تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2037

تضمنت خطّة "صفقة القرن" التي عرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض فقرة في الصفحة 13 تشير إلى إمكانية ضم منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية العتيدة. وجاء في نصّ الخطّة أنّ "سكان المثلثّ، المكوّن من كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم وقلنسوة والطيبة وكفر قاسم والطيرة وكفر برا وجلجوليّة، تعرّف نفسها إلى حدّ كبير على أنها فلسطينيّة. وكانت مخصّصة لتقع تحت السيطرة الأردنيّة خلال مفاوضات خط وقف إطلاق النار العام 1949، إلا أن إسرائيل استعادتها لاعتبارات أمنيّة، خفّت وطأتها منذ ذلك الحين. رؤيتنا تأمل في إمكانيّة أن يتوافق الأطراف على إعادة ترسيم حدود إسرائيل بما يؤدي لأن تكون هذه المجتمعات جزءاً من الدولة الفلسطينيّة، ووفقاً للخطّة فإن الحقوق المدنيّة لسكان هذه المناطق ستخضع للقوانين والأحكام المعمول بها أمام السلطات ذات الصلة".

فهل كان هذا المقترح ضمن "صفقة القرن" جديداً؟ وماذا حدث للتصورات الماضية التي طرحت حول هذا الموضوع؟

وكان هذا الموضوع رفعه حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان في حملاته الانتخابية المختلفة، مركزا على شعار "أم الفحم أولا". ولكن لم يحظ هذا الاقتراح بدعم الأحزاب الصهيونية بالعلن على الأقل، فضلا عن أن هناك أحزاباً ترفضه بشدة لأسباب أيديولوجية. غير أن التحقق من مصدر هذه الفكرة يعود بنا إلى أنها كانت فكرة "اليسار الصهيوني" الذي بدأ يُقارب الحل النهائي من خلال المنظار الديمغرافي، بما في ذلك رسم الحدود، حيث جاء الطرح الأخير (بالإضافة إلى ليبرمان) في السجال الإسرائيلي عندما قالت تسيبي ليفني حين شغلت منصب وزيرة الخارجية في حكومة إيهود أولمرت، إن العرب في إسرائيل يمكنهم تنفيذ حقوقهم القومية في الدولة الفلسطينية، في إشارة منها إلى أن موضوع ضم المثلث طرح ضمن المفاوضات مع الفلسطينيين.

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن القيادة الفلسطينية كانت ترفض بشكل مثابر هذا المقترح في كل مرة يقترحه الجانب الإسرائيلي سواء بجدية أو عن طريق التلميح. وهو موقف ينسجم مع موقف القيادة والمجتمع الفلسطينيين داخل إسرائيل، بصرف النظر حالياً عن دوافع وأسباب هذا الرفض.

وكان ليبرمان قد طرحه في أيلول 2010، عندما شغل منصب وزير الخارجية الإسرائيلي، في خطاب له في الأمم المتحدة، وهو أول سياسي إسرائيلي يقوم بطرح الموضوع أمام هيئة دولية.

ويدور الحديث في الأساس حول تبادل سكاني/جغرافي لمنطقة المثلث (قسم يحصره في وادي عارة، وقسم آخر يحصره في مدينة أم الفحم)، وضمه إلى السلطة الفلسطينية وذلك ضمن تسوية الحل النهائي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.

وطرحت الفكرة بشكل جدي خلال جولة المفاوضات الأخيرة التي قادها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري خلال الفترة 2013-2014. وكان ذلك يعني من زاوية أخرى أن موضوع ضم المثلث طرح في البداية لحل إشكالية المستوطنات ضمن حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي العام.

توطئة تاريخية

تم ضم المثلث إلى إسرائيل في العام 1949 ضمن اتفاقية رودس الموقعة بين الأردن وإسرائيل في إطار اتفاقيات وقف إطلاق النار، ووصل عدد سكان المثلث عشية ضمهم إلى دولة إسرائيل إلى حوالي ثلاثين ألفاً من بين 156 ألف فلسطيني تحولوا إلى مواطنين في دولة إسرائيل.

وبحسب الاتفاقية وتفاهمات الشونة، تم ضم سلسلة من التجمعات العربية من أم الفحم وبناتها في الشمال حتى كفر قاسم في الجنوب إلى إسرائيل، وتم استثناء مدينتي طولكرم وقلقيلية، في المقابل حصلت إسرائيل على باقة الغربية والطيرة والطيبة. وهناك تفسيرات عديدة للدوافع التي أدت إلى اتخاذ الجانبين هذه الخطوة، ولكن ثمّة دافع أساس واحد لكل طرف من ضمن مجموعة من الدوافع الأخرى التي لا يمكن التقليل من شأنها. والدافع الأساس لدى القيادة الإسرائيلية كان استراتيجيا، وتمثل في السعي للحصول على عمق استراتيجي ومنفذ بري هام يربط بين الشمال والجنوب، وإبعاد خطوط وقف إطلاق النار عن المركز اليهودي المدني، من خلال ضم منطقة عربية لتقع تحت السيطرة الإسرائيلية، حيث جرى وضع هذه المناطق تحت الحكم العسكري أسوة بباقي بلدات الفلسطينيين الذين أصبحوا مواطنين إسرائيليين. وتشير الوثائق الإسرائيلية التي حُررت من الأرشيف، إلى أن إسرائيل هددّت الأردن باحتلال منطقة المثلث بالقوة، إذا لم توافق هذه الأخيرة على تسليمها لإسرائيل. وقد أدار المفاوضات مع الأردن حول تسليم المثلث ضابطان إسرائيليان هما موشيه دايان ويهوشفاط هركابي. وجرت المفاوضات في قصر الملك في شرق الأردن، وكان الدافع الإسرائيلي أمنيا بالأساس، حيث تم التأكيد أن جبل إسكندر في أم الفحم هو منطقة مراقبة بالغة الأهمية، وتطل على مساحات واسعة في الضفة الغربية، ولها أهمية استراتيجية وعسكرية بالغة.

أما الدافع الأساس لدى القيادة الأردنية فكان الحصول على موافقة إسرائيلية لسيطرة الجيش الأردني على الضفة الغربية وضمّها إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وكان الأردن يعلم أن إسرائيل تشكل التحدي الأساس لهذا الطموح الهاشميّ، لأنها كانت تعتبر أن المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجيش الأردني، خلال الحرب، هي المناطق الأهم في الذاكرة الدينية اليهودية وعلى رأسها مدينتا القدس والخليل وغيرهما، وكانت إسرائيل قادرة على احتلال أجزاء منها لو أرادت ذلك، لا سيّما المناطق المحاذية لمنطقة المثلث.

إن المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن فكرة ضم المثلث إلى إسرائيل من الناحية الصهيونية كان غريبا على الممارسات التي قامت بها إسرائيل من تهجير للفلسطينيين قبل ضمها المثلث، فإلى جانب ضم المثلث كمنطقة جغرافية استراتيجية، أبقت إسرائيل على سكانه وأعطتهم المواطنة الإسرائيلية، وهذا يدل على أن العامل الديمغرافي لم يؤد دورا في اعتبارات إسرائيل لضم المثلث، وإنما كان العامل الاستراتيجي والعسكري والأمني هو العامل الحاسم في هذا الصدد، وعاد العامل الأول (الديمغرافي) إلى السطح من جديد بعد سنوات، حين ارتكبت إسرائيل خلال العدوان الثلاثي على مصر مجزرة كفر قاسم التي كانت تهدف إلى تهجير سكان المثلث، أثناء الحرب، وفشلت في ذلك.

مشاريع الضم: من فكرة هامشية إلى جزء من الحل الدائم

"لم أسمع أحداً من حركة جابوتنسكي [...] قال مثل هذا الشيء"- بهذه الكلمات رد عضو الكنيست رؤوفين ريفلين (رئيس الدولة الحالي) على نقاش في الكنيست العام 2000، حول فكرة/خطة التبادل السكاني الجغرافي. وأكمل ريفلين أن من طرح هذه الفكرة هو حزب العمل بعد اتفاق أوسلو.

وتحمل كلمات ريفلين تحليلا صحيحا، ففكرة التبادل السكاني/الجغرافي كانت فكرة حزب العمل أو "اليسار الصهيوني" المتخرج من مدرسة "مباي" التاريخية، بدءاً بفكرة رحبعام زئيفي التي تحدثت جهاراً حول الترانسفير، مرورا باقتراح إفرايم سنيه، مرورا بمروجي الخطر الديمغرافي، وانتهاء بخطة الفصل التي طرحها إيهود باراك وأريئيل شارون. وكل هؤلاء هم عينة من قيادات تخرجت من مدرسة "مباي" التاريخية فكرا وسياسة. ولكن ما لم يدركه ريفلين، أن هذه الفكرة/الخطة ستتحول في الفترة التي أعقبت انتفاضة القدس والأقصى إلى مشروع اليمين الشعبوي والجديد.

حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي لم يطرح أحد مشروع التبادل الجغرافي/السكاني للمثلث بل كان الاقتراح هو تهويد المثلث ومحو الخط الأخضر، وحل مشكلة التفوق الديمغرافي العربي فيه من خلال إقامة مستوطنات يهوديّة على أراضيه. وفي أواخر الثمانينيات ومع بداية التسعينيات ومع انطلاقة مسيرة التسوية السياسية، تعطلت "خطة النجوم السبعة" لإقامة مستوطنات يهودية في المثلث، وبدأت توجهات في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، مقربة من فكر "مباي"، (إفرايم سنيه، يوسي ألفر، أرنون سوفير) تنطلق من فكرة أن المثلث يمكن أن يُشكل مسألة تفاوضية أمام الفلسطينيين فيما يتعلق بالكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية. كان أول من فكر بهذه الطريقة هو الباحث الإسرائيلي يوسي ألفر من جامعة تل أبيب في العام 1989. وطرحها في أبحاث لاحقة، بالإضافة إلى خبراء إسرائيليين آخرين في الفكر الاستراتيجي أو الجيواستراتيجي. كان الدافع وراء طرح فكرة التبادل الجغرافي/السكاني في المثلث خلال عقد التسعينيات هو بالأساس حل مشكلة الكتل الاستيطانية ومبادلتها مع منطقة المثلث. وكان المثلث بالنسبة للمفاوض والمخطط الاستراتيجي الإسرائيلي، خلال التسعينيات، إحدى الأوراق التفاوضية لحل جانب من جوانب التأزم في المفاوضات مع الفلسطينيين والمتعلقة بالاستيطان بحيث يأخذ الفلسطينيون منطقة المثلث في مقابل ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية في الضفة الغربية.

خلاصة القول في هذه النقطة إن العامل الديمغرافي لم يكن حاضرا في فكرة التبادل الجغرافي/السكاني عندما ظهرت، وإن كان حاضرا فلم يكن الدافع المركزي لها.

وبدأ الدافع الديمغرافي يظهر في مشاريع التبادل الجغرافي/السكاني بشكل كبير في أعقاب انتفاضة القدس والأقصى العام 2000، حيث استغل سياسيون وأكاديميون إسرائيليون الجو العدائي ضد المجتمع الفلسطيني في الشارع الإسرائيلي لنشر تخوفاتهم الديمغرافية من العرب. ويعتبر الباحث الإسرائيلي في الجغرافيا السياسية أرنون سوفير من رواد هذا التيار الذي لا يني يؤكد أن العرب يشكلون خطرا ديمغرافيا على الدولة اليهودية، وقد اقترح الانفصال عن الأراضي الفلسطينية بما فيها الأحياء العربية في القدس، وكذلك الانفصال عن منطقة المثلث التي يشكل سكانها حوالي 25% من المجتمع العربي في الداخل؛ حيث أن فكرة الفصل هي فكرة تبغي رسم الحدود بناء على الاعتبار الديمغرافي، وتبناها إيهود باراك وأريئيل شارون (جدار الفصل)، وكلاهما من المدرسة الصهيونية المبائية.

وجاءت المرحلة الثالثة من دوافع التبادل، وهي المرحلة الحالية التي يطرح فيها التبادل كجزء من الابتزاز السياسي للفلسطينيين عموما، وسكان وادي عارة وأم الفحم على وجه الخصوص. وتبغي طروحات التبادل على المستوى الخطابيّ زجّ الفلسطينيين إلى موقع الدفاع عن مواطنتهم في حدودها الدونية، وإلى إلغائها.

وظهرت خلال العقدين الماضيين العشرات من الاقتراحات، المشاريع والتصريحات، في المجتمع الإسرائيلي من سياسيين وأكاديميين ومراكز أبحاث حول فكرة التبادل الجغرافي/السكاني ونقل المثلث إلى الدولة الفلسطينية. وكان أول من اقترح ضم مناطق عربية داخل الخط إلى مناطق الدولة الفلسطينية كجزء من الحل النهائي، كما ذكرنا سابقا، الباحث يوسي ألفر. ولكن كان الدافع الأساس لاقتراح عملية نقل مناطق من المثلث إلى دولة فلسطينية عتيدة، ليس حل المشكلة الديمغرافية الداخلية، وإنما حل مسألة الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، من خلال ضمها إلى دولة إسرائيل في إطار اتفاقية الحل النهائي.

كما أن الوزير السابق إفرايم سنيه من حزب العمل طرح فكرة التبادل السكاني. واقترح سنيه من مجمل اقتراحاته لحل المشكلة الفلسطينية، تجميع المستوطنين في كتل استيطانية مساحتها 4%-5% من مساحة الضفة (غوش عتسيون، معاليه أدوميم وأريئيل)، وضمها إلى إسرائيل، مقابل ضم منطقة المثلث إلى الدولة الفلسطينية. لم يطرح سنيه في مشروعه خرائط واضحة ومفصلة حول الضم إلى المناطق الفلسطينية، بل اكتفى بالعمومية والغموض والحذر.

وقدّم الباحث والمحاضر الجغرافي في جامعة حيفا أرنون سوفير، ضمن مثابرته في الترويج للخطر الديمغرافي، ورقة إلى رئيس الحكومة السابق شارون حول رؤيته لحل الأزمة الديمغرافية، ونوقشت هذه الورقة في لجنة الخارجية والأمن، وفي مؤتمر هرتسليا للأمن والمناعة الوطنية، واقترح سوفير في ورقته نقل منطقة المثلث وشرق القدس إلى السلطة الفلسطينية، مما يؤدي إلى تقليل عدد العرب المسلمين في الدولة بصورة بالغة. وفي مناسبة أخرى، اقترح سوفير في حالة معارضة السكان المحليين فكرة التبادل، إقامة غيتوات اجتماعية- اقتصادية حول القرى العربية وإغلاق المنافذ عليها.

كما اقترح الخبير الجغرافي غدعون بايغر أن الحل الوحيد للاتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل هو تبادل مستوطنات يهودية في الضفة الغربية مع بلدات عربية داخل الخط الأخضر. وفي مقال آخر نشره بايغر حول فكرة التبادل الجغرافي/السكاني، أكد أن فكرة "دولتين لشعبين" لن تكون واقعية بدون إنجاز فكرة التبادل، حيث كتب في مقاله: "في إطار اتفاق شامل بين دولة إسرائيل وبين الدولة الفلسطينية، ليس هناك مفر من اتفاق شبيه، وبموجبه يتم نقل مناطق مسكونة بيهود في مناطق السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل، وفي المقابل يتم نقل مناطق مسكونة بعرب من إسرائيل إلى سيادة الدولة الفلسطينية. ويدور الحديث حول مناطق محاذية للخط الأخضر على الجانبين...".

وكان عالم الديمغرافيا الإسرائيلي البروفسور سيرجيو ديلا فيرغولا قد أبدى تأييده لفكرة التبادل الجغرافي/السكاني حيث قال "سيصل الوضع الذي يشكل فيه اليهود أغلبية في "أرض إسرائيل" إلى نهايته نحو العام 2010، ويترتب على ذلك وجوب تقسيم البلاد على أساس ديمغرافي إثني مع تبادل مناطق مأهولة: يتسلم الفلسطينيون قرى المثلث مقابل المستوطنات القريبة من القدس والمستوطنات غربي السامرة. ومعاليه أدوميم مقابل أم الفحم".

وكان من بين الشخصيات المركزية الذين أيدوا الفكرة رئيس الحكومة السابق باراك، فقد طرح رؤيته خلال مقابلة أجراها معه المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس في مجلة (NEW YORK REVIEW OF BOOKS) في عدد أيار 2002، وصرح باراك خلال المقابلة أنه مستعد لنقل مناطق في المثلث إلى الدولة الفلسطينية مقابل ضم كتل استيطانية إلى إسرائيل. وتلاقت هذه التصريحات في ذلك الوقت مع تصريح في العام 2007 لوزيرة الخارجية الإسرائيلية، آنذاك، تسيبي ليفني عندما قالت: "إن اقامة الدولة الفلسطينية يعتبر حلا قوميا لمواطني إسرائيل العرب أيضا". وجاء تعقيب ليفني بعد قرار لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية والذي دعت فيه القيادة الفلسطينية إلى عدم الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

ومن بين مراكز الأبحاث المعروفة في إسرائيل التي ناقشت هذا الموضوع، كان مركز هرتسليا متعدد المجالات، ففيه عقدت أكثر من مرة اجتماعات لمجموعات بحثية أكاديمية وأمنية مرموقة لبحث القضية الديمغرافية في إسرائيل، وقد ناقشت هذه المجموعات بشكل مباشر سيناريو ضم مدينة أم الفحم للدولة الفلسطينية. وكان ممن طرح الفكرة، في مؤتمر هرتسليا، مستشار نتنياهو السابق عوزي أراد، والذي قال "أنا أؤيد مد الخط الحدودي مستقبلا غربي قرى المثلث في إطار اتفاقية". وفي مقال نشره في "هآرتس" عام 2005 قال أراد "المشاعر الوطنية الفلسطينية التي تبرز في المثلث على وجه الخصوص، تسوغ ضم هذه المنطقة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، هنالك سيتمكن هؤلاء من ممارسة حقهم في تقرير المصير، لا كأبناء أقلية، بل كمواطنين داخل كيان عربي ديمقراطي". وفي مؤتمر هرتسليا الثامن، عام 2008، قدم عوزي أراد (بالاشتراك مع غدعون بايغر وراحيل مختيغر) ورقة موقف حول التبادل الجغرافي/السكاني في منطقة الشرق الأوسط لحل الصراعات، وشملت الورقة فكرة التبادل الجغرافي/السكاني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تشمل منطقة المثلث.

كما ذكرنا سابقا، يعتبر حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة ليبرمان المروج الأساس في الوقت الحالي لفكرة التبادل السكاني. ويستند برنامج هذا الحزب على فكرتين أساسيتين: الأولى "بدون ولاء لا توجد مواطنة"؛ الثانية، الفصل بين الشعبين هو الحل المثالي للصراع، وكجزء من هذا الفصل يقترح الحزب تبادلا جغرافيا/سكانيا يشمل مناطق عربية داخل الخط الأخضر، وقد طرح ليبرمان فكرته هذه وفكرة حزبه على منصة الامم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2010، عندما شغل منصب وزير الخارجية. وفي خطاب ألقاه ليبرمان في مؤتمر هرتسليا، عام 2004، عاد على فكرته حول المثلث. وبعد تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة عام 2005، نشر حزب "إسرائيل بيتنا"، لافتات في الشوارع الرئيسية تحت عنوان "الانفصال عن أم الفحم". وفي لقاء معه العام 2016، قال ليبرمان إنه يؤيد حل الدولتين ولكن مع تبادل جغرافي/سكاني، وأكد أنه من دون تبادل كهذا لن يؤيد أي اتفاق للحل النهائي.

عودة إلى "صفقة القرن"

جاءت الفقرة التي وردت في "صفقة القرن" وأوردناها أعلاه، حاملة لكل مركبات الخطاب الاسرائيلي حول الموضوع، وتتجسّد في النقاط التالية:

أولاً، ما جاء في الفقرة أن سكان المثلث يُعرفون أنفسهم كفلسطينيين، فإذن عليهم التعبير عن ذلك في الدولة الفلسطينية. وهو ما عبرت عنه في السابق تسيبي ليفني.

ثانياً، أن الحل ممكن من خلال تعديل حدودي، وهو يشكل تعويضاً للفلسطينيين عن الأراضي التي سوف تضمها إسرائيل في الضفة الغربية، وهو ما عبرت عنه معظم الخطط الاسرائيلية في السابق.

ثالثاً، تشير الفقرة في صفقة ترامب- نتنياهو إلى أن هذا الأمر سوف يتم من خلال اتفاق بين الطرفين، وهو تقريبا المسألة الوحيدة التي تطالب الصفقة بتحديدها ضمن مفاوضات بين الطرفين.

في كل الأحوال، لم تدفع هذه الفقرة إلى سجال جدي في المشهد السياسي الاسرائيلي، حيث كانت ردود الفعل تشير إلى صعوبة تطبيق هذا الأمر. كما نشر رئيس جهاز الموساد السابق تامير باردو مقالا في صحيفة "هآرتس" أعرب فيه عن غضبه من طرح هذا الأمر في الصفقة، معتبرا أنه سوف يشكل تهديدا أمنيا واستراتيجيا لإسرائيل، فضلا عن أنه يعزز الشعور بالغربة لدى العرب في إسرائيل من الدولة ومؤسساتها.

كما عارض الأمر اليمين الإسرائيلي في العموم، فمثلاً في مقابلة مع يوعز هندل، أحد أقطاب تحالف "أزرق أبيض"، في صحيفة "هآرتس"، أشار إلى أنه لا يرى إمكانية تحقيق هذه الفكرة، ولكنه من جهة ثانية طالب العرب بالمزيد من الولاء للدولة اليهودية والقيام بالواجبات مثل الخدمة المدنية، والكف عن التفكير في حقوقهم القومية، وهذا يعني أن الخطاب الاسرائيلي يحاول ابتزاز العرب في إسرائيل سياسياً ووطنياً من جراء هذا الطرح.