المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكد ناحوم برنياع، كبير المحللين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الخطوات التي يتخذها رئيس الحكومة الإسرائيلية في مواجهة العمليات التي تضعضع أمن السكان الإسرائيليين على غرار عملية تل أبيب يوم الجمعة الماضي، تكشف عريه وخوفه وضعف شخصيته.

وكتب برنياع أمس أن أسبابا عديدة تجعل من هجوم تل أبيب الذي وقع يوم الجمعة الماضي حادثاً خطيراً بصورة خاصة، ومنها أولاً: استخدام السلاح الناري؛ ثانياً: عدد المصابين؛ ثالثاً: كون القاتل من العرب في إسرائيل؛ رابعاً: فرار القاتل مع سلاحه سالماً؛ خامساً: هوية القتلى وكونهم مدنيين وليسوا جنوداً. ويمكن أن نضيف سبباً سادساً هو مكان وقوع الهجوم، فإن هجوماً إرهابياً على كريات غات أو بئر السبع أو مفرق طرق في غوش عتسيون لا يعني أحداً خارج دولة إسرائيل، لكن هجوماً يقع في قلب تل أبيب هو خبر دولي.

وأضاف: بطبيعة الحال تتوجه أنظارنا إلى رئيس الحكومة. ويصح هذا على كل رئيس حكومة وبصورة خاصة على نتنياهو في ولايته الرابعة. ففي الحكومة الحالية هو المسيطر: نحو ثلث الحقائب في يده، ولا ينافسه أحد من الوزراء، كما أن المعارضة ضعيفة ومذعورة، وليس هناك غيره في السراء والضراء. ولا يعني هذا أنه يعتبر مسؤولاً عن كل أمر سيئ يحدث هنا. لكن يتعين البحث عن مسؤولية نتنياهو في أماكن أخرى. فعندما زار مكان الهجوم في نهاية يوم السبت، اتهم القطاع العربي بأنه دولة داخل الدولة. وقال إنه في دولة العرب "يوجد سلاح غير شرعي يستخدم في أوقات كثيرة في إطلاق النار في الأعراس والأفراح وكذلك في حوادث إجرامية".

ومضى قائلاً: هذا كله صحيح باستثناء حقيقتين. الأولى هامشية وعرضية. فالسلاح المستخدم هنا كان شرعياً بصورة مطلقة مثل كل سلاح يقترح وزراء الليكود السماح لأي مواطن بحمله. أما الحقيقة الثانية فجوهرية، وهي وجود تقصير في تطبيق القانون في القطاع العربي، وهذا يتحمل مسؤوليته نتنياهو. فخلال السنوات السبع الأخيرة كان هو رئيساً للحكومة. وخلال تلك الفترة كرر أعضاء الكنيست العرب وعلى رأسهم أحمد الطيبي تحذيراتهم، وقالوا له إن القطاع العربي يطفح بالسلاح غير الشرعي وبالعنف والجريمة، افعل شيئاً ما. نتنياهو أهمل الموضوع. والآن بعد أن أصبح مطروحاً على جدول الأعمال، ها هو يلقي بتقصيره على عاتق غيره.

وختم برنياع: لا يملك نتنياهو حلاً لموجة العنف التي تمر بها الدولة. وفي الحقيقة، ليس لدى الآخرين أيضاً في هذه اللحظة صيغة سحرية، لا لدى المؤسسة السياسية ولا لدى المؤسسة الأمنية. إن الزعيم الحقيقي هو الذي يخاطب مباشرة جميع مواطني دولته ويقول لهم الحقيقة. لكن ليس هذا ما يفعله نتنياهو، فهو يبحث عن متهمين بالتقصير، والمتهم المباشر والسهل هو الجمهور العربي في إسرائيل. ومثلما فعل من خلال الإعلان الكاذب يوم الانتخابات، فإنه يدفع اليهود والعرب في إسرائيل إلى مواجهة في ما بينهم، هذا القطاع ضد ذاك. ولا تنطوي هذه الخطوة في الوقت الراهن على فائدة سياسية. فالانتخابات بعيدة، وبالتأكيد هي ليست مفيدة أمنياً، وأكثر ما تكشفه هو عري نتنياهو وخوفه وضعف شخصيته.

بموازاة ذلك أنشأت صحيفة "هآرتس"، أمس، افتتاحية قالت فيها إن لرئيس الحكومة تعريفا جديدا لشعار "دولتين لشعبين" هو: شعب أول، الشعب اليهودي "إسرائيلي حتى النهاية" ليس ملوثاً بالإرهاب وهو موال للدولة حتى العظم، وشعب ثان، عربي في إسرائيل، والأصح إسلامي في إسرائيل، يسكن في جيوب لا تخضع للقانون، يجمع السلاح ويعنى بالتحريض الإسلامي وبالإرهاب. رسمياً هم مواطنو الدولة عينها، لكن شعورياً، بحسب نتنياهو، هما شعبان متعاديان.

وأضافت: عندما يتحدث رئيس الحكومة عن عدم استعداده لقبول "دولتين في إسرائيل: دولة قانون لأغلبية مواطنيها، ودولة داخل الدولة لجزء من المواطنين في جيوب لا يطبق فيها القانون، ويمارس فيها التحريض الإسلامي وفيها سلاح غير شرعي بكميات وفيرة"، فإن السؤال المباشر هو: من الذي منع نتنياهو من تطبيق القانون حتى الآن؟ ومن أوقفه عن إقامة مراكز للشرطة، والدفع قدماً بالتعليم وتبني العرب ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسرائيلي؟

لكن برأي الصحيفة فإن أكثر ما يثير القلق هو الاتهام الجارف للأقلية العربية. فكلمات مثل "جيوب" و"تحريض إسلامي" و"سلاح بوفرة"، ليسس المقصود بها مواطنون أفراد منخرطون في الإرهاب والجريمة. فمن الواضح لكل إسرائيلي، عربياً كان أم يهودياً، ما هي هذه "الجيوب" وأين تقع. إنها تلك التي يقطنها نحو 20% من سكان إسرائيل.

وتابعت: لا توجد لنتنياهو الذي يثور ضد الاتهام الجماعي الموجه إليه من قبل الصهيونية الدينية، أو من قبل الحاخامين والقاطنين في المستوطنات - الذين هم أيضاً كان يمكن اعتبارهم جيوباً لا يطبـق فيها القانون الإسـرائيلي ويوجــد لديهـم السلاح بوفرة - مشكـلة في رسم خطوط فصل عنصري. وبالنسبة إليه، مثلما "هدد" العرب باحتلال صناديق الاقتراع، فهم اليوم العدو الذي يهدد بتدمير الدولة بالإرهاب. وهؤلاء العرب، يشكو نتنياهو، بدلاً من أن يكونوا ممتنين لسخاء الحكومة فإنهم يعضون اليد التي تطعمهم، كأنهم حيوانات أليفة نسيت دروس ترويضها.

وختمت: يبدو أنه لم يعد في الإمكان إغلاق النبع الكريه الذي يستمد منه نتنياهو ترهاته ويملأ بها فضاء الخطاب الإسرائيلي. لكن يمكن بناء خطاب بديل مواز لخطاب رئيس الحكومة العنصري، خطاب يوضح بصورة لا لبس فيها أن كون المرء "إسرائيلياً حتى النهاية"، متمثل في المكانة الطبيعية التي لا جدال فيها لكل مواطن في الدولة، يهودياً كان أو عربياً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات