تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
منصور عباس مع نفتالي بينيت ويائير لبيد (رويترز)
منصور عباس مع نفتالي بينيت ويائير لبيد (رويترز)
  • تقدير موقف
  • 2280

بتاريخ 11.06.2021 وقّعت "القائمة العربية الموحدة" برئاسة النائب منصور عبّاس اتفاقية ثنائية مع حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد كجزء من اتفاقية الائتلاف الحكومي، وبموجبها تنضم "الموحدة" للحكومة الإسرائيلية الجديدة التي أطلقت على نفسها اسم "حكومة التغيير". وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعاً بين الفلسطينيين في الداخل عموماً، وعلى مستوى الأحزاب السياسية العربية (وعلى القائمة المشتركة كجسم جامع لها) على وجه التحديد؛ إذ تسارعت الجهات المختلفة للتعبير عن موقفها حيال انضمام الموحدة للحكومة الإسرائيلية الجديدة، في إشارة إلى غرابة هذا القرار الذي يُعد سابقة في العمل السياسي العربي؛ إذ لم يسبق لأي من الأحزاب العربية أن شاركت في الحكومات الإسرائيلية تاريخياً، باستثناء ظاهرة "القوائم العربية التابعة للأحزاب الصهيونية"، وهي ظاهرة انتشرت خلال سنوات ما بعد النكبة، واستمرّت خلال سنوات الحكم العسكري، إلى أن انتهت بشكل نهائي مطلع العام 1981 بعد أن تمّت محاربتها عربياً، ليس فقط كونها فُرضت بالقوة على الأقلية العربية، وإنما لأنها لا تُعبّر عن طموحاتهم وتطلّعاتهم السياسية انطلاقاً من كونهم أقلية أصلانية في بلادها أيضاً. حيث اكتفت الأحزاب العربية- الوطنية- التي تشكّلت خلال، وما بعد، سنوات الحكم العسكري بمحاولة تحقيق أهدافها عبر طرق ووسائل مختلفة؛ العمل الجماهيري والشعبي؛ أو من خلال المشاركة في الانتخابات لكن مع البقاء في المُعارضة وعدم المشاركة في تركيبة الحكومات المختلفة.

سنستعرض في هذه الورقة أهم البنود التي وردت في اتفاق الائتلاف الحكومي الثنائي، وبالتحديد تلك المُبرمة بين رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، و"القائمة الموحدة" برئاسة منصور عبّاس، وسنحاول إبراز أهم المعيقات والفرص التي تعتري تنفيذ وتطبيق ما جاء في هذه الاتفاقية، وإسقاطاتها على مستقبل "القائمة الموحدة"، وعلى مبدأ مشاركة أحزاب عربية في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية بشكلٍ عام.

مقدّمة

لم تختلف سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه الفلسطينيين في الداخل تاريخياً؛ فقد انتقلت من مرحلة الحكم العسكري واستخدام القوة والقمع المباشرين إلى مرحلة "قوننة العنف" وتغليفه بسياسات صنّفتها على أنها "قانونية"؛ كاتّباع سياسات الإقصاء؛ التهميش؛ مصادرة الأراضي وتضييق الحيز كونهم، أي الأقلية الفلسطينية، "جماعات" لا تريد استيعابها في الدولة بشكلٍ كامل، ولا تريد في الوقت نفسه إقصاءها والتخلّص منها بشكل كامل- عبر الطرد مثلاً- لاعتبارات عديدة، وصفها بعض الباحثين على أنها سياسة "الاستثناء غير القابل للضم"؛ الضم لدائرة المواطنة الإسرائيلية الحقيقية. حيث أن هذه السياسات التي تمّ هندستها بعناية تأتي في إطار المساعي الصهيونية الحقيقية لتهجيرهم، أو على الأقل، للحفاظ عليهم باعتبارهم "جماعات" تحت السيطرة، وغير قابلة للزيادة ديمغرافياً، وهو الأمر الذي تجلّى بوضوح في سنّ "قانون القومية" كقانون أساس يحمل صفة دستورية، أو على الأقل يسمو على القوانين العادية عام 2018.

أما بخصوص العمل السياسي للفلسطينيين في الداخل؛ فقد لجأت إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة لطرق ووسائل شتّى من أجل قمع، ومحاصرة، التشكيلات السياسية العربية المختلفة ونشاطاتها السياسية كذلك، سواءً الأحزاب التي لا تُمانع المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، أو تلك التي ترفضها (الحركة الإسلامية الشمالية مثلاً) من حيث المبدأ، وإحدى أهم هذه الوسائل هي استخدام "القانون الإسرائيلي" الذي تم تطويعه بشكل يضمن تحقيق هذه الأهداف.

القائمة الموحّدة: الصيغة السياسية النهائيّة للحركة الإسلامية الجنوبية

تُعدّ "القائمة الموحّدة" الصيغة السياسية النهائيّة للحركة الإسلامية الجنوبية التي انبثقت عن الحركة الإسلامية في الداخل، بعد الانشقاق الكبير الذي حصل على خلفية نيّة الجنوبية، بقيادة عبد الله نمر درويش، المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية (انتخابات الكنيست) في العام 1996، حيث اعتبر درويش أن المشاركة هذه هي وسيلة وليست هدفا؛ في إطار السعي لتحسين أوضاع العرب من خلال التأثير على النظام من الداخل، وقد شاركت بالفعل في الانتخابات الإسرائيلية التي عُقدت منذ ذلك الحين، سواءً ضمن صِيغ توافقية أخرى مع الأحزاب العربية (القائمة العربية الموحدة كصيغة توافقية مع الحزب العربي الديمقراطي) أو القائمة المشتركة، أو بشكلٍ منفرد كما هي الحال في صيغة "القائمة الموحّدة" التي خاضت الانتخابات الأخيرة بشكلٍ منفرد عن الأحزاب العربية الأخرى (الممثّلة بالقائمة المشتركة)، وقد حصلت على 4 مقاعد، بينما حصلت القائمة المشتركة على 6 مقاعد فقط.

تأتي مشاركة "القائمة الموحّدة" في الحكومة الإسرائيلية كقضية خلافية؛ وهذا ما يُمكن ملاحظته من خلال النقاش والجدل الدائر حول جدوى المشاركة في الحكومات الإسرائيلية من حيث المبدأ، لا سيّما وأن العمل السياسي للفلسطينيين تاريخياً حافل بالقمع والملاحقة والاضطّهاد من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والجهاز القضائي التابع لها، ناهيك عن أن الحالة هنا، أي مشاركة "القائمة الموحّدة"، تنطوي على مخاطر أبرزها محاولة الأخيرة الفصل بين ما هو سياسي- وطني، وبين الاقتصادي الاجتماعي؛ إذ يكمن الاعتراض الرئيس في صرف "الموحّدة" النظر عن أن مشاركتها في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو أية حكومة أخرى، هي بمثابة تخلّ عن المطالب السياسية للفلسطينيين؛ في الداخل وفي الضفة الغربية أيضاً، عبر شرعنة سياسات الاحتلال المستمرّ والاستيطان المتصاعد في الأراضي المحتلة عام 1967، وتجاهل وجود "قانون القومية" الذي أصبح مرجعية قانونية وسياسية في تعامل الحكومات مع الفلسطينيين في الداخل على وجه التحديد. كلّ ذلك، يضع "القائمة الموحّدة" في خانة المسؤولية عن السياسات الإسرائيلية المتّبعة بحق الفلسطينيين، أينما وجدوا؛ سياسات الاحتلال والتمييز العنصري، وهي القضايا التي لم تكُن حاضرة في بنود الاتفاق الائتلافي ذات الطابع الاقتصادي- الاجتماعي، في مسعى إسرائيلي واضح لنزع الطابع السياسي- الوطني عن عمل وأهداف الأحزاب العربية، وهو الأمر الذي قبلت به "الموحّدة" من خلال مشاركتها هذه. سنحاول في هذه الورقة الوقوف على أهم ما تضمّنته اتفاقية الائتلاف الحكومي، خصوصاً بين حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد و"القائمة الموحّدة" برئاسة منصور عبّاس، وسنحاول قراءتها من حيث فُرص وإمكانية تطبيقها، والمعيقات التي تقف أمام ذلك أيضاً، سيّما وأن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية تحمل في طيّاتها العديد من التناقضات التي تجعل، ظاهرياً، من مسألة تنفيذ وتطبيق ما ورد في الاتفاق أمراً مُستبعداً، هذا بالإضافة إلى وجود العديد من المُعيقات البنيوية التي تقف أمام تنفيذ ما ورد في الاتفاق.

عن اتفاقية الائتلاف الحكومي بين "يوجد مستقبل" و"القائمة العربية الموحدة"

تضمنّت اتفاقية الائتلاف بنوداً عن الأوضاع الاجتماعية للفلسطينيين في إسرائيل؛ فقد جاء فيها، من ضمن بنود عديدة، تمديد تجميد تنفيذ ما يُعرف بـ "قانون كامينتس" حتى العام 2024، وهو القانون الذي يمسّ حياة المواطنين العرب بشكل مباشر ويومي (هدم البيوت العربية)، بالإضافة إلى تجميد عمليات الهدم في النقب لمدة 9 أشهر، وتعيين أحد أعضاء القائمة الموحدة بمنصب نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة، إلى جانب رصد مبلغ مالي يُقدّر بنصف مليار شيكل لإقامة مشاريع في المناطق العربية.

أهم ما ورد في اتفاق الائتلاف الحكومي؛ الاتفاق بين حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد و"القائمة الموحّدة" برئاسة منصور عبّاس: وثيقة الائتلاف الحكومي بين "يوجد مستقبل" و "القائمة الموحّدة"، للاستزادة يُنظر: https://m.knesset.gov.il/mk/government/Documents/CA36-Raam.pdf.
- ورد في البند الثامن من الاتفاق أن الطرفين "الحكومة الإسرائيلية والقائمة الموحدة" اتفقا على "خطة خمسية (لخمس سنوات) لتقليص الفجوات في المجتمع العربي؛ الدرزي والشركسي والبدوي بميزانية قدرها 30 مليار شيكل حتى سنة 2026، دون المساس بقرارات الحكومات السابقة". وتُشرف على صياغة هذه الخطة هيئة التنمية الاقتصادية في المجتمع العربي؛ ودائرة الموازنة في وزارة المالية بالتشاور مع لجنة المجتمع العربي، وتشمل الخطة- من بين ما تشمله- قطاعات الصحة؛ الرفاه؛ التوظيف؛ التعليم والتعليم العالي؛ الإسكان والتخطيط؛ دعم السلطة المحلية؛ التطوير والهايتك؛ دعم الأعمال التجارية والريادية؛ السياحة؛ الزراعة؛ البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
- خطة حكومية خمسية للقضاء على العنف والجريمة في المجتمع العربي، ويخصّص لذلك ميزانية قدرها 2.5 مليار شيكل لمدة خمس سنوات، ويُخصص من ضمن المبلغ أيضاً قرابة مليار شيكل لنفقات ومصاريف مدنية لا تندرج ضمن صلاحيات عمل وزارة الأمن الداخلي.
- ستتبنّى الحكومة الإسرائيلية الخطة الاستراتيجية "نتيفي أيالون" بميزانية قدرها 20 مليار شيكل للمواصلات داخل حدود المدن، على أن يُخصّص مبلغ مليار شيكل لسنة 2022، ونفس المبلغ للسنة التالية 2023.
- تُقرّ الحكومة مبلغ 100 مليون شيكل سنوياً ولمدة خمس سنوات ضمن إطار الميزانية السنوية للدولة لإزالة المعيقات أمام تقدّم المشاريع في القرى والبلدات العربية.
- ستعمل الحكومة الإسرائيلية على ضمان تمثيل مناسب للمجتمع العربي في الوظائف العامة؛ المؤسسات الحكومية والشركات العامة.
- ستعمل الحكومة على زيادة العرض/ الهدف التسويقي للوحدات السكنية في المجتمع العربي بمعدّل 10.000 وحدة سكنية دون تحديد المدّة. وستعمل أيضاً على توفير حل مناسب لأزمة السكن والأراضي ومشاكل التخطيط في البلدات العربية، مع تقديم وسائل إنقاذ مقبولة وفورية لتنفيذ المخططات الهيكلية، على أن تقوم الحكومة بدراسة مدى الحاجة للتعديلات التي يتطلّبها التعديل رقم 116 (قانون كامينتس) من قانون التخطيط والبناء في غضون 120 يوماً.

مُستقبل اتفاق الائتلاف: فرص ومعيقات

على الرغم من الأهمية التي تنبعث، ظاهرياً، من البنود التي تضمّنها اتفاق الائتلاف الحكومي، والخاصة بالجانب/ الشقّ الاقتصادي- الاجتماعي، وهو الطابع الغالب على هذا الاتفاق، بشكلٍ قد يراه البعض على أنه بداية لسياسة جديدة، أو بداية "التغيير" في السياسات الحكومية الإسرائيلية المُتبّعة تجاه المواطنين العرب، إلا أن الكثير من المُعيقات؛ غالبيتها بنيوية الطابع، تجعل من تطبيق وتنفيذ ما ورد من تعهّدات- على شكل بنود- أمراً في غاية الصعوبة ومُستبعدا إلى حدٍ كبير. حيث أن التركيبة الغريبة، والمتناقضة، للحكومة الإسرائيلية الحالية التي لا تُجمع مكوناتها إلا على "الرغبة في إسقاط نتنياهو" وإنهاء حكمه المستمر ّمنذ أكثر من عقد، تجعل من مسألة تطبيق هذه البنود أمراً في غاية الصعوبة. فهي، وإن بدَت مستقرّة نسبياً في الوقت الحالي، فلا يُمكن لها ضمان بقائها لسنوات طويلة، وربّما ليست تلك المدة المنصوص عليها في القانون الإسرائيلي (4 سنوات). وأيضاً، وعلى افتراض أن الحكومة الحالية ستُشكّل خرقاً للسياسات الحكومية الإسرائيلية التاريخية والمستمرّة في التعامل مع المواطنين العرب، ولديها الرغبة في ذلك، سواءً بهدف الحفاظ على استقرارها الحالي- وهو السبب الحقيقي وراء القبول بمشاركة حزب عربي؛ "القائمة الموحدة"، في تركيبتها بعد فشل المفاوضات مع بتسلئيل سموتريتش- فإنها، وهذا مؤكّد، لن تستطع إجبار أو إلزام أية حكومة- مهما اختلفت تركيبتها- على الاستمرار في تطبيق وتنفيذ ما ورد في بنود هذه الاتفاقية طالما أن سنوات تطبيق الخطط الاقتصادية الواردة فيها عمرها أطول من العمر الكلّي القانوني للحكومة الحالية. أضف إلى ذلك كلّه أن الحكومة الحالية، وعلى الرغم من الوعود الكبيرة التي قطعتها- على الأقل في اتفاقيات الائتلاف بين الأحزاب المكونة لها- تجد نفسها اليوم أمام تحدّيات كبرى- داخلياً وخارجياً- ولا سيما تلك التي خلّفتها أزمة كورونا، خاصّة على الصعيد الاقتصادي- وهو ما يجعل من مسألة معالجة الآثار الاقتصادية للجائحة أمراً له الأولوية القصوى، ويتقدّم على بقية الالتزامات الأخرى مهما بلغت أهمية الالتزامات الآنية، وهو ما يجعل من مسألة التقليصات الاقتصادية أمرا حتميا، ما سينعكس بالضرورة على قدرة هذه الحكومة، أو رأسها كما نفهم من الاتفاق، على تنفيذ ما ورد فيها من التزامات مالية.

لا تكمن المشكلة، أو المعيقات في تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية المعقّدة، والمتناقضة- هذا لو افترضنا وجود نيّة لدى حكومة "بينيت- لبيد" للتنفيذ، فحسب؛ بل أيضاً في البنية التي ما زالت تحكم منطق الدولة الإسرائيلية وأجهزتها المختلفة في تعاملها مع المواطنين العرب؛ والتي تجعل من مسألة تطبيق وتنفيذ البنود المذكورة أعلاه- رغم غلبة الطابع الاقتصادي- الاجتماعي عليها- مُستبعداً؛ فهي، أي هذه البنود، تقع على الجهة المُقابلة (النقيضة) للسياسات الحكومية الإسرائيلية المستمرّة منذ إقامة الدولة والمحكومة بالمنطق الاستعماري الذي لا يزال ينظر إلى العربي في الدولة على أنه "آخر غريب" وليس مواطناً، وفي أحسن الحالات، سالب المواطن اليهودي بعد أن تمّت موضعته في أسفل هرم/ سلّم المواطنة الإسرائيلي، وهو الأمر الذي تجلّى بوضوح في "قانون القومية" الذي يُعتبر التجلّي الحقيقي للسياسات الاستعمارية الإسرائيلية المستمرة في تعاملها مع العرب (الأقلية الأصلانية في البلاد)، وهو الموقف نفسه الذي تتبنّاه، وتعمل وفقاً له، غالبية الأحزاب المكونة للحكومة الحالية- أحزاب "إسرائيل بيتنا" و"يمينا" و"أمل جديد" على سبيل المثال لا الحصر. جدير بالذكر أن التسريبات التي انتشرت عبر وسائل الإعلام عشية تشكيل الحكومة تُقدّم لمحة عن توجّه الشركاء الحكوميين الحاليين، فيما يتعلّق بتنفيذ ما ورد في الاتفاق؛ حيث أكّدت أييلت شاكيد ("يمينا")، وهي تشغل منصب وزيرة الداخلية في الحكومة الحالية، على ما يلي:ورد ذلك في نصّ الرسالة المسرّبة، والتي أرسلتها شاكيد عبر مجموعة داخلية (واتساب) لحزب "يمينا": للاستزادة، أنظر/ ي الرسالة كاملة باللغة العبرية: https://nasradio.fm/articles/14.
- إن المستشار القانوني للحكومة لن يُصادق على إلغاء الغرامات المالية المفروضة على أصحاب البيوت العربية القائمة.
- ما ورد بخصوص تجميد بنود من قانون "كامينتس" ليس جديداً، وإنما هو جزء من التفاهمات التي أقرتها الحكومة السابقة (حكومة نتنياهو- غانتس).
- قرار تجميد الهدم لن يشمل غالبية البيوت العربية، ما يعني أن سياسة الهدم ستستمرّ وإن كانت بوتيرة أقل.
- لجنة الداخلية التي سيترأسها منصور عباس ستكون مُفرغة من الصلاحيات بكلّ ما يتعلّق بالأمن الداخلي وخاصّة فيما يتعلّق بمحاسبة وملاحقة الشرطة.

من جانب آخر، وعلى الرغم من المُعيقات المذكورة أعلاه، قد تلجأ الحكومة الإسرائيلية الحالية، وبتوصيات من المستوى الأمني، لتجاوز كل ما سبق في سبيل تقوية "التيار" أو "التوجّه" الذي تقوده، وتُمثّله، "القائمة الموحدة" برئاسة منصور عبّاس، خاصة وأن ذلك يأتي بعد أحداث لا يُستهان بها شهدها المجتمع العربي خلال الفترة القريبة الماضية، ولا يُمكن أن تمرّ دون أن تُلقي بظلالها عليه؛ أولها تراجع الدعم الجماهيري العربي للقائمة المشتركة كصيغة تمثيلية وطنية، وهو ما يُمكن استنتاجه من تراجع نسبة التصويت لها في الانتخابات الأخيرة إلى 45% فقط. وثانيها؛ الهبّة الجماهيرية التي شهدتها المدن والبلدات العربية، خاصة في المدن المُسمّاة "المدن المختلطة" كاللد ويافا وعكا، كجزء من الهبة الشعبية للفلسطينيين في الضفة والقدس وغزة. إن هذه الأحداث، أو العوامل، قد تدفع المستويين السياسي والأمني في إسرائيل باتجاه "تعزيز" نفوذ وقوة "التوجّه الجديد" وخطابه بقيادة "الموحدة" من خلال تنفيذ بعض البنود الواردة في الاتفاق، رغبةً في الحفاظ على، وتنمية هذا "التوجّه" في الأوساط الجماهيرية العربية، ورغبةً في إضعاف "القائمة المشتركة" أيضاً، أو على الأقل الخطاب السياسي الذي تُمثّله، إلى جانب الخطاب الذي يقع على يسار الأخيرة- خطاب التيار الرافض للمشاركة السياسية من حيث المبدأ- والذي شهد انتعاشاً كبيراً خلال، وما بعد، الهبة الجماهيرية في الفترة الماضية. إن هذا الافتراض قد يكون منطقياً في حال القبول بفرضية أن الهبّة الأخيرة، وكما عزّزت من منسوب الخطاب الوطني (الخطاب الذي يُغلّب المركب الوطني- الهوية الفلسطينية على حساب الهوية المدنية) فإنها قد تحمل أيضاً فرصة لتعزيز الخطاب الذي يقبل بـ"الأسرلة" كحل للضائقة والأزمة الكبيرة، على مختلف الصُعد، التي يمرّ بها المجتمع العربي، وخاصة في قضايا العنف والجريمة والسكن والأراضي، التي تُعتبر مطالب يومية ملحّة بالنسبة للمواطنين العرب. على أية حال، لا يُمكن صرف النظر عن مسألة في غاية الأهمية، وهي أن "التوجّه الجديد" الذي تقوده "القائمة الموحدة" يفرض تحدياً كبيراً أمام القائمة المشتركة، وخطابها أيضاً، تحدٍ مدعوم ومُسند بتعهدات حكومية ستكون بمثابة طوق النجاة لهذا "التوجه الجديد"، أو المسمار الأخير في نعشه. وهذا يتوقّف على أمرين، الأول؛ قدرة "التوجّه الجديد" على استقطاب الدعم والمساندة الجماهيرية العربية وبالاستناد لمدى التزام الحكومة الإسرائيلية الجديدة في تنفيذ تعهّداتها ذات الطابع الاقتصادي- الاجتماعي كما ورد أعلاه، والثاني؛ قدرة الخطاب الوطني، مُمثلاً بالقائمة المشتركة، والتيار الرافض للمشاركة السياسية من حيث المبدأ، على تطوير خطاب واقعي يُخلخل الخطاب الذي يتبنّاه "التوجّه الجديد" بقيادة "القائمة الموحدة" ويعزله عن محيطة العربي- الفلسطيني، وحتى عن محيطه الإسلامي إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذا التوجه يستند في مشاركته هذه على خطاب ديني- فقهي تطور خلال العقود الماضية، ولا سيّما منذ أن اتخذت الحركة الإسلامية الجنوبية قراراً بالمشاركة في الانتخابات الإسرائيلية في منتصف تسعينيات القرن المنصرم.

إجمالاً؛ تُعدّ مشاركة "القائمة الموحدة" في الحكومة الإسرائيلية وإسقاطات ذلك على المديين القريب والبعيد أمراً في غاية التعقيد، وبحاجة لدراسة معمّقة من كافة الجوانب؛ ففي الوقت الذي تُعتبر فيه هذه المشاركة أمراً إشكالياً، هناك من يرى فيها فرصة لتعزيز "توجّه جديد"، وهو التوجّه الذي يفرض تحدّياً كبيراً أمام الخطاب السياسي العربي الذي تمثّله القائمة المشتركة- على سبيل المثال لا الحصر- وهذا هو التحدّي الأكبر الذي تواجهه المشتركة كصيغة توافقية عربية، ويزداد هذا الأمر تعقيداً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التراجع الكبير في شعبية المشتركة جماهيرياً، حيث يُمكن الاستدلال على ذلك، على الأقل، من تراجع نسبة التصويت لها في الانتخابات الأخيرة إلى 45% فقط، وهي النسبة الأدنى منذ تشكّل القائمة قبل عدّة سنوات كصيغة تمثيلية جامعة للأحزاب العربية المُشاركة في الانتخابات الإسرائيلية.