تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 4213

الحيثيات والتبعات

مقدمة

اتخذت الحكومة الإسرائيلية، بتاريخ 13 أيار 2018، القرار رقم 3790 وعنوانه "تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الاقتصاد في القدس الشرقية". حكومة إسرائيل، “قرار 3790: تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الاقتصاد في القدس الشرقية” (الحكومة الإسرائيلية الـ 34, 2018) انظر الرابط التالي: https://www.gov.il/he/departments/policies/dec3790_2018#fileForDownloads أحد أهم بنود القرار هو "تخطيط الأراضي وتسجيلها"، والذي ستقوم إسرائيل بموجبه، من خلال لجنة تشرف عليها وزارة العدل الإسرائيلية، بتسوية كل أراضي القدس الشرقية المحتلة، وستنتهي أعمالها مع نهاية العام 2025. كان من المفترض أن تنجز إسرائيل تسوية 50% من أراضي القدس الشرقية خلال الربع الأخير من العام 2021 (تشرين الأول- كانون الأول)، لكن العملية تبدو معقدة، وتتوقع إسرائيل ألا تمر بهدوء في كل أحياء القدس الشرقية، وعليه فضلت "لجنة التسوية" المسؤولة عن العملية أن تبدأ بتسوية أحواض تجربة (pilot) في مناطق متفرقة، إلا أن انتشار وباء الكورونا في العام 2020-2021 أدى إلى أن تسير العملية ببطء، لكن أيضاً بثبات.

في ظاهر القرار، تدعي إسرائيل أن تسوية أراضي القدس الشرقية من شأنه: أن يزيد دخل بلدية القدس بمئات ملايين الشواكل، وأن يزيد دخل المقدسيين الذي سيتمكنون من الاستفادة من التسوية، وتخصيص نحو 550 ألف متر مربع من البناء لصالح مناطق صناعية ستستوعب قوة عمل فلسطينية. لكن في جوهر القرار، يمكن أن تُستخدم التسوية، وبشكل فعال وغير قابل للعودة عنه، للمضي قدماً في المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي سيصادر أراضي شاسعة من القدس الشرقية ويسجلها رسمياً أملاك دولة، أو أملاكاً يهودية.

يأتي قانون تسوية أراضي القدس الشرقية، الذي يطبق ما بين 2018-2025، بعد أكثر من نصف قرن على احتلال القدس الشرقية وضمها إلى السيادة الإسرائيلية. صادرت إسرائيل خلال هذه السنوات مناطق شاسعة من القدس الشرقية لصالح كتل استيطانية كبرى، حاصرت التمدد الطبيعي للمقدسيين، وخلقت حقائق جديدة داخل الفضاء المكاني. هذا يعني أن تسوية أراضي القدس الشرقية بناء على وقائع اليوم (2018-2025)، وليس بناء على ما كان عليه الأمر عشية الاحتلال (1967) سوف لن يثبت التغييرات الاستعمارية في القدس الشرقية وحسب، إنما أيضاً سيمضي قدماً في سرقة المزيد من الأراضي بشكل فجائي وتحت مسوغات "قانونية".

تعرض ورقة تقدير الموقف هذه في القسم الأول السياق التاريخي لتسوية الأراضي في فلسطين. وفي القسم الثاني، تركز الورقة على القدس الشرقية والتغييرات الجوهرية التي طرأت على أوضاع مساحات شاسعة من القدس نتيجة المصادرات والتوسع الاستيطاني. وفي القسم الثالث، تقدم الورقة قراءة معمقة في البند المتعلق بتسوية الأراضي، والمشمول ضمن قرار 3790، وترصد تطور العمل خلال العامين 2019-2020. وتحاول الورقة في القسم الأخير أن تقرأ تبعات عملية التسوية على مدينة القدس الشرقية. وتستند الورقة إلى قراءة معمقة في وثائق صادرة عن الحكومة الإسرائيلية، بلدية القدس ومراكز بحثية إسرائيلية.يتقدم مركز مدار بجزيل الشكر للأستاذ منير مرجية، مسؤول وحدة المناصرة الدولية في مركز العمل المجتمعي، على ملاحظاته المهمة في كتابة هذه الورقة، ومراجعته لها.

أولاً- السياق التاريخي لتسوية أراضي فلسطين

عملية تسوية الأراضي هي إحدى وظائف الدولة، وتهدف إلى ترسيم حدود كل قطع الأراضي وتحديد ملكياتها بشكل نهائي غير قابل للطعن من خلال إصدار شهادات طابو. بدأت عملية تسوية أراضي فلسطين في عهد الانتداب البريطاني في العام 1928، ولاحقاً استندت إسرائيل (داخل دولة إسرائيل) والحكومة الأردنية (في الأراضي المحتلة قبل 1967) إلى أسلوب التسوية الذي بدأته بريطانيا والمسمى بـ "طريقة تورينز" (Torrens title). تقوم "طريقة تورينز" على ثلاثة مبادئ: أولاً، دقة متناهية في ترسيم حدود قطع الأراضي بهدف إصدار خرائط حيازة (Cadastre map)، وتحديد صاحب ملكية كل قطعة من خلال شهادة طابو. ثانياً، خرائط الحيازة تكون نهائية ولا يمكن الطعن بها عند نهاية عملية التسوية. ثالثاً، الدولة الحاكمة تكون مسؤولة عن صحة التسوية. ماعين نيشر, “البناء غير القانوني والصراعات الدموية ومليارا شيكل في السنة: ثمن عدم وجود حقوق ملكية على الأراضي في القدس الشرقية” (القدس: معهد القدس لبحث السياسات, 2018), https://urbanclinic.huji.ac.il/sites/default/files/urbanclinicheb/files/nshr_hsdr_mqrqyn.pdf. المبدأ الثالث يعتبر مهماً جداً، ليس فقط لأنه تعبير عن سيادة الدولة التي تدعي أحقيتها في تسوية الأراضي التي تسيطر عليها، وإنما لأن "صحة التسوية" التي ستكون الدولة مسؤولة عنها تستند بالأساس إلى قوانين وتشريعات الدولة نفسها، وإلى تفسيرات الدولة الحصرية لتلك التشريعات والتي تستخدمها لخدمة أهدافها العامة، كما سيتضح أدناه من قيام إسرائيل بتجيير قوانين مختلفة (مثل مصادرة أراضٍ للصالح العام، وقانون أملاك الغائبين) للوصول إلى تسوية تدعم الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية.

لكن بريطانيا لم تستكمل تسوية كل أراضي فلسطين.
فيما يخص إسرائيل، استمرت عملية التسوية فيها بعد قيامها بحيث تم تسوية نحو 96% من الأراضي (أكثر من 17700 حوض، ونحو مليون قطعة أرض). فيما يخص الأرض المحتلة عام 1967 (بما يشمل بطبيعة الحال القدس الشرقية) قامت الأردن باستخدام سيادتها خلال فترة الحكم الأردني (1948-1967) في محاولة لاستكمال تسوية الأراضي، لكنها أيضاً لم تنته، وتركت أراضي شاسعة بدون تسوية.

اتخذت اسرائيل بعد الاحتلال عام 1967 قرارين كانت لهما أبعاد استراتيجية على مستقبل الأرض المحتلة.

1. القرار الأول كان في ضم مدينة القدس وفرض السيادة الإسرائيلية عليها. تم بتاريخ 27 حزيران 1967 توسيع حدود مدينة القدس بنحو 70 كم مربع لتصبح "القدس الشرقية" منطقة تمتد من أم طوبا جنوباً وحتى كفر عقب شمالاً على مساحة إجمالية تقدر بنحو 100 كم مربع. ثم فرضت إسرائيل السيادة الإسرائيلية على المدينة، بحيث أصبحت القدس الشرقية تتبع للقانون الإداري لدولة إسرائيل، بينما ظلت باقي أراضي الضفة الغربية تحت الحكم العسكري.

2. يتعلق القرار الثاني بأراضي الضفة الغربية (باستثناء القدس). فقد أصدرت الإدارة العسكرية الاسرائيلية القرار رقم 291 لعام 1968. بموجب القرار، لم يتم إلغاء الأراضي التي قامت الحكومة الأردنية بتسويتها، وإنما جمد العملية عند اللحظة التي وصلت إليها، وألغى كل إجراءات التسوية التي كانت قائمة ولم تنته بعد.

ظلت فكرة تسوية الأراضي (في الضفة الغربية والقدس الشرقية) مطروحة على أجندة إسرائيل منذ تلك الفترة، لكن إسرائيل أجلت عملية تسوية الأراضي أكثر من نصف قرن بهدف تثبيت حقائق جديدة على الأرض قد تحول العديد من الأراضي غير المسواة بعد إلى أراضي دولة. اليوم، يمكن النظر إلى الأرض المحتلة عام 1967 على أنها مقسمة إلى ثلاثة أقسام:

1. أراضي منطقة A وB: بموجب اتفاق أوسلو فإن هذه الأراضي (تشكل نحو 39% من مساحة الضفة الغربية) تقع تحت المسؤولية الإدارية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي هي خارج مشروع تسوية الأراضي الإسرائيلي.

2. أراضي منطقة C: تمكنت الأردن حتى العام 1967 من تسوية نحو ثلث الأراضي فقط، تاركة نحو ثلثين بدون تسوية. في إسرائيل، المسؤول عن تسوية أراضي منطقة C هي الإدارة المدنية من خلال مكتب تسجيل الأراضي التابع لها والمنتدب من قبل وزارة العدل الإسرائيلية. في السنوات القليلة السابقة، قررت إسرائيل، مبدئياً، استحداث تسوية لكامل أراضي C والتي ستشرع بها حالما تنتهي من البت في بعض الأمور الإجرائية.وليد حباس، "تسوية أراضي الضفة الغربية (مناطق ‘ج’) مشروع إسرائيل القادم؟ ," ملحق المشهد الإسرائيلي- مدار, 15 شباط 2021. انظر الرابط التالي: https://bit.ly/3Dj9hu4 وقد حذر تقرير لمراقب الدولة الإسرائيلية من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بعمليات تسوية لأراضي منطقة C على عاتقها الخاص، وبدون استشارة إسرائيل بحيث أنها خصصت طاقم عمل مكون من مئات الموظفين لهذا الغاية.Comptroller, “Annual Audit Report 70c,” Staff Officers in the Civil Administration in the Judea and Samaria Area (Jerusalem: State Comptroller’s Office, 2020), https://www.mevaker.gov.il/sites/DigitalLibrary/Pages/Reports/3602-7.aspx.

3. القدس: حتى العام 1967، تمت تسوية 10% فقط من أراضي القدس الشرقية. بيد أنه بخلاف أراضي المنطقة C، فإن تسوية الأراضي في القدس تقع ضمن المسؤولية المباشرة لوزارة العدل الإسرائيلية.

في بلد غير خاضع للاستعمار، فإن تسوية الأراضي لها أهمية بالغة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي للسكان. بيد أن الحديث عن تسوية الأراضي دون الإشارة إلى أن الأراضي المستهدفة في مشروع التسوية تخضع لاحتلال يستهدف اقتلاع المقدسيين من أراضيهم، ويمنح أولوية، بشكل معلن وغير معلن، للاستيطان اليهودي، قد يحرف التحليلات المتعلقة بالآثار الاقتصادية "الإيجابية" لتسوية الأراضي عن سياقها التاريخي. في تقرير نشره مركز القدس لبحث السياسات في العام 2018، وهو مركز إسرائيلي يعمل في القدس، فإنه يرى أن "أحد أسباب الضائقة الاجتماعية في القدس" قد تكون عدم تسوية الأراضي، لأن المقدسيين غير قادرين على إثبات ملكيتهم للأراضي بدون إدراجها بشكل رسمي في سجل الأملاك، وهو أمر لا يتم إلا بعد عملية تسوية نهائية. ويعني عدم القدرة على إثبات الملكية أن المقدسيين لا يستطيعون رهن عقاراتهم (للحصول على رهن عقاري). لكنهم أيضاً، وهذا الأهم، لا يستطيعون الحصول على رخص بناء في أراضٍ غير مسواة وغير منظمة من قبل بلدية القدس. وقد قدر المركز أن خسارة المقدسي من عدم قدرته على الحصول على رهن عقاري إسرائيلي، وبسبب الفوائد العالية التي تضعها البنوك (بما في ذلك البنوك الفلسطينية) على قروض بناء في القدس (قبل التسوية) تصل إلى نحو 80 ألف شيكل، أو "خسارة سنوية تقدر بنحو 2 مليار شيكل".نيشر، "البناء غير القانوني والصراعات الدموية ومليارا شيكل في السنة: ثمن عدم وجود حقوق ملكية على الأراضي في القدس الشرقية."

لكن هذا لا يعني أن تسوية الأراضي بحدّ ذاتها تعتبر قيمة مطلقة بصرف النظر عن السياق السياسي الذي تتم خلاله. فتسوية الأراضي في القدس الشرقية قد تحول قطع الأراضي إلى قطع مسجلة وواضحة الملكية، وبالتالي تسهل عملية تدويرها (بيع، شراء، رهن). لكن حصر التبعات في مستواها الاقتصادي البحت (وهذا هو سبب إدراج قرار تسوية الأراضي ضمن خطة تقليص الفجوات الاجتماعية- الاقتصادية في القدس الشرقية، قرار حكومي 3790) من شأنه أن يحرف النقاش عن مصير مساحات شاسعة من أراضي القدس الشرقية، والتي ستتحول، بشكل "قانوني" إلى ملكيات إسرائيلية يهودية.

ثانياً: الاستيطان في القدس قبل البدء بمشروع التسوية الحالي

تتم عملية التسوية التي بدأت عام 2018 بناء على قانون تسوية الحقوق المتعلقة بالأراضي (نسخة معدلة) للعام 1969. حسب هذا القانون، على كل جهة (فرد أو جمعية) أن تثبت أنها تعمل في الأرض أو تمسك بها لمدة معينة وبشكل مستمر. ويسقط حق المدعي إذا مرت فترة عشر سنوات بدون أن يعمل أو يمسك بالأرض. لكن الكنيست الإسرائيلي عاد ومدد الفترة لتصبح 15 عاماً.سلطة أراضي إسرائيل، "التقسيم وتسوية الأراضي،" 2021. انظر الرابط التالي: https://land.gov.il/OwnershipAndRegistration/Pages/parcellation.aspx.

نظرة سريعة على المصير الذي لحق بأراضي القدس الشرقية بين 1967-2021 قد يشير إلى خطورة تفرد دولة إسرائيل في عملية التسوية. إسرائيل لا تعتبر القدس أرضاً محتلة، وبالتالي لا تكترث لنصوص المعاهدات الدولية، خصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة والتي نصت على عدم إحداث تغييرات بوضعية الأراضي المحتلة. فعلى مدار أكثر من نصف قرن على احتلال القدس الشرقية، انتقلت العديد من أراضي المقدسيين إلى ملكية إسرائيلية بطرق استعمارية مختلفة، بحيث أن تسوية أراضي القدس في هذا التوقيت بالذات، وبناء على معطيات العام 2018 (عند صدور القرار الحكومي 3790)، من شأنها أن تثبّت التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية وتضفي عليه صبغة قانونية. أهم هذه الطرق الاستعمارية التي غيرت وضعية (status) أراضي القدس الشرقية هي:

1. مصادرة الأراضي لـ "الصالح العام"
صادرت إسرائيل بين عامَي 1967 و1991، نحو 23.4% من مساحة القدس الشرقية بدعوى المصلحة العامة (Acquisition for public purpose) - انظر الجدول (1). حسب قانون الأراضي لعام 1943، تستطيع الدولة أن تستخدم الأراضي المصادرة لـ "المصلحة العامة" لأي هدف تراه مناسباً، حتى لو خالف الهدف المعلن عنه كـ "مصلحة عامة" عند إصدار قرار المصادرة. ويمنع التعديل القانوني أصحاب الأرض من المطالبة بحق استرجاع الأراضي في حال تم تأجيرها من الدولة إلى طرف ثالث، أو في حال مرّ أكثر من 25 عاماً على مصادرتها.ADALAH, “Land (Acquisition for Public Purposes) Ordinance - Amendment No. 10” (Haifa: ADALAH- The Legal Center for Arab Minority Rights in Israel, 2010), https://www.adalah.org/en/law/view/502. هذا يعني أن قانون تسوية الأراضي، الذي من المفترض أن يقوم على إجراءات "شفافة" تشمل قيام أصحاب الأراضي بتقديم دلائل لادعاء الملكية، قد يحرم أصحاب الأراضي المصادرة من حقهم في استرجاعها، خصوصاً اليوم بعد أن مرّ أكثر من 30 عاماً على مصادرة الأراضي في العام 1991. كما أن قيمة الأراضي المصادرة وفق هذه الآلية تقدر، بناء على بعض المصادر، بنحو 1 مليار دولار أميركي، الأمر الذي يدل على أن المصادرة أيضاً "تساهم في إفقار المقدسيين" وليس فقط استبعادهم عن أرضهم.Ibrahim Matar, “The Quiet War: Land Expropriation in the Occupied Territories,” Palestine-Israel Journal 4, no. 2 (1997).

التاريخ
المساحة بالدونم
اسم المستعمرة التي أقيمت
8 كانون الثاني 1968
3،830
التلة الفرنسية، جبل المشارف، رمات اشكول
14 نيسان 1968
1،342
نبيه يعقوب، حارة اليهود في البلدة القديمة
30 آب 1970
4،840
رمات آلون
2،240
شعفاط وتلبيوت
2،700
جيلو
1،337
عتاروت ومطار قلنديا
230
واد بيت هينوم وباب الخليل
600
منطقة رمات راشيل
20 آذار 1980
4،400
بسغات زئيف
16 أيار 1991
1،850
جبل أبو غنيم (هار حوماه)
المجموع
23،369

جدول 1: احصائيات مصادرة الأراضي في القدس الشرقية 1967-1991 (المصدر: بتسيلم)B’Tselem, “Statistics on Land Expropriation in East Jerusalem,” B’Tselem, 2011, https://www.btselem.org/jerusalem/land_expropriation_statistics.

تجدر الإشارة إلى أن مصادرة الأراضي في إسرائيل (وأيضاً في القدس الشرقية) تتم من خلال طرفين: وزارة المالية أو البلدية. تستند وزارة المالية إلى قانون الأراضي لعام 1943 في المادة 22 (2)، والتي تستطيع وزارة المالية بموجبها مصادرة أراضٍ، أو تمليكها للدولة، بعد أن تفي بالشروط المنصوص عليها في المواد 5 و7 و19، والتي تتطلب إعلاناً عاماً في الصحف، وفتح المجال القانوني للاعتراض، ودفع تعويضات. أما البلدية فإنها تستند إلى قانون التخطيط والبناء لعام 1965 في مادته رقم 188 والتي تخول البلدية مصادرة أراضٍ للصالح العام كشق شوارع، وبناء حدائق، ومدارس، وغيرها.بلدية القدس، "مصادرة الأراضي: تخطيط، إدارة ورقابة" (القدس: بلدية القدس, 2017)، انظر الرابط التالي: https://www.jerusalem.muni.il/media/4169/20179.pdf

2. حارس أملاك الغائبين
بالإضافة إلى الأراضي التي تمت مصادرتها، فإن حارس أملاك الغائبين أيضاً يلعب دوراً محورياً في تحديد مصير عملية تسوية الأراضي بموجب قرار الحكومة 3790. حسب قانون أملاك الغائبين لعام 1950،حكومة إسرائيل، "قانون املاك الغائبين" (الكنيست, 1950)، انظر الرابط التالي: https://www.knesset.gov.il/review/data/heb/law/kns1_property.pdf فإن القانون يستهدف العقارات وليس فقط الأراضي. نظرياً، إذا ثبت أن صاحب العقار يسكن في "أراضٍ معادية" فإنه يعتبر "غائباً" ويحق لحارس أملاك الغائبين أن يضع يده على العقار. وجدير بالذكر أن القانون في صيغته يستخدم مفهوم "أيرتس يسرائيل" (أي أرض إسرائيل بالمفهوم التوراتي والتي تشمل كل فلسطين التاريخية) وليس "دولة إسرائيل" (التي تأسست عام 1948 وتستثني الأرض المحتلة عام 1967). ويتيح القانون لحارس أملاك الغائبين تأجير العقار أو منح حق استخدامه لطرف ثالث بما في ذلك الدولة. لكن من خلال نظرة سريعة على قدرة الدولة على توظيف قانون أملاك الغائبين، يتبين أن تطبيق القانون في القدس متعلق بـ "حسن نوايا" الحكومة الإسرائيلية. في فترة حكم اليمين الصهيوني 1977-1992 ثم 1996-2021، قامت الحكومات المتعاقبة بتوظيف قانون أملاك الغائبين بطرق ملتوية عدة، تخللها التحايل، لنقل أملاك الفلسطينيين في القدس إلى ملكية إسرائيلية. مثلاً، في العام 1992 (في ظل حكومة رابين)، كشفت لجنة تحقيق إسرائيلية أن وزير الإسكان الإسرائيلي (1990-1992) أريئيل شارون كان قد أقام جهازاً (بشكل سري) يقوم على التنسيق ما بين: سلطة أراضي إسرائيل، حارس أملاك الغائبين، وزارة الإسكان وشركة عميدار، ليقوم بتحويل عقارات فلسطينية إلى حارس أملاك الغائبين. وفق الآلية التي اتبعوها، قام الصندوق القومي الإسرائيلي بِحَثّ مرتزقة فلسطينيين أو عملاء على الإعلان عن عقارات معينة (ليست بالضرورة تحت ملكيتهم) وتحويلها إلى حارس أملاك الغائبين،انظر تقرير لجنة التحقيق في القضية على الرابط التالي: http://peacenow.org.il/wp-content/uploads/2017/05/KlugmanReport.pdf ثم يقوم الحارس بتأجيرها إلى شركة عميدار أو إلى الصندوق القومي الإسرائيلي الذين يضعونها بدورهم تحت تصرف المستوطنين (في أغلب الأحيان عن طريق جمعية العاد).حركة السلام الآن، "يضمون ويصادرون: استخدام قانون أملاك الغائبين لتجريد الفلسطينيين من أملاكهم في القدس الشرقية" (القدس: السلام الآن, 2020)، انظر الرابط التالي: http://peacenow.org.il/wp-content/uploads/2020/07/Abestnetee_Property_East_Jerusalem_HEB.pdf

ليس هناك معطيات دقيقة حول حجم الأملاك التي تتبع حالياً إلى حارس أملاك الغائبين. لكن في حال قررت الحكومة الإسرائيلية الاستفادة من تطبيقات القانون، فإنها ستكون قادرة على استملاك العديد من العقارات، والتي قد يكون أحياناً من السهل إثبات أن أحد أصحابها الورثة، على الأقل، "غائب".

ثالثاً- قرار حكومي رقم 3790- بند تسوية أراضي القدس

حتى عام 2018، كانت 90% من أراضي القدس الشرقية غير مسواة، وهي تشكل نحو 30% من مساحة القدس "الكاملة" حسب سجلات بلدية القدس. ولأجل الشروع بتسوية كل هذه الأراضي، تم تشكيل لجنة فرعية (لاحقاً: لجنة التسوية) ترأسها وزارة القضاء الإسرائيلية، وتضم: وحدة إشراك الجمهور التابعة لمكتب رئيس الوزراء، وزارة القدس والآثار، سلطة أراضي إسرائيل، مركز خرائط إسرائيل، بلدية القدس، حارس أملاك الغائبين، قسم الموازنة في وزارة المالية، ومدير التخطيط في وزارة المالية. وتجتمع اللجنة مرة واحد كل ثلاثة شهور، وتضع تقريرها عن سير عملية التسوية في القدس الشرقية.

ستعمل اللجنة الفرعية على تسوية أراضي القدس الشرقية بحيث تتم تسوية 50% منها حتى نهاية العام 2021، على أن تستكمل تسوية باقي الأراضي حتى نهاية العام 2025. ولهذا الغرض، خصصت الحكومة مبلغ 50 مليون شيكل. وقامت اللجنة بطرح مناقصة لتوكيل شركة خاصة للقيام بتسوية الأراضي، حظيت بها شركة جيودا (Geoda).

وتشمل عملية تسوية الأراضي الخطوات التالية:

1. بداية، يعلن مأمور التسوية من خلال تعميم ينشره على المواقع الحكومية الرسمية وأماكن أخرى، عن نيّته لإجراء تسوية لقطعة أرض معينة (على الأقل 30 يوماً قبل البدء بالتسوية)، وذلك بهدف إعلام الجمهور، كون "إعلام الجمهور" مركب أساسي في التسوية.
2. بعدها يتم تقديم مذكرات ادعاء من قبل كل من يدعي الملكية بالعقار. يتوجب على كل من يدعي ملكية بعقار أن يرفق مع مذكرة الادعاء أوراقاً تثبت ملكيته وأوراقاً ضريبية تثبت أن العقار حرّ من كل دين ضريبي.
3. بعد تجميع مذكرات الادعاء، ينشر مأمور التسوية جدول ادعاءات يعكس مضامين مذكرات الادعاء المقدمة من قبل كل من يدعي ملكية بالعقار.
4. في حال وجود ادعاءات متناقضة للملكية، ينتقل الأمر إلى المحكمة المركزية للبت بالحقوق العقارية.
5. في النهاية، يتم نشر جدول حقوق، والذي يعرض بشكل نهائي وقاطع حق الملكية لكل قطعة أرض.

ولا بد من التنويه، إلى أن العديد من أراضي القدس الشرقية مقسمة حالياً إلى أحواض وأرقام قطع (حسب التصنيف الأردني). وهذه التصنيفات معتمدة حالياً من قبل مركز خرائط إسرائيل ومن قبل سلطة أراضي إسرائيل. لكن لأنها لم تمر في عملية تسوية رسمية قامت بها دولة إسرائيل، فإن هذه التصنيفات (أرقام الأحواض والقطع) تسمى "أحواضاً تقديرية" (بالعبرية حوشي شوما). وملكيات القطع في الأحواض التقديرية مسجلة فيما يسمى "سجل الحجج" (بالعربية بينكس هاشطروت)، وهو مشابه لوثيقة إخراج القيد.

تهدف عملية التسوية الحالية إلى استبدال سجلات "الأحواض التقديرية" بسجلات تسوية نهائية بحيث يتم تسجيلها ليس في "سجل الحجج" وإنما في سجل الأملاك (بالعبرية بينكس الزخويوت). في بعض الأحيان، تكون الأحواض النهائية مطابقة لـ "الأحواض التقديرية"، وفي أحيان أخرى تختلف عنها بدرجات متباينة. في كل الأحوال، لا تعتبر الأراضي مسوّاة بشكل رسمي إلّا في نهاية عملية التسوية التي تشرف عليها إسرائيل.

قد تستمر هذه الخطوات بضع سنوات، وقد لا تستطيع "لجنة التسوية" إتمام مشروعها ضمن الجدول الزمني المحدد. وعليه، نستعرض الخطوات التي اتمّتها "لجنة التسوية" خلال الأعوام 2019-2020. أما بالنسبة للعام الحالي، فلم يتم إصدار تقرير بشأنه بعد.

1. عمل اللجنة خلال العام 2019

سار عمل اللجنة بشكل بطيء خلال العام 2019، على ما يبدو لدراسة تفاعل المقدسيين مع تسوية أراضيهم. وخلال الفترة، تم تشكيل لجان عمل ميدانية مكونة من مساحين، وطواقم خرائط ووحدات للتواصل مع المقدسيين. وخلال العام، بدأت اللجنة بتسوية بعض الأحواض في منطقة صور باهر، الشيخ جراح، بيت حنينا وبين صفافا وعتاروت (انظر أرقام الأحواض في الجدول 2).

المنطقة  رقم الأحواض 
صور باهر  31466، 31467، 31468، 31469 
بيت حنينا  30605، 30606 
بيت صفافا  31443، 30275 
الشيخ جراح (شمعون الصديق)  30821 
عتاروت ومطار قلنديا  المطار، 30995، 30996 
 التلة الفرنسية 30652، 30653 
الشياح  مناطق كنسية (اللاتينية، الفرنشيسكانية) 
مستوطنة غفعات هماطوس (على أراضي بيت صفافا 30995، 30996

جدول (2): أرقام الأحواض التي شرعت "لجنة التسوية" في العمل بها خلال العام 2019.حكومة إسرائيل، "أوضاع تطبيق قرار الحكومة في العام 2019: لجنة منعقدة" (القدس: وزارة القدس والتراث، بلدية القدس، معهد القدس لبحث السياسات, 2020)، انظر الرابط التالي: https://www.gov.il/BlobFolder/news/matmedet-3790-2019/he/EatJer_NotebookA4_E_DIGITAL.pdf

وتشكل هذه الأحواض (والقطع المندرجة ضمنها) تجربة (pilot) لـ "حسن سير" التسوية في القدس الشرقية. وحسب تقرير "لجنة التسوية" للعام 2020، فإن هذه الأحواض لم يتم اختيارها بشكل عشوائي، وإنما ضمن تخطيط مسبق يهدف إلى إحداث "أثر الدومينو". هذا يعني، أن نجاح التسوية في هذه المناطق من شأنه أن يخلق شعوراً إيجابياً لدى المقدسيين الذين سـ "تقل لديهم مشاعر التشكيك والتخوف" من إحياء مشروع التسوية، وبالتالي سيجُرون وراءهم أصحاب قطع الأراضي في الأحواض المحيطة بهم لتقبل تمدد مشروع تسوية الأراضي.حكومة إسرائيل، “أوضاع تطبيق قرار الحكومة في العام 2020: لجنة منعقدة” (القدس: وزارة القدس والتراث، بلدية القدس، معهد القدس لبحث السياسات, 2021. انظر الرابط التالي: https://www.gov.il/BlobFolder/news/3790-2021/he/Book_SMALLER.pdf

2. عمل اللجنة خلال العام 2020

تم في العام 2020 استكمال التسوية في الأحواض المشار إليها في جدول (2) مع إضافة أحواض أخرى. في هذا العام، تركز عمل "لجنة التسوية" على إصدار خرائط تسوية للأحواض المختارة، لأن هناك قطع أراض ضمن هذه الأحواض غير محددة من حيث المساحات. إضافة إلى ذلك، نشرت "لجنة التسوية" عروض أسعار للقيام بقياسات (Photogrammetry) لكل القدس الشرقية. وتكون هذه القياسات من خلال تصوير جوي، بحيث يتم تصوير كل قطعة من الجو مرتين من زاويتين مختلفتين للوصول إلى دقة عالية في تحديد المساحات مستقبلاً.

كما قامت "لجنة التسوية" بتشكيل طواقم عمل ميدانية تعمل على مستويين: الأول في إدخال البيانات وتبويبها إلكترونياً ومراقبة دقتها، والثاني على المستوى الميداني من خلال نشر مساحين في الأحواض للبدء بأخذ قياسات. واستكملت اللجنة عملية تلقي ادعاءات الملكية من أصحاب الأراضي في "أحواض التجربة" وضمت إليها أحواضاً أخرى. وقامت "لجنة التسوية" لكي تمضي قدماً في عملية التسوية، في بعض الأحيان، بإعادة تقسيم الأحواض الأردنية (الأحواض التقديرية) إلى أحواض جديدة. مثلاً، تم تقسيم الحوضين 30605 و30606 في بيت حنينا (انظر الجدول 2) إلى أكثر من 80 حوضاً جديداً. وتم استخراج نحو 10 أحواض جديدة من الحوضين 30652 و30653 في التلة الفرنسية/ شعفاط (لا تغطي الأحواض العشرة الجديدة كامل مساحات الحوضين المذكورين).المصدر نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، توجهت "لجنة التسوية" إلى أطراف معينين ترى أنهم مستعدون لتقديم ادعاءاتهم بالملكيات وتوفير خرائطهم للانضمام إلى مشروع التسوية، بحيث أن شمل هذه الأطراف في المشروع، وتسوية أراضيهم، قد يساهم في إنجاح عملية التسوية في القدس الشرقية قبل البدء بالأحواض "الإشكالية". والهدف ربما هو إشعار باقي سكان القدس بأن مشروع التسوية قد قطع شوطاً ناجحاً بحيث أن عدم الانخراط به سيعود بالضرر عليهم. تشمل هذه الأطراف التي توجهت لها "لجنة التسوية" أطرافاً تابعة للدولة (مثل حارس أملاك الغائبين، جمعيات استيطانية، كنائس، أراضٍ وقفية... الخ) بالإضافة إلى مقدسيين أفراد يعتبرون أقرب إلى القبول بمشروع التسوية الحالي.

حتى الآن، لم يتم نشر تقرير اللجنة عن عملها في العام 2021. لكن انتشار وباء الكورونا كان له تأثير على سرعة سير العملية، والتي تعثرت في بعض الأحيان.

رابعاً: تبعات تسوية أراضي القدس الشرقية

من المتوقع ألا تسير خطة تسوية أراضي القدس الشرقية وفق الجدول الزمني المحدد ضمن القرار 3790 والذي ينص على إتمام تسوية 50% من أراضي القدس الشرقية حتى نهاية العام 2021. ومع ذلك، فإن عملية التسوية تبدو ماضية إلى الأمام حتى إتمامها. من الصعب حالياً استشراف نهاية عملية التسوية من خلال معلومات كمية تعكس عدد الأحواض والقطع بعد العام 2025 (الموعد المحدد لنهاية عملية التسوية)، أو عدد القطع التي فشل المقدسيون بإثبات ملكيتها وبالتالي تحولت إلى ملكية دولة إسرائيل. لكن يمكن استخلاص الخطوط العامة لتبعات عملية التسوية من خلال النقاط التالية:

1. على المستوى الإجرائي: انتقال مساحات واسعة من القدس الشرقية إلى ملكية الدولة الإسرائيلية

• تنقسم أراضي فلسطين (غير المسوّاة) بشكل عام إلى أراضي ملكية خاصة، وأراضي ميري (تابعة للدولة لكن تم تأجيرها/ أو لم يتم تأجيرها لأشخاص)، وأراضي وقف (إسلامي أو مسيحي)، وأراضٍ متروكة (مخصصة للمصلحة العامة)، وأراضٍ موات (بعيدة عن السكن أو غير صالحة للفلاحة). عند إجراء التسوية، فإن ادعاءات الملكية التي قد يقدمها المقدسيون تتعلق فقط بالأراضي المصنفة ملكية خاصة، أو الأراضي الميري التي يمكن إثبات استخدامها خلال السنوات الثلاث الماضية، أو أراضي الوقف. هذا يعني، أن قانون التسوية سيحول إلى ملكية دولة إسرائيل باقي الأراضي والتي تشمل الأراضي المتروكة، والأراضي الموات، والأراضي الميري المحلول (أي التي تستطيع الدولة أن تثبت أنها لم تفلح أو تزرع أو تستخدم خلال السنوات الثلاث السابقة). في هذا السياق، فإن الأراضي التي كانت تعتبر ملكية للدولة الأردنية قبل العام 1967، ستنتقل "بشكل طبيعي" إلى دولة إسرائيل. قد يُعطي تتبع دقيق لمآل عملية التسوية خلال السنة القادمة، وتتبع قانوني لسياق الادعاءات والمنازعات التي ستنجم عن ذلك، مؤشراً واضحاً إلى الأوضاع في نهاية عملية التسوية.

• لكن هذا لا يعني أن كل الأراضي التي يعتقد المقدسيون أنهم قادرون على إثبات ملكيتها ستتم تسويتها باسمهم بالفعل. مثلاً، قانون أملاك الغائبين الذي يسري على القدس من المتوقع أن يسلب جزءاً من هذه الأراضي. كذلك، سيتمكن اليهود الذين كانوا يملكون حقوقاً عقارية في القدس الشرقية قبل العام 1948 من منازعة المقدسيين القاطنين فيها حالياً، كما هو الحال في قضية حي أم هارون في الشيخ جراح. وقد تتمكن أيضاً جمعيات استيطانية (مثل عاتيرت كوهانيم وجمعية إلعاد) من دفع إغراءات مالية عالية لبعض المقدسيين للتلاعب بعمليات إثبات/ عدم إثبات الملكيات، كما حصل في قضية الفساد الشهيرة والتي انكشفت عام 1992 (أنظر أعلاه). أحد أهم الأحياء التي تم انتقاؤها كتجربة خلال العام 2020-2021 هو حي أم هارون في الشيخ جراح والذي تقوم جمعيات يهودية بالادعاء بأنه كان ملكية يهودية قبل العام 1948، وبالتالي كان من المتوقع أن تصادق المحكمة العليا على تسويته لصالح المدعين اليهود، الأمر الذي كان سينجم عنه طرد نحو 45 عائلة من منازلها لولا أن الهبة الشعبية التي انطلقت في الشيخ جراح في أيار 2021، وما تلاها من ضغط محلي ودولي دفعت إلى إرجاء النظر في القضية، دون أن تسقطها.

2. على المستوى السياسي: الانتقال من "ضم القدس" إلى الحصول على اعتراف أممي بسيادة إسرائيل على القدس

لا يعترف المجتمع الدولي بالقدس الشرقية كجزء من عاصمة دولة إسرائيل، وما زال يعتبر أن ضم القدس في العام 1967 هو أمر غير شرعي. ومع ذلك، تمضي إسرائيل في سياسة تهويد القدس الشرقية وخلق حقائق جديدة على الأرض قد تحول انسحاب إسرائيل من القدس الشرقية إلى أمر غير قابل للتطبيق العملي. في هذا السياق، تزامن إطلاق قرار 3790 في العام 2018 مع انتقال السفارة الأميركية إلى القدس. ولا بد من الإشارة إلى أنه في ديباجة القرار 3790، إشارة إسرائيل إلى أن خطة الحكومة تجاه القدس الشرقية (والتي تشمل مشروع تسوية الأراضي) إنما تهدف إلى " تعزيز قدرة سكان القدس الشرقية على الاندماج في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك ... تعزيز الحصانة الاقتصادية والاجتماعية للعاصمة بأكملها".حكومة إسرائيل، "قرار 3790: تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الاقتصاد في القدس الشرقية."

ولا بد من التوقف عند مفهوم "تعزيز الحصانة ... للعاصمة بأكملها" كونه يحمل إشارات واضحة إلى مساعي إسرائيل تهيئة المجتمع الدولي لقبول "القدس الموحدة" كعاصمة لدول إسرائيل. إحدى المقدمات لذلك هي الكف عن اعتبار المقدسيين مجتمعاً محتلاً من خلال قيام إسرائيل بمعاملتهم على قدم وساق مع باقي المواطنين الإسرائيليين. تسوية الأراضي قد تأتي في هذا السياق لتقليل الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين المقدسيين واليهود في المدينة، وتأتي إلى جانب خطة التدخل في حقل التعليم، العمل، البنية التحتية وغيرها من المجالات. ويعتقد زئيف الكين، وزير القدس اليميني، بأن ضم القدس كان خلال الخمسين سنة الماضية ضماً على الورق فقط. على أرض الواقع، فإن "القدس الموحدة" ظلت قدساً من شطرين بحيث أن كل شطر يختلف عن الثاني من حيث مستوى المعيشة والرفاه، والظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. وعليه، كمقدمة لضم القدس الشرقية "عملياً"، فإن مشروع تسوية الأراضي يعتبر خطوة ضرورية.ميراف أرلوزوروف، "الدولة لم تشرع بعد بتهويد بعض المناطق- لكن بالنسبة للأحياء العربية فإن الأمر غير مجدٍ،" ذي ماركر, 11 أيار 2021. انظر الرابط التالي: https://www.themarker.com/news/politics/.premium.HIGHLIGHT-1.9791618

المراجع والملاحظات

المصطلحات المستخدمة:

الإدارة المدنية, الكنيست, بتسيلم, دورا, تهويد