المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تقرير حكومة إسرائيل المالي عن العام 2016، الذي نشر في الأيام الأخيرة، أبرز العجز المالي الحاصل في مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني)، وحقيقة أن الدعم الذي ستضطر الدولة لتقديمه للمؤسسة في السنين المقبلة سيرتفع باستمرار، وسيصل إلى مستوى عشرات مليارات الشواكل، وستكون على حساب ميزانيات أخرى. فإذا قامت الحكومة في العام 2014 بتحويل 19 مليار شيكل لدعم نشاط مؤسسة التأمين، فإن هذا المبلغ سيرتفع في العام 2035 إلى 39 مليار شيكل في السنة.

ويعود سبب هذا الارتفاع الحاد في العجز المتوقع إلى التعديل الذي أجرته مؤسسة التأمين على التوقعات الديمغرافية، بناء على ارتفاع معدل الأعمار. ولهذا فإن النظرة إلى هذه المشكلة وكأنها خاصة بالمؤسسة، ويجري حلها في الغرف المغلقة، هي خطأ. وهذا ما يقوله البروفسور آفي بن بسات، من الجامعة العبرية، وفي الماضي كان مديرا عاما لوزارة المالية ومسؤولا كبيرا في بنك إسرائيل المركزي.

يقول بن بسات إن مؤسسة التأمين ليست شركة تجارية، وليس صدفة أن المصطلح الأميركي للضريبة التي تدفع للمؤسسة هو "ضمان اجتماعي"، ولذا فمن الأصح التعامل مع مؤسسة التأمين على أنها وزارة حكومية. فالتأمينات في المؤسسة تشكل ما بين 7% إلى 10% من نشاطها لأن مخصصات الأولاد وضمان الدخل، ومخصصات الشيخوخة، ليست تأمينات إصابات وحوادث. وفي شركات التأمين، فإن رسوم التأمين الشهرية التي تدفعها، مقرونة بمدى الخطر لديك في حال وقع حادث، مثل طبيعة العمل والعمر، وعلى هذا الاساس فأنت تتلقى مقابل الاصابة. بينما في مؤسسة التأمين الوطني الأمر مختلف، ولا علاقة لحجم ما تدفعه بما ستحصل عليه، بل إن الرسوم الشهرية مرتبطة بحجم الدخل، وليس بموجب الأخطار المتوقعة منك. فكلما زاد مدخولك، كانت الرسوم التي تدفعها للتأمين الوطني أعلى، حتى الوصول إلى سقف رسوم أعلى. كما أنك مستحق لمخصصات شيخوخة ثابتة، وفق مقاييس عامة، مرتبطة بعدد سنوات العمل، وليس بحجم مدخولك. وعمليا فإن رسوم التأمين هي ضريبة اضافية مفروضة على المواطنين، وتدخل إلى خزينة الدولة، مثل ضريبة الدخل وضريبة المشتريات والشركات.

والحقيقة التي نعرفها على مدى السنين أنه حتى فترة سابقة كانت مداخيل مؤسسة التأمين الوطني أعلى من مصروفها، إلا أنها هذا سينقلب مستقبلا، وهذا ليس مجرد أمر تقني، بل هو مرتبط بالتغيرات الديمغرافية الجارية في إسرائيل. وكي نفهم التغيير الديمغرافي الظاهر في التقرير المالي الذي عرضته الحكومة، علينا تحليل التوقعات الديمغرافية، التي نشرها مؤخرا المجلس الوطني للشؤون الاقتصادية.

وحسب تلك التوقعات فإن عدد أبناء 65 عاما وما فوق في إسرائيل، من المتوقع أن يزداد من 939 ألفا في العام 2015، وشكلوا في حينه 1ر11% من اجمالي السكان، إلى 9ر1 مليون شخص في العام 2040، ليشكلوا نسبة 3ر14% من اجمالي السكان. أما أبناء 80 عاما وما فوق، فإنه سيرتفع من 240 ألفا في العام 2015، حينما شكلوا نسبة 8ر2% من اجمالي السكان، إلى 622 ألفا في العام 2040 ليشكلوا نسبة 7ر4% من اجمالي السكان.

ومن المهم فهم أن هذه ليست مشكلة في مؤسسة التأمين الوطني، وإنما وتيرة حياتية، يجب مواجهتها على المستوى الوطني. فلارتفاع معدل الأعمار وارتفاع نسبة المسنين في المجتمع انعكاسات اقتصادية واسعة، أكبر بكثير من مسألة العجز في ميزانية مؤسسة التأمين.

ويقول البروفسور طال شفيط، نائب عميد كلية ادارة الأعمال والاقتصاد، إن "ارتفاع معدل الأعمار يتطلب توفيرا أكبر بكثير في الأجيال الشابة. فبعد 20 إلى 30 عاما، سيكون عدد المسنين أكبر، مع راتب تقاعدي بسيط نسبيا".

ويضيف شفيط أنه "بموجب النموذج الاقتصادي الأساسي، فإن المال الذي لدى الشخص في جيل مبكر يحصل عليه من والديه، وأشخاص مع راتب تقاعدي منخفض سيضطرون لاستخدام ممتلكاتهم كي يمولوا صرفهم الجاري، ما يعني أنه لن يبقى شيئ ليورثوه للأولاد. من دون ورثة فإن النمو الاقتصادي سينخفض، والصعوبة في شراء بيت ستشتد. عدا هذا، ستكون هناك صعوبة في تنفيذ مشاريع "إخلاء- بناء" خاصة إذا كان الساكنون من المسنين (بمعنى تجريف أبنية في مناطق ما، وبناء مشاريع اسكانية على ذات الارض بأعداد بيوت أكثر). كما أنه في سوق العمل، فإن ارتفاع معدل الأعمار سيؤدي إلى ارتفاع جيل التقاعد. وحينما لا يتم إخلاء الوظائف، فإن الأجيال الشابة ستجد صعوبة في الدخول إلى سوق العمل".

إن ارتفاع معدل الأعمار هو مشكلة عالمية، وبالأساس في العالم المتطور، إلا أنه في قسم كبير من الدول الغربية، في مقابل ارتفاع معدل الأعمار فإن نسبة الأجيال الشابة في تراجع، بفعل معدلات الولادة المنخفضة. وليس هذا هو الحال في إسرائيل. وبموجب المجلس الوطني للشؤون الاقتصادية، فإن نسبة من هم في عمر صفر إلى 19 عاما من بين السكان ستبقى ثابتة، كما كانت في 2015 وحتى العام 2040، وهي نسبة 35% من اجمالي السكان، ما يعني أنه فقط نصف السكان سيكونون في جيل العمل، في العام 2040.

يضاف إلى هذا أن استمرار التكاثر الديمغرافي بالوتيرة الحالية، يعني استمرار دفع مخصصات كبيرة للأولاد، ولزيادة ميزانيات التعليم، وغيرها من تلك التي تخدم الأجيال الشابة.
إن وتيرتي ارتفاع أعداد المسنين، وارتفاع نسب التكاثر الطبيعي، تتحركان كالمقص على ظهر الاقتصاد الإسرائيلي. وإذا ما ربطنا هذا بمستوى الانتاجية المنخفض، وانخفاض نسبة الانخراط في سوق العمل لدى جزء من الجمهور، فإن المستقبل لا يبدو ورديا، وفي إسرائيل لا توجد اليوم برامج للمدى الطويل تتعامل مع هذا الوضع.

 

(صحيفة "ذي ماركر")

 

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات