا، يحصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في استطلاعات الرأي ردا على سؤال حول مدى الرضى عن ادائه، في حدود 32%، وهي نسبة شبه ثابتة وأحيانا تعلو بنسبة هامشية، لكن في الرد على سؤال من هو رئيس الوزراء المفضل من بين قائمة أسماء لها دور سياسي حالي، فإن نتنياهو يقفز دائما عن نسبة 50%، بمعنى أنه خيار "اللامفر".

وهذا أيضا بات يسري على الجنرالات البارزين، ففي العقود الخمسة الأولى لإسرائيل كانت منافسة بين الحزبين الأكبرين، "العمل" و"الليكود"، حول عدد الجنرالات في صفوفهما الأولى، ومن منهم في القوائم الانتخابية. وكذا أيضا بالنسبة للأحزاب الموسمية التي كانت تظهر من حين إلى آخر، فهي أيضا كانت تركض وراء جنرال بارز لينضم لها. وأحيانا كان جنرالات كبار يؤسسون قوائم انتخابية جديدة، كما في حالة رئيس الأركان رفائيل ايتان في العام 1988، وبعده رئيس الأركان أمنون ليبكين شاحك في العام 1999، ومعه الجنرال إسحاق مردخاي، وفي العام 1977 كان رئيس الأركان الثاني لإسرائيل يغئال يادين.

وكان آخر الجنرالات الذين حظوا بهالة ما، وشعبية، رئيس الأركان الأسبق إيهود باراك، الذي رئس حزب "العمل" في العام 1997، بعد اغتيال رابين، ورئاسة مؤقتة لشمعون بيريس. ولكن باراك الذي استثمر هذه الشعبية في انتخابات 1999، وفاز برئاسة الوزراء، سرعان ما أطاح به الجمهور بعد 20 شهرا. وحتى حينما عاد إلى رئاسة الحزب في العام 2007، قاده إلى خسارة أخرى في العام 2009، قبل أن يشق الحزب.

ولكن أولئك كانوا من جنرالات حقبة التأسيس وما بعدها، حينما كان هناك وزن أكبر مما هو الآن للقيادة العسكرية، وقيادة الأجهزة الأمنية على مختلف تسمياتها. وساهمت الكثير من العوامل التي رسمت تلك الصورة في تلك السنين، ولكن أيضا يجب الانتباه إلى أنه ليس كل رئيس أركان أو جنرال في تلك الحقبة، حظي بالهالة الشعبية ليدخل بها إلى الحلبة السياسية.

وبعد باراك أو بالتزامن معه ولاحقا، رأينا شخصيات عسكرية دخلت إلى الحلبة السياسية وخرجت منها، دون أن تترك أي أثر لها، أو تكون أحدثت جرفا في الشارع. ونذكر منهم حزب "المركز" في العام 1999، وضم كما ذكر رئيس الأركان أمنون ليبكين شاحك والجنرال البارز إسحاق مردخاي وغيرهما، إلا أن حزبهما انهار بدورة برلمانية واحدة، وتبخر من الخارطة السياسية.

ونذكر أيضا رئيس الأركان شاؤول موفاز، الذي دخل الحلبة السياسية في نهاية العام 2002، وكان وزيرا حتى العام 2006، دون أن يكون نائبا في الكنيست، وفي ذلك العام بات عضو كنيست أيضا، وقاد لاحقا حزب "كديما"، وانهار في فترة رئاسته له. وحتى حينما انسحب موفاز من السياسة قبيل انتخابات 2015، لم يجد من يطلب منه البقاء في حزب آخر.

النواب الجنرالات في الدورات الأخيرة

في الولاية البرلمانية الحالية هناك عدد من أبرز الجنرالات ورؤساء الأجهزة الاستخباراتية، على الأقل، ممن معروف عملهم السابق، ونستطيع القول إنه باستثناء موشيه يعلون وزير الدفاع، والذي هو أيضا ليس مركز قوة في حكومته، فإن باقي الجنرالات هم في الظل، إن كانوا في الائتلاف أما المعارضة، ونذكر منهم:

آفي ديختر: رئيس جهاز المخابرات العامة من العام 2000 وحتى العام 2005، وحينما انتهت ولايته صدرت التوقعات من دون حدود، ووصلت إلى درجة التكهن بقيادته لواحد من الأحزاب الكبرى، وما تم على أرض الواقع أن ديختر انضم إلى حزب "كديما" الذي أقامه أريئيل شارون، فور انشقاقه مع مجموعة نواب عن حزب "الليكود" الذي كان يرأسه. ودخل إلى الكنيست لأول مرة في العام 2006، وتولى منصب وزير الأمن الداخلي، ولكنه في ذلك الحين لم يكن نجما ساطعا في حكومة إيهود أولمرت.

وفي انتخابات 2009، بات ضمن كتلته "كديما" في المعارضة، وحاول المنافسة على رئاسة "كديما" إلا أنه حصل على نسبة هامشية أبقته أكثر في الظل، وفي تلك الولاية البرلمانية، ظهر ديختر كالمبادر الأول لقانون ما يسمى "دولة القومية اليهودية"، الذي أعد لأول مرّة في أحد معاهد اليمين الصهيوني المتشدد، حسب ما نشر في حينه: "معهد الاستراتيجية الصهيونية". ولاقى مشروع القانون معارضة في "كديما" ومن رئيسة الحزب تسيبي ليفني، نظرا لطابعه العنصري الشديد، ولاحقا طرأت تحولات لدى ليفني حينما كانت وزيرة عدل في حكومة بنيامين نتنياهو في العام 2013، وقبلت من حيث المبدأ بالقانون.

وقبيل انتخابات مطلع العام 2013، وحينما وقع انشقاق في حزب "كديما"، خرج ديختر من صفوف الحزب والتجأ إلى حزب "الليكود"، وخاض الانتخابات الداخلية، ولم ينجح في الفوز بمقعد برلماني. وقبيل انتخابات 2015، كرر ديختر المحاولة، وحل في المقعد الـ 25 الذي لم يكن واقعيا بموجب استطلاعات الرأي التي كانت تصدر تباعا، ولكن الليكود فاجأ وحصل على 30 مقعدا. غير أن ديختر رئيس "الشاباك" لم يكن في حسابات نتنياهو، وهو الآن نائب في الائتلاف، من أصل 7 نواب في كتلة الليكود، لا يتولون مناصب برلمانية وحكومية تذكر.

يعقوب بيري: رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" من العام 1988 وحتى العام 1995، ورغم الحديث عنه منذ أن أنهى ولايته في ذلك العام، بأنه مرشح للدخول إلى السياسة، وكان فاعلا ميدانيا، إلا أنه اتجه إلى عالم الاقتصاد، ودخل السياسة متأخرا في الانتخابات البرلمانية مطلع العام 2013، ضمن حزب يائير لبيد "يوجد مستقبل"، وكان الوجه "الأمني" الأبرز في الحزب وما زال، إلا أنه في حكومة بنيامين نتنياهو لم يحصل على حقيبة تلائم ماضيه العسكري- الأمني، بل حصل على حقيبة "العلوم"، وهو الآن ضمن كتلة حزبه في صفوف المعارضة.

يوآف غالانت: تم تعيينه في العام 2010 رئيسا للأركان، ولكن تم الغاء التعيين بعد أيام، وقبل أن يتولى مهامه رسميا، على خلفية قانونية البناء في بيته، واعتدائه على أرض عمومية، وهي قضية تبين لاحقا أنها ليست دقيقة، ولكن تفجر القضية في حينه كان كافيا لخسارة المنصب. وهو من أبرز جنرالات الجيش في السنوات الأخيرة، وكان قائدا لمنطقة الجنوب، وخاض الحرب على غزة في نهاية العام 2008، وحتى الاسابيع الأولى من العام 2009. ودخل إلى السياسة في انتخابات العام الماضي 2015، ضمن حزب "كولانو" الجديد بزعامة موشيه كحلون، ليكون "الوجه الأمني" لقائمة الحزب. ويتولى في الحكومة الحالية حقيبة الاسكان، بمعنى ليست أمنية، ولا يوجد له أي دور أمني يذكر في الحكومة الحالية.

موشيه يعلون: وزير الدفاع، وهو رئيس أركان الجيش من العام 2002 إلى العام 2005، وكان قبل ذلك رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية، وانضم إلى السياسة في الانتخابات البرلمانية 2009، ضمن كتلة الليكود، ولكن في ذلك العام لم يحصل على الحقيبة التي توخاها (الدفاع)، التي أسندها بنيامين نتنياهو إلى حليفه رئيس حزب "العمل" في حينه إيهود باراك، وفي المقابل حصل على حقيبة ما يسمى "التهديدات الاستراتيجية"، وتولى حقيبة الدفاع في حكومتي نتنياهو السابقة والحالية، ولا يمكن القول إن يعلون يشكل مركز ثقل أو ضغط في حكومته، أو أنه ذو وزن فوق العادة، كما كان وزن من سبقه في عقود خلت.

شخصيات أمنية: نذكر في الدورة البرلمانية الحالية أيضا الناطق العسكري السابق في مطلع سنوات التسعين نحمان شاي من حزب "العمل" وكتلة "المعسكر الصهيوني". وميكي ليفي القائد الأسبق لشرطة الاحتلال في القدس المحتلة في سنوات التسعين، وهو نائب معارضة اليوم ضمن كتلة حزبه "يوجد مستقبل". والناطقة العسكرية الأسبق ميري ريغف، من تتولى اليوم حقيبة الثقافة عن حزبها الليكود. وعلى الرغم من الفرق في الرتب والمهام العسكرية التي كانوا تولوها، إلا أن أمثالهم في سنوات سابقة كانت لهم وظائف وأدوار حكومية وبرلمانية، أعلى مما هم فيه حاليا.

أشكنازي والواقع

غابي أشكنازي هو الاسم الثاني في هذه المرحلة إلى جانب غدعون ساعر. وتحاول وسائل الإعلام، أو جهات سياسية تنشط من وراء الكواليس، إطلاق بالونات اختبارية حولهما للانتخابات البرلمانية المقبلة، التي لا تلوح مرحليا في الأفق، ولكنها قد تباغت الحلبة الإسرائيلية، لربما حتى نهاية العام أو في بحر العام المقبل.

وإذا ما استندنا إلى تجربة السنين فإن أشكنازي وأيضا ساعر سينتظران وقتا أطول ليعلنا خوض السياسة، إذا كان هذا في أجندتهما. ولذا فإن كل الاستطلاعات والتقارير التي تظهر أبعد بكثير من أن تكون قادرة على رسم ملامح الانتخابات المقبلة منذ الآن.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات